كثيراً ما نسمع مصطلح “النرجسي” أو الشخصية النرجسية يطلق على الأشخاص الذين يمضون وقتاً طويلاً أمام المرآة، أو ينشرون عدداً كبيراً من صور السيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنهم يعيشون في عالمٍ موازٍ لا يتسع إلا لصورتهم الخاصة. لكن هذا الاستخدام الشائع للمصطلح لا يفي بحقيقة اضطراب الشخصية النرجسية أو الـ Narcissistic Personality Disorder، الذي يتجاوز بكثير سلوكيات التباهي بالذات أو الرغبة في لفت الانتباه.
فالشخص المصاب بهذا الاضطراب يعاني من نمطٍ عميق الجذور من التفكير المتمحور حول الذات، حيث يرى نفسه مركز الكون، ويتوق باستمرار إلى الإعجاب والتقدير من الآخرين. هذا التوق لا يشبع، فهو كالنار التي تلتهم كل ما حولها، حتى العلاقات الاجتماعية القريبة. فالشخص النرجسي يجد صعوبة بالغة في فهم مشاعر الآخرين واحترامها، ويميل إلى استغلالهم لتحقيق مكاسبه الشخصية.
وعندما لا يحصل على الاهتمام الذي يريده، قد يلجأ إلى سلوكيات عدوانية أو سلبية، مثل الانتقاد اللاذع أو التلاعب بالآخرين. وبعيداً عن المظهر الخارجي الجذاب الذي قد يقدمه النرجسي، فإن بداخله فراغٌ عميق وشعورٌ دائم بعدم الأمان، يدفعه إلى البحث الدائم عن الإثبات والتأكيد على قيمته الذاتية.
وكلّ ذلك يؤدي إلى جملة من المشكلات التي تؤثّر على علاقات هذا الشخص المهنية والعائلية والعاطفية.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، تلك الحالة المعقدة التي تتجلى في صورة شخصية متسلطة ومتمركزة حول الذات، تسعى جاهدة للفت الأنظار والإعجاب. يعيش الفرد المصاب بهذا الاضطراب في عالم خاص به، حيث يرى نفسه محط أنظار الجميع، ويعتقد أنه الأفضل والأكثر استحقاقًا لكل شيء.
خلف هذا القناع المتكبر، يكمن شعور عميق بعدم الأمان وهشاشة نفسية بالغة، إذ يتأثر النرجسي بسهولة بأي انتقاد، ويشعر بالإهانة حتى من أصغر المواقف. فالشخصية النرجسية، برغم ما تبدو عليه من ثقة زائفة بالنفس، تبني جدارًا من الأنا يحميها من العالم الخارجي، لكنه في الوقت نفسه يحبسها في عالم من الوحدة والعزلة.
فالحاجة الدائمة للإعجاب والإطراء، وعدم القدرة على بناء علاقات عميقة ومستدامة، تجعل النرجسي يعيش في حالة من التناقض الدائم بين الرغبة في الظهور والتعلق الشديد بالرأي الآخر.
يؤدي اضطراب الشخصية النرجسية إلى عواقب وخيمة تمتد إلى شتى جوانب حياة الفرد، بدءًا بالعلاقات الشخصية وانتهاءً بالنجاح المادي. فالشخص النرجسية، الذي يتسم بحب الذات المفرط والرغبة الدائمة في الإعجاب والتقدير، غالباً ما يجد نفسه في دوامة من المشكلات.
ففي العلاقات العاطفية، يسعى النرجسي باستمرار إلى أن يكون محور الاهتمام، مما قد يؤدي إلى تدمير العلاقات القائمة وبناء علاقات سطحية مبنية على الإعجاب الزائف. وفي بيئة العمل، يواجه النرجسي صعوبة في التعاون مع الآخرين والعمل ضمن فريق، إذ يرى نفسه متفوقاً على الجميع ولا يتقبل النقد أو الملاحظات.
كما أن النرجسي قد يتخذ قرارات متهورة وغير مدروسة في مجال المال والأعمال، سعياً وراء تحقيق المكاسب السريعة دون النظر إلى العواقب. ونتيجة لذلك، يعيش النرجسي في حالة من عدم الاستقرار النفسي، يشعر بالوحدة والخوف من الفشل، رغم المظهر الخارجي للثقة بالنفس والنجاح.
أعراض اضطراب الشخصية النرجسية
تختلف أعراض اضطراب الشخصية النرجسية وحدّتها من شخصٍ لآخر حيث يمكن تلخيصها فيما يلي:
- شعور مبالغ فيه بأهمية الذات.
- الشعور الدائم بالاستحقاق والحاجة المستمرّة والمفرطة للإعجاب والتقدير.
- توقّع أن يتمّ الاعتراف بالنرجسي كشخص متفوّق حتى دون وجود إنجازات تبرّر ذلك.
- المبالغة في الحديث عن الإنجازات والمواهب.
- الانشغال الدائم بالخيالات والأحلام حول النجاح والسلطة والذكاء والجمال أو حتى الشريك المثالي.
- الإيمان بالتفوّق الذاتي وبأنّه (النرجسي) يجب أن يتعامل مع أشخاص من نفس المستوى الرفيع الذي ينتمي إليه.
- الاستحواذ على الحوارات والتقليل من شأن الأشخاص الذين يراهم (النرجسي) أدنى منزلة منه.
- توقّع الحصول على معاملة خاصّة والامتثال لتوقّعاته وطموحاته.
- استغلال الآخرين للحصول على ما يريده.
- العجز (أو عدم الرغبة) في التعرّف على حاجات الآخرين ومشاعرهم.
- الشعور الدائم بالغيرة من الآخرين والإيمان بأنهم يغارون منه أيضًا.
- الغرور والتصرّف بطريقة متعجرفة ومتعالية.
- الإصرار الدائم على الحصول على الأفضل دائمًا (مثلاً أفضل سيارة في العالم، أو أفضل منصب في العمل…الخ).
في الوقت ذاته يواجه النرجسيون مشكلة في التعامل مع أيّ تصرّف فيه انتقاد لهم، ويمكن أن تظهر عليهم أعراض مثل:
- نفاذ الصبر ومشاعر الغضب في حال عدم معاملتهم على نحو خاصّ.
- مشاكل في علاقاتهم الشخصية والشعور بالإهمال بسهولة.
- ردود فعل عدوانية أو إظهار الازدراء والتقليل من شأن الآخرين لإشعار أنفسهم بأنهم أعلى منزلة.
- صعوبة إدارة المشاعر والسلوكيات.
- مواجهة مشاكل كبيرة في السيطرة على التوتر والتكيف مع المتغيرات.
- الاكتئاب، الإحباط وتقلّب المزاج نظرًا لعدم وصولهم إلى الكمال.
- امتلاك مشاعر خفية بعدم الأمان والعار والضعف وكذلك الإهانة والذلّ.
أنواع الشخصية النرجسية
يتضمّن اضطراب الشخصية النرجسية أنواعًا متعدّدة، تشمل الآتي:
1- الشخصية النرجسية الصحية
من الشائع جدًا أن نعتقد أن النرجسية هي صفة سلبية بالكامل، مرتبطة بالغرور والأنانية المفرطة. ولكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك. فالنرجسية، مثل العديد من الصفات الإنسانية، تقع على نطاق واسع، بدءًا من مستويات صحية وإيجابية وصولاً إلى اضطراب الشخصية النرجسية الذي يتطلب تدخلاً متخصصًا.
إن امتلاك بعض السمات النرجسية، مثل الثقة بالنفس والإعتزاز بالإنجازات، لا يعني بالضرورة أن الشخص مصاب باضطراب. فلكي يتم تشخيص هذا الاضطراب، يجب أن يستوفي الفرد مجموعة محددة من المعايير، بما في ذلك ظهور 55% على الأقل من الأعراض المميزة لهذا الاضطراب.
هذا يعني أن معظمنا، إن لم يكن جميعنا، يمتلك قدرًا معينًا من السمات النرجسية الإيجابية التي تساعدنا على الشعور بالرضا عن أنفسنا وتحقيق أهدافنا. ومع ذلك، عندما تتجاوز هذه السمات حدودًا معينة وتؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية والحياة المهنية، فإنها تتحول إلى مشكلة تستدعي المعالجة.
تؤكد المعالجة المعرفية أليسا مانكاو على أن النرجسية الصحية هي عنصر أساسي في بناء الثقة بالنفس والرضا عن الحياة. فهي تشبه شمعة صغيرة تضيء دواخلنا، فتمنحنا الفخر بإنجازاتنا وتدفعنا للمشاركة في بناء مجتمع أفضل. هذه النرجسية الصحية ليست مجرد غرور أو حب الذات المفرط، بل هي اعتراف بقدراتنا وإمكاناتنا، وهي شعور طبيعي ومبرر.
عندما نشعر بالفخر بإنجازاتنا، فإننا نشجع أنفسنا على تحقيق المزيد، ونصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والصعاب. علاوة على ذلك، فإن النرجسية الصحية تساعدنا على بناء علاقات اجتماعية صحية، حيث نشعر بالانتماء والقبول، ونستطيع أن نقدم الدعم والمساعدة للآخرين.
2- نرجسية العظمة Grandiose Narcissism
تُعتبر نرجسية العظمة من أبرز الأنواع التي تندرج تحت مظلة اضطراب الشخصية النرجسية، إذ تتطابق بشكل كبير مع المفهوم العام للنرجسية. في حقل علم النفس، تشير العظمة إلى ذلك الشعور المتضخم وغير الواقعي بالتفوق الذي يترسخ في نفس الفرد.
وبالتالي، فإن نرجسية العظمة، التي يُطلق عليها أحيانًا النرجسية الصريحة، تتجسد في مبالغة الشخص في تقدير قدراته وإمكانياته، واعتقاده الراسخ بتميزه عن الآخرين، الأمر الذي يدفعه إلى السعي الدائم للهيمنة والسيطرة.
هذا الشعور المتضخم بالذات يتجلى في سلوكه، حيث يسعى جاهداً للحصول على الإعجاب والإشادة من الآخرين، ويجد صعوبة في التعاطف مع مشاعرهم واحتياجاتهم، مما يؤثر سلبًا على علاقاته الاجتماعية.
إن نرجسية العظمة هي انعكاس صارخ لمركزية الذات، حيث يتجلى بوضوح سلوك الشخص النرجسي في التفاخر المبالغ فيه بإنجازاته المزعومة، والشعور الدائم بالاستحقاق، والهوس بالانطباع الذي يتركه لدى الآخرين.
هذا السلوك المتغطرس يتجاوز حدود الاعتدال، إذ يسيطر على تصرفات الشخص النرجسي حتى في تعاملاته مع الآخرين، حيث يهمش مشاعرهم واحتياجاتهم، ويستغلهم لتحقيق مكاسبه الشخصية دون أدنى مراعاة لآرائهم أو وجهات نظرهم، مما يخلق جوًا من التوتر والصراع في العلاقات الاجتماعية.
3- النرجسية الهشة Vulnerable Narcissism
النرجسية الهشة، أو ما يُعرف بالنرجسية الخفية، حالة نفسية معقدة تتسم بوجهين متناقضين. فمن الخارج، يظهر الشخص النرجسي الهش خجولًا ومنطويًا على نفسه، بعيدًا عن الأضواء والصخب الذي يرتبط عادة بالنرجسية العظيمة. إلا أنّ هذا الانطواء يخفي بداخله عالمًا من المشاعر المضطربة والتوق الشديد للاعتراف والتقدير.
وفقًا للدراسات النفسية، يعاني الأشخاص المصابون بالنرجسية الهشة من حساسية مفرطة تجاه انتقادات الآخرين وتقييماتهم، مما يجعلهم عرضة للإحباط والشعور باليأس. فهم يتوقون بشدة إلى إعجاب الآخرين بهم، ولكنهم في الوقت نفسه يخشون الرفض والإهانة. هذا التناقض الداخلي يؤدي إلى سلوك دفاعي، حيث قد يهاجمون الآخرين أو ينسحبون اجتماعيًا لتجنب مواجهة مشاعرهم السلبية.
إنّ النرجسية الهشة ليست مجرد غرور مبالغ فيه، بل هي اضطراب نفسي معقد يتطلب فهماً عميقًا. فالشخص النرجسي الهش يعيش صراعًا داخليًا بين الرغبة في التميز والاعتراف والخوف من الفشل والرفض. هذا الصراع يؤثر بشكل كبير على علاقاتهم الشخصية وحياتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر الأشخاص المصابون بالنرجسية الهشة بمشاعر عميقة من الحسد والغيرة على الآخرين، خاصةً أولئك الذين يحظون بالنجاح أو الاهتمام. فهم يميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين بشكل سلبي، مما يعزز شعورهم بالنقص وعدم الكفاءة.
4- النرجسية الخبيثة Malignant Narcissism
تعتبر النرجسية الخبيثة أخطر تجليات اضطراب الشخصية النرجسية، حيث يتحول الفرد النرجسي إلى كائن عدواني يستمد لذته من إيذاء الآخرين. يمتلك النرجسي الخبيث قدرة هائلة على التلاعب بالعواطف وتدمير الثقة بالنفس لدى من حوله.
فبدلاً من الشعور بالتعاطف مع معاناة الآخرين، يستمتع النرجسي الخبيث برؤيتهم يتألمون ويعانون، ويسعى جاهداً إلى تحقيق ذلك بأي وسيلة ممكنة، مما يجعله يشكل تهديداً حقيقياً على العلاقات الاجتماعية والسلام النفسي للآخرين.
5- النرجسية الجسدية Somatic Narcissism
الشخص النرجسي الجسدي يعيش في عالم يدور حول مرآته. فهو مفتون بجسده ومظهره الخارجي إلى حد الهوس، ويقضي وقتًا طويلاً في العناية به وتزيينه. هذا الانشغال الزائد بالمظهر الجسدي يجعله شديد الحساسية لأي انتقاد موجه إليه، ويقوده إلى انتقاد الآخرين بدوره، مستندًا إلى معايير جمالية صارمة يضعها لنفسه.
هذا النرجسي يرى نفسه معيارًا للجمال والكمال، ويقارن الآخرين به بشكل سلبي، مما يؤدي إلى شعورهم بالنقص وعدم القيمة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يفتقر النرجسي الجسدي إلى القدرة على التعاطف مع الآخرين، فهو منشغل جدًا بنفسه واحتياجاته لدرجة أنه يتجاهل مشاعر وأحاسيس من حوله، ويضع رغباته وأولوياته فوق كل شيء.
6- النرجسية العقلية Cerebral Narcissism
النرجسي العقلي، هذا الفيلسوف المتوهم، يبني هويته الهشة على رصيف من الذكاء المتوهم. يعتقد بعمق، وبغرور لا يضاهى، أنه يقف على قمة هرم العبقرية، وأن عقله هو معبد الحكمة الذي لا يُضاهى. يتغذى هذا النوع من النرجسيين على إعجاب الآخرين بذكائه، فيعرض عضلاته الفكرية في كل مناسبة، متباهيًا بمعارفه الواسعة وحججه المقنعة.
لكن وراء هذا القناع اللامع، يكمن قلبٌ جريحٌ يشعر بالدونية، فيسعى جاهدًا لإثبات تفوقه بتحقير عقول الآخرين، محاولًا هدم ثقتهم بأنفسهم ليشعر هو بالارتياح.
7- النرجسية الروحانية Spiritual Narcissism
يمثل النرجسيون الروحانيون نمطاً فريداً من التلاعب النفسي، حيث يستغلون مفاهيم الروحانية المقدسة لتبرير سلوكهم المؤذي وتضليل الآخرين. وراء القناع الروحاني الذي يتباهون به، يكمن فردٌ يعاني من جروح نفسية عميقة وشعور بالتفوق الزائف. فهم يسعون جاهدين لبناء صورة مثالية عن أنفسهم، صورة تتناقض بشكل صارخ مع واقعهم الداخلي الهش.
لتحقيق هذا الهدف، يلجأ النرجسيون الروحانيون إلى استراتيجيات عديدة، منها استخدام لغة روحانية معقدة ومبهمة لإرباك محاوريهم وإقناعهم بعمق فهمهم للكون. كما يتلاعبون بمعاني المفاهيم الروحانية لتناسب أغراضهم الذاتية، فيحولونها إلى أدوات للسيطرة والتلاعب بالآخرين. إنهم يسعون جاهدين لتقليل شأن من حولهم روحياً، معتبرين أنفسهم أرقى وأكثر تنويرًا. وبهذه الطريقة، يحاولون إخفاء عيوبهم ونقصهم وراء ستار من الكمال الروحاني الذي يسعون إليه بشدة.
كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية
التعامل مع الشخصية النرجسية يتطلب مرونة كبيرة، إذ لا تتشابه جميع الحالات. بعض الأشخاص النرجسيين قد يعرضون سلوكيات أقل حدة، مما يجعل التعامل معهم أكثر سلاسة. ومع ذلك، قد يواجه المرء أيضًا أفرادًا يعانون من اضطراب نرجسي حاد، الأمر الذي يستدعي اتباع استراتيجيات مختلفة.
فهم طبيعة الشخصية النرجسية وتدرج أعراضها هو الخطوة الأولى نحو بناء استجابات فعالة، سواء كانت تهدف إلى إدارة التفاعلات اليومية أو إلى حماية النفس من الأذى النفسي. وهنا يمكنك اتباع أيّ من النصائح التالية في التعامل معه:
1- انظر إليهم على حقيقتهم
يمتلك الأشخاص النرجسيون سحراً خاصاً في التواصل، فحين يرغبون في ذلك، يستطيعون أن يسلبوا انتباهك بأحاديثهم المعسولة وأفكارهم العظيمة ووعودهم الجذابة، مما يجعلك تشعر بالإعجاب والإنجذاب لهم. هذه القدرة على التأثير على الآخرين قد تمكنهم من تحقيق شهرة واسعة، خاصة في بيئات العمل التي تعتمد على الكاريزما والقدرة على الإقناع.
ولكن، خلف هذا القناع اللامع، قد تكمن حقيقة مختلفة تماماً. فالنرجسيون، وبالرغم من قدرتهم على بناء علاقات سطحية مبنية على الإعجاب المتبادل، إلا أنهم في العمق يفتقرون إلى القدرة على بناء علاقات عميقة ومستدامة. قد تجدهم يتلاعبون بالآخرين، ويكذبون، ويقللون من شأنهم، وذلك من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو لتعزيز صورتهم الذاتية المثالية.
وبما أن النرجسيون يركزون بشكل أساسي على أنفسهم واحتياجاتهم، فإنهم غالباً ما يتجاهلون مشاعر واحتياجات الآخرين. لذا، إذا حاولت طرح أي مخاوف أو مشاكل تواجهك في العلاقة مع شخص نرجسي، فستجد أن ردود أفعاله تكون غالباً عدوانية أو متجاهلة. قد يحاول تحويل الحديث عن نفسه أو التقليل من أهمية ما قلته.
لذلك، من المهم أن تتذكر دائماً أن النرجسيين يضعون مصالحهم الشخصية في المقام الأول، وأن أي محاولة لتغيير سلوكهم أو جعلهم يدركون تأثيرهم السلبي على الآخرين ستكون غالباً عقيمة. لذا، فإن الخطوة الأولى في التعامل مع الشخص النرجسي هي قبول حقيقة أن هذا هو نمط شخصيته، وأن محاولة تغييره ستكون مضيعة للوقت والجهد.
2- اكسر الحلقة وتوقف عن التركيز عليهم
الشخص النرجسي يمتلك قدرة غريبة على جذب الأنظار إليه، كالمغناطيس الذي يجذب المعادن، ففي كل تفاعل معه، تشعر وكأن بقية العالم يتلاشى، وتركيزك ينصب كله عليه. هذا لا يحدث بالصدفة، بل هو نتيجة لجهود متعمدة يبذلها النرجسي للحفاظ على مكانته كمركز الاهتمام، سواء من خلال إنجازاته الحقيقية أو المبالغ فيها، أو من خلال خلق الدراما واللعب على عواطف الآخرين.
قد يبدو الأمر وكأنك تنجذب إليه طواعية، ولكن الحقيقة هي أنك تقع في شرك من الحيل النفسية التي يستخدمها لإرضاء حاجته المفرطة للإعجاب والتقدير. وبمجرد أن تدخل في هذا الشرك، ستجد نفسك تنسى احتياجاتك ورغباتك، وتضحي بكل شيء من أجل إسعاده.
قد تحاول فيما بعد التحرر من هذا الوضع، لكنك ستجد صعوبة بالغة في ذلك، فالنرجسي ماهر في الحفاظ على قبضته على الآخرين. لذلك، من الأهمية بمكان أن تكون حذراً منذ البداية، وأن تدرك أنك لست مضطراً لإرضاء النرجسي أو إصلاحه. تذكر دائماً أنك كائن مستقل، ولديّك قيمتك الخاصة، وأهدافك التي تسعى لتحقيقها.
لا تدع سلوكيات النرجسي تجعلك تشكك في نفسك أو تقلل من شأنك. أنت تستحق أن تكون سعيداً ومحبوباً، ولا تحتاج إلى موافقة أي شخص آخر لتحقيق ذلك.
3- دافع عن نفسك
في خضم تلاطم الأمواج العاطفية والاجتماعية، قد يبدو الصمت ملاذًا آمنًا، ملاذًا نلوذ به حينما تعصف بنا عواصف الكلمات الجارحة والأفعال المؤذية. فكثيرًا ما نسمع المقولة الحكيمة: “اختر معاركك بحكمة”، وهي دعوة إلى التروي والتفكير العميق قبل الرد على الاستفزازات.
ولكن، هل الصمت هو الحل الأمثل في جميع الحالات؟ الإجابة ليست بسيطة، فهي تتوقف على طبيعة العلاقة التي تربطنا بالآخر، وعلى شخصية الشخص الذي نواجهه. فالتعامل مع شخص نرجسي، مثلاً، يتطلب حكمة ودراية أكبر، إذ يستمتع هؤلاء الأشخاص بإثارة المشاعر السلبية فينا، ويزدادون إصرارًا على مواصلة سلوكهم المؤذي إذا ما أظهروا أي رد فعل منا يدل على الضعف أو الانزعاج.
لذا، يجب علينا أن نكون حذرين في تعاملنا معهم، وأن نحرص على عدم إعطائهم أي مؤشر على أننا قد تأثرنا بكلماتهم أو أفعالهم.
أما إذا كان الشخص الذي نواجهه شخصًا عزيزًا علينا، وكنّا نرغب في الحفاظ على علاقتنا به، فمن الضروري أن نتحدث معه بصراحة ووضوح حول ما يزعجنا، وأن نعبر عن مشاعرنا بطريقة هادئة وواضحة، مع التركيز على تأثير سلوكه السلبي على علاقتنا.
يجب أن نكون مستعدين لحقيقة أن الشخص الآخر قد لا يستجيب لتلك المحادثة بالطريقة التي نأملها، وقد لا يكون مستعدًا لتغيير سلوكه. ومع ذلك، فإن محاولة التواصل المفتوح والصريح هي الخطوة الأولى نحو حل المشكلة، وهي أفضل من أن نسمح للغضب والاستياء بالتراكم بداخلنا.
4- ضع حدودا واضحة
الشخص النرجسي، غارقٌ في عالمه الخاص، يرى نفسه محور الكون. هذا الانشغال الذاتي يدفعه إلى الاعتقاد بأنه يحق له كل شيء، سواء كان ذلك انتهاكًا لخصوصيتك أو فرضًا لرأيه عليك. قد تجده يتدخل في شؤونك الشخصية، يقدم لك النصائح غير المرغوب فيها، ثم يتفاخر بدوره في نجاحاتك، وكأنها منحة منه لك.
قد يجبرك على مشاركة أسرارك في الأماكن العامة، دون مراعاة لخصوصيتك أو لراحتك. هذه التصرفات تنبع من قناعته بأن الآخرين مجرد أدوات لخدمة مصالحه.
لذا، فإن التعامل مع شخص نرجسي يتطلب وضع حدود واضحة وحازمة. يجب عليك أن تحدد بوضوح ما هو مقبول وما هو غير مقبول في التعامل معك، وأن توضح العواقب التي ستترتب على تجاوز هذه الحدود. لا تكتفِ بتحديد هذه الخطوط الحمراء، بل عليك أن تكون مستعدًا لتنفيذ التهديدات التي توجهها.
إذا قلت إنك ستنهي العلاقة في حال تكرر السلوك غير المقبول، فعليك أن تفعل ذلك بالفعل. وإلا، فإن الشخص النرجسي سيعتبر تهديداتك مجرد كلام فارغ، وسيستمر في تصرفاته الاستفزازية. تذكر أن الحزم والوضوح هما السلاحان الأفضل في مواجهة النرجسية.
5- توقع الرد المعاكس من النرجسي
إن وقفت في وجه شخص نرجسي، فاعلم أنك تخوض لعبة شطرنج مع خصم ماهر. بمجرد أن تدافع عن نفسك وترسم حدوداً واضحة، ستجد نفسك في مواجهة رد فعل مضاد.
قد يحاول النرجسي قلب الأدوار، وجعلك تشعر بالذنب، أو حتى يزيد من هجماته عليك. هذا التفاعل المتوقع هو جزء من نمط سلوكه، فهو يرى أي تحدٍ لسلطته كتهديد يجب مواجهته. لذا، كن مستعدًا لهذا السيناريو، وثابر على موقفك، فالتراجع خطوة واحدة قد يكلفك الكثير في المستقبل، وقد يشجعه على تكرار هذا السلوك.
6- تذكر أنك لست مخطئا
الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية غالباً ما يواجه الآخرين بجدار دفاعي سميك يحول بينه وبين الاعتراف بأخطائه أو تحمل مسؤولية أفعاله المؤذية. بدلاً من ذلك، فإنه يسعى جاهداً لتبرئة نفسه من أي خطأ، وغالباً ما يلجأ إلى عكس الاتهامات عليك أو على أي شخص آخر، محاولاً تحميلهم المسؤولية عن الأذى الذي تسبب به.
هذا السلوك المتلاعب قد يدفعك إلى محاولة الحفاظ على السلم في العلاقة من خلال تحمل اللوم عن الأمور التي لم تقع تحت مسؤوليتك. ولكن من المهم أن تتذكر أن هذا التنازل عن نفسك لإرضاء غروره لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة وتقويض احترامك لذاتك. فالتعايش مع شخص نرجسي يتطلب حدوداً واضحة وحازمة، والاعتراف بأنك لست مسؤولاً عن أفعاله أو مشاعره هو الخطوة الأولى نحو حماية صحتك النفسية.
7- قم ببناء نظام داعم
إذا وجدت نفسك عاجزًا عن قطع علاقتك بشخص نرجسي، فمن الضروري أن تعمل جاهدًا على بناء شبكة دعم قوية حولك. إن الانخراط في علاقة سامة مع شخص يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية يمكن أن يستنزف طاقتك العاطفية والنفسية، ويؤثر سلبًا على صحتك العقلية.
لذا، حاول قدر الإمكان أن توزع وقتك وطاقتك على علاقات صحية ومغذية. قم بإعادة إشعال شمعة الصداقة مع أصدقائك القدامى، أو ابحث عن وجوه جديدة لتضيفها إلى دائرة معارفك. يمكنك أيضًا أن تقوي أواصر العائلة، وأن تخصص وقتًا أطول للتواصل مع أحبائك. إذا كانت دائرة معارفك محدودة، فلا تيأس.
انضم إلى مجموعة هوايات، أو تطوع في عمل خيري؛ فهذه الأنشطة ستوفر لك فرصًا مثالية للتعرف على أشخاص جدد وتكوين صداقات جديدة. تذكر دائمًا أن بناء علاقات إيجابية هو استثمار في صحتك النفسية ورفاهيتك. اسعَ إلى خلق بيئة اجتماعية تدعمك وتشجعك، وتساعدك على تجاوز التحديات التي تواجهها في علاقتك مع الشخص النرجسي.
8- ركز على رد الفعل الفوري بدلا من الوعود
النرجسيون، أبطال الوعود الكاذبة، يتقنون فن إغراء ضحاياهم بوعود براقة لا يقصدون الوفاء بها. فبابتسامة عريضة وكلمات دُبّاقَة، سيَعِدُونكَ جبالاً من الذهب، ويتعهدون بتغيير سلوكهم تمامًا ليلائم رغباتك. قد تبدو نواياهم صادقة في البداية، لكن الحقيقة المرة هي أن هذه الوعود ليست سوى أدوات يستخدمونها للسيطرة عليك وتحقيق مصالحهم الشخصية.
فالنرجسي يرى فيك أداة لتحقيق أهدافه، وليس شخصًا له قيمة بحد ذاته. وبمجرد أن يحصل على ما يريد، سيتلاشى اهتمامه بك وبوعوده السابقة. لذا، من الضروري أن تكون حذرًا جدًا عند التعامل مع شخص نرجسي، وأن تضع حدودًا واضحة منذ البداية.
حدد بدقة ما تتوقعه من النرجسي، وأخبره بشكل صريح أنك لن تستمر في العلاقة إلا إذا التزم بوعوده. لا تتردد في مطالبة النرجسي بتحمل مسؤولية أفعاله وكلامه، ولا تخف من إنهاء العلاقة إذا لم يقم بتغيير سلوكه.
تذكر أنك تستحق أن تعامل باحترام وتقدير، وأنك لست مضطرًا لتحمل سوء معاملة أي شخص، مهما كان. فالنرجسيون قد يكونون جذابين في البداية، لكنهم في النهاية سيسببون لك الكثير من الألم والمعاناة.
باختصار، لا تدع النرجسي يستغل طيبتك وسذاجتك. كن قويًا، وحافظ على كرامتك، وابتعد عن أي شخص يحاول خداعك أو استغلالك.