من المعروف أن مجال الإرشاد النفسي أصبح من التخصصات الهامة في حياة الإنسان في الوقت الحالي وذلك بسبب ازدياد حاجة الإنسان إلى من يأخذ بيده ويساعده على حل مشكلاته ، حيث تزايدت حدة الضغوط النفسية والمشكلات النفسية والاجتماعية نظرا لتغير نمط الحياة وتباعد العلاقات بين الأفراد، وكذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والتطورات التي تحدث في ميدان التربية والتعليم ، حيث أصبح الفرد اليوم يعيش جملة من الصراعات النفسية الناجمة عن التغيرات الأسرية التي تحدث في مجتمعاتنا .
كل ذلك يؤكد على ضرورة توجيه الأفراد وإرشادهم نفسيا في عصرنا الحاضر وذلك بهدف الوقاية من الوقوع في الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية ، وكذلك تقوية ثقته بنفسه وشعوره بالأمن ومساعدته على حل مشكلاته في جميع المجالات التربوية والاجتماعية والأسرية مما يساعد الفرد على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي والتمتع بقدر عال من الصحة النفسية والتوافق النفسي والمهني.
تعريف الإرشاد النفسي عند الجمعية الأمريكية
هو عبارة عن الخدمات وفق مبادئ متفق عليها من قبل علماء النفس المختصون في علم النّفس الإرشاديّ وذلك لدراسة السّلوك الإنسانيّ خلال مراحل النّمو المختلفة، ويسعون لمساعدة المسترشد لتأكيد الجانب الإيجابيّ بشخصيّته، والعمل على مساعدته ليكون ليكون أكثر تكيفًا مع نفسه وبيئته، ويقوم الأخصائي النفسي بتدريب المسترشد على أساليب حل المشكلات، وكسب القدرة على صنع القرار، ويقدم الإرشاد لجميع الأفراد في مختلف المراحل العمريّة في مجالات عديدة مثل المجال الأسري، والمدرسي، والعمل.
تعريف الإرشاد النفسي عند العالم باترسون
هو عبارة عن عمليّة إرشادية بين المرشد والمسترشد، يحدد لها المكان والزمان، حيث يستمع فيها المرشد للمسترشد ويحاول فهم ومعرفة كيف يفكر وما هي الأمورالتي يمكن تعديلها في السّلوك بطريقة يختارها العميل،وتكون لدى المرشد جملة من المهارات والأساليب للعمل على حل مشكلة العميل والوصول إلى الحل.
تعريف الإرشاد النفسي عند العالم جلاتز
عملية تشاركية تشأ بين المرشد وهو متخصص في الإرشاد والنفسي وبين المسترشد وهو الذي يحتاج إلى مساعدة، ويقوم المرشد بواسطة هذه العلاقة بمساعدة العميل على مواجهة تحدياته وتحديد جوانب القوة والضعف فيها وذلك لتعديل سلوكه والأساليب المتّبعة في التّعامل مع المشكلات التي يواجهها، ويقوم المرشد باستخدام أساليب وفنيات متخصصة في الإرشاد، وتتم المقابلة وجهًا لوجه في جو من الثّقة والشّعور بالأمن والتّقبل والتّسامح بحيث يتمكن العميل من التّعبير عن مشاعره بحرية.
أهداف الإرشاد النفسي
تحقيق الذات
يسعى الإرشاد إلى مساعدة الفرد على استخدام ما يمتلكه من قدرات إلى أقصى حد ممكن، وهذا مما يجعل الفرد يتوصل إلى تحقيق ذاته وذلك بعد أن يتم إشباع حاجاته الأساسية فالمرشد يسعى جاهدا إلى مساعدة العميل إلى تحقيق ذاته، وذلك بغض النظر عن مستوي قدراته كما انه يسعى جاهدا للوصول بالعميل إلى أعلى درجة من الرضا عن قدراته ومهاراته التي يمتلكها، لذلك فان الهدف الأساسي للمرشد هو تحقيق الذات للعميل وذلك للتمكن من توجيه سلوكه وتعديله.
تحقيق التوافق
التوافق هو عبارة عن تحقيق أكبر قدر ممكن من أهدافه وطموحاته وفق امكانياته وقدراته ويكون لديه خلو نسبيّ من الأمراض والاضطرابات، فهي عمليّة مستمرة باستمرار الحياة، وهناك أنواع للتّوافق:
- التّوافق البيولوجي: وهو من وجهة نظر العالم “داروون” قدرة الفرد على التلاؤم مع شروط البيئة الطّبيعية المتغيرة بحيث يستطيع الاستمرار في الحياة، أما الذي يفشل في التّوافق فمصيره الموت.
- التّوافق الاجتماعيّ: يرى العالم “روش” أن الفرد المتوافق هو الذي يستطيع التّكيف مع مجتمعة ويسلك طريقه بناءً على الثّقافة السّائدة.
- التّوافق النّفسيّ الشخصيّ: هي عمليّة مستمرة يقوم بها الفرد على تغيير سلوكه، أو بنائه النّفسيّ، ليكون أكثر انسجامًا مع نفسه وبيئته.
تحقيق التكيف
يساعد الإرشاد الفرد على تحقيق قيم المشاركة والتعاون بالإضافة إلى مساعدته علي التكيف الإيجابي مع النفس ومع الآخرين وقد يكون التكيف المستوي الشخصي للفرد ويتحقق هذا التكيف من خلال تحقيق رضا الفرد عن ذاته والعمل على إشباع حاجاته الأساسية التي من خلالها يتحقق مطالب النمو وقد يكون التكيف على المستوى الاجتماعي وذلك من خلال تحقيق الاستقرار أثناء علاقته مع الآخرين، وذلك وفق قواعد ومعايير الضبط الاجتماعي كما أن هناك التكيف التربوي الذي يهتم بتحقيق ما يناسب قدرات الفرد ومهاراته من مواد دراسية.
تحقيق الصحة النفسية
الصّحة النّفسيّة هي المطلب الأساسيّ في الإرشاد النّفسيّ، وهو قدرة الفرد على العمل بكفاءة عالية مما يؤدي إلى الشّعور بالسّعادة والاستقرار النّفسيّ، فالصّحة النّفسيّة لها عدة تعاريف من وجهة نظر العلماء فمنهم من اعتبرها قدرة الفرد على التّنظيم والانجاز، ومنهم من اعتبرها قدرة الفرد على التّفاعل مع المجتمع من خلال الحبّ والعمل والصّداقة، ويرتبط تحقيق الصّحة النّفسيّة بقدرة الفرد على حل المشكلات واشباع مطالب النّمو، ويقوم المرشد بمساعدة المسترشد على اتخاذ القرار بنفسه ويحقق ذاته ويغير اتجاهاته.
تحسين العملية التعليمية
حيث تظهر أهمية الإرشاد في تحقيق الأهداف التالية في العملية التعليمة:
- إعطاء الطلاب القدرة على اكتساب العديد من المهارات الحياتية التي تمكنهم على مواجهة تحديات الحياة، بالإضافة إلى قدرتهم على التعامل مع المواقف الاجتماعية المتنوعة.
- يساعد الطلاب على تحقيق الاستقرار الوجداني والذي يتسم بالانضباط النفسي مع الوالدين وجميع من هم أكبر منه سنا.
- يساعد الإرشاد الطلاب على تقبل جميع التغيرات الجسمانية التي تحدث لهم في مختلف مراحل النمو، حيث انه يقوم بتوضيح الحقائق التي تتعلق بنموهم وخاصة في مرحلة المراهقة.
- يعمل الإرشاد على إصلاح الطلبة المضطربين نفسيا والعمل على معالجتهم بالعديد من الطرق التي تتنوع في أساليبها، وذلك لكي يجعل هؤلاء الطلاب أفراد فاعلين في المجتمع.
- يساهم الإرشاد بدور كبير في إكساب الطلاب العديد من المهارات التي تمكنهم من فهم هويتهم وقبولها وتقديرها.
- إعطاء الطلاب المزيد من المهارات التي تمكنهم من استكشاف بيئة العمل الخاصة بهم مستقبلا وذلك من خلال تطوير قدراتهم بصورة كافية، وذلك من أجل تمكينهم من التخطيط لمستقبلهم المهني أو مستقبلهم التعليمي وذلك بناء على قدراتهم وميولهم وطموحاتهم الذين يرغبون في الوصول إليها.
- يساهم الرشاد في منح الطلاب المهارات الكافية التي تمكنهم من مواجهة تحديات الحياة ومشاكلهم، بالإضافة إلى منحهم المهارات اللازمة لحل هذه المشاكل بطرق مناسبة.
إكساب الفرد مهارة الضبط والتوجيه الذاتي
ويعني الوصول بالفرد المسترشد إلى درجة من الوعي بذاته وإمكانياته، وفهمه لظروفه ومحيطه فهما أقرب للواقع، حيث يكون الكائن البشري في بداية حياته متمتعا بمركز ضبط خارجي لسلوكياته، وينتقل ذلك تدريجيا بفعل التربية والتنشئة الاجتماعية والتوجيه والإرشاد إلى مركز ضبط داخلي.
وبالتالي يتحكم في سلوكياته ويضبطها برغبة داخلية ومراقبة ذاتية دون تردد أو خوف، وبالتالي يستطيع المسترشد مواجهة مشاكله المستقبلية دون الاعتماد على الآخرين، وصولا إلى الوقاية والحماية من الوقوع في المشاكل، وهذا الجانب الوقائي من الاهتمامات الرئيسية للتوجيه والإرشاد.
مناهج الارشاد النفسي
لكي يحقق الإرشاد الأهداف المرجوة فإنه يستخدم مجموعة من المناهج وهي :
المنهج النمائي
يطلق على هذا المنهج الاستراتيجية الإنشائية وذلك لكونه يهتم بتعزيز الجوانب الإيجابية للفرد وتنميتها ، ويعتبر هذا المنهج عملية الإرشاد عملية نمو ، تقدم إلى الأفراد العاديين بهدف رعاية نموهم السليم والارتقاء بسلوكهم ورفع إمكانياتهم وقدراتهم واستعداداتهم وكفاءتهم لتدعيم توافقهم النفسي والصحي والاجتماعي والتربوي والمهني إلى أقصى درجة ممكنة ، وتؤهلهم للتغلب على الصراعات والمشكلات غير السوية التي تواجههم في حياتهم اليومية .
ويفيد هذا المنهج في تخطيط برامج التوجيه والإرشاد المدرسي للأخذ بيد التلاميذ والوصول بهم إلى التوافق في جوانبهم الشخصية الاجتماعية والدراسية.
المنهج الوقائي
وتقوم عملية التوجيه والإرشاد في هذا المنهج على وقاية سلوك الفرد من الاضطرابات ومشكلات عدم التوافق ، وتعتمد استراتيجية المنهج الوقائي في التوجيه والإرشاد على الأمور التالية:
- المحافظة على الصحة النفسية للأفراد العاديين .
- العمل على تحقيق التوافق .
- القيام بالدراسات العلمية التي تتعلق بفهم الأفراد ( استعداداتهم وميولهم واتجاهاتهم ) للكشف المبكر عن أي اضطراب للعمل على مواجهته قبل أن يقوي ويستفحل ويصعب التغلب عليه .
المنهج العلاجي
يهدف إلى إعادة التوافق النفسي والصحة النفسية للفرد عندما لا يتوفر لديه توجيه وإرشاد للنمو السليم أو لا تتوفر الوقاية الكافية للمنع من الوقوع في الاضطرابات ، أو عندما نفشل في الكشف المبكر عن الاضطرابات والمشكلات عند بعض الأفراد، ويحتاج هذا المنهج إلى تخصص دقيق في الإرشاد العلاجي.
مبادئ الارشاد النفسي
قوم التوجيه والإرشاد النفسي على أسس ومبادئ عامة يستطيع القائم بالعملية الإرشادية أن يلتزم بها ويعمل من خلالها لضمان نجاح عملية التوجيه والإرشاد النفسي، ومن أهم هذه المبادئ ما يلي:
مبدأ هنا والآن
يركز هذا المبدأ على الظروف والأحداث التي يعيشها المسترشد الآن، حيث أنه يمر بكثير من الواقف والأحداث النشطة والتي من شأنها زيادة التوتر لديه والعمل على عدم القدرة على التكيف والتوازن، كذلك يجب على التأكيد على ما يحدث الآن، أي المكان الذي تتم فيه العملية الإرشادية بحيث يقوم المسترشد بسرد الأفكار والأحداث والمعتقدات وما يصاحبها من مشاعر وأحاسيس نابعة من المسترشد ويقوم المرشد بتحويلها إلى الحاضر.
وينبغي على المرشد الماهر أن يكون ملم بجميع جوانب العملية الإرشادية حتى يكون قادرا على فهم مشكلة العميل ومحاولة مساعدته ووضع الحلول المناسبة وذلك بمساعدة المسترشد حيث لابد أن تكون الحلول نابعة من المسترشد وفق قدراته حتی يستطيع القيام بها من أجل التخلص من مشاكله المختلفة وإعادة التوافق والتكيف له.
مبدأ السرية
إن العلاقة الإنسانية بين المرشد النفسي والمسترشد تعتبر من أهم العناصر الأساسية والهامة في عملية الإرشاد النفسي، وعليه يجب أن تتميز العلاقة بالثقة المتبادلة بين طرفي العملية الإرشادية حتى يستطيع المرشد أن يقدم الخدمة النفسية على أكمل وجه، وهذا لا يتأتى إلا أن يقوم المرشد بحفظ أسرار المسترشد ويراعي مبدأ السرية التامة في علاقته الإرشادية كسبا في ثقتهم وحتى يثمر الإرشاد النفسي.
وتعتبر السرية دعامة أساسية وواحدة من أهم أخلاقيات المرشد النفسي، وهنا لابد أن نوضح أنه لا يجوز إفشاء السرية إلا مع أهل المهنة وذلك بعد أخذ موافقة منه، وأيضا إذا كانت هناك خطورة على حياة المسترشد هنا يجب إفشاء السرية لضمان حياة المسترشد.
مبدأ تقبل المسترشد
يجب على المرشد النفسي أن يتقبل المسترشد كما هو على علاته وعيوبه دون نقد أو لوم، ودون ملاحظات أو إبداء رأي ودون استخدام المعاني حيث من أهم واجبات المرشد أن يتعرف على مواقف الفشل لدى المسترشد أولا ثم التعرف على مواقف النجاح ثانية.
ويجدر الإشارة هنا إلى ذكر توصيات روجرز بأنه يجب على المرشد النفسي أن يتقبل المسترشد بانفعالاته المختلفة وعلى المرشد أن يتقبل المسترشد بطيب الكلام وطلاقة الوجه، كما ويجب أن ننوه هنا بأن تقبل المسترشد ككل يعني قبول كل سلوكياته أيا كان هذا السلوك حسنا أو سيئا بل يجب تقبل المسترشد كما هو أولا ثم القيام بتعديل السلوكيات الخاطئة ضمن العملية الإرشادية.
الحاجة الي الارشاد النفسي
أصبحت الحاجة إلى الإرشاد النفسي ملحة وضرورية في جميع دول العالم بصفة عامة ولاسيما بعد أن شملها مظاهر حضارية تكنولوجية وتغيرات سريعة ومتلاحقة في جميع جوانب حياة الفرد سواء على الصعيد الأسري أو الاجتماعي أو الثقافي أو المهني .
فالإنسان يعيش في عصر التقدم التكنولوجي والتغيرات والتحديات المليئة بالمشكلات ، فكل فرد يمر خلال مراحل حياته بمشكلات عادية وفترات حرجة ، ومواقف صعبة يحتاج فيها إلى توجيه وإرشاد ، من هنا كانت الحاجة إلى ظهور الإرشاد النفسي.
ولقد ظهرت الحاجة المختلفة إلى الخدمات النفسية بصورة واضحة نتيجة التطور الذي تناول المجتمع ، فأدى إلى اختلاف الظروف التي يعيش فيها الإنسان وتعقد النظم الاجتماعية التي يخضع الها، وبالتالي صاحب هذا تعدد الالتزامات والمطالب المفروضة على الفرد وتعدد أساليب إشباعها، ثم تعقد أساليب التوافق التي يجب على الفرد تعلمها و إتباعها.