تعرف على الكرنفالات والمهرجانات الأكثر صخبًا في أمريكا الجنوبية

هناك قارة تنبض بالحياة على إيقاع الطبول، وتتلون شوارعها بألوان قوس قزح، وتتحول لياليها إلى احتفالات لا تنتهي. هذه هي أمريكا الجنوبية، القارة التي أتقنت فن الاحتفال بالحياة نفسها. إن المهرجانات والكرنفالات هنا ليست مجرد تجمعات ترفيهية، بل هي تعبير عميق ومتجذر عن التاريخ، والثقافة، والروح الإنسانية التي تمتزج فيها التقاليد القديمة للسكان الأصليين مع الإرث الأوروبي والإيقاعات الأفريقية لتخلق فسيفساء فريدة من نوعها.

من هدير مدرجات السامبا في ريو دي جانيرو إلى الرقصات الشيطانية في مرتفعات بوليفيا، ومن الشغف الحسي للتانغو في بوينس آيرس إلى الأساطير الحية في كرنفال بارانكيا، كل احتفال هو بوابة إلى عالم مختلف، تجربة حسية غامرة تترك في نفسك أثرًا لا يُمحى.

يهدف هذا المقال إلى أن يكون جواز سفرك إلى قلب هذه الاحتفالات الصاخبة، لنستكشف معًا أروع الكرنفالات والمهرجانات التي تجعل من أمريكا الجنوبية وجهة لا مثيل لها لعشاق الفرح والمغامرة.

قبل أن نبدأ جولتنا، من المهم أن نعرف سر هذا السحر. تتميز هذه الاحتفالات بأنها:

  • شاملة وجامعة: الشوارع هي المسرح، والجميع مدعو للمشاركة. لا توجد حواجز بين المحتفلين والعروض، فالكل جزء من الحدث.
  • غنية بصريًا: الأزياء المتقنة، والعربات الضخمة، والأقنعة الملونة، والرقصات المذهلة تخلق وليمة بصرية لا تُنسى.
  • متجذرة في التاريخ: كل رقصة، وكل قناع، وكل أغنية تروي قصة عن صراع الثقافات، والأساطير القديمة، والنضال من أجل الهوية.
  • نابضة بالحياة: الموسيقى هي القلب النابض لهذه المهرجانات. الإيقاعات القوية والمعدية تجعل من المستحيل الوقوف ساكنًا.

1. كرنفال ريو دي جانيرو، البرازيل

لا يمكن أن تبدأ أي قائمة لأشهر الكرنفالات دون ذكر ملك الكرنفالات بلا منازع. كرنفال ريو ليس مجرد مهرجان، بل هو ظاهرة عالمية، وحالة من البهجة الجماعية تجتاح المدينة بأكملها وتحولها إلى أكبر حلبة رقص في العالم.

  • قلب الحدث: السامبودرومو (Sambódromo) هذا هو المسرح الرسمي للكرنفال، وهو شارع استعراضي ضخم صممه المهندس المعماري الشهير أوسكار نيماير. هنا، تتنافس “مدارس السامبا” الكبرى في عروض تستمر طوال الليل، في مشهد يجمع بين الدقة الفنية والطاقة المتفجرة. كل مدرسة تقدم قصة متكاملة من خلال عرباتها الضخمة التي يصل ارتفاعها إلى عدة طوابق، وآلاف الراقصين الذين يرتدون أزياء باهرة مزينة بالريش والترتر، والموسيقيين الذين يعزفون إيقاعات السامبا التي تهز المدرجات.
  • روح الكرنفال الحقيقية: البلوكوس (Blocos) بعيدًا عن المنافسة الرسمية، تكمن روح الكرنفال الحقيقية في “البلوكوس”، وهي حفلات الشوارع المجانية التي تجوب أحياء المدينة. كل “بلوكو” هو فرقة موسيقية متنقلة تتبعها حشود ضخمة من المحتفلين الذين يرقصون ويغنون لساعات. الأجواء هنا عفوية، مبهجة، وتعكس روح “الكاريوكا” (سكان ريو) المرحة.
  • متى؟ يُقام الكرنفال سنويًا في الأيام التي تسبق الصوم الكبير، عادةً في شهر فبراير أو أوائل مارس.

2. كرنفال بارانكيا، كولومبيا

تحت شعار “Quien lo vive, es quien lo goza”، يُعتبر كرنفال بارانكيا ثاني أكبر كرنفال في أمريكا اللاتينية، وقد أدرجته اليونسكو ضمن روائع التراث الشفهي وغير المادي للإنسانية. ما يميز هذا الكرنفال هو مزيجه الفريد من التقاليد الأوروبية (مثل الكرنفالات الإسبانية)، والتراث الأفريقي، والطقوس الموسيقية للسكان الأصليين على ساحل كولومبيا الكاريبي.

  • أبرز الفعاليات:
    • معركة الزهور (La Batalla de Flores): هي المسيرة الافتتاحية للكرنفال، وهي عرض مذهل من العربات المزينة بالزهور، تتقدمها ملكة الكرنفال التي ترمي الزهور على الحشود.
    • المسيرة الكبرى (La Gran Parada): تركز هذه المسيرة على الرقصات الفولكلورية التقليدية مثل “الكومبيا” و”الماباليه”، حيث تستعرض المجموعات الراقصة مهاراتها بأزياء تقليدية رائعة.
    • موت خوسيه ليتو (La Muerte de Joselito): في اليوم الأخير من الكرنفال، يُقام موكب جنائزي هزلي لـ “خوسيه ليتو كرنفال”، الشخصية التي ترمز إلى روح الفرح والاحتفال، إيذانًا بانتهاء الاحتفالات وبدء فترة الحزن (الصوم الكبير).
  • الشخصيات الأيقونية: يتميز الكرنفال بشخصياته وأقنعته الفريدة مثل “الماريموندا” (Marimonda) بأنفها الطويل وأذنيها الكبيرتين، و”الملك مومو” (Rey Momo).

3. كرنفال أورورو، بوليفيا

في قلب جبال الأنديز، وفي مدينة أورورو البوليفية، يُقام كرنفال فريد من نوعه يجمع بين الطقوس الدينية للسكان الأصليين والمعتقدات الكاثوليكية بطريقة مذهلة. هذا الكرنفال، الذي أدرجته اليونسكو أيضًا ضمن روائع التراث، هو في الأساس احتفال ديني لتكريم “عذراء المنجم”، لكنه يشتهر برقصاته الفولكلورية المذهلة.

  • الرقصة المحورية: الديابلادا (La Diablada) “رقصة الشياطين” هي الحدث الرئيسي والأكثر إبهارًا في الكرنفال. يرتدي آلاف الراقصين أقنعة شياطين مرعبة ومتقنة الصنع، وأزياء ثقيلة ومزخرفة، ويؤدون رقصة درامية ترمز إلى المعركة الملحمية بين الخير (بقيادة رئيس الملائكة ميخائيل) والشر (بقيادة الشياطين). إنها لوحة بصرية وصوتية قوية، تمتزج فيها أصوات الفرق النحاسية مع حركات الراقصين النشطة.
  • تنوع ثقافي: يشارك في الكرنفال أكثر من 50 مجموعة راقصة، كل منها يمثل رقصة فولكلورية مختلفة من مناطق بوليفيا المتنوعة، مما يجعله استعراضًا شاملاً للتراث الثقافي للبلاد.

4. مهرجان إنتي رايمي، بيرو

بعيدًا عن أجواء الكرنفالات التي تسبق الصوم الكبير، يأخذنا مهرجان “إنتي رايمي” في رحلة عبر التاريخ إلى قلب إمبراطورية الإنكا. يُعرف هذا المهرجان بـ “مهرجان الشمس”، وهو إعادة تمثيل مسرحي مذهل لأهم احتفال ديني في حضارة الإنكا، والذي كان يُقام لتكريم إله الشمس “إنتي”.

  • الموقع والزمان: يُقام المهرجان سنويًا في 24 يونيو في مدينة كوسكو، العاصمة التاريخية للإنكا، ويتوج في قلعة “ساكساي وامان” (Sacsayhuamán) الشاهقة.
  • التجربة: يرتدي مئات الممثلين أزياء الإنكا التقليدية الملونة، ويؤدون الطقوس القديمة، والرقصات، والموسيقى، والمسيرات التي تبدأ من معبد الشمس (قوريكانتشا) وتصعد إلى القلعة. يجسد الممثل الرئيسي دور “سابا إنكا” (إمبراطور الإنكا) الذي يقدم القرابين (بشكل رمزي الآن) ويدعو إله الشمس ليبارك الحصاد ويضمن رفاهية شعبه.
  • الأهمية: إنه ليس مجرد عرض سياحي، بل هو احتفال حي بهوية وثقافة شعوب الأنديز، وفرصة فريدة لمشاهدة التاريخ يعود إلى الحياة.

5. مهرجان التانغو الدولي، الأرجنتين

تتحول عاصمة الأرجنتين، بوينس آيرس، كل عام إلى عاصمة عالمية للتانغو. هذا المهرجان لا يتميز بالصخب بقدر ما يتميز بالشغف، والكثافة العاطفية، والأناقة. إنه احتفال بالرقصة التي نشأت في أحياء الطبقة العاملة في بوينس آيرس وأصبحت رمزًا للثقافة الأرجنتينية.

  • الفعاليات الرئيسية:
    • بطولة العالم للتانغو: يتنافس فيها أفضل راقصي التانغو من جميع أنحاء العالم في فئتين: “تانغو الصالونات” (Tango de Pista) الذي يتميز بالأناقة والارتباط بالأرض، و”تانغو المسرح” (Tango Escenario) الذي يتميز بحركاته البهلوانية والدرامية.
    • الميلونغاس (Milongas): تمتلئ المدينة بقاعات الرقص (الميلونغاس) التي تفتح أبوابها للجميع، من المحترفين إلى الهواة، للرقص حتى ساعات الصباح الأولى.
    • العروض والحفلات الموسيقية: تُقام عشرات الحفلات الموسيقية والعروض الراقصة المجانية في مسارح وشوارع المدينة، احتفاءً بتاريخ وتطور موسيقى التانغو.
  • الأجواء: الأجواء في بوينس آيرس خلال المهرجان تكون مشبعة بالشغف والرومانسية. إنها فرصة فريدة لتغمر نفسك في عالم هذه الرقصة الساحرة، سواء كنت راقصًا أو مجرد مشاهد.

إن الكرنفالات والمهرجانات في أمريكا الجنوبية هي تجارب تحويلية. إنها فرصة لتشاهد كيف يمكن للمجتمعات أن تتحد للاحتفال بهويتها، وتاريخها، وفرحها بالحياة. إنها دعوة مفتوحة للرقص، والغناء، والمشاركة في طقوس مفعمة بالألوان والطاقة. سواء اخترت الانغماس في جنون السامبا في ريو، أو استكشاف الأساطير في بارانكيا، أو مشاهدة التاريخ يعود للحياة في كوسكو، فإنك ستعود بذكريات لا تُنسى، وبفهم أعمق للروح النابضة لهذه القارة المذهلة.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية