ميلان كونديرا، الروائي التشيكي الفرنسي الذي أسحر العالم بأقلامه، قدم لنا كنوزًا أدبية لا تُنسى. من خلال رواياته التي تتجاوز حدود الأدب لتغوص في أعماق الوجود والفلسفة، استطاع كونديرا أن يترك بصمة لا تمحى في عالم القراءة. في هذا المقال، سنتعرف على أهم مؤلفاته التي حازت على إعجاب النقاد والقراء على حد سواء
لا شكَّ في أنّ الأدب الفرنسي من أكثر الآداب العالمية ثراءً، فهو يحتوي على كثير من الأعمال الأدبية العظيمة في مختلف المجالات الأدبية من روايات ومسرحيات وشعر وشعر غنائي وغيره، وقد كان للأدب الفرنسي وحركاته الفكرية كالرمزية والكلاسيكية والواقعية تأثير كبير جدًّا على الأدب البريطاني وبقية آداب قارة أوروبا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الامريكية.
وقد أعطى أدباء فرنسا أهمية كبيرة للغة وشكلها وأسلوبها، وكانوا غالبًا ما يتقيدون بالقواعد والنماذج في الأدب أكثر من غيرهم من الأدباء، ويعدُّ العقل لديهم عنصرًا أساسيًا وقوةً تتحكم بسلوكيات البشر جميعًا، وهذا المقال سيتحدث عن الأديب الفرنسي الشهير ميلان كونديرا.
ميلان كونديرا
هو أديبٌ وروائيّ فرنسي من أشهر الروائيين اليساريين في العالم، ولد عام 1929م لوالدين من التشيك، تعلم العزف على البيانو من والده الذي كان عالمًا في الموسيقى ورئيسًا لجامعة جانكيك، درس كونديرا الأدب والسينما والموسيقى وتخرج عام 1952م وعيِّن أستاذًا في كلية السينما في مدينة براغ.
انضمَّ إلى الحزب الشيوعي في عام 1948م لكنَّه فصل منه بعد سنتين بسبب توجهاته الفردية، ورجع إليه في عام 1956م ليفصل مرة أخرى في عام 1970م، عمل كونديرا خلال حياته في قسم التحرير في كثير من المجلات الأدبية، يقيم في فرنسا منذ عام 1975م، حصل على الجنسية الفرنسية في عام 1981م، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول أهم مؤلفات ميلان كونديرا.
أهم مؤلفات ميلان كونديرا
رغمَ أنَّ كونديرا لم ينل شهرةً واسعة إلا بعد أن نشرَ روايته “غراميات مضحكة”، إلا أنَّه كتب العديد من المؤلفات العظيمة والتي لاقت شهرةً كبيرة فيما بعد، وربما من أشهر مؤلفاته التي حقَّقت له شهرةً عالمية هي رواية كائن لا تحتمل خفته، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أهم مؤلفات ميلان كونديرا مع لمحة موجزة عن كل منها:
- كتاب غراميات مضحكة
كتاب غراميات مضحكة من أهم مؤلفات ميلان كونديرا، حيث حصل ميلان كونديرا بعد نشر هذا الكتاب على اعتراف في الأوساط الأدبية ببراعته ونبوغه الأدبي، نُشر هذا الكتاب في عام 1963م، والكتاب عبارة عن مجموعة قصصية يجمع بين صفحاته عددًا من القصص القصيرة التي تدور حول غراميات فكاهية طرحها كونديرا بأسلوبه الأدبي الساخر، تناول فيها ميلان كونديرا الحديث حول العديد من المشاكل التي يواجهها الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، وكان هدفه من ورائها إعطاء صورة عامة عن الطموحات والآلام التي تعيشها هذه الفئة من المجتمع.
- كتاب الضحك والنسيان
نشِر هذا الكتاب عام 1979م في فرنسا، تقع الرواية في نحو 300 صفحة، وتتألف من سبعة أجزاء أو قصص منفصلة، يجمع بينها وحدة الموضوع، حيث يتناول فيها الكاتب قضايا تتعلق بالوجود الإنساني، مثل طبيعة النسيان التي يعيشها البشر في التاريخ أو في السياسة أو في الحياة بشكل عام، كما تحتوي تلك القصص على عناصر من الواقعية السحرية، وعناوين القصص: رسائل مفقودة، ماما، الملائكة، الرسائل المفقودة، ليتوست، الحدود.
- كتاب المزحة
تم نشرها عام 1965م ، و قد شملت نوع من النقد و هو النقد الاذع للحكم الشيوعي و أيضًا قامت بإظهار التناقض الذي عانت منه البلاد خلال فترة الحكم الشيوعي و الاضطرابات ما بين الدعوات التقدمية و الواقع الرجعي ، و نظرًا لأنها كانت رواية سياسية من الدرجة الأولى لم يتم السماح له بنشرها إلا بعد فترة من الزمن.
- كتاب وجود لا تحتمل خفته
نشر الكتاب عام 1984م مترجمًا باللغة الإنجليزية والفرنسية، ونشر بلغته الأصلية في عام 1985م، تدور أحداث الرواية على خلفية الأحداث التي جرت في ربيع براغ في شهر يونيو من عام 1968م وغزو الاتحاد السوفيتي للتشيك بعد ذلك، ويبدأ الكاتب روايته بالفكرة الفلسفية التي طرحها نيتشه من قبل، التي تشير إلى أن كل شيء في الحياة يحدث ويتكرر عددًا غير محدود من المرات، ولذلك يعتبر الكاتب أنَّ الحياة التي يحدث فيها كل شيء مرة واحدة تفقد أهميتها ووزنها، ومن هنا جاءت تسمية خفة الوجود التي لا تطاق.
- كتاب فالس الوداع
تم نشر هذه الرواية عام 1971م ، و قد قام ميلان كونديرا بمناقشة قضية الصراع بين الفكر الماركسي الشيوعي و الفكر الرأسمالي الليبرالي في هذه الرواية ، و قام أيضًا بعرض الأفكار الناتجة عن الحداثة ، و توضيح التغيرات النفسية التي تطرأ على شخصيات الرواية نتيجة الأحداث السياسية التي تقع في المجتمع من حولهم.
- كتاب حفلة التفاهة
حفلة التفاهة آخر رواية للكاتب اليساري ميلان كونديرا نشر عام 2013 م، لذلك تعدُّ من أهم مؤلفات ميلان كونديرا، إذ تُعبِّر عن خلاصة أفكاره ومذهبه وزبدة ما توصَّل إليه من فلسفة، يحاول أن يؤكد فيها أنَّ العبثية هي الصورة الحقيقية لكل شيء، وقد يكون هذا ما بثَّه كونديرا في معظم مؤلفاته تقريبًا، فلا يوجد ما هو جدي في الحياة كما وردَ في الرواية، لا الخادم الذي ابتكرَ لغةً باكستانية بسيطة، ولا صياد الحجل ستالين، ولا المؤلف ولا أقواله ولا أي شيء، وقد عبَّر كونديرا عن ذلك بقوله: “أدركنا منذ زمن طويل أنَّه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمَّة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد”، فلخَّص بهذه العبارة ما أراد أن يعبر عنه في رواية حفلة التفاهة، فلا شيء يتبقى من حياة الإنسان إلا التفاهة بذاتها، لتتيح له الشعور بأنه أقل أهمية مما يظن، وبأنه أكثر حرية والتصاقًا بالأدب والخيال من الواقع المحيط به، ومثل معظم أعماله تدور الرواية حول الفلسفة والتاريخ والهزل، في قصة التقاء ستالين مع رجال عظماء من عصور سابقة حيث يعيشون في حفلة تفاهة بأسلوب كونديرا الفكاهي والطريف.
- كتاب الخلود
نُشر أول مرة عام 1990م باللغة الفرنسية، ويقع في 400 صفحة تقريبًا، يحاول ميلان كونديرا في هذا الكتاب أن يفهم معنى الحياة دون أن يتخلى عن الحس الفكاهي الحاد، تتألف من سبعة أجزاء يربط بينها كونديرا بشكل لافت، وتبدأ الرواية بالتفاتة امرأة إلى شخص ما هو مدرب السباحة الخاص بها، ويحاول كونديرا خلال الرواية البحث عن معنى الحب والذات وغير ذلك.
- كتاب الهوية
نشر كتاب الهوية عام 1998م، وهو من روايات الكاتب الفرنسي التشيكي الشهير ميلان كونديرا، تتحدث الرواية عن الهوية لكن خارج الإطار المعروف الذي يخصُّ القومية كما اعتاد الناس عليه، إنما عن هوية المرء أمام ذاته وأمام الآخرين من حوله، وتوضِّح كيف يمكن للشخص أن يرى نفسه وكيف يمكن أن يعرِّفها وكيف يمكن أن يراه الناس من حوله أيضًا، بالإضافة إلى إظهار من هو بالنسبة للآخرين ومن هو بالنسبة لنفسه وإظهار ماذا يمثِّل الآخرون بالنسبة للشخص ذاته، حيثُ تدور أحداث الرواية حول خيط رفيع تنتظم فيه الرواية هو العشق المتخفي بين جان مارك وفتاة تدعى شانتال وهي أكبر منه سنًّا، ويروي كونديرا صورًا عديدة من حياة العشيقين، وكل ذلك يدور في إطار فلسفي عميق يبثُّ فيه كونديرا من أسلوبه وخبرته.
- كتاب البطء
تم نشر تلك الرواية عام 1994م ، و هي رواية رومانسية تقوم الرواية بعرض قصتي حب تدور أحداثهما في عصرين مختلفين ، القصة الأولى تقع أحداثها في القرن الثامن عشر و هو العصر الذي شهد التحرر و الانفتاح و قد تميزت تلك الرواية ببطئها و طابعها الخاصة ، أما القصة الثانية فكانت تدور أحداثها في العصر الحديث و هو العصر الذي يتميز بسرعته و قد مال الكاتب فيها إلى السخرية.
- كتاب فن الرواية
نُشر هذا الكتاب أول مرة عام 1986م، وهو عبارة عن كتاب يتألف من سبعة فصول مرتبط بعضُها مع بعض، يقدم فيها ميلان كونديرا تصوراته الشخصية وآراءه حول الرواية الأوروبية، ويصفها بأنَّها فنٌّ ولدَ من ضحكِ الرب، وهي عنده موحية بدرجة كبيرة من القوة، وقد رسمَ كونديرا خريطة تبيِن تطوُّر الرواية في أوروبا بإيجاز وبشكل واضح ومتقن، وكأنه يعرف بدقة إلى أين وصلت الرواية وما هي النقاط البارزة في تاريخها الطويل.
- كتاب الجهل
نشر الكتاب عام 2003م وهو واحد من أهم مؤلفات ميلان كونديرا، إذ يتناول فيها الحديث عن صعوبة العودة بشكل حقيقي إلى أي مكان يغادره الإنسان، والمنفى هو محور الرواية الرّئيس والتي تدور حوله الأحداث، وبأسلوب رقيق تارةً وفظ تارة أخرى تجاه شخصيات روايته يتناول ميلان كونديرا مواضيع عميقة مثل: المنفى وانسلاخ الإنسان عن جذوره والحنين الذي يسري في دواخل الإنسان والوحشة والغربة التي يلاقيها بعودته إلى موطنه الأصلي ممزوجة بخيبة كبيرة، بطلا الرواية جوزيف وإيرينا يلتقيان خارج موطنهما ويقرران العودة لبلدهما الأصلي، ويجربان ذلك الشعور لكن الأحداث تجري على غير توقعاتهما، وتظهر المشاعر متناقضة لتشوّه الصورة السابقة للعودة إلى البلاد، ويحاول كونديرا في النهاية أن يبين حقائقه المحتومة والمتشائمة والحالمة، في حديثه حول الشيوعية والعلاقة الزوجية وسوء الفهم في العلاقات الغرامية وغير لك من المواضيع المهمة.
- كتاب الستارة
نشر هذا الكتاب أول مرة عام 2007م، يتألف هذا الكتاب أيضًا من سبعة مقالات، يكمل فيها ميلان كونديرا وجهة نظهر الشخصية عن تاريخ وقيمة الرواية، واقترح أنه في كثير من الأحيان لا يتمُّ التفكير في الراوية إلا حيث نشأت وداخل حدود نشأتها، غير أنَّ تطور الرواية يحدث خارج الحدود، ويُشير إلى تأثر كتاب كبار بكتاب كبار آخرين مثل: ماركيز تأثر بكافكا وهنري فيلدينغ تأثر بسرفانتس وغيرهما، وتكمن لديه قوة الرواية في قدرتها على كشف جوانب مجهولة لم تكن معروفة قبل ذلك لدى البشر.
- كتاب لقاء
نشر هذا الكتاب عام 2009م، وهو عبارة عن مجموعة مقالات يتحدث فيها كونديرا عن الفن ويدافع عنه في هذا العصر الذي لم يعد يقدر الجمال والفن، وبأسلوب يشبه رواياته يذكر زيارات الفنانين والأدباء المهمين بالنسبة له، والذين تعد أعمالهم من أهم الأعمال التي تساعد على فهم هذا العالم، وتوضيح معنى أن يكون الإنسان إنسانًا، ويشمل هذا الكتاب مواضيع الذاكرة والنسيان والمنفى وتجاربه والدفاع عن الفن الحديث وتأملات وقصص شخصية.