وُلِد الخليفة العبّاسي عبدالله بن محمد بن عليّ بن عبدالله بن العبّاس بن عبدالمُطَّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّ، الذي يُكنّى بأبي جعفر المنصور، ويُلقَّب من قِبَل البعض بأبي الخُلفاء، ومُدرك التراب، وعبدالله الطويل، وأبي الدوانيق في منطقة الحُميمة عام 95 هجريّة،[١] وممّا يجدر ذِكره أنّه ساند أخاه السفّاح في تثبيت خلافة بني عبّاس؛ فتولّى أمر أذربيجان، والجزيرة، وأرمينيا، وكان عهد أخيه له بأن يُولِّيَه الخلافة من بَعده.
وقد اتَّصف أبو جعفر المنصور بأنّه كان يُحسن التدبير، ويُتقن الثبات، والصبر عند الشدائد؛ فلم يُعرَف بمَيله إلى اللهو، والتسلية، كما أنّه كان يحرص على جمع المال، وبناء التحصينات، والأسوار، بالإضافة إلى أنّه أظهر اهتمامه بالعلوم، والمعارف؛ فدرس الأدب، والفقه، والفلك، والفلسفة، ومنح اهتمامه للعلماء، والمُفكِّرين. وبالنظر إلى الصفات الجسديّة، فقد كان أبو جعفر طويلة القامة نحيفاً، وذا حاجبَين عريضَين، وبشرة سمراء، ووجه معرق، وجبهة واسعة.
صفات أبو جعفر المنصور
يتمتَّع أبو جعفر المنصور بالعديد من الصفات، ومنها:
- كان المنصور طويلاً، ونحيفاً، وأسمر البشرة.
- كان رَحب الجبهة، ومُعرق الوجه.
- كان شُجاعاً حازماً ذا هيبة، ودهاء.
- كان حريصاً جمّاعاً للمال، ولا يُحبُّ اللهوَ، واللَّعب.
- كان فقيهاً، وأديباً، كما عُرِف عنه عِلمه، وحُسن مُشاركته.
شخصيّته القياديّة
عُرِف عن أبي جعفر المنصور أنَّه كان خليفة يعمل بكدٍّ، وجدّ؛ فهو لم ينغمس في متاع الدنيا من لَهو، وسُلطة؛ حيث كان يشغل منصبه، وسُلطته للاهتمام بالدَّولة، وشؤونها، كما أنَّه كان على عِلم بقيمة المال، وأهمّيته؛ لذا فقد حرص على أن يُنفق المال فيما ينفع الناس، وكان رافضاً لتضييع الأموال في غير فائدة، وهذا ما جعل المُؤرِّخين يتَّهمونه بالبُخل، كما كان المنصور يهتمّ بالتدقيق على اختيار الوُلاة؛ حتى يستطيع مُتابعة كلّ ولاية في دولته، وكان ينتدب في القضاء، والشرطة من هو أهلٌ لهذه الوظائف، إضافة إلى أنّه كان يُحاسِب كلَّ من يُقصِّر في عَمله.
الدولة العباسية
الدولة العباسية هي ثالث الخلافات الإسلامية في التاريخ الإسلامي، وتُعدُّ ثاني السلالات الإسلامية التي حكمت بلاد المسلمين بعد سلالة بني أمية الذين عُرفوا باسم الأمويين، وقد استفردَ العباسيون بالخلافة الإسلامية بعد أن تمكَّنوا من إزاحة بني أمية عن الحكم وقضوا على كلِّ أفراد السلالة الأموية الحاكمة قبلهم، ويرجع العباسيون في نسبهم إلى عمِّ رسول الله العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكان أوَّل خلفاء العباسيين عبد الله بن محمد بأبي العباس السفَّاح ثمَّ جاء بعده أبو جعفر المنصور.
تولّي أبي جعفر المنصور الخلافة
تولَّى أبو جعفر المنصور خلافة الدولة العبّاسية بعد وفاة أخيه أبي العبّاس السفّاح، وكان حينها في الحجاز أميراً على الحجّ؛ فأرسل إليه عيسى بن موسى خبر وفاة أخيه، ومُبايعة أهل العراق له في الخلافة، ومع تولّيه الخلافة كان لِزاماً على أبي جعفر الحفاظ على منصبه من الأطماع التي تمثّلت بثلاث جهات، وهي: عمّه عبدالله بن عليّ، وأبو مسلم الخراسانيّ، وبنو عمّه آل عليّ بن أبي طالب، حيث تمكّن بحنكته السياسيّة، ودهائه العسكريّ من تصفية عمّه عن طريق أبي مسلم، ثمّ تخلّص من أبي مسلم بدهاء، وحكمة، وتفرَّد بذلك بحُكم الدولة، وخلافتها.
وفاة أبي جعفر المنصور
بعد الحديث عن الخلفية العباسي الثاني أبي جعفر المنصور، لا بدَّ من تسليط الضوء على قصة وفاته، وتذكر الروايات إنَّ أبا جعفر المنصور كان متجهًا إلى الحج عام 158 هجرية وهو العام الذي يوافق عام 775م، وكان المنصور قد أوصى ابنه المهدي بإعطاء الناس حقوقها وأرزاقها وأوصاه بالإحسان إلى الناس وبحفظ حدود الدولة وأوصاه بسداد دين كان عليه، وفي طريقه إلى الحج مرض المنصور مرضًا شديدًا، فنزل المنصور في قرية فقرأ على أحد جدرانها بيتين من الشعر قيل فيهما:
أبا جعفر حانت وفاتكَ وانقضتْ
سنوك وأمرُ اللهِ لا بدَّ واقِعُ
أبا جعفر هل كاهنٌ أو منجمٌ
لك اليوم من حرِّ المنيةِ مانعُ؟
فعلم أبو جعفر المنصور بأنَّه مودِّع، فكتب لابنه المهدي المزيد من الوصايا، وقد وافته المنية على أبواب مكَّة قبل أن يدخلها، عام 158 هجرية الموافق لعام 775م، والله أعلم.