تُعد الأسواق العربية القديمة أكثر من مجرد أماكن للتجارة؛ فهي شاهدة على تاريخنا العريق، وحاضنة لتراثنا الزاخر. من خلال هذه الأسواق، يمكننا استكشاف تقاليدنا، واكتشاف كنوز الحرف اليدوية، والاستمتاع بجو من الأصالة والبهجة. في هذا المقال، سنأخذكم في رحلة عبر الزمن، لنستكشف أشهر الأسواق العربية القديمة، ونكتشف ما يجعلها فريدة من نوعها.
يختلف مصطلح السوق بين المناطق، ففي آسيا وشمال أفريقيا يتم استخدام مصطلح سوق، وأما في البلقان يطلق على السوق بـ مونتي، وفي شمال المغرب يدعى سكو، وبشكل عام في كل المناطق العربية يدعى سوقًا، وهناك دليل على وجود أسواق في الشرق الأوسط منذ القرن السادس قبل الميلاد، حيث كانت أغلب الأسواق تبنى خارج أسوار المدينة، ولكن مع تطور المدينة وزيادة عدد السكان تم نقل الأسواق إلى داخل المدينة.
وفي القرن الثامن عشر أدى الاهتمام الغربي والعالمي بدول الشرق الأوسط إلى نشر العديد من الكتب التي تبرز فيها الأسواق الثقافية والتجارية، التي كانت تضم العديد من اللوحات والنقوش والأعمال اليدوية، وفي الوقت الحاضر أصبح التسوق جزء أساسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتوجد معظم الأسواق في الأحياء القديمة، والتي تكون مناطق جذب سياحي مهمة ومعالم تاريخية وتراثية، سوف يتم ذكر أشهر أسواق العرب القديمة لاحقًا.
أنواع الأسواق العربية
تختلف الأسواق العربية عن بعضها البعض، فهنالك عدة أنواع من الأسواق تبعًا لأنواع وأماكن البضائع، ويمكن حصر أنواع الأسواق العربية في نوعين:
الأسواق العربية الموسمية
تقام الأسواق الموسمية خلال فترة محددة ضمن السنة أو الشهر أو الأسبوع، حيث أقيمت أقدم الأسوق في الشرق الأوسط سنويًا في عصور قبل الإسلام، وكانت تقام المهرجانات والأسواق خارج المدن، فقد كان يعقد سوق الواقعة بين مكة المكرمة والطائف خلال شهر ذو العقدة، وكانت الأسواق الشهرية للمسابقات الشعرية والسرد، وكانت بعض الأسواق مرتبطة بالقوافل التي تجلب معها التوابل والعطور والبضائع المهمة في كل سنة، ويوجد بعض الأسواق الشهرية أو الأسبوعية التي يتم فيها عرض الماشية والمنتجات الزراعية في المقام الأول، وكانت تسمى الأسواق الأسبوعية على اسم اليوم المحدد لها.
الأسواق العربية الدائمة
تنتشر أسواق العرب الدائمة بشكل أكثر شيوعًا من الأسواق الموسمية، ولكنها أقل شهرة وذلك بسبب تركيزها على نشاط تجاري محدد، وليس للترفيه، وبقيت الأسواق الدائمة عبارة عن مكان مفتوح، حيث يجلب التجارة بضائعهم في النهار ويتم أزالتها في الليل حتى عصر الأمويين، حيث بدأت الحكومة في تأجير المواقع وبيعها للتجار الذين بدأوا في بناء المتاجر لتخزين البضائع والحفاظ عليها في الليل، وتم سقف المناطق التي تضم الأسواق حيث أصبحت الأسواق الدائمة تشتهر بأزقتها الطويلة الضيقة، وكان أكبر سوق تاريخي مغطى في العالم هو سوق المدينة في مدينة حلب في سوريا، والذي يبلغ طوله حوالي 13كم والذي يعد أحد المواقع التراثية العالمية لليونسكو منذ عام 1986م، وهو من أشهر أسواق العرب القديمة التي مازالت حتى اليوم.
تاريخ أسواق العرب
هنالك بعض الاثار والروايات التاريخية، التي تشير إلى وجود أسواق دائمة في بعض مدن الشرق الأوسط منذ عام 550 قبل الميلاد، وقد كانت أسواق مفتوحة وكانت تقام في مناطق خارج أسوار المدينة، في الأماكن التي تتوقف بها القوافل القادمة، حيث يعرض التجار بضائعهم للبيع، وتطورت الأسواق بعد ذلك لتشمل المهرجانات الثقافية والاجتماعية، فشكلت هذا الأسواق شبكات تربط المدن الرئيسية لتبادل السلع والثقافات والأشخاص والمعلومات، ومنذ القرن العاشر ومع تتطور الحضارة والمدن وزيادة حجم التعداد السكاني تحولت الأسواق إلى وسط المدن الحضرية، حيث انتشرت على طول شوارع المدينة، وأصبحت الأسواق العربية الدائمة مغطاة بسقف.
ولكن في المناطق القبلية والريفية حيث الأسواق الموسمية، كانت بعض القبائل توقف النزاعات والحروب التي بينها خلال موسم السوق لكي يتم تبادل البضائع الفائضة دون عوائق أو تخريب، وكانت الأسواق العربية الموسمية تفتح وتقام في أوقات معينة في السنة، وذلك على حسب أنواع البضائع التي يتم تبادلها وبيعها، وعلى الرغم من أنتشار الأسواق العربية في كثير من المناطق والمدن في الشرق الأوسط إلا أن لا يعرف منها إلا القليل، وذلك بسبب عدم وجود أدلة أثرية وتاريخية، فقد كانت معظم الأسواق القديمة عبارة عن فترة مرور القوافل المسافرة، ولكن بقيت الأسواق الداخلية موجودة إلا حتى الآن وقيد العمل، ويوجد العديد من الأسواق العربية القديمة الموجود ضمن المدن التاريخية والتي تعد من أهم معالم السياحية في البلد.
أشهر أسواق العرب القديمة
أغلب أشهر أسواق العرب القديمة الموجودة حاليًا هي أسواق دائمة، والتي لاتزال مواقع تجارة وتبادل تجاري وثقافي، وهي من المعالم السياحية في البلاد الموجودة فيها، ومنها:
سوق عكاظ
يُصنّف سوق عكاظ على أنّه سوق تجاري، واجتماعي، وثقافي، وكان العرب يأتون إليه من كلّ مكان، وتحديداً في اليوم الأول منه للتجارة، والاستماع للمواعظ، وإلقاء القصائد، وكانوا يمكثون فيه مدّة جيدة قبل أن يُكملوا رحلة حجّهم، كما أنّه يُعتبر سوقاً موسمياً.
يُعدّ سوق عكاظ مركزاً لتسوية الخلافات، وإبرام الاتفاقيات، وإصدار الأحكام، وعقد المسابقات، وحلّ المشكلات المختلفة، وأُقيمت فيه مسابقات شعرية كان لها دور بارز في إضفاء الطابع الرسمي على قواعد اللغة العربية، وقواعد النحو، وأساليب التعبير، والخطابات الشفوية، وما إلى ذلك، إلى أن ظهرت عدّة عوامل أدّت إلى انهيار السوق في عام 736م، وبقي موقع السوق محل خلاف كبير بين المؤرّخين لعدّة سنوات؛ حتّى اكتشفه وحدّد موقعه المؤرّخ محمد بن عبدالله البليهد في مكان قريب من الطائف.
يُعدّ سوق عكاظ في العصر الحالي أحد المعالم السياحية التاريخية والفنية الفريدة من نوعها، وهو محطّ اهتمام روّاد الأدب والثقافة، حيث يُقام فيه العديد من الفعاليات، ويكون إجمالي المبالغ التي تُنفق على الفعاليات التي تُقام في سوق عكاظ سنوياً ما يُقارب 2.2 مليون ريال سعودي، ومن أهم هذه الفعاليات ما يأتي:
- الندوات والمحاضرات التي تُعيد إلى الأذهان التراث العربي الأصيل.
- عروض كتابات شعراء المعلّقات؛ وذلك للتأكيد على ارتباط التراث بالحاضر.
- المسابقات التي تهدف بشكل أساسيّ إلى إحياء الفنون والحرف التراثية الأصيلة.
- تقديم 12 جائزة سنوياً لمسابقات مختلفة من جميع أنحاء الوطن العربي.
يشعر السائح بقيمة سوق عكاظ التاريخية وروعته، ويجد مفارقةً تجمع بين التقنيات الحديثة التي تتوفر في مكان السوق حالياً، وموقعه الجغرافيّ والأثريّ المميز، والذي حُدّد علمياً وبدقةٍ متناهية من خلال دراسة آثاره وتحديد الوديان والجبال في الموقع، ويجدر بالذكر أنّ الإشراف على سوق عكاظ نُقل مؤخّراً من محافظة مكة المكرمة التي أشرفت عليه في العشر سنوات الماضية إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
سوق خان الخليلي
يُعدّ سوق خان الخليلي أحد أهم الأسواق القديمة وأبرزها، ويقع في وسط مدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية، بالقرب من عدّة معالم مهمّة في المدينة وهي؛ قلعة صلاح الدين الأيوبي التي بُنيت خلال العصور الوسطى، ومسجد الحسين، وجامعة الأزهر، وبُني خان الخليلي في موقع دفن قديم للخلفاء الفاطميين، وذلك في القرن لعاشر الميلادي وتحديداً في العام الذي تأسست فيه مدينة القاهرة، أيّ عام 970م.
بدأت التّجارة في سوق خان الخليلي في القرن الرابع عشر الميلادي، في حين شُيّدت بواباته ونُحتت بمهارة وإتقان في القرن السادس عشر الميلادي، ويُعتبر خان الخليلي مركزاً تجاريّاً رئيسيّاً، ومعلماً سياحيّاً، وسوقاً عربيّاً عريقاً يرتاده الزوّار من كلّ مكان، إذ تفوح منه رائحة التوابل الطازجة، ويمتاز باحتوائه العديد من المتاجر المبنية بانتظام، والتي تعرض البضائع من شتّى الأنواع، مثل: مسحوق الصابون، والأقمشة، والهدايا التذكارية، بالإضافة إلى محال الذهب والنحاس، ومازال سوق خان الخليلي يحتفظ بأهميته حتّى الآن، حيث إنّه منطقة تسوّق للسكان المحليين.
السوق الكبير
السوق الكبير هو أحد أهم الأسواق الأثريّة التجارية وأقدمها والتي أُعيد ترميمها وتأهيلها، ويعود تاريخه إلى عام 1850م، ويقع على امتداد خور دبي بين منطقتي الديرة وبر دبي في دولة الإمارات؛ ليحتل بذلك موقعاً سياحياً مهمّاً، ويتمتع بقيمة استراتيجية واقتصادية جعلته مركزاً تجارياً بارزاً لتبادل المنتجات والبضائع بين منطقة الخليج العربي وشرق آسيا، وتلبية حاجات السفن التجاريّة وحركة البيع والشراء، ويتميّز السوق الكبير بشوارعه الضيّقة، وأزقّته الملفتة، ومعالمه العمرانية التراثية والأصيلة.
يُتيح السوق الكبير لزوّاره فرصة التعرّف على نمط الحياة الإماراتية منذ القدم؛ وذلك من خلال خوض تجربة جديدة تجمع بين المعالم التاريخية، والأنشطة التجارية لأسواق دبي التقليدية، والتي رُمّمت ووُسّعت عدّة مرّات لتقديم المعاملات التجارية الكبرى، وبالتّالي زيادة شهرة مدينة دبي، وتعكس الأسواق التقليدية هوية دبي الوطنية وذلك من خلال عدّة مظاهر ومعالم تحملها، ومن أهمّها ما يأتي:
- تشابك أبنيتها السكنية والتجارية.
- أبراجها الجوية.
- النقوش الجصية.
- التشكيلات المتنوّعة للمساحات المعمارية في علاقات تخطيطيّة تفاعليّة بين منطقة الأسواق، والخور، والأسوار القديمة لمدينة دبي.
سوق مجنة
سمي بهذا الاسم نسبة إلى الجنون أو الجن أو نسبة إلى الجنة وهي عبارة عن البستان الخلاب المليء بالماء، كان السوق يقام في مر الظهران أسفل مكة، ويعرف مر الظهران الآن باسم وادي فاطمة، وكان الناس يأتون إليه بعد أن ينتهوا من سوق عكاظ.
وكان يقام لمدة عشرة أيام وهي الأيام الباقية من شهر ذي القعدة، وكان السوق لأهل كنانة، حيث كان يقام في أرض كنانة، ويختلف هذا السوق عن سوق عكاظ في أنه لا تحضره التجمعات الشعرية والأدبية، ولا حتى مكاناً يتم فيه البيع والتجارة، بل كان مكان يتجمع فيه العرب للتنظير الفكري والسياسي.
بالإضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب اليه ليقوم بتقديم الدعوة لدين الإسلام للقبائل العربية، ومثلما كانت تفعل قريش في إدارة سوق عكاظ كان أيضاً أهل كنانة يعملون على إدارة سوق مجنة.
سوق ذي المجاز
ويعد من الأسواق العربية القديمة الكبرى، حيث كانوا الحجاج يذهبون من سوق مجنة إلى سوق ذي المجاز، وذلك في نهاية شهر ذي القعدة ودخول موسم الحج، وكان هذا السوق يقع على بعد ثلاثة أميال من جبل عرفات باتجاه جبل كبكب.
وهناك بعض الروايات التي تقول أنه كان يُعقد بين منى وعرفات، حيث أنه أقرب إلى عرفات من جهة المغمس، وكان يُقام السوق في ديار هُذيل ولمدة ثماني أيام، ويختصّ هذا السوق بإقامة المجالس الأدبية، وإلقاء القصائد الشعرية، والفنون المختلفة لدى العرب.
ويأتي هذا السوق بعد سوق عكاظ في الأهمية ، حيث كان العرب يعتبرونه من مواسم الحج ، حيث كانت تتوافد إليه الحجاج من أماكن متنوعة ، وكان يتم فيه التجارة وتبادل المنافع بجانب المنافسات الشعرية والأدبية.