القائمة إغلاق

الرياح الموسمية: تعريفها وأسبابها وأنواعها

ظلت ظاهرة الرياح الموسمية لغزًا محيرًا حتى عام 1686، حينما وضع عالم الفلك والرياضيات الإنجليزي إدموند هالي تصورًا يفسر طبيعة هذه الرياح وأسبابها، معتمدًا على اختلاف درجات الحرارة بين اليابسة والمحيطات. شكلت هذه الفكرة أساسًا للتفسيرات اللاحقة، ممهدةً الطريق نحو فهم علمي مُثبت لطبيعة الرياح الموسمية.

تُعرف الرياح الموسمية أيضًا باسم “الموسميات”، وهي تسمية مشتقة من الكلمة العربية “موسم” التي تعني الفصل. يشير هذا المصطلح إلى تغير موسمي في الاتجاه المعتاد للرياح، يصاحبه تغيرات في الطقس في المناطق التي تهب عليها. يُعدّ المثال الأبرز على ذلك الرياح الموسمية الهندية المرتبطة بالمحيط الهندي، والتي تتسبب في مواسم من الجفاف أو الأمطار في المناطق الاستوائية.

تتميز جميع الرياح الموسمية بهبوبها من المناطق الباردة نحو المناطق الدافئة، وتؤثر هذه الرياح، بنوعيها الصيفي والشتوي، على الظروف المناخية في مناطق واسعة تشمل معظم الهند وجنوب شرق آسيا.

يعزى هبوب الرياح الموسمية إلى التباين في درجات الحرارة بين اليابسة والمحيط المجاور، إذ يؤدي اختلاف تسخين أشعة الشمس لهاتين المنطقتين إلى تفاوت في الضغط الجوي بينهما، ما ينتج عنه تغير في اتجاه الرياح عن مسارها المعتاد. فتجلب الرياح هواءً باردًا رطبًا من المحيط ذي الضغط المرتفع إلى اليابسة ذات الضغط المنخفض، ما يسبب هطول الأمطار في الصيف. بينما يسود الجفاف في الشتاء نتيجة لانتقال الرياح من منطقة الضغط المرتفع فوق اليابسة إلى منطقة الضغط المنخفض فوق المحيط.

تهب الرياح الموسمية في مناطق محددة من الكرة الأرضية تشمل المناطق المدارية الواقعة بين خط الاستواء (خط العرض 0) وخطي عرض 23.5 درجة شمالًا وجنوبًا، بالإضافة إلى المناطق شبه المدارية الممتدة بين خطي عرض 23.5 و35 درجة شمالًا وجنوبًا.

تهب أقوى الرياح الموسمية في شمال الهند وجنوب آسيا، بينما تهب في الجنوب في أستراليا وماليزيا، وتشهد أيضًا أجزاء من أمريكا الشمالية والوسطى، والمناطق الشمالية من أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى غرب إفريقيا، رياحًا موسمية.

تهب الرياح الموسمية الهندية في فصل الصيف، تحديدًا بين أبريل وسبتمبر، مسببةً أمطارًا غزيرةً؛ فمع انتهاء الشتاء، تهب رياح دافئة ورطبة من جنوب غرب المحيط الهندي نحو الهند وسيريلانكا وبنغلادش وميانمار، جالبةً مناخًا رطبًا وأمطارًا مدارية غزيرة تعتمد عليها الزراعة بشكل كبير في تلك المناطق، خاصةً مع ندرة مصادر المياه كالبحيرات والآبار، ولري محاصيل مثل الأرز والشاي التي تحتاج كميات كبيرة من المياه توفرها هذه الرياح.

تهب الرياح الموسمية الشتوية الجافة بين أكتوبر/تشرين الأول وأبريل/نيسان من منغوليا وشمال غرب الصين في الشمال الشرقي لآسيا، وتتميز بتأثيرها الأقل على جنوب شرق آسيا مقارنةً بالرياح الموسمية الصيفية، وذلك لوجود جبال الهيمالايا التي تشكل حاجزًا يمنع وصول نسبة كبيرة من الرياح الرطبة إلى المناطق الساحلية ويحول دون وصول معظم الهواء البارد إلى مناطق مثل جنوب الهند وسيريلانكا، مما يحافظ على مناخها الدافئ طوال العام مع احتمالية حدوث جفاف أحيانًا.

مع ذلك، لا يعني هذا أن الرياح الموسمية الشتوية جافةٌ على الدوام؛ فهي تحمل الأمطار إلى الساحل الشرقي للمحيط الهادي في جنوب شرق آسيا، كما يصل الهواء الرطب من بحر الصين الجنوبي إلى مناطقَ مثل إندونيسيا وماليزيا.

لا يقتصر نطاق هبوب الرياح الموسمية على قارة آسيا وحدها، بل يمتد تأثيرها ليشمل مناطق أخرى من العالم، ففي قارة أمريكا الشمالية، تشهد المناطق الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية هبوب رياح موسمية سنوية بشكل منتظم. تحمل هذه الرياح معها كميات كبيرة من الأمطار الغزيرة التي تعتبر ذات فائدة عظيمة للبيئة والزراعة في تلك المناطق، حيث تساهم في تغذية الموارد المائية وإنعاش الغطاء النباتي.

ومع ذلك، فإن هذه الأمطار الغزيرة، على الرغم من أهميتها، قد تتحول في بعض السنوات إلى مصدر خطر وكوارث طبيعية، حيث تتسبب في حدوث فيضانات مدمرة وانزلاقات أرضية، مما يؤدي إلى خسائر مادية وبشرية في تلك المناطق. وبالتالي، فإن الرياح الموسمية في أمريكا الشمالية تمثل ظاهرة مناخية ذات وجهين، فهي تحمل الخير والنماء من جهة، وقد تتسبب في الدمار والخراب من جهة أخرى.

تتشكل الرياح الموسمية في أمريكا الشمالية نتيجة لهبوب رياح رطبة من خليج المكسيك والمحيط الهادي المداري باتجاه الشمال نحو جنوب غرب الولايات المتحدة، مصحوبة بتغيرات مناخية تتسبب في فيضانات وعواصف غبارية ورعدية على مدى ثلاثة أشهر صيفية، تحديدًا بين 15 يونيو و30 سبتمبر.

Related Posts

اترك رد