يشكل التصحر تهديدًا بيئيًا عالميًا متناميًا، إذ يُعرف على أنه تدهور مستمر للأراضي في المناطق الجافة شبه الجافة والجافة شبه الرطبة، مما يؤدي إلى فقدان قدرتها على دعم الحياة. هذا التدهور لا يقتصر على تحول الأراضي إلى صحاري، بل يشمل أيضًا انخفاض الإنتاجية البيولوجية للتربة وتدهور جودتها، مما يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي ويشكل عائقًا أمام تحقيق الأمن الغذائي.
وتتعدد العوامل المؤدية إلى التصحر، حيث تتفاعل العوامل الطبيعية مثل تغير المناخ والجفاف مع الأنشطة البشرية غير المستدامة لتسريع هذه العملية. وتشير التقديرات إلى أن الأراضي الجافة التي تغطي ما يقرب من 40-41% من مساحة اليابسة العالمية تؤوي أكثر من ملياري نسمة، وأن ما بين 10-20% من هذه الأراضي قد تعرضت بالفعل للتدهور.
وتشكل هذه الظاهرة تهديدًا مباشرًا لسبل عيش الملايين من الناس، حيث تؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع والنزوح، وتزيد من حدة التنافس على الموارد الطبيعية المحدودة. لذا، فإن التصحر ليس مجرد مشكلة بيئية، بل هي تحدٍ اجتماعي واقتصادي يتطلب جهودًا دولية متضافرة للتصدي له. وفي هذا المقال سيتم الحديث عن أسباب التصحر.
أسباب التصحر
قبل الحديث عن أسباب التصحر لا بدّ من معرفة أنّ مساحة كبيرة من الأراضي باتت تُصنّف مؤخرًا على أنّها صحراء؛ وذلك بعدما كان العديد منها أراضي خصبة، صالحة للسكن، ومغطاة ذات يوم بالنباتات ثم أصبحت بعد ذلك صحراء جرداء، جافة وغير صالحة للسكن.
فعلى الرغم من أنّ تدهور الأراضي قد حدث عبر التاريخ، إلا أنّه ازداد بشكل ملحوظ في الأونة الأخيرة؛ حيث بلغ 30 إلى 35 ضعف المعدل التاريخي وفقًا للأمم المتحدة، وفيما يأتي أهم الأسباب التي تؤدي إلى التصحر:
انخفاض الغطاء النباتي
يتعرض الغطاء النباتي لانخفاض حاد ومؤسف، سواء كان ذلك بسبب عوامل طبيعية كالجفاف الذي يجتاح مناطق شاسعة، أو نتيجة لأفعال بشرية متسارعة. فحين تُزال النباتات، تفقد التربة درعها الحامي، وتصبح عرضة لأشعة الشمس الحارقة التي تتسبب في جفافها بسرعة فائقة.
فالنباتات تعمل ك مظلة طبيعية تحجب أشعة الشمس وتقلل من تبخر الماء من التربة، كما أن جذورها المتشابكة تعمل كشبكة قوية تثبت التربة في مكانها وتحول دون انجرافها بفعل الرياح والأمطار.
وعندما تُزال هذه الجذور، تفقد التربة قدرتها على التماسك، وتصبح فريسة سهلة لعوامل التعرية، فتنحسر الطبقة السطحية الغنية بالمواد العضوية والمغذيات التي تعتبر أساس الخصوبة الزراعية، مما يؤدي إلى تدهور شديد في نوعية التربة وقدرتها على استدامة الحياة النباتية.
ونتيجة لهذه التغيرات الجذرية، تتحول الأراضي الخصبة إلى أراضٍ قاحلة جرداء، وتزداد مساحات الصحاري على حساب الأراضي الزراعية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي والتنوع البيولوجي على كوكبنا.
التغيرات في المناخ
تُعاني النظم الإيكولوجية الجافة وشبه الجافة من هشاشة بالغة تتجلى في تفاوت وتذبذب معدلات هطول الأمطار، مما يجعلها عرضة للتأثر الشديد بأي تغير في أنماط المناخ. فعند حدوث موجات جفاف طويلة الأمد، والتي قد تستمر لفصل واحد أو تمتد لعدة سنوات وعقود، تشهد هذه النظم انخفاضاً حاداً في إنتاجيتها البيولوجية، مما يؤثر سلباً على التنوع البيئي ويهدد استدامة الحياة فيها.
ويزيد من تفاقم هذه الأزمة حقيقة أن الاحتباس الحراري العالمي يضاعف من خطر التصحر، حيث تشير التقديرات إلى أن هذا الخطر قد يرتفع بنسبة تصل إلى 20% نتيجة لتغير المناخ. وبالتالي، فإن التغيرات المناخية تشكل تهديداً وجودياً لهذه النظم الهشة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة للحفاظ عليها وحماية التنوع البيولوجي الذي تضمه.
الزيادة السكانية
تُعد الزيادة السكانية واحدة من أخطر أسباب التصحر؛ حيث شهد العالم مؤخرًا تزايد هائل بأعداد البشر؛ الأمر الذي يؤدي إلى الرعي الجائر، الإفراط في الزراعة وإزالة الغابات.
الزراعة
يلجأ العديد من المزارعين للزراعة بشكل مكثف لعدة أسباب أهمها زيادة الدخل بشكل كبير؛ وذلك عن طريق زيادة الإنتاجية، لذلك فإنّ هذا الأمر يتطلب استخدام الكثير من الأسمدة، والمبيدات الحشرية، وبسبب هذا الاستخدام المستمر للأراضي سوف تستنفد التربة العناصر الغذائية فيها بشكل سريع مما يتسبب في انتشار التصحر.
حلول لمشكلة التصحر
تُعتبر التغيرات المناخية وتصحر الأراضي من أخطر التحديات التي تواجه كوكبنا، مما يستدعي تضافر الجهود العالمية للتصدي لها. ومن أهم الحلول المقترحة لمواجهة خطر التصحر، إعادة تأهيل الغابات واستعادتها. تتمثل هذه العملية في إعادة زراعة الأشجار في المناطق التي تعرضت للإزالة، والسماح للطبيعة باستعادة توازنها البيئي بمرور الوقت.
الهدف الأسمى من هذا الجهد هو إعادة الغابة إلى حالتها الأصلية، حيث كانت ملاذاً للحياة البرية ومصدراً للمياه العذبة ومخزناً كبيراً للكربون. فكل شجرة نزرعها تساهم في تسريع عملية التعافي البيئي، حيث تعمل الجذور على تثبيت التربة وتقليل التعرية، والأوراق تساهم في زيادة الرطوبة وتنظيم درجة الحرارة، مما يخلق بيئة مناسبة لنمو الكائنات الحية.
ولا تقتصر الحلول على إعادة التشجير فحسب، بل يجب أن تشمل أيضاً إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، وتبني ممارسات زراعية صديقة للبيئة. ويمكن لكل فرد منا أن يساهم في الحد من التصحر من خلال خيارات الاستهلاك اليومية، مثل شراء المنتجات الخشبية المعتمدة من مصادر مستدامة، والحد من استهلاك الأوراق والمنتجات المصنعة من زيت النخيل، والعمل على زراعة الأشجار في الحدائق والمنازل.
إن الحفاظ على الغابات ليس مجرد مسؤولية، بل هو استثمار في مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، حيث توفر لنا الغابات الهواء النقي والمياه العذبة والأخشاب والعديد من الفوائد الأخرى التي لا يمكن حصرها.