تاريخ الخلفاء الراشدين وأبرز الأحداث التي جرت في عهدهم

بعد انتقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، بدأت مرحلة محورية في تاريخ الإسلام تُعرف بعصر الخلافة الراشدة، وهي حقبة زمنية شهدت تولي أربعة من الصحابة الكرام منصب الخلافة، حيث تعاقب على قيادة الأمة الإسلامية كلٌّ من أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

وقد تميزت هذه الفترة باتباع الخلفاء الراشدين نهج الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته الشريفة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، حيث حرصوا على تطبيق تعاليم الإسلام وإرساء العدل والمساواة بين المسلمين، ولم ينحرفوا قيد أنملة عن سنته صلى الله عليه وسلم، بل بذلوا قصارى جهدهم في الحفاظ على حقوق المسلمين ورعاية مصالحهم.

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، مؤكداً على أهمية الاقتداء بهم في قوله: “عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدِينَ الهادِينَ عَضُّوا عليها بالنواجِذِ”، ما يُظهر المكانة الرفيعة للخلفاء الراشدين وأهمية سيرتهم في تاريخ الإسلام. وسنتناول في هذا البحث سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة بالتفصيل، مُسلطين الضوء على إنجازاتهم وجهودهم في خدمة الإسلام والمسلمين.

وفاة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-

امتدت دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، لتشمل جوانب الحياة كافة، حيث لم تقتصر على الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، بل تعدتها لوضع قواعد تأسيس دولة إسلامية متكاملة الأركان وإرساء معالم حكم مدنيّ رشيد، وذلك بعد مسيرة دعوية شاقة تخللتها مراحل سرية وعلنية، واجه خلالها الرسول صلى الله عليه وسلم صنوفًا من الأذى والتضييق، إلا أنه بعزيمة وثبات استطاع في نهاية المطاف تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، تلك المدينة التي احتضنت النواة الأولى للدولة بعد هجرته المباركة إليها، والتي مثلت حجر الأساس في بناء الدولة النبوية الشريفة.

هذه الدولة التي قامت على أسس قرآنية راسخة وحملت في طياتها معالم التسامح والرحمة والعدل والمساواة، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تقوية أركان الدولة وتثبيت دعائمها ونشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف حتى وافته المنية في العام الحادي عشر للهجرة.

مودعًا أمته ليستهل من بعده عهد الخلفاء الراشدين، الذين حملوا راية الإسلام وواصلوا مسيرة البناء والتطوير على نهج النبوة لمدة تقارب الثلاثين عامًا، حيث ساروا على هديه واقتفوا أثره في الحكم والإدارة ونشر الدعوة، وكانوا بحق خير خلف لخير سلف، تاركين إرثًا عظيمًا للأمة الإسلامية جمع بين قوة الدولة وسمو الأخلاق.

خلافة أبي بكر الصدّيق رضيَ الله عنه

بعدَ وفاةِ النبيّ عليهِ الصلاة والسلام اجتمعَ أمرُ المُسلمين في مجالس الشُورى وعند أهل الحلّ والعقد على اختيار صاحبِ النبيّ في الغار، وأوّل من آمن بهِ من الرجال، وصديقهُ في كلّ الأمور، وهوَ أبو بكر المُلقّب بالصدّيق عليهِ رضوانُ الله، وكانَ هذا الأمر في السنة الحادية عشرة للهجرة.

وقد واجهَ الصدّيق رضيَ الله عنه أزمةً عظيمة بعد أن تولّى خلافةَ الأمّة، تركّزت في ردّة بعض قبائل العرب عن الإسلام وذلك بعدَ وفاة النبيّ عليهِ الصلاة والسلام، فشنَّ عليهِم حُروباً ضارية أقامَ فيها حُكمَ الله فيهِم وردّ شاردهِم عن نارِ الكُفر وقضى على باغيهم ودُعاة الفتنة بينهُم.

استمرّت خلافةُ أبي بكر الصدّيق رضيَ الله عنه قرابة العامين؛ وهيَ الفترة من ربيع أوّل للسنة الحادية عشرة للهجرة وحتّى جُمادى الآخرة في السنة الثالثة عشرة للهجرة.

أبرز الأحداث التي جرَت في عهدِ أبي بكر الصدّيق

  • إنفاذ بعث أسامة بن زيد: كانَ رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم قد جهّزَ جيشاً لغزوِ الروم بالبلقاء وفلسطين، وفي هذا الجيش كِبار المُهاجرينَ والأنصار، وقد تجهّزَ هذا الجيش قبل أن تكونَ وفاةُ النبيّ عليهِ الصلاة والسلام بيومين، وجعلَ أسامةَ بن زيد قائداً على الجيش، وأمرَ الجيش بالسمع والطاعة له، وعندما تُوفيّ عليهِ الصلاةُ والسلام، توقّفَ هذا الجيش فلمّا كانَ اليومُ الثالث بعدَ وفاتهِ عليهِ الصلاةُ والسلام أمرَ أبو بكرٍ الصديق بتحريك هذا الجيش وانفاذ البعث كما وصّى بذلكَ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام على الرغم من مُعارضة البعض لحماية المدينة من هُجوم الأعراب والمُرتدين وأصحاب الغدر والانقلاب.
  • حُروب الردّة: شهدت الجزيرة العربيّة بعدَ وفاةِ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام ردّةً في بعض القبائل قادَها رموز الكُفر والضلال على رأسِهم مُسيلمة الكذّاب في اليمامة والذي ادّعى النبوّة، وكذلكَ الأسود العُنسيّ الذي ظهَرَ أمرهُ في اليمن، وكانَ من ضمن من ارتدَّ ولهُ أتباعٌ في الجُرم امرأةٌ تُدعى سجاح وهي من قبيلة بني تميم ظهرَ أمرُها في الجزيرة، وقد ساهمَ خالد بن الوليد في قمع المٌرتدّين في اليمامة وغيرها باركَ اللهُ في سيفه ورضيَ عنهُ وأرضاه.
  • جمع القُرآن الكريم: كانَ الجمع الأوّل للقُرآن الكريم على عهدِ أبي بكر الصدّيق وذلكَ حين كثُرَ قتلى الحُفّاظ للقُرآن فكانَ الجمع للقُرآن الكريم وذلك بعدَ مشورة عُمر رضيَ الله عنه لأبي بكرٍ الصديق في ذلكَ الأمر.

وفاة أبو بكر الصديق

استمرّ حُكم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حتى مرضه عام 13 هجري، وكان لا بُدّ من اختيار خليفة يتولّى أمر المُسلمين بعد وفاة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عند وفاتهِ لم يستخلف من بعهده أحدًا وذلك حتى لا يختلف المسلمين عليه وإنما ترك الأمر لهم، إلّا أنْ الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أراد انْ يُسمّي الخليفة الذي سيخلفه في الحكم، وقد أراد في هذا الأمر اجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرّقهم واختلافهم، وبالفعل استخلف من بعده عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ليُكون له دور مهم في فترة تاريخ الخلفاء الراشدين، وقد بدأت فترة حكمه عام 13 هجري فور وفاة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه.

بايعَ المُسلمون بعدَ وفاةِ أبي بكر الصدّيق رضيَ الله عنه عُمرَ بن الخطاب وذلك بالمشورة واقتراح أبي بكر حينَ حضرهُ مرض الموت، فكانَ أن تسلّم عُمر بن الخطّاب المُلقّب بالفاروق وأمير المؤمنين الخلافة، ويقترنُ اسم عُمر رضيَ الله عنه قبل الخلافة بالشدّة وبعدَ الخلافة باللين والرفق والعدل، فإذا ذُكِرَ العدل ذُكِرَ عُمر بن الخطّاب رضيَ الله عنه.

لم يكُن عمر بن الخطاب ذو ميّزةٍ عن بقيّة المؤمنين بل كانَ أقلّهم حظّاً من الدنيا وأزهدهم فيها، وقد اشتهرت فترتهُ بكثرة الفتوحات الإسلاميّة ولعلّ من أبرزها فتح القدس على يدِ عُمر بن الخطاب رضيَ الله عنها بنفسه فكانَت سلاماً منهُ على أهلها وعهداً آمناً عادلاً كعدله وقِسطِه، وقد استمرّت خلافة عُمر رضيَ الله عنه عشرَ سنوات حتّى السنةِ الثالثة والعشرين للهجرة، حين استشهد في مِحرابه على يد أبي لؤلؤة المجوسيّ عليهِ لعنةُ الله.

أبرز الأحداث التي جرَت في عهدِ عُمر بن الخطّاب

  • الفُتوحات الإسلاميّة والتي شملت فتحَ بلاد الشام في معركة اليرموك الفاصلة مع الروم، وفتح أجنادين، وفتح بيت المقدس، وفتح مصر والإسكندرية، وفتح دمشق، والفُتوحات في بلاد الفُرس حيث كانت معركة القادسيّة الحاسمة.
  • القضاء الإسلامي الذي اشتهرَ بالعدل زمنَ عُمر رضيَ الله عنه، حيث كانت الأقضية من العدل بمكان؛ بحيث إنَّ النائم في البريّة لا يخشى أحداً إلاّ الله.

مقتل عمر بن الخطاب

بعد حُكمٍ دام ما يُقارب العشر سنوات غُدر الخليفة عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- وهو في صلاتهِ من قبل أبي لؤلؤة الذي طعنه أثناء الصلاة، وقُبيل وفاتهِ سأله الصحابة أن يُسمّي الخليفة من بعده كما فعل أبو بكر الصديق -رضي الله عنهم- إلّا أنّه لم يفعل ذلك واستحدث الشورى في الخلافة، وقد حدّد أطراف هذه الشورى وهم: علي بن أبي طالب، عثمان بن عفّان، طلحة والزبير، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، وقد أمرهم أن يختاروا فيما بينهم الخليفة بالانتخاب في مدة أقصاها ثلاثة أيام، وكان ذلك عام 23هـ.

خلافة عُثمان بن عفّان رضيَ الله عنه

كانَ أمرُ الخلافة بعدَ عُمر رضيَ الله عنه لعُثمان بن عفّان، وهوَ المعروف بذي النورين لزواجه من ابنتي رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم رقيّة وأمّ كلثوم رضيَ الله عنهُما، وقد كانَ عليهِ رُضوانُ الله مشهوراً بالحياء، وقد كانت الملائكة تستحي من عُثمان رضيَ الله عنه.

أبرز الأحداث التي جرَت في عهد عُثمان

  • قامَ رضيَ الله عنه باستكمال الفتوحات الاسلاميّة التي كانت على عهد عُمر رضيَ الله عنه، فقد كانَ فتحُ قُبرص وذلك حينَ ركِبَ المُسلمون لأوّل مرةٍ البحر، وكانَ ذلكَ بعد إنشاء أسطول بحريّ بفكرةٍ من مُعاوية بن أبي سُفيان رضيَ الله عنه.
  • القيام بالجمع الثاني للقُرآن الكريم بعدَ أبي بكرٍ الصديق رضيَ الله عنه، وقد أجمعَ المُسلمين على مُصحفٍ كانَ قد أخذَ نُسخةً منهُ من أمّ المؤمنين حفصةَ رضيَ الله عنها، ووزّعهُ على الأمصار حتّى لا تختلفَ الناسُ في كِتاب الله بسبب اختلاف ألسنتهم ودُخول غيرِ العرب من العجم في دينِ الله.
  • حُدوث الفتنة ومظاهر الانقلاب على الحُكم الراشد بأصابع يهوديّة كانَ قد تولّى كِبَرَها أحدُ كِبار المنافقين الذين تلبّسوا بثوب الإسلام وهو عبد الله بن سبأ اليهوديّ؛ وهوَ من يهود اليمن، فأوهمَ الناس بالإسلام وأخذَ يُحرّضهُم على خلعِ الخليفة ويضعَ الإشاعات ويطعن في نزاهة الخليفة حتّى تكالبَ الناس وظهرَ الخوارج في الفِكر والعقيدة والذينَ قاموا بحصار بيت الخلافة وتهديد الخليفة الراشد عُثمان رضيَ اللهُ عنه بالقتل، وما زالَ بهم الأمر حتّى قتلوهُ رضيَ الله عنه وهوَ يقرأ القُرآن شهيداً في جنّات الخِلد بإذن الله كما بشّرهُ بذلك رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم من فتنةٍ تُصيبه وبلاء ينزل به واستشهاده بسبب ذلك.

خلافة عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه

تولّى عليّ بن أبي طالب الخلافة بعدَ عُثمان رضيَ الله عنه، وقد واجهَ عليَ بن أبي طالب رضيَ الله عنه قوى شدّ عكسيّة نتيجة ظُهور أصحب الفتنة في المدينة والذين قاموا بتوجيه الرأي العام في المدينة المنوّرة باتجاه القصاص من قتلة عُثمان رضيَ الله عنه، وهيَ كلمةُ حقّ يُرادُ بها الباطل، وكانت سبباً في انشقاق صُفوف المُسلمين بينَ مؤيّد لهذا الرأي ومؤيّد لرأي أمير المؤمنين عليّ رضيَ الله عنه في التريّث حتّى تهدأ الأوضاع وينتقم من القتلة، ولكن حينَ يتمّ اخراس الفتنة بالكُليّة وهذا هوَ الصواب بلا شكّ.

أبرز الأحداث التي جرَت في عهد عليّ رضيَ الله عنه

  • الفتنة بين الصحابة الكِرام رضيَ الله عنهُم، فكانَ أن حصلَ القتال بينهُم بقيادة عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه وبين جيش الشام بقيادة مُعاوية بن أبي سُفيان رضيَ الله عنه، ولم تكُن وراء هذه الحرب أيّةُ دوافع دُنيوية بقدر ما كانت حرصاً من كُلّ طرَف على انّهُ صاحب الحقّ في ردّ الآخر إلى جادّة الصواب كما كان اعتقاد أهل الشام بضرورة القصاص من قتلة عُثمان رضيَ الله عنه على يدِ الخليفة عليّ بن أبي طالب، فكانت معركةُ صفّين والتي انتهت بالتحكيم بين الطرفين.
  • ظُهور الخوارج بعدَ التحكيم الذي جرى في معركة صفّين، وهؤلاء الخوارج هُم أصحاب أفكار سقيمة وعُقول مُتحجّرة لا يستقيمُ لها الفهم أصحاب تشدّد في الرأي؛ حيث قالوا بتكفير عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه وبتكفير مُعاوية بن أبي سُفيان، فكانَ أن قاتلهُم عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه لعظيمِ خطر هذه الطائفة المُنحرفة.
  • حادثة استشهاد عليَ رضيَ الله عنه على يد عبد الرحمن بن مُلجم المُراديّ وهوَ من أحد الخوارج، حيث كانَ استشهادهُ رضيَ الله عنه في رمضان في السنة الأربعين للهجرة، لتكونَ الخلافةُ من بعده لابنه الحسن الذي أتمَّ اللهُ بهِ الخلافةَ الراشدة لتكونَ ثلاثينَ سنةٍ كما أخبرَ بها نبيّنا صلّى الله عليهِ وسلّم، وقد تنازلَ الحسنُ بن عليّ رضيَ الله عنهُ بالخلافة لمُعاوية بن ابي سُفيان رضيَ الله عنه ليُجمِعَ المُسلمين على أمرٍ واحد فلا يختلفوا ولا يتنازعوا؛ حيث كانَ هذا العام الذي تنازلَ بهِ الحسن بن عليّ رضيَ الله عنه يُعرف بعام الجماعة.

قيام الدولة الأموية

قامت الدولة الأموية بعد أن انتهت فترة تاريخ الخلفاء الراشدين التي بدأت بخلافة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقد استمرت هذه الفترة ما يُقارب الثلاثين سنة، حملت في طياتها الكثير من الإنجازات والفتوحات، حتى قامت الدولة الأموية علي يد مؤسسها معاوية بن أبي سفيان عام 41هـ، ليبدأ عهد جديد يختلف عمّا سبه في النُظم وسياسة الحُكم، وقد قامت هذه الدولة بعد أن خاض معاوية بن أبي سفيان صراعًا كبيرًا مع الخليفة عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، واستمرت حتى سقوط الدولة الأموية عام 132هـ.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية