هل تشعر بضيق الرزق وكثرة الديون تلاحقك؟ لست وحدك. الكثيرون يعانون من هذه المشكلة. في هذا المقال، سنتعرف على الأسباب الشائعة لضيق الرزق وكيفية التغلب عليها، لنفتح لك آفاقًا جديدة نحو الرزق الواسع.
في حياة كل إنسانٍ عددٌ من الأمور الّتي تشكلّ له قلقاً من كثرة التّفكير فيها، ومن هذه الأمور الّتي يفكرّ فيها الإنسان ليل نهار وتشغل باله وتفكيره وتأخذ جُلّ اهتمامه موضوع الرّزق، وذلك من حيث إيجاد عمل أو من خلال التّفكير في كيفيّة توفير حياةٍ كريمة، ولا أحد ينكر أنّ موضوع الرّزق هو موضوعٌ ذو أهميّةٍ بالغة.
لكن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب المشروعة التّي شرعها لنا الله تعالى، والّتي تيسرّ له جلب الرّزق، وأن يكون دائم الانتباه إلى الهدف الّذي خلق من أجله وهو عبادة الله تعالى، حيث قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وعبادة الله تعالى يتحقّق مفهومها وأداؤها بطلب الرّزق عندما يطلبه الإنسان بتقوى الله تعالى وبالوسائل الّتي بينّها الله تعالى لنا، وعلى الإنسان أن يحسن التّوكل على الله تعالى بعد أن يأخذ بالأسباب المشروعة الجالبة للرّزق، لأنّ الله تعالى هو العالم بالعباد كلّهم وبأحوالهم، وهو الّذي كفل لهم الرّزق وقدرّه لهم كلّهم بلا استثناء ولم ينسَ منهم أحداً، إذ قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).
فعلى الإنسان أن يطمئنّ ويريح قلبه ويحمد الله على ما رزقه سواء كان الرّزق كثيراً أم قليلاً، ولو كان كثيراً فلا يباهي بنفسه ويشعر بالكبر والغرور أنّه لولا سعيه وعمله وذكاؤه لما حصل هذا الرّزق؛ لأنّ الله تعالى هو رازقه وكلّ ما يملك من الوسائل والحكمة والذّكاء والعمل والسّعي هو بفضل الله تعالى ورزقه له.
أسباب ضيق الرزق
هنالك الكثير من الأسباب الّتي تمنع الرّزق عن الإنسان ومن هذه الأسباب الّتي تضيّق رزق الإنسان ما يأتي:
- التواكل وعدم الأخذ بالأسباب
المسلم مأمور بالتوكل على الله تعالى في كل أموره، ولكن بعض الناس عندهم مفهوم سلبي عن ذلك وهو التواكل، أي ترك الأمور إلى الله تعالى من غير أخذٍ بالأسباب، وهذا المفهوم ينافي ما أمرَ الله به عباده من العمل وبذل الجهد والكد في سبيل تحصيل الرزق، وقد عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تصحيح هذا المفهوم، كما جاء في حديث عمر بن الخطاب أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لو أنّكمْ تتَوكّلونَ على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِهِ لرَزَقَكُم كَما يَرزقُ الطيرَ تَغدُو خِماصًا وتروحُ بِطانا”، فالتوكُّل على الله لا ينافي العمل والجهد والأخذ بالأسباب, فمن أراد الرزق الحلال الوفير فعليه بالعمل والجهد.
- الغفلة عن ذكر الله تعالى
حيث إنّ الإنسان الّذي تلهيه شهوات الدّنيا وتأخذه متع الحياة وتبعده عن الهدف الحقيقيّ الّذي خلق لأجله وهو عبادة الله تعالى فهو في غفلة، فالعبد الّذي ينشغل بتحصيل قوت يومه ورزقه والبحث عن لقمة العيش عن ذكر الله تعالى وأداء العبادات والفرائض الّتي أمرنا بها الله تعالى يضيق عليه رزقه، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
- عدم التخطيط الكافي للكسب الصحيح
أمر الإسلام كلَّ مسلم أن يأخذ بالأسباب الماديَّة لكسب الرزق ويخطط لها أفضل تخطيط، ومن ذلك أن يختار الإنسان العمل المناسب له ويخطِّط بشكل كافٍ ومناسب لعمله، فلا يمكن للإنسان أن ينجح في عمل لا يحبُّه أو غير مناسب له، وقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاب عاطل عن العمل لا يجد عملًا مناسبًا له، فقال له -صلى الله عليه وسلم- مؤدبًا ومعلمًا: “لأن يَحتطبَ أَحَدُكمْ حُزمةً على ظَهرهِ, خيرٌ لهُ منْ أنْ يَسألَ أحداً فيُعطِيَه أو يَمنعه”، فهذا الشاب لم يتقن اختيار ما يناسبه فعلَّمه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- كيف يبذل جهده في شيء يستطيعه ليكسب رزقه.
- أكل الرّبا
إذ إنّ الرّبا خطرٌ عظيمٌ يهددّ المجتمع ويفسد أمنه، وهو معصيةٌ عظيمةٌ كبيرةٌ تؤدي إلى قطع الرّزق عن الإنسان بسبب تعامله بأمرٍ حرّمه الله تعالى، لذلك فإنّ تعامل البعض من الأفراد بالرّبا في معاملاتهم وبيوعهم يؤدي إلى تفككّ الرّوابط بينهم وقطعها لما له من آثارٍ سلبيّة على الفرد بصفةٍ خاصّة وعلى المجتمع بصفةٍ عامّة. قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
- الذنوب والمعاصي
إن من أكبر أسباب منع الرزق والبركة فيه ارتكاب الذنوب والمعاصي، فالله تعالى يبتلي من عصاه ليعود إليه، وقد قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فالمعاصي التي هي من كسب الإنسان سبب في فساد الحال ومنه ضيق الرزق، وقد قال العباس بن المطلب: “ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة”، فالله تعالى يبتلي عباده ليردَّهم إليه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ* وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ}، فالذنوب سبب من أسباب حجب الرزق، وفي الحديث: “إنَّ الرجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذنبِ يُصيبُهُ”.
- عدم شكر الله تعالى على نعمه
فعلى الإنسان دائماً أن يكون على يقينٍ أنّ الله تعالى هو الواهب والمعطي لا أحد سواه، وأنّه هو الرّازق عباده بقوّته وإرادته لا بقوّتهم وإرادتهم وأنّ كل الأسباب الّتي يهيئها الله تعالى لعباده هي رزقٌ منه، فالإنسان الّذي يتعالى على النّاس بكثرة رزقه ويتباهى بنفسه أمامهم أنّه بفطنته وقوّته أتاه الرّزق لا بفضل الله، ثمّ لا يشكر الله تعالى على نعمه فهو بذلك جاحدٌ للنّعم، ومن لا يشكر الله تعالى على نعمه يسلب الله تعالى الرّزق منه ولا يبارك له فيه.
- ترك الفرائض
أمر الله عز وجل عباده بطاعته وافترض عليهم عبادات وأعمال وطلب منهم الامتثال لأوامره، مثل الصلوات الخمس وصيام رمضان وزكاة المال وبر الوالدين، ومن لا يلتزم بالعبادات التي شرعها الله فإنَّ الله تعالى يمنع عنه الخير والرزق جراء ذلك، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا* إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَأُولـئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمونَ شَيئًا}، وطاعة الله -عزَّ وجل- واتباع أمره سبب من أسباب البركة في الرزق، فكيف يطلب الرزق من لا يطيع أوامر الله تعالى.
- عقوق الوالدين
إن عقوق الوالدين من الكبائر والسبع الموبقات، كما ورد في الحديث السابق، وهو من الأعمال التي يعجل الله تعالى بها الجزاء في الدنيا قبل الآخرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: “كلُّ الذُّنوبِ يُؤخِّرُ اللهُ منها إلى يومِ القيامةِ إلَّا عقوقَ الوالدَيْن فإنَّ اللهَ يُعجِّلْه لصاحبِه في الحياةِ قبل المماتِ”، فقد توعَّد النبي الذي يعقُّ والديه بالجزاء العادل في الدنيا، ومن ذلك ضيق الرزق، وبالمقابل فإنَّ برَّ الوالدين من أسباب سعة الرزق.
- قطيعة الرحم
جعل الإسلام صلة الرحم سببًا من أسباب البركة في الرزق والعمر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”، وكذلك فإنَّ قطيعة الرحم من أسباب منع وتضييق الرزق، فهي سنة ربانية, وقد يتعذر بعض من يقطعون الرحم بأن أرحامهم تقطعهم من الصلة، فهذا ليس سببًا وجيهًا لقطيعة الرحم، بل على المسلم أن يحرص على صلة الرحم حتى لو قطعه من يصلهم من الأقارب والأرحام، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها”.