أسباب السهو في الصلاة وكيفية السجود للسهو

الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي صلة مباشرة بين العبد وربه. ويسعى كل مسلم أن يؤديها على أكمل وجه، مستحضراً قلبه وعقله بين يدي الله تعالى. ولكن، بما أن الإنسان خُلق ضعيفاً ومعرضاً للنسيان والشرود، فإن السهو في الصلاة أمر وارد وطبيعي. ومن رحمة الله بعباده أن شرع لهم طريقة بسيطة لجبر هذا النقص وإصلاح هذا الخلل، وهي “سجود السهو”. هذا التشريع ليس عقوبة، بل هو تيسير ورفع للحرج، ودليل على أن الإسلام دين يراعي الطبيعة البشرية.

قبل أن نتعلم كيفية إصلاح الخطأ، من المفيد أن نعرف أسبابه لتجنبها قدر الإمكان. السبب الأعظم والأول للسهو هو الشيطان، فهو العدو الذي أقسم على إغواء بني آدم وصدهم عن ذكر الله.

وقد أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر بوضوح. عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، “إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا”. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. (رواه مسلم).

فمهمة هذا الشيطان هي أن يوسوس للمصلي ويذكره بأمور الدنيا ومشاغلها، فيسرق من صلاته تركيزه وخشوعه، ويجعله لا يدري كم صلى. بالإضافة إلى ذلك، هناك أسباب أخرى مساعدة، مثل:

  • الانشغال بأمور الدنيا قبل الدخول في الصلاة.
  • عدم استحضار عظمة الوقوف بين يدي الله.
  • عدم فهم وتدبر ما يُقرأ من آيات وأذكار.

بشكل مبسط، يمكن حصر الأخطاء التي تحتاج إلى سجود السهو في ثلاث حالات رئيسية:

1. الزيادة (أن تزيد في الصلاة): وهي أن يزيد المصلي فعلاً من جنس الصلاة سهواً، مثل أن يصلي الظهر خمس ركعات، أو يسجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة.

  • الدليل: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: “وما ذاك؟” قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم. (متفق عليه).

2. النقص (أن تنقص من الصلاة): وهو أن ينقص المصلي “واجباً” من واجبات الصلاة سهواً، مثل أن ينسى قول “سبحان ربي العظيم” في الركوع، أو ينسى التشهد الأول ويقوم مباشرة للركعة الثالثة.

  • ملاحظة هامة: إذا كان النقص “ركنًا” من أركان الصلاة (مثل الركوع أو السجود أو تكبيرة الإحرام)، فلا يكفي له سجود السهو، بل يجب على المصلي أن يأتي بالركن الذي نسيه ويكمل صلاته ثم يسجد للسهو. أما إن كان النقص “واجباً” فيكفي جبره بسجود السهو.
  • الدليل: حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم “قام في صلاة الظهر وعليه جلوس (يقصد التشهد الأول)، فلما أتم صلاته سجد سجدتين… قبل أن يسلم”. (متفق عليه).

3. الشك (ألا تدري كم صليت): وهو أن يتردد المصلي، هل صلى ثلاث ركعات أم أربعاً؟ القاعدة هنا هي “البناء على اليقين وهو الأقل”، ثم إكمال الصلاة، ثم السجود للسهو.

  • مثال: إذا شككت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً، فاعتبرها ثلاثاً (لأنك متيقن منها)، ثم صل الركعة الرابعة، وأكمل صلاتك، ثم اسجد للسهو.
  • الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم”. (رواه مسلم).

سجود السهو عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي مثل أي سجدة في الصلاة، يقول فيهما: “سبحان ربي الأعلى”. لكن متى يكون موضعهما؟ قبل السلام أم بعده؟ كلا الأمرين ورد في السنة النبوية، وقد لخص العلماء المواضع كالتالي ليسهل الأمر:

1. السجود قبل السلام: يكون السجود قبل التسليم من الصلاة في حالتين رئيسيتين:

  • إذا نقصت واجباً من واجبات الصلاة (مثل نسيان التشهد الأول).
  • إذا شككت في عدد الركعات وبنيت على اليقين (الأقل). الطريقة: بعد الانتهاء من التشهد الأخير وقبل أن تقول “السلام عليكم”، تسجد سجدتين، ثم تسلم لإنهاء الصلاة.

2. السجود بعد السلام: يكون السجود بعد التسليم من الصلاة في حالة رئيسية:

  • إذا زدت في صلاتك سهواً (مثل أن تصلي خمس ركعات). الطريقة: تسلم من الصلاة بشكل طبيعي، ثم تسجد سجدتين، ثم تسلم مرة أخرى.

هذا التقسيم هو للتسهيل، وكلا الأمرين (السجود قبل السلام أو بعده) جائز ويجزئ في كل الحالات، ولكن اتباع السنة في تحديد الموضع هو الأفضل والأكمل.

إن تشريع سجود السحو دليل عظيم على يسر الإسلام وسماحته، فهو يفتح باب الأمل لمن يقع في الخطأ، ويعلمه أن الكمال لله وحده، وأن عليه أن يسعى للإتقان ويجبر نقصه بما شرعه الله له. إنه يريح النفس من وساوس الشيطان بأن صلاتك باطلة، ويعيد الطمأنينة إلى إلى القلب.

كما أنه دليل على كمال الشريعة، التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا بينت حكمها، فعالجت النقص البشري بتمام تشريعها. ويبقى سجود السهو تذكرة للمسلم بأن الله رؤوف رحيم، يقبل من عباده النقص البشري ويشرع لهم ما يجبره، ليتم لهم الأجر والثواب.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية