الشيوعية والاشتراكية مصطلحان غالبًا ما يستخدمان بالتبادل، ولكن هل هما حقًا وجهان لعملة واحدة؟ على الرغم من وجود تشابهات جوهرية بينهما، إلا أن هناك فروقًا مهمة تفصل بين هذين النظامين الاقتصادي والاجتماعي. في هذا المقال، سنتعمق في هذه الفروق ونستكشف أصول كل منهما وأهدافه.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية
تعتبر الاشتراكية والشيوعية، وفقًا للنظرية الماركسية، مرحلتين متتاليتين في تطور المجتمع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. فحسب ماركس وإنجلز، يمر المجتمع بعدة مراحل تطورية ينتهي إلى المجتمع الشيوعي الذي يخلو من الطبقات الاجتماعية. ويعد النظام الاشتراكي بمثابة مرحلة انتقالية ضرورية للوصول إلى هذا المجتمع المثالي، حيث يتم فيها تحويل وسائل الإنتاج من الملكية الخاصة إلى الملكية الجماعية، وتقليص الفوارق الطبقية.
وبالتالي، فإن الشيوعية هي الهدف النهائي للاشتراكية، وهي تمثل المجتمع المثالي الذي يتم فيه توزيع الثروة حسب الحاجة وليس حسب العمل. وعلى الرغم من التطور التاريخي المتسلسل بين الاشتراكية والشيوعية، إلا أن كليهما يعتبران في الأساس نظامين اقتصاديين يركز كل منهما على تنظيم الإنتاج والتوزيع بطرق تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
لطالما سعى كل من النظام الشيوعي والاشتراكي إلى تحقيق هدف مشترك يتمثل في إقامة مجتمع قائم على العدالة الاجتماعية، وهو هدف غاب تمامًا في النظام الرأسمالي الذي يعتمد على مبدأ المنافسة الحرة دون قيود. ففي ظل الرأسمالية، تسود حرية العمل بشكل مطلق، مما يؤدي إلى ظهور طبقة غنية تمتلك وسائل الإنتاج والسلطة السياسية، وهي ما تعرف بالبرجوازية، مقابل طبقة عاملة فقيرة ومستغلة تُعرف بالبروليتاريا – وهو مصطلح اشتراكي الأصل. هذا التفاوت الشديد في الثروة والسلطة يؤدي إلى استغلال الطبقة العاملة من قبل البرجوازية، وتراكم الثروات في أيدي القلة على حساب الأغلبية.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث المبادئ
تأسس المفهوم الاشتراكي على فكرة أساسية تتمثل في وصول الطبقة العاملة (البروليتاريا) إلى سدة الحكم، وهو هدف لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يتطلب عملية تحول اجتماعي واقتصادي تدريجي. وقد أكد كارل ماركس، مؤسس الماركسية، على أن الانتقال من النظام الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي هو عملية تاريخية طويلة.
وضمن هذا النظام، تتولى الدولة حماية الملكية العامة لوسائل الإنتاج، مما يعني أن وسائل الإنتاج الأساسية كالمدن والمصانع تكون مملوكة للدولة لخدمة مصالح المجتمع ككل. بالإضافة إلى ذلك، تضمن الدولة الاشتراكية حماية حقوق وحريات الأفراد والحفاظ على القانون والنظام. ومع ذلك، فقد انتقد البعض الاشتراكية بحجة أنها تميل إلى إهمال الفرد لصالح الجماعة، وذلك استنادًا إلى تأكيد ماركس على أهمية المصلحة الجماعية. إلا أن هذا التصور لا يعكس حقيقة النظام الاشتراكي، الذي يسعى في جوهره إلى تحقيق التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع.
تعتبر الشيوعية، وفقًا للمفهوم الماركسي، المرحلة النهائية للتطور الاجتماعي التي تتلو المرحلة الاشتراكية. فإذا كانت الاشتراكية تتميز بسيادة البروليتاريا وسيطرتها على وسائل الإنتاج، فإن الشيوعية تذهب أبعد من ذلك بإلغاء الطبقات الاجتماعية بشكل كامل. وبالتالي، فإن المجتمع الشيوعي هو مجتمع بلا طبقات، ولا توجد فيه ملكية خاصة لوسائل الإنتاج، بل تكون الملكية جماعية.
ومن الجدير بالذكر أن مفهوم الشيوعية لا يقتصر على هذه المرحلة النهائية، بل يشمل أيضًا مرحلة أقدم تسمى “الشيوعية البدائية” أو “المشاعية البدائية”، وهي مرحلة تاريخية سادت فيها الملكية الجماعية للأرض ووسائل الإنتاج، ولم يكن هناك فائض إنتاج أو استغلال للإنسان للإنسان.
فائض القيمة هو الفرق بين القيمة الكلية التي ينتجها العامل وبين الأجر الذي يتقاضاه مقابل عمله. بمعنى آخر، هو القيمة الإضافية التي يضيفها العامل إلى المنتج النهائي والتي يستفيد منها صاحب العمل. فالعامل يعمل لفترات طويلة وينتج كميات كبيرة من السلع، بينما يتلقى أجرًا محدودًا لا يعكس قيمة إنتاجه الفعلية.
هذه الفجوة بين الأجر وقيمة الإنتاج هي ما يطلق عليه فائض القيمة، والذي يمثل أساس الربح في النظام الرأسمالي. على النقيض من ذلك، كان المجتمع المشاعي البدائي يعتمد على التعاون والتضامن بين أفراده، حيث كان الإنتاج يتم بشكل جماعي ولم تكن هناك فكرة عن الملكية الفردية أو استغلال فئة على حساب أخرى، وبالتالي لم يكن هناك وجود لفائض القيمة بهذا المعنى.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث النظر إلى الدين
لم تظهر الأديان بوصفها منظومات متكاملة ومترابطة إلا في مراحل متأخرة من تطور المجتمعات البشرية. وباتباع هذا النموذج التاريخي، تم استغلال الدين لأغراض سياسية في مراحل مختلفة من التاريخ، لا سيما في العصر الرأسمالي حيث تم تبرير تراكم الثروات في أيدي قلة قليلة من خلال ادعاءات دينية حول قدر الله وقضائه. وقد بلغ هذا الاستغلال ذروته في مرحلة الإمبريالية، حيث تم توظيف الدين لتبرير السيطرة الاستعمارية والهيمنة الاقتصادية على الشعوب الأخرى.
رفض ماركس وإنجلز بشكل قاطع أي شكل من أشكال توظيف الدين في بناء المجتمع الاشتراكي أو الشيوعي، فإذا كانت الفلسفة الماركسيّة تقوم على أسُس ماديّة بحتة وتتعارض مع الخط المثالي في تاريخ الفلسفة، فمن المستحيل تقاطُع الدّين مع الماركسية، يقول ماركس وإنجلز: الدّين هو انعكاس خياليّ مقلوب للواقع في أذهان الناس لتلك القوى الخارجية المُسيطرة عليهم في حياتهم اليومية، وهو انعكاس تتّخذ فيه القوى الأرضية شكل القوى اللّاأرضية.
إذًا من الصّعب الحديث عن علاقة كلّ من الاشتراكية والشيوعيّة مع الدين, على الرغم من بروز حركة بين مُفكّري القرن العشرين العرب عن العلاقة بين الاشتراكية والإسلام، كوْن الإسلام أيضًا حارب الاستغلال وتراكُم الثروة في أيدي جزء من الناس دون غيرهم.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث النظرة للفرد
تأسيسًا على مبدأ أن مساهمة الفرد في المجتمع تتناسب مع قدراته، تدعو كل من الشيوعية والاشتراكية إلى مركزية المؤسسات الاقتصادية تحت سيطرة حكومة الحزب الواحد، مما يؤدي إلى إلغاء القطاع الخاص واستحواذ الدولة على أدوات الإنتاج وتخطيط الاقتصاد بشكل كامل. ومع ذلك، تكمن الفروق الجوهرية بين النظامين في توزيع الثروة: ففي النظام الشيوعي، يتم توزيع الموارد على الأفراد وفقًا لاحتياجاتهم، بغض النظر عن مساهمتهم في الإنتاج. بعبارة أخرى، في المجتمع الشيوعي المثالي، لن يكون هناك مال، بل ستقوم الدولة بتوفير الاحتياجات الأساسية كالمأكل والملبس والمسكن لكل فرد وفقًا لتقديرها لحاجته الفعلية.
على عكس الشيوعية التي تسعى إلى توزيع الثروة بالتساوي بغض النظر عن مقدار الجهد المبذول، تقوم الاشتراكية على مبدأ المكافأة مقابل العمل، أي أن كل فرد يحصل على أجر يتناسب مع مساهمته في الإنتاج. هذا يعني أن الأشخاص المجتهدين والمنتجين يحصلون على مكافأة أكبر من غيرهم. يرى منتقدو الشيوعية أن هذا التفاوت في الأجور يشجع الأفراد على العمل بجد وابتكار، مما يزيد الإنتاجية ويحقق التقدم الاقتصادي.
في المقابل، يرون أن النظام الشيوعي الذي يدعو إلى المساواة التامة في التوزيع قد يؤدي إلى تراجع الدافع للعمل بجد، حيث يعتقد البعض أن جهودهم لن تؤدي إلى أي مكافأة إضافية. ومع ذلك، يرى ماركس أن الحاجة إلى الحياة والاستمتاع بها هي دافع كافٍ للعمل والإبداع، وأن الإنسان بطبيعته يسعى إلى تحقيق ذاته وتحسين ظروفه المعيشية، حتى في ظل نظام شيوعي يضمن له الأساسيات.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث النظرة للمجتمع
تكمن الفروق الجوهرية بين الشيوعية والاشتراكية في نظرتيهما للملكية. فبينما تدعو الشيوعية إلى إلغاء الملكية الفردية وإقرار مبدأ الملكية الجماعية لجميع وسائل الإنتاج والثروة، حيث لا يملك الفرد أي ممتلكات خاصة، فإن الاشتراكية تتبنى مفهومًا أكثر مرونة للملكية، إذ تسمح للأفراد بامتلاك ممتلكات شخصية معينة، ولكنها تركز على جعل وسائل الإنتاج الكبرى مثل المصانع والمزارع ملكًا للدولة أو للعمال بشكل تعاوني. وعليه، فإن الشيوعية تمتد لتشمل منظومة سياسية واقتصادية شاملة، بينما تركز الاشتراكية بشكل أساسي على النظام الاقتصادي، وإن كانت قد ارتبطت في بعض الأحيان بأيديولوجيات سياسية معينة.
تتميز الشيوعية والاشتراكية بفارق جوهري فيما يتعلق بالدين والطبقات الاجتماعية والانتقال إلى الأنظمة الاقتصادية الأخرى. فبينما ترفض الشيوعية الدين بشكل قاطع وتسعى إلى إلغائه، فإن الاشتراكية تتسامح مع حرية المعتقد الديني. وعلى صعيد الطبقات الاجتماعية، تسعى الشيوعية إلى تحقيق المساواة التامة بين جميع أفراد المجتمع، حيث يتم إلغاء الفروق الطبقية تمامًا.
أما الاشتراكية فترى أن تحقيق المساواة المطلقة قد يكون صعبًا، وتسمح بوجود فروق مادية بين الأفراد شريطة أن تكون هذه الفروق عادلة. وفيما يتعلق بالانتقال إلى الرأسمالية، ترى الشيوعية أن هذا الانتقال يؤدي إلى تدمير النظام الاقتصادي، بينما ترى الاشتراكية إمكانية الانتقال التدريجي إلى نظام اقتصادي مختلط يجمع بين عناصر من الرأسمالية والاشتراكية.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث النظام الاقتصادي
تتميز العلاقات الإنتاجية الاشتراكية بقدرتها الفريدة على تخطيط الإنتاج على نطاق واسع، وذلك لكون وسائل الإنتاج مملوكة بشكل جماعي للمجتمع. هذا التملك الجماعي يجعل من الممكن تخطيط كيفية استخدام هذه الوسائل لتلبية احتياجات المجتمع بأكمله، بدلاً من تركها رهينة لقوى السوق العشوائية.
على النقيض من ذلك، في ظل النظام الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة، يقتصر التخطيط الإنتاجي على نطاق ضيق، كالمصنع الفردي أو الصناعة الاحتكارية، ولا يشمل المجتمع ككل. وبالتالي، فإن الاشتراكية تقدم رؤية أكثر شمولية وتنظيماً للاقتصاد. علاوة على ذلك، تسعى الشيوعية، كأحد تيارات الاشتراكية، إلى القضاء على تقسيم العمل التقليدي الذي يؤدي إلى انفصال العمل الفكري عن العمل اليدوي. وبهذا، تصبح العمل ضرورة حياتية أساسية، وليس مجرد وسيلة لكسب العيش، مما يساهم في تحقيق تطور شامل للإنسان والمجتمع.
يهدف التخطيط الاشتراكي إلى تحقيق الرفاهية للجميع بتلبية احتياجات كل فرد في المجتمع، وهو هدف سامٍ يتطلب وقتًا طويلًا لتحقيقه، إذ يستلزم نموًا اقتصاديًا هائلاً يتجاوز بكثير النمو الذي تشهده النظم الرأسمالية. نظرًا لحدود الإنتاج في المراحل الأولى من المجتمع الاشتراكي، يتم توزيع المنتجات وفقًا لمبدأ “لكل حسب عمله و قدرته”، بمعنى أن كل فرد يحصل على مقابل ما يساهم به في الإنتاج. ومع ذلك، يتصور أصحاب هذا الفكر مرحلة متقدمة من المجتمع الشيوعي حيث يتحقق وفرة في الإنتاج إلى درجة تسمح بتطبيق مبدأ “لكل حسب حاجته”، أي أن كل فرد يأخذ من المنتج ما يحتاج إليه دون قيود، وذلك بعد أن تتجاوز قدرات الإنتاج حاجات المجتمع بكثير.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية من حيث النظام السياسي
لطالما اعتبر الحزب الشيوعي صوتًا حقيقيًا يعبر عن مصالح الحركة العمالية، بل هو الطليعة التي تقودها نحو تحقيق أهدافها. وقد تجسد هذا الدور بوضوح في افتتاح ماركس وإنجلز لبيانهما الشهير بشعار “يا عمال العالم اتحدوا”، والذي يؤكد على ضرورة توحد العمال تحت راية حزب واحد لضمان تحقيق مطالبهم المشروعة. فالحزب الشيوعي، بصفته تنظيمًا سياسيًا للعمال، يختلف عن الأحزاب البروليتارية الأخرى في نقطتين أساسيتين:
- في النضالات التي تقوم بها البروليتاريا من مختلف الأمُم، يضع الشيوعيّون في المقدمة ويبرزون المصالح المستقلّة عن الجنسية أي؛ العامّة الشاملة لجموع البروليتاريا.
- في مختلف مراحل التطوُّر التي يمرّ بها النضال بين البروليتاريا ضد البرجوازيّين، ويمثّل الشيوعيّون المصلحة العامّة للحركة بكاملها.