يعد الاحترام قيمة إسلامية عظيمة، وقد حثنا الإسلام على احترام جميع الناس، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، بل وحتى الحيوانات. وقد وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة تحث على الاحترام، منها: حديث عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بشرابٍ فشَرِبَ منه، وعن يمينِه غلامٌ، وعن يسارِه الأشياخُ، فقال للغلامِ: أَتَأْذَنُ لي أن أُعْطِيَ هؤلاءِ؟ فقال الغلامُ: واللهِ، يا رسولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحدًا. قال: فتَلَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يدِه) صحيح البخاري. وفي هذا الحديث دليل على احترام النبي صلى الله عليه وسلم للصغير، وإعطائه الأولوية على الكبار.
وحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ليسَ منَّا من لم يرحَم صغيرَنا ويعرِفْ شرَفَ كبيرِنا) صحيح الترمذي. وفي هذا الحديث دليل على أهمية احترام الكبير وتوقيره، ورحمة الصغير والشفقة عليه.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقيمُ الرَّجلُ الرَّجلَ من مجلسِه ثمَّ يجلسُ فيه) صحيح البخاري. وفي هذا الحديث دليل على احترام المجالس وعدم إهانة الناس. والاحترام قيمة شاملة، يجب أن نتحلى بها في جميع جوانب حياتنا، ومع جميع الناس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لنا في ذلك.
احترام الكبير وحافظ القرآن والحاكم
في الإسلام، يُعتبر احترام كبار السن، وحفظة القرآن الكريم، والحكام العادلين جزءًا لا يتجزأ من تعاليم الدين الحنيف. وقد وردت أحاديث نبوية شريفة تؤكد على أهمية هذه القيم، وتحث المسلمين على الالتزام بها في حياتهم اليومية. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم, وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه, وإكرام ذي السلطان المقسط) رواه أبوداود, وقال الألباني. حسن.
كما رُوي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا جرير لأي شيء جئت؟ قال: جئت لأُسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إليَّ كساءه ثم أقبل على أصحابه وقال:” إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه” وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلا تبسم في وجهي). وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم”.
هذه الأحاديث وغيرها، تُشير بوضوح إلى أن الإسلام يولي اهتمامًا بالغًا بتوقير كبار السن، الذين أفنوا حياتهم في خدمة دينهم وأمتهم، وحفظة القرآن الكريم، الذين يحملون في صدورهم كلام الله تعالى، ويعملون بأحكامه، والحكام العادلين، الذين يسعون جاهدين لإقامة العدل، ونصرة الحق، وقمع الباطل.
ويجب على المسلم أن يُدرك أن احترامه لهذه الفئات الثلاث، ليس مجرد سلوك اجتماعي محمود، بل هو جزء من دينه، وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وإكرامهم، وتوقيرهم، والإنصات إليهم، والدعاء لهم، من أفضل القربات إلى الله تعالى.
وفي المقابل، فإن الاستهانة بشأنهم، أو تنقيصهم، أو إهانتهم، يُعتبر من الأمور المحرمة في الإسلام، ويستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة. فعلى المسلم أن يتجنب كل ما يسيء إلى هذه الفئات، وأن يسعى جاهدًا لنشر ثقافه الاحترام والتقدير في المجتمع.
احترام الكبير
إن احترام كبار السن وتوقيرهم قيمة إسلامية عظيمة، وقد حثّت الشريعة الإسلامية على ذلك في نصوصٍ كثيرة. ومنها ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه”. وهذا الحديث يدل على أن الجزاء من جنس العمل، فمن أكرم كبيرًا في سنه، جُوزي بأن يُكرم في شبابه وعند كبره.
ومن مظاهر احترام الكبير أن يُدعى بأحب أسمائه إليه وأحب كُناه، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن حنظلة بن حذيم رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كُناه”. ومن آداب الإسلام في السلام، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُسَلِّم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير”. وفي رواية أخرى: “يُسَلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير”.
وهذه الأحاديث تدل على أن السلام هو تحية الإسلام، وهو من أفضل الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، وتزيل الشحناء من القلوب. ومن مظاهر احترام الكبير أيضًا، ما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح أو صافحه الرجل لا ينزع يده، وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه، حتى يكون الرجل ينصرف عنه، ولا يرى مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له ) رواه الترمذي. وهذا الحديث يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، وحرصه على إكرام الناس وتوقيرهم.
احترام الخادم
في سياق الأخلاق الإسلامية الرفيعة، يحتل احترام الآخرين مكانةً مرموقةً، ويظهر ذلك جلياً في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأقواله الشريفة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أخذ أبوطلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أنسًا غلام كيس فليخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته، لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه، لم لم تصنع هذا هكذا) مسلم.
كما حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير المعروف وشكر فاعله، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء”.
إنَّ الاحترام في الإسلام ليس مجرد قيمة عابرة، بل هو أساسٌ للعلاقات الإنسانية السوية، ومنطلقٌ لبناء مجتمع متماسك يسوده الوئام والمحبة. ويتجلى ذلك في احترام حقوق الآخرين، سواء كانت معنوية ككرامتهم وحريتهم، أو مادية كأعراضهم وأموالهم. فالاحترام المتبادل بين الأفراد هو دعامةٌ أساسيةٌ لتحقيق الاستقرار والازدهار في المجتمع، وهو ترجمةٌ صادقةٌ لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
أهم صور الاحترام في الإسلام
وقد أمر الإسلام باحترام الآخرين وتقديرهم ومن أهم صور الاحترام:
- احترام الصغير: ومن صور احترام الصغير القيام لهم وتقدير مشاعرهم وزيادة شعورهم بالثقة بأنفسهم؛ حيث يبني الاحترام لديهم معاني الرجولة ممّا يمنعهم من ارتكاب الأخطاء والوقوع في المعاصي. وقد أكّد الرسول (ص) على احترام الصغير بحديثه التالي: “عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتله رسول الله (ص) في يده”. أخرجه البخاري.
- احترام الكبير: أمرنا الإسلام باحترام الكبير وتقديره والحياء منه، وأكّد في حديثه أنّه ليس من أخلاق المسلمين ألا يحترموا الكبير.
- احترام المجتمع: ومن أهم صور احترام المجتمع: عدم الغيبة والبهتان وعدم إيذاء الآخرين والبعد عن النميمة وعدم بغض الآخرين والتكبر عليهم أو احتقارهم. وقد حثّ رسولنا الكريم على احترام المجتمع وقال: (لا يقيّم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثمّ يجلس فيه) أخرجه البخاري.
- احترام وتوقير الوالدين: وذلك بعدم رفع الصوت عليهما أو سبّهما أو لعنهما، وكذلك بعدم التذمّر والتأفّف منهما، وطاعتهما في المعروف وتقبيل أيديهما ومساعدتهما وقضاء حاجاتهما والبر بهما.
- احترام المسنين والعجزة: حيث أمر رسول الله (ص) باحترام المسنين بقوله :(ما أكرم شابٌ شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه).
- احترام النساء: وذلك بالعشرة الطيبة معهن والإحسان إليهنّ. حيث قال الله تعالى: (وعاشروهنّ بالمعروف)، وقال رسول الله (ص): (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائه).
ومن حقوق المسلم على أخيه المسلم التي تعبّر عن مبادئ الاحترام:
- إلقاء تحية السلام والرد على تحية المسلم.
- تلقّي دعوة الآخر بأدبٍ والاستجابة لها.
- أداء الواجب وزيارته في حال كان مريضاً.
- المشي في جنازته في حال وفاته.
- تقديم النصيحة إذا طلب المساعدة.
- الوقوف بجنبه ونصره إذا ظلم وكان بوسعنا مساندته.
وهكذا فإنّ الاحترام من أهمّ القيم والمبادئ التي أمرنا الله تعالى ورسوله بالتعامل بها مع الآخرين؛ والتي يجب أن يكبر عليها الإنسان وأن يتعامل بها في علاقاته مع ذاته ومع أسرته ومع أفراد المجتمع كافةً.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.