الصحابيّ الجليل عمر بن الخطاب بن نُفيل القُرشيّ العدويّ -رضي الله عنه-، المُكنّى بأبي حفص، ووالدته هي: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزوميّة، وورد في إحدى الروايات أنّها أخت أبي جهل حنتمة بنت هشام.
وقد كان إسلامه بدايةً لفتح طريقٍ جديدٍ في عبادة الله -تعالى- جَهْراً، والذي ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال فيه: (اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ).
وُلد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بعد أربع سنواتٍ من الفِجار الأعظم، أي قبل البعثة النبويّة الشريفة بثلاثين عاماً، وورد أنّه وُلد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنةً، وعن صفاته الجسديّة قال علماء السَّير والتاريخ أنّه كان طويلاً، جسيم القامة، أعسر، أشعر، وأصلع الرأس، شديد الحُمرة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عمر -رضي الله عنه- لُقّب بالفاروق؛ لأنّ الله فرّق به بين الحقّ والباطل، وذُكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو مَن أطلق عليه ذلك اللقب.
كما ولُقّب -رضي الله عنه- بأمير المؤمنين، وسبب ذلك أنّه كان يُقال له خليفة خليفة رسول الله، فرأى المسلمون أنّ الاسم سيطول لمَن يأتي بعده، حيث سيكون خليفة خليفة خليفة رسول الله، فأجمعوا على لقب أمير المؤمنين لعمر بن الخطّاب، ولمَن يأتي للخلافة من بعده.
إسلام عمر بن الخطاب
في العام الخامس من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم للعالمين أشهر سيدنا عمر إسلامه وذلك من خلال القصة التالية: (بعد أن علم رضي الله عنه بدخول أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد للإسلام اغضب هذا الأمر سيدنا الفاروق عمر وذهب مسرعا إلى بيتهم وانهال على زوج أخته بالضربات . كنا أنه لكم فاطمه أخته لكمة قوية أسقطتها على الأرض وسقط المصحف من يدها وبعد ذلك قام رضي الله عنه مسرعا وأمسك بالمصحف ليقرأ ما فيه فأقنعته أخته بأنه لا بد أن يتوضأ قبل أن يمسك بالمصحف.
وفعلا علموه الوضوء فتوضأ رضي الله عنه وأخذ المصحف وبداء القراءة في سورة طه إلى أن وصل إلى آية (وما هذا بكلام البشر) فهنا بدء رضي الله عنه يشعر برعشة في جسده وحن قلبه للإسلام ومن هنا أعلن إسلامه.
شخصيّة عمر بن الخطّاب وخلافته
امتلك عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- سماتٍ شخصيّةٍ أهلّته لأن يكون من الرِّجال الذين كان لهم دوراً في رسم خطوط التاريخ؛ فقد كان صاحب إرادةٍ، وذو شخصيّةٍ قويةٍ، عازمٌ وحازمٌ، وله هَيبةٌ بين الناس، ولديه من العلم ورجاحة العقل وحُسْن التصرّف ما جعله في الجاهليّة سفيراً لقريش، حيث كان من القلائل الذين يعرفون القراءة والكتابة.
كما عُرف عنه الجديّة، وقلّة الضحك، وجَهوريّة الصوت، وتميّز -رضي الله عنه- بالمسؤولية، والفراسة، والعَدْل. وكان إسلامه في السنة الخامسة من البعثة عزّةً ونَصرٌ للدِّين، وعشر سنواتٍ من الخلافة مليئةً بالرّحمة والعَدْل والفتوحات، حيث تولّاها سنة ثلاث عشرة من الهجرة، بعد وفاة أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- الذي عهد له بها، وذلك حرصاً على وحدة المسلمين، وإغلاق أبواب الخلاف بينهم.
كما شَهِد أبو بكر الصّديق والصحابة -رضي الله عنهم- له بالشدّة بلا عنفٍ، واللين بلا ضعفٍ، وبالقدرة على تحمّل مسؤوليات الخلافة.
فتوحات عمر بن الخطاب
فتح دمشق
ارتحل أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- مع جيشه من اليرموك ونزلوا مرج الصفر، ثم طلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يحدد له وجهة الجيش، فهل يتجه مع جيشه إلى دمشق أم يتجه إلى فحل بأرض فلسطين، فأشار عليه الخليفة بأن يبدأ بدمشق لأنها حصن الشام، فلما وصل الجيش إلى دمشق قاموا بنصب الدبابات والمجانيق وكان حصارهم لها شديدًا، وقد اُختلِف في مدة الحصار.
وقد كان فتح دمشق في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في العام الرابع عشر للهجرة، وقد اختلف العلماء حول فتح دمشق إن كان صلحًا أو عنوة أو أنه كان بين الأمرين.
فتح العراق وفارس
اهتم الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بفتح العراق وفارس، فقام بإرسال الجيوش إلى الجهة الشرقية بقيادة العديد من العظماء كأمثال سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد والمثنى بن حارثة وغيرهم، وكانت معركة القادسية من أعظم المعارك التي دارت بين المسلمين والفرس، وقد تم فتح المدائن والتي كانت عاصمة إمبراطورية الفرس، كما تم فتح تكريت والموصل ونهاوند والري “طهران” وبلاد خراسان وغيرها، ليتم بذلك القضاء على الإمبراطورية الفارسية بشكل كامل.
فتح مصر
بعد أن تم للمسلمين فتح فلسطين اهتم المسلمون بفتح مصر؛ وذلك لغنى مصر من ناحية ولوجود جيوش رومية فيها من ناحية ثانية فلا بد من تأمين وجود المسلمين في فلسطين، فاستأذن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالتوجه إلى مصر لفتحها، ففتح العريش ثم الفرما والفيوم وغيرها، وحاصر حصن بابليون إلى أن سقط في يد المسلمين ومن ثم فتح مصر السفلى كاملة وبعد ذلك توجه إلى الإسكندرية ففتحها.
فتح برقة
بعد أن تم لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- فتح الإسكندرية توجه غربًا إلى برقة ففتحها صلحًا، وكان ذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في العام 21 هـ.
فتح بيت المقدس
لمّا فرغ أبو عبيد بن الجراح -رضي الله عنه- من دمشق قام بالتوجه إلى بيت المقدس وحاصر أهله، فلما اشتد الحصار على أهل بيت المقدس وضاق بهم الأمر وافقوا على الصلح ولكنهم اشترطوا قدوم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسار إليهم وتم الصلح، وقد دخل أمير المؤمنين المسجد من ذات الباب الذي دخله رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء، فصلى في محراب داود تحية المسجد، ثم جعل مسجده -المسجد العمري- قبلي بيت المقدس، وبذلك يكون الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد فتح بنفسه بيت المقدس.
فتح بلاد الروم
استطاع المسلمون في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقوموا بفتح بلاد الشام كاملة وأن يحرروها من الحكم الروماني، وكان المسلمون يتوغلون في بلاد الروم دون أية مقاومة تذكر، وقد فتح أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- كلًا من قنسرين وأنطاكيا حتى أنه وصل إلى طرسوس.
فتح حمص وبعلبك
مرّ أبو عبيد بن الجراح -رضي الله عنه- على بعلبك فطلب منه أهلها الصلح والأمان، فصالحوه وأعطاهم الأمان على أنفسهم وعلى كنائسهم وكذلك أموالهم، ثم تابع السير إلى حمص فأرسل أمامه خالد بن الوليد -رضي الله عنه- فقاتله أهلها ثم طلبوا الصلح والأمان، فكان الصلح وكان لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم.
عمر بن الخطاب مآثره وأقواله
عُرف الفاروق بتوسعهِ في العلم، وفَهمهِ العميقِ للفقه، وأوتي إلهامًا من الله تعالى؛ وذلك لإخلاصِه في عبادتهَ مع الله، ومحبتهِ العظيمةِ لرسول الله، وقربهِ منه، وكثرةِ مخالطتهِ وكانَ عالمًا بأسباب النزول، وحافظًا لكتاب الله، وكان سببًا لنزول بعض الآيات، وكانَ رأيهُ يوافقُ كلام الله فكان يتنزل القرآن الكريم، بما أشارَ به عمر، وقد أثنى عليه رسول الله فقد قال: “إنَّ اللهَ جعَل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلبِه” وسيأتي بيان ما نُقل عن عمر بن الخطاب مآثره وأقواله:
مآثر عمر بن الخطاب
- تواضعهُ لله تعالى، وخشيتهُ من الله تعالى، وخوفهِ من عقابهِ فهو الذي قال: “لو مات جَدْي بطَفّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر”.
- كان عُمر بن الخطاب عابدًا لله تعالى، محافظًا على أداء العبادات وعلى أداءِ النوافلِ والتقرب لله تعالى بها.
- توافق رأيهِ مع الحق، فقد كان كلامُ الله يتنزل موافقًا لرأيه.
أقوال عمر بن الخطاب
- “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم”.
- “من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه”.
- “لا تكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل”.
فضائل عمر بن الخطّاب
يمتلك الصحابيّ عمر بن الخطّاب العديد من الفضائل، والتي من أبرزها:
- وَعْده بالجنّة
فقد ورد في الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (بيْنَا أنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي في الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلتُ: لِمَن هذا القَصْرُ؟ قالوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا).
- امتلاك الفاروق -رضي الله عنه- المعرفة والعلم الغزير والفراسة
حيث شَهِد له الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك حين قال: (بَيْنا أنا نائِمٌ، شَرِبْتُ، يَعْنِي، اللَّبَنَ حتَّى أنْظُرَ إلى الرِّيِّ يَجْرِي في ظُفُرِي أوْ في أظْفارِي، ثُمَّ ناوَلْتُ عُمَرَ فقالوا: فَما أوَّلْتَهُ؟ قالَ: العِلْمَ).
- استقامة الفاروق
وصِدْقه، والتزامه الشديد بالدِّين، وعلوّ منزلته عند رسول الله وصحابته، فقد ورد عن نبيّ الله أنّه قال: (إيهًا يا ابْنَ الخَطَّابِ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ، إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ).
- وفاة الفاروق شهيداً
وقد بشّر بذلك رسول الله عندما صعد جبل أُحد، ومعه أبو بكرٍ، وعُمر، وعثمان بن عفان، حيث قال: (اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ).
- توافق عددٍ من آراء عمر بن الخطّاب بما نزل من القرآن الكريم
فيما قال الفاروق -رضي الله عنه- أنّها ثلاث، كما ثبت في صحيح البخاريّ أنّه -رضي الله عنه- قال: (وافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآيَةُ الحِجَابِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أمَرْتَ نِسَاءَكَ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فإنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، واجْتَمع نِسَاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَيْرَةِ عليه، فَقُلتُ لهنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبَدِّلَهُ أزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ).
- الثناء والمديح
الثناء والمديح من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن آل بيته على عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-.