أغرب اللحظات في تاريخ كأس العالم… لن تُصدق ما حدث!

تُعتبر بطولة كأس العالم لكرة القدم قمة المجد الكروي، المسرح الأكبر الذي يحلم كل لاعب ومدرب ومشجع بالوصول إليه. إنها البطولة التي شهدت لحظات أسطورية من المهارة الفردية، وأهدافاً خالدة، وانتصارات درامية، وتتويجات سُطّرت بأحرف من ذهب.

لكن إلى جانب كل هذا البريق والاحتفال، كانت كأس العالم أيضًا مسرحًا لبعض أغرب الحوادث وأكثرها جنونًا ولا منطقية في تاريخ الرياضة. لحظات تحدت التوقعات، وكسرت القواعد، وتركت العالم في حالة من الذهول والتساؤل: “هل حدث هذا حقًا؟”.

من لمسات اليد الخالدة إلى نطحات الرأس الصادمة، ومن تدخلات الحكام المثيرة للجدل إلى تصرفات اللاعبين التي لا يمكن تفسيرها، يزخر تاريخ المونديال بلحظات غريبة ستظل عالقة في الأذهان إلى الأبد. هذه اللحظات، رغم غرابتها، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيج البطولة، تضيف إليها بُعدًا إنسانيًا وفوضويًا أحيانًا، وتذكرنا بأن كرة القدم، في جوهرها، هي دراما بشرية بكل تقلباتها.

دعونا نغوص في أرشيف المونديال لنسترجع بعضًا من أغرب اللحظات التي جعلت المشجعين حول العالم يفركون أعينهم غير مصدقين.

1. يد الرب أم يد الشيطان؟ (المكسيك 1986)

لا يمكن الحديث عن أغرب لحظات كأس العالم دون ذكر واحدة من أشهر المخالفات في التاريخ، والتي ارتبطت باسم أسطورة كرة القدم دييغو أرماندو مارادونا. في الدور ربع النهائي لكأس العالم 1986 بالمكسيك، تواجهت الأرجنتين مع إنجلترا في مباراة مشحونة بالتوترات السياسية والتاريخية (بسبب حرب الفوكلاند).

في الدقيقة 51، وبعد كرة مشتركة في منطقة الجزاء الإنجليزية، ارتقى مارادونا القصير القامة بشكل لا يصدق فوق الحارس العملاق بيتر شيلتون، و”سدد” الكرة بيده اليسرى إلى داخل الشباك. احتج لاعبو إنجلترا بشدة، لكن الحكم التونسي علي بن ناصر، الذي لم ير الواقعة بوضوح (أو هكذا ادعى لاحقًا)، أقر الهدف وسط ذهول العالم.

بعد المباراة، أطلق مارادونا عبارته الشهيرة بأن الهدف سُجل “قليلاً برأس مارادونا، وقليلاً بيد الرب”. هذه اللحظة لم تكن مجرد غش صريح، بل كانت تجسيدًا لجرأة مارادونا وقدرته على قلب الموازين. ولزيادة الدراما، بعد أربع دقائق فقط، سجل مارادونا ما يُعتبر على نطاق واسع “هدف القرن”، حيث راوغ نصف لاعبي المنتخب الإنجليزي من منتصف الملعب قبل أن يسكن الكرة الشباك.

هاتان اللحظتان المتناقضتان في مباراة واحدة – الغش الصارخ والعبقرية المطلقة – تلخصان الكثير عن شخصية مارادونا وتاريخ كأس العالم المليء بالمفارقات.

2. نطحة زيدان: نهاية أسطورة أم لحظة جنون؟ (ألمانيا 2006)

كان نهائي كأس العالم 2006 بألمانيا يمثل الفصل الأخير في مسيرة واحد من أعظم لاعبي كرة القدم، الفرنسي زين الدين زيدان. قاد زيدان منتخب بلاده ببراعة إلى النهائي ضد إيطاليا، وافتتح التسجيل من ركلة جزاء نفذها ببرود أعصاب مذهل “على طريقة بانينكا”. بدت الأمور تسير نحو نهاية مثالية لأسطورة كروية.

لكن في الدقيقة 110 من الوقت الإضافي، وبعد تبادل لفظي غير مسموع بوضوح مع المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي، استدار زيدان فجأة وبشكل غير متوقع، ونطح ماتيراتزي برأسه بقوة في صدره، ليسقط الإيطالي أرضًا. لم ير الحكم الرئيسي الواقعة مباشرة، لكن بعد استشارة الحكم الرابع الذي شاهدها عبر الشاشة (في استخدام مبكر وغير رسمي لتقنية الفيديو)، أشهر الحكم البطاقة الحمراء المباشرة في وجه زيدان في آخر مباراة في مسيرته الاحترافية.

غادر زيدان الملعب مطأطئ الرأس، مارًا بجوار كأس العالم التي كان يحلم برفعها للمرة الثانية. خسرت فرنسا المباراة بركلات الترجيح، وظلت “نطحة زيدان” لغزًا ولحظة صادمة يتذكرها الجميع. كشفت التحقيقات لاحقًا أن ماتيراتزي وجه إهانات لعائلة زيدان، لكن ردة فعل الأخير العنيفة والمفاجئة في أهم مباراة في العالم كانت غريبة وصادمة بكل المقاييس، وأضافت نهاية درامية غير متوقعة لمسيرة أسطورية.

3. معركة سانتياغو: عندما تحولت كرة القدم إلى حرب شوارع (تشيلي 1962)

تعتبر مباراة تشيلي وإيطاليا في دور المجموعات بكأس العالم 1962 واحدة من أعنف وأقبح المباريات في تاريخ البطولة، لدرجة أنها أُطلق عليها “معركة سانتياغو”. بدأت التوترات قبل المباراة بسبب تقارير صحفية إيطالية وُصفت بأنها مسيئة لتشيلي، البلد المضيف الذي كان لا يزال يتعافى من زلزال مدمر.

منذ الدقائق الأولى، كانت المباراة أشبه بحلبة مصارعة. حدث أول طرد بعد 12 دقيقة فقط للاعب الإيطالي جورجيو فيريني الذي رفض مغادرة الملعب بعد المخالفة، مما استدعى تدخل الشرطة لإخراجه بالقوة. تواصلت اللكمات والركلات والتدخلات الوحشية من كلا الجانبين. تعرض اللاعب التشيلي ليونيل سانشيز لكسر في الأنف، لكنه رد بلكمة قوية على وجه اللاعب الإيطالي ماريو دافيد، الذي طُرد لاحقًا بسبب ركلة عنيفة.

حكم المباراة الإنجليزي كين أستون (الذي اخترع لاحقًا نظام البطاقات الصفراء والحمراء) فقد السيطرة تمامًا على المباراة التي تخللتها ثلاث محاولات للاشتباك الجماعي بين اللاعبين وتدخلات الشرطة المتكررة. فازت تشيلي 2-0، لكن النتيجة كانت ثانوية أمام العنف المروع الذي شهده اللقاء، والذي وصفه المعلق البريطاني الشهير ديفيد كولمان بأنه “أغبى وأبشع وأكثر مباراة مثيرة للاشمئزاز في تاريخ كرة القدم”.

4. يد سواريز المنقذة أم المدمرة؟ (جنوب أفريقيا 2010)

في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي لمباراة ربع النهائي بين الأوروغواي وغانا في كأس العالم 2010، ومع النتيجة 1-1، كانت غانا على وشك تسجيل هدف تاريخي يؤهلها كأول منتخب أفريقي لنصف النهائي. بعد دربكة أمام مرمى الأوروغواي، سدد دومينيك أديياه الكرة برأسه نحو المرمى الخالي. وهنا، قام المهاجم الأوروغوياني لويس سواريز، الذي كان يقف على خط المرمى، بما لا يمكن تصوره: تصدى للكرة بيديه عمدًا، وكأنه حارس مرمى.

النتيجة كانت واضحة: بطاقة حمراء مباشرة لسواريز وركلة جزاء لغانا في الثانية الأخيرة من المباراة. وقف المهاجم الغاني أسامواه جيان ليسدد الركلة التي ستحمل آمال قارة بأكملها، لكنه سددها بقوة في العارضة. احتفل سواريز، الذي كان يراقب من نفق اللاعبين وهو في طريقه للخروج، بشكل جنوني بهذا الإهدار.

ذهبت المباراة إلى ركلات الترجيح، وفازت الأوروغواي. أصبح سواريز بطلاً قوميًا في بلاده، لكنه وُصف بالشرير والغشاش في غانا وبقية أفريقيا والعالم. أثارت هذه اللحظة جدلاً أخلاقيًا واسعًا حول ما إذا كان تصرفه “تضحية” مشروعة أم غشًا فاضحًا حرم غانا من إنجاز تاريخي. بغض النظر عن الرأي، كانت لحظة درامية وغريبة بكل المقاييس.

5. ركضة مويبو إيلونغا الغامضة نحو الركلة الحرة (ألمانيا الغربية 1974)

في مباراة دور المجموعات بين زائير (الكونغو الديمقراطية حاليًا) والبرازيل حاملة اللقب في كأس العالم 1974، وبينما كانت البرازيل تستعد لتسديد ركلة حرة مباشرة على مشارف منطقة الجزاء، حدث شيء غريب للغاية. قبل أن يلمس اللاعب البرازيلي الكرة، انطلق المدافع الزائيري مويبو إيلونغا من الحائط البشري وركل الكرة بقوة بعيدًا.

وقف اللاعبون البرازيليون والحكم والجماهير في حالة من الذهول التام. أشهر الحكم البطاقة الصفراء لإيلونغا وسط ضحكات البعض وحيرة البعض الآخر. لسنوات، فُسرت هذه اللحظة على أنها دليل على السذاجة الكروية أو عدم فهم قواعد اللعبة من قبل المنتخب الأفريقي المغمور الذي كان يخوض أولى مشاركاته في المونديال.

لكن إيلونغا كشف لاحقًا أن الأمر كان أكثر تعقيدًا. زعم أن لاعبي زائير كانوا تحت ضغط وتهديد من نظام حكم موبوتو سيسي سيكو بعد خسارتهم الثقيلة 9-0 أمام يوغوسلافيا، وأنهم كانوا يائسين لتضييع الوقت وتجنب هزيمة مذلة أخرى أمام البرازيل. سواء كان ذلك احتجاجًا سياسيًا، أو تصرفًا يائسًا، أو مجرد لحظة جنون، فإن ركضة إيلونغا تظل واحدة من أغرب الصور وأكثرها سريالية في تاريخ كأس العالم.

6. تمثيلية ريفالدو وسقوطه الدرامي (كوريا واليابان 2002)

اشتهر النجم البرازيلي ريفالدو بمهاراته الرائعة وقدمه اليسرى الساحرة، لكنه اشتهر أيضًا بلحظة تمثيلية مبالغ فيها في كأس العالم 2002. في مباراة دور المجموعات ضد تركيا، وبينما كان ريفالدو يستعد لتنفيذ ركلة ركنية في الدقائق الأخيرة، قام اللاعب التركي هاكان أونسال بركل الكرة نحوه (بشكل غير رياضي) لتسريع اللعب.

ارتطمت الكرة بفخذ ريفالدو، لكن النجم البرازيلي سقط على الأرض فورًا ممسكًا بوجهه وكأنه تعرض لضربة قوية. انطلت الحيلة على الحكم الكوري الجنوبي، الذي أشهر البطاقة الصفراء الثانية ثم الحمراء في وجه أونسال المذهول. أظهرت الإعادات التلفزيونية بوضوح أن الكرة لم تقترب حتى من وجه ريفالدو.

على الرغم من فوز البرازيل بالمباراة (والبطولة لاحقًا)، تعرض ريفالدو لانتقادات عالمية واسعة بسبب هذا السلوك غير الرياضي، وتم تغريمه لاحقًا من قبل الفيفا. كانت لحظة غريبة أظهرت الجانب المظلم من اللعبة، حيث يمكن للخداع أن يؤثر على نتيجة المباراة.

7. ثلاث بطاقات صفراء لغراهام بول (ألمانيا 2006)

يُعتبر خطأ الحكم الإنجليزي غراهام بول في مباراة كرواتيا وأستراليا في دور المجموعات بكأس العالم 2006 واحدًا من أغرب الأخطاء التحكيمية في تاريخ البطولة. خلال المباراة، أشهر بول البطاقة الصفراء مرتين للمدافع الكرواتي يوسيب شيمونيتش، لكنه نسي بشكل لا يصدق أن يشهر البطاقة الحمراء بعد الإنذار الثاني.

استمر شيمونيتش في اللعب، ولم يدرك أحد الخطأ الفادح إلا بعد دقائق، عندما ارتكب شيمونيتش مخالفة أخرى، ليشهر له بول البطاقة الصفراء الثالثة، ثم البطاقة الحمراء أخيرًا! انتهت المباراة بالتعادل 2-2، وهي النتيجة التي أهلت أستراليا وأقصت كرواتيا. اعترف بول بخطئه بعد المباراة، وأنهى مسيرته التحكيمية الدولية بعد فترة وجيزة، لكن هذه الحادثة الغريبة ظلت وصمة في تاريخ التحكيم المونديالي.

8. الشيخ الكويتي يقتحم الملعب ويلغي هدفًا! (إسبانيا 1982)

ربما تكون هذه واحدة من أغرب الحوادث على الإطلاق. في مباراة الكويت وفرنسا في كأس العالم 1982، سجل اللاعب الفرنسي آلان جيريس هدفًا لفرنسا لتصبح النتيجة 4-1. لكن لاعبي الكويت احتجوا بشدة، زاعمين أنهم توقفوا عن اللعب لأنهم سمعوا صافرة من المدرجات وظنوا أنها من الحكم.

وسط الاحتجاجات، نزل الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم آنذاك وشقيق أمير البلاد، إلى أرض الملعب وتحدث مع الحكم السوفيتي ميروسلاف ستوبار. بشكل لا يصدق ومخالف لكل الأعراف، تراجع الحكم عن قراره وألغى الهدف الفرنسي الصحيح! استؤنف اللعب، وسجلت فرنسا هدفًا آخر لاحقًا لتفوز 4-1 على أي حال. تم إيقاف الحكم ستوبار دوليًا بعد هذه الواقعة، وغُرّم الشيخ فهد، لكن اقتحامه للملعب وتأثيره المباشر على قرار الحكم يظل لحظة سريالية وفريدة من نوعها.

9. اعتداء شوماخر الوحشي على باتيستون (إسبانيا 1982)

في الدور نصف النهائي لكأس العالم 1982 بين ألمانيا الغربية وفرنسا، وفي الشوط الثاني، انطلق المهاجم الفرنسي باتريك باتيستون منفردًا نحو المرمى الألماني. خرج الحارس الألماني هارالد “توني” شوماخر من مرماه بسرعة، وبدلاً من محاولة لعب الكرة، قفز واصطدم بباتيستون بجسده ووركِه بشكل عنيف ومروع بينما كانت الكرة قد تجاوزتهما بالفعل.

سقط باتيستون فاقدًا للوعي، وعانى من كسر في فقرات العنق، وفقد اثنين من أسنانه، ودخل في غيبوبة قصيرة. المثير للدهشة والغضب هو أن الحكم الهولندي تشارلز كورفر لم يحتسب حتى خطأ لصالح فرنسا، ناهيك عن طرد شوماخر، بل أمر بركلة مرمى لألمانيا! وقف شوماخر غير مبالٍ بينما كان باتيستون يتلقى الإسعافات الأولية على أرض الملعب.

فازت ألمانيا بالمباراة بركلات الترجيح بعد التعادل 3-3 في مباراة دراماتيكية، لكن اعتداء شوماخر الوحشي وعدم معاقبته ألقى بظلال قاتمة على اللقاء، واعتُبر واحدًا من أسوأ التدخلات وأغرب قرارات التحكيم في تاريخ كأس العالم.

القائمة تطول، فهناك احتفال بيبيتو الشهير بـ “هز المهد” في 1994، ورقصة روجيه ميلا الكاميروني عند راية الزاوية في 1990 وهو في سن الـ 38، وقصة شعر رونالدو الغريبة في نهائي 2002، والجدل حول هدف جيوف هورست في نهائي 1966، والعديد من الأخطاء التحكيمية الفادحة الأخرى، والنتائج المفاجئة التي حطمت التوقعات.

إن كأس العالم ليس مجرد بطولة رياضية؛ إنه حدث عالمي يجمع الشعوب، ويصنع الأساطير، ويكتب التاريخ. وهذه اللحظات الغريبة، الصادمة، والمثيرة للجدل هي جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ. إنها تذكرنا بأن كرة القدم، مثل الحياة، مليئة بالمفاجآت والتقلبات واللحظات التي تتحدى المنطق.

قد نتذكر الأهداف الرائعة والمهارات الفذة، لكننا بالتأكيد لن ننسى أبدًا “يد الرب”، و”نطحة زيدان”، و”معركة سانتياغو”، وبقية تلك اللحظات التي جعلت كأس العالم البطولة الأكثر إثارة وجنونًا على وجه الأرض. إنها اللحظات التي تجعلنا نعود لمشاهدتها مرة أخرى، حتى لو كنا لا نصدق ما تراه أعيننا.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية