أبو هريرة الدوسي اليماني، من قبيلة دوس العربية، واسمه على الأرجح عبد الرحمن بن صخر، صحابي معروف بحفظه للحديث النبوي ونشره، أسلم عام خيبر في أول السنة السابعة للهجرة، ولزم النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين متتبّعا سننه العملية والقولية والتقريرية وصفاته لتوثيقها. وقد قال بنفسه كما روي عنه في صحيح البخاري: “صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سنيّ أحرص على أن أعيَ الحديث مني فيهن”.
اسم أبو هريرة وكنيته
أبو هريرة هو الدُّوسيُّ اليَمانيُّ، ويُقالُ عبد عَمرو وعبد غنيّ، وكان اسمه في الجاهليَّةِ عبد شمسٍ وكنيَتُه أبو الأسدِ، فلمَّا أسلمَ -رضي الله عنه- كنَّاهُ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة.
وحوَّلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- اسمه من عبد شمس إلى عبد الرَّحمن، فأصبحَ اسمه عبد الرَّحمن بن صخرٍ الدوسيُّ اليمانيُّ، وقد لُقِّبَ بأبي هريرة؛ لأنَّه وَجد هِرَّةً فوضعها في كُمِّه وداعبها، وقيل إنَّه كانت له هِرَّةً وهو صغيرٌ يَرعى غنمَ أهلهِ ويلاعبها، فكنَّاه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
وهو دوسيٌّ من قبيلةِ دَوس بن عدنان بن عبد الله بن كعب بن الحارث، ومن أجدادِه شَنوءَة بن الأزدِ، والأزدُ من أشرفِ وأعرقِ قبائلَ العربِ، وأُمُّه ميمونة بنت صخر، وقيل اسمها أُميمة.
وقد كان وسيطاً في قومه دَوس، وشَهِدَ اليرموك، وذهب إلى دمشق في خلافة معاوية -رضي الله عنه-، وهو من أكثر الصَّحابة حفظاً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان حِفظهُ ثابتاً دقيقاً، وقد ذُكِر أنَّه اختُلِف في اسمه على عشرين وجهٍ.
واختُلِف في كُنيَتِه أيضاً كما اختُلف في اسمه، وذُكر في صحيحِ البخاريِّ أنَّ سببَ الكُنيةُ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال له يا أبا هِرّ في الحديث النبويّ الشريف: (لَقِيَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا جُنُبٌ، فأخَذَ بيَدِي، فَمَشيتُ معهُ حتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فأتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وهو قَاعِدٌ، فَقالَ: أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هِرٍّ، فَقُلتُ له، فَقالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يا أبَا هِرٍّ إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ).وقيلَ إن كنيتَه أبو هريرةَ تعودُ لفترةِ الجاهليَّة؛ فقالوا إنَّ حمله للهرّة في الجاهليَّة تسليةٌ، وفي الإسلامِ إشفاقٌ ورحمةٌ وتطبيقٌ لأحكامِ الشَّريعةِ التي تحث على الرِّفقِ بالحيوان.
إسلام أبي هريرة وهجرته
كان إسلام أبي هريرة -رضي الله عنه- على يد الطفيل بن عمرو الدوسي؛ وذلك لما جاء إلى قريش ذات مرة ونزل فيها، وبدأت قريش تلتف حوله لكي لا يدخل في الدين الإسلاميّ، فعزم على أن لا يلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى أن وجده مرة في الكعبة يصلي، فلما سمع كلام الله انشرح صدره للإسلام وآمن، وعاد الطفيل إلى قومه ودعاهم للإسلام فلم يستجب له أحد سوى أبو هريرة رضي الله عنه، وبقي الطفيل يدعو قومه حتى استجابوا له، وقد أسلم أبو هريرة -رضي الله عنه- قبل الهجرة، وقد هاجر من اليمن إلى المدينة في أيام فتح خيبر.
صفات أبي هريرة الخُلُقيَّة والخَلْقِيَّة
- صِفاتُه الأخلاقيَّة:
كانَ أبو هريرةَ -رضي الله عنه- ورِعاً وملتزماً بسنَّةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يأمرُ النَّاسَ بالمعروفِ ويَنهاهم عن المنكرِ، ويَحترمُ كرامةَ الإنسانِ، فلا يفرِّق بين أحَدٍ لعرقِهِ أو نسبهِ أو مالهِ، وكانَ كثيرَ العبادةِ والصَّومِ وقيامِ الليلِ، ويخشى الله -سبحانه وتعالى- في سِرِّه وعَلَنِهِ، وقد كان صابراً على الفقرِ الشَّديدِ.وكانَ ينصَحُ النَّاسَ ويطبِّق الأمرَ على نفسِه قبلَ الآخرين، وهو شديدَ التمسُّكِ بسنَّةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك أنَّ ابنته كانت تقول له: “يَا أَبَتِ، إِنَّ البَنَاتَ يُعَيِّرْنَنِي، يَقُلْنَ: لِمَ لاَ يُحَلِّيكِ أَبُوكِ بِالذَّهَبِ؟، فيقول: يَا بَنَيَّةَ، قُولِي لَهُنَّ: إِنَّ أَبِي يَخْشَى عَلَيَّ حَرَّ اللَّهَبِ”.وكانَ -رضي الله عنه- من الذاكرين الله -تعالى- كثيراً، هيِّناً ليِّناً، عالِماً حريصاً على تلقِّي العلمِ، وكان شديد الفقر، حتى أنَّه يَقَعُ على الأرضِ أحياناً من شدَّةِ الجوعِ، وكان يعيشُ مع آل الصفَّة وهم أشدُّ المسلمين فقراً، وأضيافُ المسلمين الذين لا مأوى لهم.
- صفاته الخَلْقِيَّة:
كان -رضي الله عنه- رجلاً بعيدُ المنكبين، أفرقُ الثنيَّتين، ذا ضَفيرتَين، أبيضاً ولحيتَه حمراء، وكان يخضُب -أي يُحنّي- لحيته وشعره، وكان -رض الله عنه- شخصاً ليِّناً، وكان يخضُب -أي يُحنّي- لحيته وشعره، وكان -رض الله عنه- شخصاً ليِّناً.
علاقة أبي هريرة رضي الله عنه بالنبي
كان أبو هريرة قريبًا من النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ملازمًا له، وكان قد نذر حياته لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عنه الكثير من العلوم الشرعية، كما كان يرافقه في كل مكان وفي كل وقت، وقد لازم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم- مدة أربع سنوات، كما كان شديد الحب لرسول الله.
رواية أبي هريرة للحديث النبوي
كان أبو هريرة -رضي الله عنه- حريصًا على حفظ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد شهد له رسول الله بذلك، كما قد شهد له الصحابة بجرأته في سؤال رسول الله، فكان يسأله عن أمور لا يسأله إياها أحد غيره، وقد روى أبو هريرة الكثير من الأحاديث النبوية.
- عمن روى أبو هريرة رضي الله عنه الحديث؟
روى أبي هريرة -رضي الله عنه- الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله، وذلك في باب الإيمان والحج، كما روى عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، في باب الصلاة، وروى عن الفضل بن عباس رضي الله عنه في باب الصوم.
- من روى عن أبي هريرة رضي الله الحديث؟
روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه- الكثير من الصحابة فروى عنه ابن عباس -رضي الله عنه- في الصلاة، وروى عنه جابر بن عبد الله في الوضوء، كما روى عنه أبو زرعة بن عمرو، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الرحمن بن يعقوب، وأبو صالح، وأبو كثير، ومحمد بن سيرين، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عطاء بن يسار، حميد بن عبد الرحمن، ومالك بن أبي عامر، وعروة بن الزبير، وحفص بن عاصم، ويزيد الأصم، عطاء بن رباح.
وعطاء الليثي، محمد بن زياد، وأبو عبد الله سالم مولى شداد، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وأبو علقمة، ومحمد بن عائشة، وطاوس، وثوبان ونافع بن جبير، وأبو الشعثاء، وموسى بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي نعيم، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم الكثير مما لا يسع لذكرهم.
وفاة أبي هريرة
تُوفّيَ أبو هريرة -رضي الله عنه- سنةَ سبعٍ وخمسينَ للهجرة، حيث مَرِض أبو هريرة -رضي الله عنه- مرضَ الموتِ، فبكى وقال: “أَمَا إِنِّي لاَ أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنِّي أَبْكِي لِبُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي! أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطَةٌ عَلَى جَنَّةٍ أَوَ نَارٍ فَلاَ أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُسْلَكُ بِي”، وكان ذلك دليلاً على زُهدِهِ في الدُّنيا -رضي الله عنه-.
ورُوي أنَّه دخل عليه مروان بن الحَكَم في مرضه ودعا له بالشِّفاء، فقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ فَأَحِبَّ لِقَائِي”، ومات -رضي الله عنه- في السَّنةِ التي ماتت فيها السيدة عائشة -رضي الله عنها-، وقيل أيضاً إنه تُوفّي في سنة ثمانٍ وخمسين، ومنهم من قال سنة تسعٍ وخمسون.