تتألّف بريطانيا العظمى -أو كما تسمّى أيضًا بريطانيا- من إنجلترا واسكتلندا وويلز، وهي عبارة عن جزيرة تقع قبالة الساحل الغربي لأوروبا، أما المملكة المتحدة فتتألف من بريطانيا وايرلندا الشمالية بالإضافة لعدد من الجزر البحرية، والفرق بين بريطانيا والمملكة المتحدة له علاقة بالتاريخ الواسع للجزر البريطانية، فالجزر البريطانية عبارة عن مجموعة من الجزر قبالة الساحل الشمال الغربي لأوروبا، وأكبر هذه الجزر هي بريطانيا وايرلندا.
وفي العصور الوسطى كان يطلق على جزء صغير من فرنسا اسم بريطانيا أيضًا، وفي عام 1707م تم اتحاد مملكة إنجلترا مع مملكة اسكتلندا تحت اسم مملكة بريطانيا العظمى، وغالبًا ما يتم استخدام اسم المملكة المتحدة وبريطانيا العظمى بالتبادل، وخلال المقال سيتم التعرف على تاريخ بريطانيا بشكل مفصَّل.
تاريخ بريطانيا
مر تاريخ بريطانيا بالعديد من المراحل ومنها ما يلي:
العصور القديمة
نتعرض هنا إلى تاريخ الجزيرة البريطانية التي تقع في شمال غرب قارة أوروبا، حيث تشكلت في فترة سحيقة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وبدأت الجزيرة في الانفصال جيولوجياً عن باقي القارة سنة 6500 قبل الميلاد، واعتمد السكان في تلك المرحلة على الصيد والترحال، واستمر هذا إلى حوالي عام 750 قبل الميلاد حينما وصلت صناعة الحديد إلى الجزيرة وبدؤوا في صناعة الأسلحة.
بعد الميلاد، وتحديداً في عام ثلاثة وأربعين، استطاعت الجيوش الرومانية عبور القناة الفاصلة بين فرنسا وبريطانيا، والتي تسمى القناة الإنجليزية في العصر الحالي، وقضوا على المقاومة التي وجدوها من القبائل التي قطنت الجزيرة، وبدؤوا في تشييد المدن مثل مدينة لندن وعمدوا إلى تمهيد ورصف الطرق كعادتهم في المناطق التي يغزونها لأغراضهم العسكرية، وخلال عشرة أعوام استطاع الرومان السيطرة على كافة المناطق في الجزيرة البريطانية، واستمر تواجدهم حتى القرن الخامس الميلادي.
العصور الوسطى
استطاع دوق نورمانديا الفرنسية ويليام في عام 1066غزو بريطانيا وهزيمة الملك هارولد الذي حكم البلاد في تلك الفترة في معركة هاستينجز، وعمد ويليام بعدها إلى إعادة تنظيم البلاد بما يتوافق مع التقاليد والطابع النورماندي، فنظم أفراد الطبقة الحاكمة بما يتوافق مع ولائهم له.
استحدث طبقة نبلاء جديدة من العسكريين الذين استقدمهم من فرنسا والذين انقادوا له، واستمر الحكم الملكي بتلك الصيغة حتى اجتياح الطاعون للبلاد وانتشاره في كل من ويلز وأسكتلندا في القرن الرابع عشر، ومرة أخرى في القرن السابع عشر، مما أثر على الأوضاع الاقتصادية للبلاد، فحاولت الطبقة الحاكمة السيطرة على الأوضاع من خلال سن قوانين تمنع عنهم غضب العامة، ومن بينها القانون النيابي الذي يعد بداية خروج بريطانيا من العصور الوسطى.
العصران الجورجي والفيكتوري
ينسب العصر الجورجي إلى الملك جورج الأول الذي تولى الحكم عام 1714، ويرجع إليه الفضل في النمو الفائق في الاقتصاد البريطاني بسبب حملات أعالي البحار الاستكشافية والاستعمار الكولونيالي، كما أنه استحدث وظيفة رئيس الوزراء عملياً من خلال تولية السير روبرت والبول مهام تلك الوظيفة.
تقلدت فيكتوريا التاج البريطاني في عام 1837وهي في سن الثامنة عشر، وطالبت خلال فترة حكمها التي تعد الأطول في التاريخ البريطاني بحق الشعب في الاقتراع العام والانتخاب في المجالس النيابية، وتعد تلك التشريعات الأسس التي تستند عليها القوانين البريطانية حتى اليوم.
عائلة تيودور 1485م – 1603م
أسرة تيودور أو منزل تيودور -المقصود بمنزل حزب أو ما شابه- هي عائلة ملكية إنجليزية أصلهم من ويلز، واسنادًا إلى تاريخ بريطانيا فقد حكم ملوك تيودور مملكة إنجلترا وعوالمها بما في ذلك ويلز التي ورثوها عن أجدادهم وفيما بعد مملكة إيرلندا من عام 1485م لغاية 1603م، وتعاقب على تاريخ بريطانيا خلال فترة حكم أسرة تيودور خمسة ملوك وهم، هنري السابع وهنري الثامن وإدوارد السادس وماري الأولى وأخيرًا إليزابيث الأولى “أما السيدة جين جراي، والتي تنحدر من خط النساء من عائلة تيودور فعلى الأرجح أنها حكمت 9 أيام في عام 1553م لذلك لا يتم تصنيفها ممن حكم في تلك الحقبة من تاريخ بريطانيا”.
وقد خَلَفَت عائلة تيودور عائلة بلانتاجِنِت في حكم مملكة إنجلترا، وكان هنري السابع أول ملك من عائلة تيودور لمملكة إنجلترا، والذي ينحدر من عائلة والدته لانكاستر الملكية الإنجليزية، فقد صعدت عائلة تيودور والتي انقطع نسل الذكور فيها إلى السلطة في أعقاب حرب الوردتين Wars of the Roses بين 1455م – 1487م.
وقد نجح هنري تيودور -والذي أصبح يعرف فيما بعد بِهنري السابع- بتقديم نفسه كمرشح ليس فقط لمؤيدي لانكاستر التقليديين، بل أيضًا للمؤيدين الساخطين على عائلة يورك المنافسة على كرسي الحكم “في حرب الوردتين”، وقد تولى هنري السابع العرش عن طريق حق الإخضاع، وعزز موقفه عام 1486م بعد انتصاره في معركة بوسوورث -آخر معركة مهمة في حرب الوردتين- عام 1485م.
عندما قام بالوفاء بوعده الذي قطعه عام 1483م بالزواج من الأميرة الإنجليزية إليزابيث يورك إبنة إدوارد الرابع ” عائلة يورك York وعائلة لانكاستر تنتميان إلى عائلة بلانتاجِنِت Plantagenet وهما العائلتان اللتان كانتا تتنازعان على الحكم في حرب الوردتين”، وبالتالي تم توحيد الفصائل المتنازعة السابقة رمزيًا في ظل السلالة الحاكمة الجديدة، وفي تاريخ بريطانيا أثناء فترة حكم عائلة تيودور تم توسيع السلطة إلى ما بعد إنجلترا الحديثة وتحقق الإتحاد الكامل لإنجلترا وإمارة ويلز عام 1542م.
كما نجحت عائلة تيودور بتأكيد السيادة الإنجليزية على مملكة إيرلندا بالإضافة إلى أنهم بقوا على المطالبة الإنجليزية الاسمية بالمملكة الفرنسية، وأثناء فترة حكم الملكة ماري الأولى فقدت إنجلترا السيطرة على جميع الأراضي الفرنسية بشكلٍ دائم بعد سقوط كاليه عام 1558م، وفي المحصلة حكمت عائلة تيودور لأكثر من قرن وكان هنري الثامن هو الإبن الوحيد لهنري السابع الذي عاش حتى سن النضوج، وقد أصبحت القضايا حول الخلافة الملكية موضوعات سياسية رئيسة خلال تاريخ بريطانيا في عهد تيودور، وعندما توفيت الملكة إليزابيث الأولى دون وريث حلَّت عائلة ستُوَارت Stuart الاسكتلندية بدلًا من عائلة تيودور التي ليس لها وريث، وأصبحت العائلة المالكة في إنجلترا من خلال اتحاد التّيجان بتاريخ 24 آذار 1603م.
عائلة ستورات 1603م – 1714م
عائلة ستوارت وفي الأصل ستيوارت أو كما تسمى منزل ستوارت، هي عائلة أوروبية اسكتلندية بريطانية الأصل Breton “منطقة تقع شمال غرب فرنسا ويشار إليها أحيانًا باسم بريطانيا الصغرى”، وقد تأسست سلالة ستورات الملكية من قبل روبرت الثاني الذي ينتمي من سلالة ملوك وملكات اسكتلندا عام 1371م حتى الاتحاد مع إنجلترا عام 1707م، وقد نشأت الملكة ماري ملكة اسكتلندا في فرنسا التي اتخذت الإملاء الفرنسي لكتابة اسم عائلة ستورات، وفي عام 1503م من تاريخ بريطانيا تزوج جيمس الرابع من مارجريت تيودور وبالتالي ربط العائلات الملكية في اسكتلندا وإنجلترا.
توفيت الملكة إليزابيث الأولى دون أن يكون لها وريث للعرش عام 1603م ، وبالتالي خَلَفَ جيمس السادس وهو حفيد جيمس الرابع من اسكتلندا عرش إنجلترا وإيرلندا وأصبح يعرف أيضًا جيمس الأول بعد اتحاد التيجان، كانت عائلة ستورات ملوكًا للجزر البريطانية وإمبراطوريتها المتنامية حتى وفاة الملكة آني عام 1714م، وفي المحصلة حكم تتسعة ملوك من عائلة ستورات اسكتلندا وحدها من عام 1371م حتى عام 1603م، وآخر ملك حكم اسكتلندا وحدها هو جيمس السادس، والذي أصبح أول ملك يحكم مملكتين معًا إنجلترا واسكتلندا عام 1603م عند وفاة الملكة إليزابيث الأولى دون وريث.
وفي تاريخ بريطانيا في تلك الحقبة حكمت ملكتان من عائلة ستورات الجُزر بعد الثورة المجيدة عام 1688م هما آني وماري الثانية، وكلاهما ابنتا جيمس السابع ويسمى الثاني أيضًا من زوجته الأولى آني هايد وحفيدات جيمس السادس، وقد تحول والدهما إلى الكاثوليكية وأنجب ابنًا من زوجته الجديدة عام 1688م وترعرع كاثوليكيًا، لذلك تم عزله من قبل البرلمان عام 1689م لصالح ابنتاه اللتان ليس لدى أي منها طفلًا بلغ سن الرشد، لذا انتقل التاج إلى عائلة أو منزل هانوفر بعد وفاة الملكة آني عام 1714م، وذلك بموجب أحكام قانون التسوية عام 1701م وقانون الأمن عام 1704م.
عائلة هانوفر 1714م – 1901م
عائلة هانوفر هي عائلة ملكية ألمانية حكمت هانوفر وبريطانيا العظمى وإيرلندا في أوقات مختلفة من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، نشأ المنزل الملكي عام 1635م كفرع للمتدربين العسكريين في منزل بَرنْزوِك لونبرج، الذي نما نفوذه ليصبح هانوفر عام 1692م، أصبح جورج الأول أول ملك من هانوفر لبريطانيا العظمى وإيرلندا عام 1714م، وقد حكم في تلك الفترة من تاريخ بريطانيا سبعة ملوك وهم جورج الأول والثاني والثالث والرابع ووليام الرابع وأخيرًا الملكة فيكتوريا التي توفيت عام 1901م لينتقل عرش المملكة المتحدة إلى ابنها إدوارد السابع وهو عضو في منزل “مجلس” ساكس كوبيرج وجوثا، وقد خسر آخر أعضاء المجلس دوقية برونسوِك عام 1918م عندما أصبحت ألمانيا جمهورية.
منزل ساكس كوبيرج 1901م – 1917م
منزل ساكس كوبيرج وجوثا إحدى سلالات ألمانيا التي حكمت ساكس كوبيرج، تأسست من قبل إيرنست آنتون وهو الدوق السادس لساكس كوبيرج سالفِلد، وقد تسبب الحرب العالمية الأولى بقيام الملك جورج الخامس بالتغيير من منزل ساكس كوربيرج وجوثا إلى منزل وندسور، وهي حاليًا العائلة المالكة الحاكمة للمملكة المتحدة.
منزل وندسور 1917م – حتى الآن
عائلة أو منزل وندسور العائلة المالكة الحاكمة في المملكة المتحدة بالإضافة لدول الكومنولث الأخرى، السلالة الحاكمة في الأصل من أب ألماني كما أن عائلة وندسور كانت في الأصل فرعًا من منزل ساكس كوبيرج، وقد حكم في هذه الفترة من تاريخ بريطانيا أربعة ملوك وهم جورج الخامس وإدوار الثامن وجورج السادس وأخيرًا الملكة الحالية إليزابيث الثانية التي استلمت مقاليد الحكم عام 1952م، وقد حدث تغييرات كثيرة في تاريخ بريطانيا خلال فترة حكم وندسور، فقد شاركت الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والتي كانت مع الجانب المنتصر في الحربين.
لكنها بعد ذلك فقدت مكانتها كقوة عظمى أثناء الاستعمار، فقد انفصل جزء كبير من إيرلندا عن المملكة المتحدة وأصبحت بقايا الإمبراطورية الكومنولث البريطاني،وتعد الملكة إليزابيت حاليًا ملكة لستة عشرة دولة ذات سيادة والتي مقرها المملكة المتحدة ومنها كندا وأستراليا ونيوزلندا وجامايكا وبربادوس وجزر البهاما وغرينادا، بالإضافة إلى ثلاثة أقاليم تابعة للتاج الملكي وأربعة عشر إقليمًا ما وراء البحار وولايتين مرتبتطين بنيوزلندا.
ملخص تاريخ قصر باكنغهام
يعد قصر باكنغهام في لندن المركز الإداري للعائلة الملكية البريطانية، إذ يعد موقعًا مهمًا للاحتفالات الرسمية والسياسية للمملكة المتحدة، بالإضافة أنه يعد مقصدًا سياحيًا رئيسًا، لكن بالنسبة للملكية يعد منزل باكنغهام جديدًا نسبيًا، وبالعودة إلى تاريخ بريطانيا قبل باكنجهام بين عام 1531م – 1837م كان المقر الرسمي لملك إنجلترا في العاصمة هو قصر سانت جيمس على بعد ربع ميل من قصر باكنغهام ولا يزال قائمًا حتى الآن، كما أنه يعد منزلًا لبعض أعضاء العائلة المالكة، كانت الأرض التي يقع عليها قصر باكنغهام تعرف باسم ويسمنستر في قبضة الملكية البريطانية لأكثر من 400 عام وكان له العديد من المالكين منهم رهبان كنيسة ويسمنستر.
يقال أن الموقع نال إعجاب الملك جيمس ومرَّ على سلسلة من المُلَّاك حتى عام 1698م عندما تم بيعه لرجل يدعى جون شيفيلد الذي أصبح فيما بعد دوق باكنغهام ولأجله تم تسمية العقار باسم باكنغهام، وفي أوائل القرن الثامن عشر تقرَّر بناء منزل جديد في الموقع بدلًا من المنزل الأصلي الذي أصبح قديمًا ومتهالكًا، وتم الإنتهاء من البناء الذي أصبح معروفًا باسم منزل باكنغهام عام 1705م، وفي فترة من الفترات تم اعتبار منزل باكنغهام ولفترة وجيزة موقعًا للمتحف البريطاني، لكن أصحابه أرادوا الحصول على مبلغ 30,000 جنيه إسترليني وهو مبلغ باهظ جدًا في ذلك الوقت.
اشترى الملك جورج الثالث منزل باكنغهام من السيد تشارلز شيفيلد عام 1761م وكلَّف تجديد الهيكل 73,000 جنيه إسترليني، كان خطة الملك استخدام المنزل لزوجته الملكة تشارلوت وأطفالهم، وبعد انتقال أسرته أصبح منزل باكنغهام يعرف باسم منزل الملكة، أعيد تصميم باكينغهام ليأخذ شكل الحرف U مع توسعة القسم الرئيس للمبنى مع إضافة الأجنحة الغربية وفروع إلى الشمال والجنوب وتم إعادة بناء الأجنحة الشرقية.
وفي عام 1833م – 1834م صوت البرلمان البريطاني على تجديد وتأثيث قصر باكنغهام ليكون المنزل الملكي الرسمي، وبعد وفاة الملك وليام الرابع عام 1837م تولت ابنتة أخته فيكتوريا الحكم لتصبح أول مقيمة في قصر باكينغهام الملكي، ولا يزال قصر باكنغهام والذي أجري عليه العديد من أعمال التوسعة والتعديلات والإضافات مقر العائلة الملكية البريطانية.