تُعدّ تنمية الموارد البشرية إطارًا شاملاً يهدف إلى التطوير الشامل للموظفين على مختلف الأصعدة، حيث يُركّز على صقل المهارات الشخصية والتنظيمية لديهم، وتعزيز المعرفة وتوسيع آفاقها، بالإضافة إلى تنمية الإمكانيات المهنية والنفسية والشخصية لكل موظف.
تشمل تنمية الموارد البشرية مجموعة متنوعة من الفرص القيّمة التي تُساهم في النموّ والتطور، مثل توفير فرص التطوير الوظيفي التي تُساعد الموظفين على التقدّم في مسارهم المهني، وبرامج التدريب المُصمّمة خصيصًا لتزويدهم بالمهارات والمعرفة الحديثة، وتقديم المساعدة الدراسية لتشجيعهم على مواصلة التعليم واكتساب شهادات أعلى.
بالإضافة إلى إدارة التطوير والأداء التي تُقيّم أداء الموظفين وتُقدّم لهم التوجيه والدعم اللازم لتحسين أدائهم وتحقيق أهدافهم. يُمكن القول إنّ تنمية الموارد البشرية تُشكّل استثمارًا قيّمًا في رأس المال البشري، ممّا يُساهم في رفع كفاءة المؤسسات وتحقيق النجاح المستدام.
تعريف تنمية الموارد البشرية
يتم تعريف تنمية الموارد البشريّة Human Resource Development (HRD) على أنَّها تنمية قدرات ومهارات الموظفين والاستثمار بها، حيث تُعتبر تنمية الموارد البشريّة جزءًا لا يتجزأ من إدارة الموارد البشريّة التي يتم من خلالها تزويد العمّال والموظفين بالمهارات والمعرفة ذات العلاقة بشكلٍ مباشر بالقدرة على النمو في مكان العمل، بالإضافة إلى وضع خطة مناسبة وواضحة لتطوير أدائهم، وعادةً ما يتم هذا الأمر من خلال عقد ورشات تدريبية أو أنشطة تتم على مستوى المنظمات أو الشركات بشكلٍ عام.
ويتم إعطاء مهمة متابعة الموظفين، وتطوير مبادرات مشابهة لمساعدة الموظفين على التطور والتقدم في مجال عملهم أو ما يُعرف بالتطور الوظيفيّ، وتحقيق الأهداف الأساسيّة في بيئة العمل إلى فريق الموارد البشريّة؛ حيث يشمل فريق الموارد البشريّة منسقين تعليم ومتخصصين في مجال التدريب ومطوري برامج التنمية.
مداخل تنمية الموارد البشرية
المدخل الفردي:
تُعدّ “تنمية الموارد البشرية” عملية محورية في تطوير المنظمات، حيث تُركّز المداخل المتنوعة على جوانب مختلفة لتحقيق هذا التطوير. من بين هذه المداخل، يبرز “المدخل الفردي” كمنهجية أساسية، تقوم فلسفته على اعتبار الفرد الركيزة الأساسية للتغيير والتطوير داخل المنظمة.
ينظر هذا المدخل إلى الفرد كمتغير مستقل وقوة دافعة للتطوير، بينما تُعتبر المنظمة كيانًا تابعًا له في هذه العملية التنموية. ولتحقيق أهداف هذا المدخل، يتم استخدام جميع الوسائل والأساليب التي تُساهم في إحداث تغيير إيجابي على مستوى الفرد، سواء من خلال التدريب والتطوير، أو التعليم والتثقيف، أو التحفيز والتوجيه، أو غيرها من الممارسات التي تُنمّي قدراته ومهاراته، ممّا ينعكس إيجابًا على أداء المنظمة ككل.
بمعنى آخر، يستثمر هذا المدخل في تطوير الأفراد إيمانًا بأنّ تطويرهم يُؤدّي بشكل مباشر إلى تطوير المنظمة ونموها وازدهارها.
المدخل التنظيمي:
يُعدّ المدخل التنظيمي أحد أهم مداخل تنمية الموارد البشرية، حيث ينطلق من فلسفة أساسية مفادها أن عملية التطوير والتنمية يجب أن تتمحور حول إعداد وتهيئة النظام المؤسسي ككل لخلق بيئة خصبة لحدوث التغيير والتطور المنشود في الأداء.
ولتحقيق هذه الغاية، يتطلب المدخل التنظيمي توفير جملة من المتطلبات الأساسية، من أبرزها: أولاً، التركيز بشكل مكثف على الوظائف والمهام المتخصصة في التنظيم، سواء كان ذلك على مستوى المنظمة ككل، من خلال وضع هياكل تنظيمية فعالة وتحديد مسؤوليات واضحة، أو على مستوى الإدارات والأقسام المختلفة داخل المنظمة، من خلال تحسين إجراءات العمل وتوزيع المهام بشكل يضمن الكفاءة والفعالية.
ثانياً، النظر إلى الأفراد العاملين في المنظمة بوصفهم عنصراً ومتغيراً تابعاً للتغييرات والتطورات التي تحدث في المنظمة، بمعنى أن أي تعديل أو تحسين يتم إدخاله على مستوى الهيكل التنظيمي أو الإجراءات أو الأنظمة سيؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تغييرات على مستوى الأفراد، سواء في أدائهم أو سلوكهم أو مهاراتهم. ولذلك، يجب أن تأخذ برامج تنمية الموارد البشرية هذا الجانب بعين الاعتبار من خلال توفير برامج تدريبية وتطويرية مناسبة تساعد الأفراد على التكيف مع التغييرات الجديدة وتطوير مهاراتهم وقدراتهم.
ثالثاً، التركيز على خلق بيئة تنظيمية محفزة وداعمة للابتكار والتطوير، من خلال تشجيع ثقافة الإبداع وتقديم الدعم والموارد اللازمة لتطبيق الأفكار الجديدة، بالإضافة إلى توفير مناخ عمل إيجابي يشجع على التعاون والتواصل الفعال بين الأفراد والإدارات. وبذلك، يساهم المدخل التنظيمي في بناء منظمة قادرة على التكيف مع المتغيرات المستمرة في بيئة الأعمال وتحقيق التنمية المستدامة لمواردها البشرية.
المدخل الجماعي:
يُعدّ المدخل الجماعي أحد المداخل الهامة في مجال تنمية الموارد البشرية، حيث يرتكز هذا المدخل على فلسفة شاملة تتجاوز التركيز الفردي المحدود، مُعليًا من شأن الجماعة كوحدة أساسية للتغيير والتطوير. ينطلق المدخل الجماعي من افتراض وجود قوى متكافئة بين جميع الأطراف المعنية بعملية التغيير، ممّا يُساهم في خلق بيئة تعاونية تفاعلية تُحفّز على المشاركة الفعّالة وتبادل الخبرات والمعرفة بين أفراد المجموعة.
ويتميّز هذا المدخل بشموليته، حيث يُحقّق نتائج أفضل وأكثر استدامة في مُختلف جوانب تنمية الموارد البشرية، سواء على مستوى تطوير المهارات الفنية والإدارية، أو تعزيز القدرات القيادية وبناء فرق العمل الفعّالة، أو تحسين بيئة العمل وثقافة المنظمة بشكل عام، مُركّزًا على التفاعل الديناميكي بين الأفراد داخل المجموعة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة للموارد البشرية.
تُساهم هذه الشمولية في ضمان استفادة جميع أفراد المجموعة من برامج التنمية، ممّا يُعزّز من فاعلية هذه البرامج وأثرها الإيجابي على أداء المنظمة ككل.
أهمية تنمية الموارد البشريّة
تطوير القوة العاملة
تُعتبر تنمية الموارد البشرية عملية حيوية وهامة للغاية في تطوير أداء المنظمات والشركات، حيث تساهم بشكل فعّال في بناء وتطوير قوة عاملة مُؤهلة ومُدرَّبة على أعلى المستويات. هذه العملية لا تقتصر فقط على التدريب التقليدي، بل تشمل أيضًا تثقيف الموظفين وتزويدهم بالمعرفة الحديثة والمُتجددة التي تُمكنهم من مواكبة التطورات في مجالات عملهم.
من خلال برامج تنمية الموارد البشرية المُصممة بعناية، يتم نقل المهارات الوظيفية الأساسية والمُتخصصة إلى الموظفين، مما يُساعدهم على أداء أدوارهم والمهام المطلوبة منهم بكفاءة وفعالية عالية، وبالتالي تحقيق أهداف المنظمة أو الشركة بنجاح. تُساهم هذه العملية أيضًا في رفع مستوى الإنتاجية وتحسين جودة العمل، بالإضافة إلى تعزيز انتماء الموظفين وولائهم للمؤسسة.
تحسين العلاقات مع الموظفين
تُعتبر تنمية الموارد البشرية ذات أهمية بالغة في تعزيز بيئة العمل الإيجابية وتحسين العلاقات مع الموظفين على كافة المستويات. فهي تساهم في بناء جسور التواصل الفعّال بين الموظفين والإدارة، ممّا يُحقق تفاهمًا أعمق ورؤى مشتركة حول أهداف المؤسسة وتطلعات العاملين.
من خلال الاستثمار في تطوير أداء وقدرات الموظفين، وتوفير الأدوات والبرامج التدريبية التي تُساعدهم على النمو المهني والشخصي، تُرسّخ تنمية الموارد البشرية ثقافة الثقة المتبادلة والتعاون البنّاء.
هذا الاهتمام من الإدارة بتطوير الموارد البشرية يُعزّز من انتماء الموظفين وولائهم للمؤسسة، ويُحفّزهم على بذل المزيد من الجهد لتحقيق النجاح المشترك، ممّا ينعكس إيجابًا على أداء المؤسسة ككل. بالإضافة إلى ذلك، تُساعد تنمية الموارد البشرية في حل النزاعات والخلافات بشكل فعّال من خلال توفير آليات للتواصل والحوار البنّاء، ممّا يُساهم في خلق بيئة عمل صحية ومُنتجة.
توفير فرص للتطور الوظيفي
تُعدّ تنمية الموارد البشرية ركيزة أساسية في تطوير المنظمات ونموّها، حيث تكمن أهميتها في توفير فرص مستمرة للتطور الوظيفي للعاملين على اختلاف مستوياتهم. فمن خلال برامج تنمية الموارد البشرية، يتم تزويد الأفراد بفرص تدريبية متنوعة وبرامج لتطوير الأداء مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتهم الفردية ومتطلبات المنظمة المتغيرة.
هذه البرامج لا تُساهم فقط في تحسين مهارات وقدرات الموظفين الفنية والوظيفية، بل تُساعدهم أيضًا على اكتشاف وتنمية قدراتهم الكامنة وتحديد معتقداتهم المهنية، ما يُعزّز من ثقتهم بأنفسهم ويُحفّزهم على تقديم أفضل ما لديهم.
كما تُساهم تنمية الموارد البشرية في مُواكبة التغيّرات المُتسارعة في سوق العمل ومتطلباته، من خلال تزويد الموظفين بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواجهة هذه التحديات، ما يضمن استمرارية تطورهم ونجاحهم على المدى الطويل، وبالتالي تحقيق أهداف المنظمة بكفاءة وفاعلية.
تعزيز الإنتاجية
تُعدّ تنمية الموارد البشرية من أهمّ العمليات التي تُساهم بشكلٍ كبير في تعزيز إنتاجية المؤسسات والمنظمات، حيثُ أنّها تعمل على تطوير قدرات ومهارات الموظفين من خلال تزويدهم بالمعرفة والخبرات والتدريب اللازم، ممّا يُؤدّي إلى تحسين مستوى أداء الأفراد وزيادة إنتاجيتهم بشكلٍ فعّال.
بالإضافة إلى رفع جودة المُخرجات التي يُقدّمونها للمنظمة، وذلك من خلال تأهيل العاملين وتزويدهم بالمهارات والقدرات التي تُمكنهم من القيام بواجباتهم على أكمل وجه، ممّا يُساهم في تحقيق أهداف المنظمة وزيادة كفاءتها وفعاليتها في سوق العمل، وتُعتبر تنمية الموارد البشرية استثمارًا استراتيجيًا طويل الأجل يُؤثّر بشكلٍ إيجابي على أداء المنظمة وقدرتها على المنافسة والنموّ.
تحسين الرضا الوظيفي
تُعدّ تنمية الموارد البشرية من أهمّ العمليات التي تُساهم في تحسين أداء الموظفين ورفع مستوى رضاهم الوظيفي، حيث ترتكز هذه العملية على تعزيز قدرات الموظفين وتنمية مهاراتهم، بالإضافة إلى بناء ثقتهم بأنفسهم من خلال التوجيه الفعّال وتوفير بيئة عمل مُناسبة وإيجابية تُحفّزهم على الإبداع والإنتاجية.
وتهدف تنمية الموارد البشرية إلى تحقيق أقصى استفادة من إمكانيات الموظفين وقدراتهم، ممّا يُساهم بشكل فعّال في تحقيق أهداف المنظمة بشكل عام، من خلال رفع مستوى الأداء الفردي والجماعي، وتحسين جودة العمل، وزيادة الإنتاجية، وبالتالي تحقيق النمو والازدهار للمنظمة. كما تُساهم تنمية الموارد البشرية في خلق بيئة عمل جاذبة تُشجع على الاستثمار في العنصر البشري، وتُساهم في الحفاظ على الكفاءات المتميزة داخل المنظمة.
الصعوبات التي واجهت تنمية الموارد البشرية
واجهت تنمية الموارد البشرية العديد من الصعوبات من أجل تحقيق تنمية مستدامة من أجل الموارد والكفاءات، وقد تمثلت تلك الصعوبات فيما يلي:
- الاتجاه نحو عولمة الأسواق: إن اتجاه الأسواق نحو العالمية من أهم العوامل التي تزيد من اهتمام المؤسسات المحلية والدولية في تسيير الموارد البشرية، وقد ازداد اتجاه المؤسسات نحو الأسواق العالمية لأن تلك المؤسسات مُنظمة حتى تتلاءم مع الأسواق المحليّة.
- تنويع مزيج الموارد البشرية: من الممكن أن تضُم الشركات ذات النشاط الدولي عدداً من العاملين ذوي الجنسيات المتعددة، ومن مختلف الأعمار والثقافات، وهذا الأمر يعني وجود اختلاف في المهارات والقدرات، مما يتطلب إيجاد مزيد من التنمية والتدريب.
- اتجاه المؤسسات للتصغير: تتجه المؤسسات الاقتصادية إلى التقليل من المستويات التنظيمية، وتسريح العمالة الزائدة، وتخفيض حجم العمليات، وهنا تكون وظيفة الموارد البشرية هي تدريب وتنمية مهارات العمالة الموجودة، بما يتناسب مع طبيعة المتغيرات الخاصة بالنشاط.
- إعادة هندسة العمليات في المؤسسات: لجأ عدد كبير من المؤسسات إلى القيام بتغيرات هيكلية في عملياتها، من أجل التنسيق بين التحولات التنافسية، الأمر الذي أثّر في سياسات ونظم الموارد البشرية، ولهذا يجب أن يخضع الأفراد لبرامج تدريبية تختص بمعرفة مدى أهمية التغيير والدوافع الخاصة به.
- الاتجاه نحو اللامركزية: تقتضي ظروف التنافس بين المؤسسات مشاركة الكفاءات البشرية والموارد في جميع مستويات التنظيم المختلفة، ويتم ذلك عن طريق زيادة الهامش الخاص في التدخل بالكفاءات من أجل تحليل المشاكل، وتقديم الاقتراحات لحلها، والاحتكاك مع العميل، ولهذا تجب تنمية مهارات العاملين الخاصة في التفاعل مع المشاكل بشتى أنواعها، مع التسيير والتفاوض من خلال المشاركة.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.