القائمة إغلاق

أشهر قصائد نزار قباني

يعدُّ نزار قباني من أبرز الشعراء العرب في القرن العشرين، وقد ترك بصمة واضحة في الشعر العربي الحديث. فقد تمكن ببراعة من تجديد القصيدة العربية، وتوظيفها في خدمة القضايا العربية، وفي الوقت نفسه، قدم لنا قصائد حب رومانسية لا تُنسى.

ولد نزار قباني في دمشق عام 1923، ونشأ في بيئة أدبية مثقفة، حيث كان والده شاعرًا وقاضيًا. بدأ نزار كتابة الشعر في سن مبكرة، وقد تأثر بشعراء كبار مثل أبو تمام وبشار بن برد. صدر ديوانه الأول “قالت لي السمراء” عام 1944، وحقق نجاحًا كبيرًا، حيث جسّد أحاسيس الشاعر العميقة تجاه المرأة وحبه لها.

تميز شعر نزار قباني بالجرأة والصراحة في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية، وقد انتقد العديد من الأوضاع العربية، وخاصة قضايا المرأة. وقد تعرض بسبب ذلك للكثير من الانتقادات والهجوم، إلا أنه لم يتراجع عن مواقفه، بل استمر في الدفاع عن قناعاته.

من أهم سمات شعر نزار قباني:

  • اللغة السهلة والمباشرة: ابتعد نزار عن التعقيد اللغوي، واستخدم لغة بسيطة وواضحة، مما جعل شعره قريبًا من القارئ العادي.
  • الحب والمرأة: كان الحب هو الشغل الشاغل لنزار قباني، وقد كتب قصائد كثيرة عن المرأة، وجعلها محورًا لقصائده.
  • القضايا الوطنية والقومية: لم يغفل نزار عن القضايا العربية، وقد كتب قصائد كثيرة عن فلسطين والقضية الفلسطينية، وعن الوحدة العربية.
  • التجديد والتحديث: كان نزار قباني من رواد الشعر الحر، وقد تجاوز القوالب الشعرية التقليدية، وجدد في أشكال الشعر العربي.

أثر شعر نزار قباني بشكل كبير في الشعر العربي، وأصبح مرجعًا للشعراء الشباب. وقد ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات، وحظيت بشعبية واسعة في العالم العربي وغيره.

  • القصيدة 1.

كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أقولها لك،
عندما تدق الساعة منتصف الليل
وتغرق السنة الماضية في مياه أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورق..
أقولها لك على طريقتي..
متجاوزاً كل الطقوس الاحتفاليه
التي يمارسها العالم منذ 1975 سنة..
وكاسراً كل تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس منذ 1975 سنة..
ورافضاً..
كل العبارات الكلاسيكية..
التي يرددها الرجال على مسامع النساء
منذ 1975 سنة..

كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أقولها لك بكل بساطه..
كما يقرأ طفلٌ صلاته قبل النوم
وكما يقف عصفورٌ على سنبلة قمح..
فتزداد الأزاهير المشغولة على ثوبك الأبيض..
زهرةً..
وتزداد المراكب المنتظرة في مياه عينيك..
مركباً..
أقولها لك بحرارةٍ ونزق
كما يضرب الراقص الاسباني قدمه بالأرض
فتتشكل ألوف الدوائر
حول محيط الكرة الأرضيه..

كل عامٍ وأنت حبيبتي..
هذه هي الكلمات الأربع..
التي سألفها بشريطٍ من القصب
وأرسلها إليك ليلة رأس السنه.
كل البطاقات التي يبيعونها في المكتبات
لا تقول ما أريده..
وكل الرسوم التي عليها..
من شموعٍ.. وأجراسٍ.. وأشجارٍ.. وكرات
ثلج..
وأطفالٍ.. وملائكه..
لا تناسبني..
إنني لا أرتاح للبطاقات الجاهزه..
ولا للقصائد الجاهزه..
ولا للتمنيات التي برسم التصدير
فهي كلها مطبوعة في باريس، أو لندن،
أو أمستردام..
ومكتوبةٌ بالفرنسية، أو الانكليزية..
لتصلح لكل المناسبات
وأنت لست امرأة المناسبات..
بل أنت المرأة التي أحبها..
أنت هذا الوجع اليومي..
الذي لا يقال ببطاقات المعايده..
ولا يقال بالحروف اللاتينيه…
ولا يقال بالمراسله..
وإنما يقال عندما تدق الساعة منتصف الليل..
وتدخلين كالسمكة إلى مياهي الدافئه..
وتستحمين هناك..
ويسافر فمي في غابات شعرك الغجري
ويستوطن هناك..

لأنني أحبك..
تدخل السنة الجديدة علينا..
دخول الملوك..
ولأنني أحبك..
أحمل تصريحاً خاصاً من الله..
بالتجول بين ملايين النجوم..

لن نشتري هذا العيد شجره
ستكونين أنت الشجره
وسأعلق عليك..
أمنياتي.. وصلواتي..
وقناديل دموعي..

كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أمنيةٌ أخاف أن أتمناها
حتى لا أتهم بالطمع أو بالغرور
فكرةٌ أخاف أن أفكر بها..
حتى لا يسرقها الناس مني..
ويزعموا أنهم أول من اخترع الشعر..

كل عامٍ وأنت حبيبتي..
كل عامٍ وأنت حبيبك..
أنا أعرف أنني أتمنى أكثر مما ينبغي..
وأحلم أكثر من الحد المسموح به..
ولكن..
من له الحق أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسب الفقراء؟..
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرش
لمدة خمس دقائق؟
من يحاسب الصحراء إذا توحمت على جدول ماء؟
هناك ثلاث حالاتٍ يصبح فيها الحلم شرعياً:
حالة الجنون..
وحالة الشعر..
وحالة التعرف على امرأة مدهشةٍ مثلك..
وأنا أعاني – لحسن الحظ-
من الحالات الثلاث..

اتركي عشيرتك..
واتبعيني إلى مغائري الداخليه
اتركي قبعة الورق..
وموسيقى الجيرك..
والملابس التنكريه..
واجلسي معي تحت شجر البرق..
وعباءة الشعر الزرقاء..
سأغطيك بمعطفي من مطر بيروت
وسأسقيك نبيذاً أحمر..
من أقبية الرهبان..
وسأصنع لك طبقاً إسبانياً..
من قواقع البحر..
إتبعيني – يا سيدتي- إلى شوارع الحلم الخلفيه..
فلسوف أطلعك على قصائد لم أقرأها لأحد..
وأفتح لك حقائب دموعي..
التي لم أفتحها لأحد..
ولسوف أحبك..
كما لا أحبك أحد..

عندما تدق الساعة الثانية عشره
وتفقد الكرة الأرضية توازنها
ويبدأ الراقصون يفكرون بأقدامهم..
سأنسحب إلى داخل نفسي..
وأسحبك معي..
فأنت امرأةٌ لا ترتبط بالفرح العام
ولا بالزمن العام..
ولا بهذا السيرك الكبير الذي يمر أمامنا..
ولا بتلك الطبول الوثنية التي تقرع حولنا..
ولا بأقنعة الورق التي لا يبقى منها في آخر الليل
سوى رجالٍ من ورق..
ونساءٍ من ورق..

آه.. يا سيدتي
لو كان الأمر بيدي..
إذن لصنعت سنةً لك وحدك
تفصلين أيامها كما تريدين..
وتسندين ظهرك على أسابيعها كما تريدين
وتتشمسين..
وتستحمين..
وتركضين على رمال شهورها..
كما تريدين..
آه.. يا سيدتي..
لو كان الأمر بيدي..
لأقمت عاصمةً لك في ضاحية الوقت
لا تأخذ بنظام الساعات الشمسية والرمليه
ولا يبدأ فيها الزمن الحقيقي
إلا..
عندما تأخذ يدك الصغيرة قيلولتها..
داخل يدي..

كل عامٍ وعيناك أيقونتان بيزنطيتان..
ونهداك طفلان أشقران..
يتدحرجان على الثلج..
كل عامٍ.. وأنا متورطٌ بك..
وملاحقٌ بتهمة حبك..
كما السماء متهمةٌ بالزرقه
والعصافير متهمةٌ بالسفر
والشفة متهمةٌ بالإستداره…
كل عامٍ وأنا مضروبٌ بزلازلك..
ومبللٌ بأمطارك..
ومحفورٌ – كالإناء الصيني – بتضاريس جسمك
كل عامٍ وأنت.. لا أدري ماذا أسميك..
إختاري أنت أسماءك..
كما تختار النقطة مكانها على السطر
وكما يختار المشط مكانه في طيات الشعر..
وإلى أن تختاري إسمك الجديد
إسمحي لي أن أناديك:
“يا حبيبتي”…

  • القصيدة 2.

يا سيدي العزيز
هذا خطاب امرأة حمقاء
هل كتبت إليك قبلي امرأة حمقاء؟
اسمي انا ؟ دعنا من الأسماء
رانية أم زينب
أم هند أم هيفاء
اسخف ما نحمله ـ يا سيدي ـ الأسماء
يا سيدي
أخاف أن أقول مالدي من أشياء
أخاف ـ لو فعلت ـ أن تحترق السماء
فشرقكم يا سيدي العزيز
يصادر الرسائل الزرقاء
يصادر الأحلام من خزائن النساء
يستعمل السكين
والساطور
كي يخاطب النساء
ويذبح الربيع والأشواق
والضفائر السوداء
و شرقكم يا سيدي العزيز
يصنع تاج الشرف الرفيع
من جماجم النساء
لا تنتقدني سيدي
إن كان خظي سيئاً
فإنني اكتب والسياف خلف بابي
وخارج الحجرة صوت الريح والكلاب
يا سيدي
عنترة العبسي خلف بابي
يذبحني
إذا رأى خطابي
يقطع رأسي
لو رأى الشفاف من ثيابي
يقطع رأسي
لو انا عبرت عن عذابي
فشرقكم يا سيدي العزيز
يحاصر المرأة بالحراب
يبايع الرجال أنبياء
ويطمر النساء في التراب
لا تنزعج !
يا سيدي العزيز … من سطوري
لا تنزعج !
إذا كسرت القمقم المسدود من عصور
إذا نزعت خاتم الرصاص عن ضميري
إذا انا هربت
من أقبية الحريم في القصور
إذا تمردت , على موتي …
على قبري
على جذوري
و المسلخ الكبير
لا تنزعج يا سيدي !
إذا انا كشفت عن شعوري
فالرجل الشرقي
لا يهتم بالشعر و لا الشعور …
الرجل الشرقي
لا يفهم المرأة إلا داخل السرير …
معذرة .. معذرة يا سيدي
إذا تطاولت على مملكة الرجال
الأدب الكبير ـ طبعاً ـ أدب الرجال والحب كان دائماً
من حصة الرجال
والجنس كان دائما ً
مخدراً يباع للرجال
خرافة حرية النساء في بلادنا
فليس من حرية
أخرى ، سوى حرية الرجال
يا سيدي
قل ما تريده عني ، فلن أبالي سطحية . غبية . مجنونة . بلهاء فلم اعد أبالي
لأن من تكتب عن همومها ..
في منطق الرجال امرأة حمقاء
ألم اقل في أول الخطاب إني
امرأة حمقاء ؟

  • القصيدة 3.

غيري الموضوع يا سيدتي .
ليس عندي الوقت والأعصاب
كي أمضي في هذا الحوار ..
إنني في ورطةٍ كبرى مع الدنيا ،
وإحساسي بعينيك كإحساس الجدار …
قهوتي فيها غبارٌ .
لغتي فيها غبارٌ .
شهوتي للحب يكسوها الغبار ..
أنا آتٍ من زمان الوجع القومي
آتٍ من زمان القبح ،
آتٍ من زمان الإنكسار .
إنني أكتب مثل الطائر المذعور ،
ما بين انفجارٍ .. وانفجار ..
هل تظنين بأنا وحدنا ؟
إن هذا الوطن المذبوح يا سيدتي
واقفٌ خلف الستار .
فاشرحي لي :
كيف أستنشق عطر امرأةٍ ؟
وأنا تحت الدمار .
إشرحي لي :
كيف آتيك بوردٍ أحمر ؟
بعد أن مات زمان الجلنار ..

غيري الموضوع ، يا سيدتي .
غيري هذا الحديث اللا أبالي ..
فما يقتلني إلا الغباء .
سقط العالم من حولك أجزاءً ..
وما زلت تعيدين مواويلك مثل الببغاء .
سقط التاريخ . والإنسان . والعقل ..
وما زلت تظنين بأن الشمس
قد تشرق من ثوبٍ جميلٍ
أو حذاء ..

أجلي الحلم لوقتٍ آخرٍ ..
فأنا منكسرٌ في داخلي مثل الإناء .
أجلي الشعر لوقتٍ آخرٍ ..
ليس عندي من قماش الشعر
ما يكفي لإرضاء ملايين النساء ..
أجلي الحب ليومٍ أو ليومين ..
لشهرٍ أو لشهرين ..
لعامٍ أو لعامين ..
فلن تنخسف الأرض ،
ولن تنهار أبراج السماء ..
هل من السهل احتضان امرأةٍ؟
عندما الغرفة تكتظ بأجساد الضحايا
وعيون الفقراء ؟

إقلبي الصفحة يا سيدتي
علني أعثر في أوراق عينيك
على نصٍ جديد .
إن مأساة حياتي ، ربما
هي أني دائماً أبحث عن نصٍ جديد ..

آه .. يا سيدتي الكسلى
التي ليست لديها مشكله ..
يا التي ترتشف القهوة ..
من خلف الستور المقفله .
حاولي .
أن تطرحي يوماً من الأيام بعض الأسئله .
حاولي أن تعرفي الحزن الذي يذبحني حتى الوريد ..
حاولي .. أن تدخلي العصر معي .
حاولي أن تصرخي ..
أن تغضبي ..
أن تكفري ..
حاولي .. أن تقلعي أعمدة الأرض معي .
حاولي أن تفعلي شيئاً
لكي نخرج من تحت الجليد …

غيري صوتك ..
أو عمرك ..
أو إسمك .. يا سيدتي
لا تكوني امرأةً مخزونةً في الذاكره
وادخلي سيفاً دمشقياً بلحم الخاصره
غيري جلدك أحياناً ..
لكي يشتعل الورد ،
وكي يرتفع البحر ،
وكي يأتي النشيد ..

أسكتي يا شهرزاد .
أسكتي يا شهرزاد .
أنت في وادٍ .. وأحزاني بواد
فالذي يبحث عن قصة حبٍ ..
غير من يبحث عن موطنه تحت الرماد ..
أنت .. ما ضيعت ، يا سيدتي ، شيئاً كثيراً
وأنا ضيعت تاريخاً ..
وأهلاً ..
وبلاد …

Related Posts

اترك رد