أكاذيب صدقها التاريخ: 10 حقائق تاريخية خاطئة نُدرّسها حتى اليوم

التاريخ ليس مجرد سجل للأحداث الماضية، بل هو قصة تُروى، وتُعاد روايتها، وتُشكّلها الأجيال. وفي خضم هذه الروايات، غالبًا ما تضيع الحقائق المعقدة لصالح القصص البسيطة والمثيرة التي يسهل تذكرها وتداولها. النتيجة؟ تتسلل إلى وعينا الجماعي أخطاء تاريخية وأساطير نرددها بثقة، ونُدرّسها في مدارسنا، ونشاهدها في أفلامنا، حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من معرفتنا، ونظنها حقائق تاريخية لا تقبل الشك.

لكن التاريخ، كعلم، يتطور باستمرار. الاكتشافات الأثرية الجديدة، وإعادة تحليل النصوص القديمة، والنظرة النقدية للروايات التقليدية، كلها عوامل تساهم في تصحيح التاريخ وكشف زيف الكثير من الأكاذيب التاريخية التي صدقناها لقرون. إن إدراك أن ما كنا نعتبره حقيقة قد يكون مجرد دعاية سياسية، أو تبسيطًا مخلًا، أو حتى خيالًا أدبيًا، هو خطوة أساسية نحو فهم أعمق وأكثر نضجًا لماضينا الإنساني.

في هذا المقال، سننطلق في رحلة لكشف الستار عن 10 من أشهر “الحقائق” التاريخية التي تبين أنها خاطئة تمامًا. سنستكشف التاريخ الحقيقي وراء هذه الأساطير، ونفهم كيف نشأت ولماذا استمرت، لنتعلم معًا أهمية التفكير النقدي وعدم قبول أي رواية كحقيقة مطلقة. استعد لتتفاجأ، فربما الكثير مما تعرفه عن التاريخ على وشك أن يتغير.

1. نابليون بونابرت كان قصير القامة بشكل ملحوظ

الرواية الشائعة: يُصوّر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت دائمًا على أنه رجل قصير القامة، معقد نفسيًا بسبب قصر قامته (ما يُعرف بـ “عقدة نابليون”). هذه الصورة هي أيقونة ثقافية شهيرة.

الحقيقة التاريخية: كان طول نابليون حوالي 1.68 متر (5 أقدام و 6.5 بوصة). قد يبدو هذا قصيرًا بمعايير اليوم، ولكنه كان في الواقع متوسط الطول أو حتى أطول قليلاً من متوسط طول الرجل الفرنسي في أوائل القرن التاسع عشر.

أصل الأسطورة: يعود هذا الخطأ التاريخي بشكل أساسي إلى سببين:

  • الدعاية البريطانية: خلال الحروب النابليونية، استخدم أعداؤه البريطانيون الرسوم الكاريكاتورية والصحافة كسلاح فعال لتشويه صورته. قاموا بتصويره عمدًا كرجل صغير وغاضب لتقليل هيبته والتقليل من شأنه كقائد عسكري عظيم.
  • الخلط في وحدات القياس: تم تسجيل طوله عند وفاته بـ “5 أقدام و 2 بوصة” باستخدام وحدات القياس الفرنسية القديمة (pieds de roi)، والتي كانت أطول من وحدات القياس البريطانية/الأمريكية. عند تحويلها بشكل صحيح، يصبح طوله حوالي 1.68 متر.

2. كريستوفر كولومبوس اكتشف أمريكا وأثبت أن الأرض كروية

الرواية الشائعة: كولومبوس، البحار الجريء، انطلق في رحلته متحديًا الاعتقاد السائد بأن الأرض مسطحة، ليثبت كرويتها ويكتشف “العالم الجديد”.

الحقيقة التاريخية: هذه الرواية خاطئة من عدة جوانب:

  • كروية الأرض كانت حقيقة معروفة: منذ عهد اليونانيين القدماء (قبل كولومبوس بحوالي 2000 عام)، كان المثقفون والبحارة الأوروبيون يعرفون تمامًا أن الأرض كروية. الجدل في زمن كولومبوس لم يكن حول شكل الأرض، بل حول حجمها. لقد قلل كولومبوس بشكل كبير من تقدير محيط الأرض، واعتقد أن الإبحار غربًا إلى آسيا سيكون رحلة قصيرة.
  • لم يكتشف أمريكا: وصل الفايكنج بقيادة ليف إريكسون إلى أمريكا الشمالية (في كندا الحالية) قبل كولومبوس بحوالي 500 عام. بالإضافة إلى ذلك، كانت القارتان الأمريكيتان مأهولتين بالملايين من السكان الأصليين الذين لديهم حضاراتهم الخاصة.
  • لم تطأ قدماه أمريكا الشمالية: في رحلاته الأربع، وصل كولومبوس إلى جزر الكاريبي وأجزاء من أمريكا الوسطى والجنوبية، لكنه لم يصل أبدًا إلى ما يُعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية.

3. الفايكنج كانوا يرتدون خوذات بقرون

الرواية الشائعة: الصورة النمطية للمحارب الفايكنج هي رجل ضخم بلحية طويلة يرتدي خوذة معدنية مزينة بقرنين.

الحقيقة التاريخية: لا يوجد أي دليل أثري أو تاريخي على أن الفايكنج ارتدوا خوذات ذات قرون في المعارك. الخوذات الفايكنجية الحقيقية التي تم العثور عليها كانت بسيطة ومخروطية الشكل، مصنوعة من المعدن أو الجلد، ومصممة لتكون عملية وتوفر الحماية.

أصل الأسطورة: نشأت هذه الصورة الخاطئة في القرن التاسع عشر. تم الترويج لها بشكل كبير من خلال تصميمات أزياء قدمها كارل إميل دوبر في أوبرا “خاتم النيبلونغين” (Der Ring des Nibelungen) للمؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر عام 1876. التصميم الدرامي والمسرحي للخوذات ذات القرون لاقى رواجًا كبيرًا ورسخ في المخيلة الشعبية، على الرغم من عدم وجود أي أساس تاريخي له.

4. كليوباترا كانت مصرية الأصل

الرواية الشائعة: تُعتبر كليوباترا السابعة، آخر فراعنة مصر، رمزًا للجمال المصري القديم.

الحقيقة التاريخية: على الرغم من أنها حكمت مصر وتبنت العديد من عاداتها، إلا أن كليوباترا كانت من أصل يوناني مقدوني. كانت سليلة بطليموس الأول، أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر، الذي أسس الأسرة البطلمية في مصر. كانت كليوباترا، في الواقع، أول فرد في عائلتها الحاكمة يتعلم اللغة المصرية، بالإضافة إلى لغتها الأم اليونانية ولغات أخرى، مما يدل على ذكائها السياسي.

5. الساحرات تم حرقهن في محاكمات سالم

الرواية الشائعة: خلال محاكمات الساحرات الشهيرة في سالم بولاية ماساتشوستس الأمريكية عام 1692، تم حرق المتهمات بالسحر على المحك.

الحقيقة التاريخية: هذا خلط شائع بين ما حدث في أوروبا وما حدث في المستعمرات الأمريكية. في أوروبا، كان الحرق عقوبة شائعة للمتهمين بالسحر والهرطقة. أما في محاكمات سالم، فلم يتم حرق أي شخص. تم إعدام 19 شخصًا من المدانين شنقًا. كما توفي رجل آخر (جايلز كوري) تحت التعذيب بالضغط بالحجارة، وتوفي عدد آخر في السجن.

6. ألبرت أينشتاين رسب في مادة الرياضيات في المدرسة

الرواية الشائعة: تُستخدم هذه القصة غالبًا كحكاية ملهمة للأطفال الذين يعانون في دراستهم، للإشارة إلى أن حتى العباقرة يمكن أن يفشلوا في البداية.

الحقيقة التاريخية: هذه واحدة من أكثر الأكاذيب التاريخية انتشارًا. كان أينشتاين طفلًا معجزة في الرياضيات والفيزياء منذ سن مبكرة. لقد أتقن حساب التفاضل والتكامل قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره. عندما رأى أينشتاين مقالاً صحفيًا يدعي أنه رسب في الرياضيات، ضحك وقال: “لم أرسب أبدًا في الرياضيات. قبل أن أبلغ الخامسة عشرة، كنت قد أتقنت حساب التفاضل والتكامل”.

أصل الأسطورة: نشأ هذا الالتباس على الأرجح من تغيير في نظام الدرجات في مدرسته في سويسرا. في إحدى السنوات، تم عكس نظام الدرجات، حيث أصبحت “6” هي أعلى درجة بدلاً من “1”. عندما نظر الناس إلى شهادته القديمة ورأوا درجات مثل “1” و “2”، ظنوا خطأً أنه كان طالبًا فاشلاً.

7. الإمبراطور الروماني نيرون كان يعزف على الكمان بينما تحترق روما

الرواية الشائعة: صورة الإمبراطور المستبد نيرون وهو يعزف على كمانه بهدوء من شرفة قصره، مستمتعًا بمنظر الحريق الكبير الذي دمر روما عام 64 ميلادي.

الحقيقة التاريخية: هناك العديد من المشاكل في هذه الرواية:

  • الكمان لم يكن قد اختُرع بعد: آلة الكمان بشكلها المعروف لم تظهر إلا بعد حوالي 1500 عام من عهد نيرون. إذا كان يعزف على شيء، فمن المحتمل أنه كان قيثارة (Lyre).
  • لم يكن في روما عند بدء الحريق: معظم الروايات التاريخية الموثوقة (مثل رواية المؤرخ تاسيتوس) تشير إلى أن نيرون كان في قصره في أنتيوم (حوالي 56 كيلومترًا من روما) عندما بدأ الحريق.
  • شارك في جهود الإغاثة: يذكر تاسيتوس أن نيرون سارع بالعودة إلى روما بمجرد سماعه بالخبر، وقام بتنظيم جهود الإغاثة من ماله الخاص، وفتح قصوره لإيواء المشردين، وقام بتوزيع الطعام. (على الرغم من أن بعض المؤرخين الآخرين يشككون في دوافعه ويشيرون إلى أنه ربما يكون هو من أشعل الحريق لتفريغ مساحة لبناء قصره الذهبي “دوموس أوريا”).

8. ماري أنطوانيت قالت “فليأكلوا الكعك”

الرواية الشائعة: عندما أُخبرت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت أن الفلاحين لا يجدون خبزًا ليأكلوه، أجابت بتعالٍ وازدراء: “فليأكلوا الكعك” (أو البريوش).

الحقيقة التاريخية: لا يوجد أي دليل على الإطلاق على أن ماري أنطوانيت نطقت بهذه الجملة. هذه العبارة ظهرت لأول مرة في كتاب “الاعترافات” للفيلسوف جان جاك روسو، الذي كتبه قبل أن تصبح ماري أنطوانيت ملكة أو حتى تصل إلى فرنسا. نسب روسو هذه العبارة إلى “أميرة عظيمة” مجهولة الهوية. يبدو أن هذه المقولة تم إلصاقها بماري أنطوانيت لاحقًا من قبل الثوار لتصويرها كملكة منفصلة عن الواقع وغير مبالية بمعاناة شعبها، وذلك لتأجيج المشاعر ضد النظام الملكي.

9. سور الصين العظيم هو الجسم الوحيد من صنع الإنسان الذي يمكن رؤيته من الفضاء

الرواية الشائعة: أسطورة حديثة تقول إن سور الصين العظيم يتمتع بضخامة فريدة لدرجة أنه يمكن رؤيته بالعين المجردة من القمر أو من المدار الفضائي.

الحقيقة التاريخية: هذا الادعاء خاطئ تمامًا.

  • غير مرئي من القمر: من المستحيل رؤية السور من القمر. رؤيته من هناك تشبه محاولة رؤية شعرة إنسان من على بعد 3 كيلومترات.
  • غير مرئي من المدار المنخفض: معظم رواد الفضاء الذين داروا حول الأرض أكدوا أنه من الصعب جدًا، إن لم يكن من المستحيل، رؤية السور بالعين المجردة من المدار الأرضي المنخفض. السور، على الرغم من طوله الهائل، رفيع جدًا ولونه يمتزج مع لون التضاريس المحيطة به.
  • أشياء أخرى أكثر وضوحًا: في المقابل، هناك العديد من الهياكل التي صنعها الإنسان والتي يمكن رؤيتها بسهولة أكبر من المدار، مثل أهرامات الجيزة (في ظل ظروف إضاءة معينة)، والطرق السريعة الكبيرة، والمدن المضيئة ليلاً.

10. فان جوخ قطع أذنه بالكامل بسبب حبه لامرأة

الرواية الشائعة: في نوبة من الجنون بعد علاقة حب فاشلة، قطع الفنان الهولندي فينسنت فان جوخ أذنه بالكامل وأهداها لمومس.

الحقيقة التاريخية: القصة أكثر تعقيدًا وأقل دراماتيكية.

  • لم يقطع أذنه بالكامل: لم يقطع فان جوخ سوى جزء من شحمة أذنه اليسرى، وليس الأذن بأكملها.
  • السبب معقد: لم يكن السبب الرئيسي هو علاقة حب فاشلة. وقع الحادث في ديسمبر 1888 بعد شجار عنيف مع صديقه الفنان بول غوغان، الذي كان يعيش معه في آرل بفرنسا. كان فان جوخ يعاني من نوبات نفسية حادة، ويُعتقد أن الضغط الناتج عن علاقته المتوترة مع غوغان، ومخاوفه من أن يتركه غوغان، قد أدت إلى انهياره النفسي وقيامه بهذا الفعل. لا يزال السبب الدقيق وتفاصيل الحادث محل نقاش بين المؤرخين.

تتمتع هذه الأساطير بقدرة مذهلة على البقاء لعدة أسباب:

  • البساطة والدراما: القصص الخاطئة غالبًا ما تكون أكثر إثارة وبساطة من الحقيقة التاريخية المعقدة. قصة إمبراطور قصير وغاضب أو ملكة مستهترة هي قصة يسهل فهمها وتذكرها.
  • القصص الأخلاقية: بعض هذه الأساطير (مثل قصة فشل أينشتاين) تُستخدم كحكايات تحمل عبرة أخلاقية، بغض النظر عن صحتها.
  • القصور التعليمي: بمجرد أن تدخل هذه المعلومات في الكتب المدرسية والمناهج التعليمية، يصبح من الصعب جدًا تصحيحها على نطاق واسع.
  • تأثير الثقافة الشعبية: الأفلام، والمسلسلات، والروايات، وحتى الرسوم المتحركة، غالبًا ما تفضل الإثارة الدرامية على الدقة التاريخية، مما يساهم في ترسيخ هذه الأخطاء في وعي الجمهور.

إن كشف هذه الأخطاء التاريخية لا يقلل من أهمية التاريخ، بل على العكس، يزيد من قيمته ويحثنا على التعامل معه بعقلية نقدية وفضولية. إنه يذكرنا بأن التاريخ الحقيقي ليس مجموعة من الحقائق الجامدة، بل هو حقل حيوي من البحث والتفسير، يتطور باستمرار مع كل اكتشاف جديد وكل نظرة فاحصة.

في المرة القادمة التي تسمع فيها “حقيقة تاريخية” تبدو مثيرة للغاية أو بسيطة بشكل مدهش، توقف لحظة واسأل نفسك: ما هو مصدر هذه المعلومة؟ وهل هناك رواية أخرى للقصة؟ إن السعي وراء الحقيقة، وتحدي الروايات المسلم بها، هو ما يجعل دراسة التاريخ مغامرة فكرية لا تنتهي.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية