في رحلة الحياة الدنيا، لا يخلو درب الإنسان من منحنيات وعقبات، فتارة يعلو به الموج وتارة يغوص في أعماق اليأس والحزن. وفي تلك اللحظات العصيبة، يلجأ المؤمن إلى كتاب الله تعالى، منبع العزاء والشفاء، لِيَجِدَ فيه دواءً لكل داء، وسكينةً لكل قلبٍ حزين.
لقد ذكر القرآن الكريم الحزن والصبر في مواضع متعددة، ليُبيّن لنا حكمة الله في ابتلاء عباده، وليُعلّمنا كيف نتحلى بالصبر والرضا في الشدائد. فالحزن هو شعور طبيعي يجتاح النفوس، ولكنه لا يجب أن يسيطر علينا، بل علينا أن نستعين بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لنخرج منه أقوى إيمانًا وأكثر صبراً.
إن آيات القرآن الكريم عن الحزن والصبر، كالمنارة التي تضيء لنا الدرب في ظلمات اليأس، فهي تُذكِّرنا بأن الحياة الدنيا دار ابتلاء، وأن الصبر هو مفتاح الفرج، وأن الله تعالى مع الصابرين. كما أنها تُعلِّمنا كيف نتحلى بالتفاؤل والأمل، وكيف نستعين بالدعاء والتضرع إلى الله في كشف الكرب.
ولقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الحزن والصبر، منها ما يدعونا إلى الصبر على البلاء، ومنها ما يبشّرنا بالاجر والثواب، ومنها ما يذكرنا بنعيم الآخرة الذي يعد الله به الصابرين. وهذه الآيات الكريمة ليست مجرد كلمات، بل هي أمانة حملها الله تعالى إلى عباده، لتكون لهم عونًا وسندًا في حياتهم.
في هذا المقال، سنتناول بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الحزن والصبر، وسنرى كيف أن القرآن الكريم هو الدواء الشافي لكل جرح، وهو النور الذي يضيء طريق المؤمن في كل الظروف. هذا المقال هو دعوة لكل مؤمن ليراجع نفسه، وليتذكر آيات الله تعالى التي تدعوه إلى الصبر والرضا، وليعلم أن الله تعالى معه في كل حال، وأن الفرج قريب بإذن الله.
آيات عن الحزن
يُعدّ الحزن ذلك الضيف الدائم على قلوب البشر، من أبرز المشاعر الإنسانية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. وقد تناولت الآيات الكريمة هذا الشعور من زوايا متعددة، ففي بعض المواضع، نجدها تعالج الحزن وتقدم لنا دواءً شافياً، وتطمئن القلوب الحزينة بأن الله تعالى مع عباده الصابرين.
وفي مواضع أخرى، تحذرنا من الوقوع فيما يورث الحزن، كالحسد والكبر واليأس، وتبين لنا أن هذه الأحوال النفسية هي من مداخل الشيطان التي يسعى من خلالها إلى إضعاف إيماننا وإفساد عباداتنا. كما تتضمن الآيات الكريمة قصصاً واقعية لشخصيات عاشت تجربة الحزن، وكيف صبرت وتجاوزت تلك المحن بفضل توكلها على الله تعالى وثقتها بوعوده. ومن الآيات الكريمة التي تدل على ذلك:
آيات وثّقت بعض مواقف الحزن
- (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ). [التوبة: 92]
- (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ). [يوسف: 13]
- (وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). [يوسف: 84]
- (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). [يوسف: 86]
- (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا* فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا). [مريم: 23-24]
آيات تُبشّر المؤمنين بسلامتهم من الحزن يوم القيامة
- (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). [البقرة: 38]
- (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). [البقرة: 112]
- (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). [البقرة: 262]
- (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). [البقرة: 274]
- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). [البقرة: 277]
آيات تنهي عما يُورّث الحزن
- (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). [آل عمران: 139]
- (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا…). [آل عمران: 176]
- (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ…). [المائدة: 41]
- (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا…). [التوبة: 40]
- (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ). [النحل: 127]
- (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ). [الحجر: 88]
آيات عن الصبر
لقد حثنا ديننا الحنيف على الصبر، هذا الخلق العظيم الذي يزين النفس ويقوي الإيمان، فجاء ذكره في القرآن الكريم في مواضع عديدة ومتنوعة، ليُبين لنا أهميته في حياتنا الدينية والدنيوية. فلم يقتصر الأمر على الدعوة إلى الصبر على المصائب والابتلاءات التي قد تواجهنا في الحياة، بل تعداه إلى الحث على الصبر في العبادات والطاعات، وطلب الصبر من الله تعالى والدعاء به.
وقد بينت الآيات الكريمة أن الصبر ليس مجرد تحمل للمصائب، بل هو سلوك إيجابي يرتبط بالإيمان واليقين بالله، وهو سبيل المؤمنين إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. ولم تغفل الآيات الكريمة عن بيان ثمار الصبر وعاقبته الحسنة، فبشرت الصابرين بأجر عظيم في الدنيا والآخرة، وجعلت الصبر مفتاحًا للنجاح والسعادة. ومن الآيات الكريمة التي تدل على ذلك:
آيات تحث على الصبر
- (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ). [البقرة: 45]
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). [البقرة: 153]
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). [آل عمران: 200]
- (وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ). [الأعراف: 87]
- (قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). [الأعراف: 128]
- (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). [الأنفال: 146]
- (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ). [يونس: 109]
- (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا). [مريم: 65]
- (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا…). [طه: 132]
آيات بشرى الصابرين
- (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). [البقرة: 155]
- (… وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ). [البقرة: 177]
- (… وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). [البقرة: 249]
- (… وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ). [آل عمران: 120]
- (… وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ). [آل عمران: 146]
- (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ). [هود: 11]
- (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ). [الرعد: 22]
- (… إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). [الزمر: 10]
آيات تضمنت الدعاء بالصبر
(… قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). [البقرة: 250]
(… رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ). [الأعراف: 126]
آيات التواصي بالصبر
(ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ). [البلد: 17]
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). [العصر: 3]