مجرة درب التبانة، تلك الهيكل الحلزوني الضخم الذي يضم نظامنا الشمسي، هي موضوع اهتمام العلماء والفضوليين على حد سواء. في هذا المقال، سنستكشف أحدث الاكتشافات العلمية حول بنية المجرة، تكوينها، ومقارنتها بغيرها من المجرات. هل أنت مستعد للانطلاق في رحلة علمية عبر الكون؟
يقدر العلماء أنّ عدد المجرات في الكون حوالي 2 تريليون مجرة وقد يصل قطر بعض منها نحو 4 مليون سنة ضوئية حدٍ أدنى وتحتوي كل منها على نجوم يقدر عددها بين 10 آلاف مليون إلى ما يزيد عن 150 ألف مليون نجم، وللمجرات ثلاثة أنواع رئيسية تشمل: الحلزونية والبيضوية والشاذة، والتي تتحرك في الفضاء الشاسع وتتوزع في تجمعات وأشكال مختلفة على هيئة عناقيد كبيرة مؤلفة من آلاف المجرات وفي هذا المقال سيتم توضيح مجرة درب التبانة من أي نوع منها.
مجرة درب التبانة
هي مجموعة ضخمة من الغبار والغاز والنجوم وأبرزها الشمس، وبالتالي فهي وطن مجموعتنا الشمسية. كما يطلق عليها اسم the milky way، إشارةً لتوضعها في الفضاء على شكل شعاع حليبي.
ودعني أخبرك أن النطاق المرصع بالنجوم عبر سماء الليل والذي يمكننا رؤيته من الأرض هو في الواقع مجرة ضخمة تمتد بلايين الكيلومترات حول كوكبنا.من ناحية أخرى، تأخذ مجرة التبانة شكلًا حلزونيًا غير منتظم.
ويبلغ طول قرصها حوالي 100000 سنة ضوئية وسُمكه 1000 سنة ضوئية فقط، وفقًا لمرصد لاس كومبريس Las Cumbres Observatory.
كما تعد مجرة درب التبانة، المركز الرئيسي والوحيد الذي تدور حوله مجموعتنا الشمسية، تمامًا كما يدور كوكب الأرض حول الشمس. ولكن الفرق الأساسي هنا هو الوقت الذي يستغرقه النظام الشمسي ليكمل دورة واحدة حول مركز المجرة.
إذ يحتاج إلى ما يقارب 250 مليون سنة، في حين يحتاج كوكب الأرض 365 يوم ليكمل دورته حول الشمس.
كم يبلغ حجم مجرة درب التبانة
أشرنا في الفقرة السابقة والمقدمة إلى أن مجرة درب التبانة، من أكبر المجرات في الكون، وهي ثاني أكبر مجرة على وجه التحديد والدقة، بعد مجرة أندروميدا. إذ يبلغ عرض مجرة درب التبانة 105700 سنة ضوئية، بينما يبلغ عرض مجرة أندروميدا 220،000 سنة ضوئية.
تسمية درب التبانة
تسمى مجرة درب التبانة باللغة الإنجليزية باسم Milky Way ومعناه الدرب الحليبي أو درب اللبانة، وسمي بهذا الاسم لأنه قديمًا عندما لم تكن الكهرباء قد اختٌرعت بعد، كان الناس يستمتعون بمنظر ليلي أخّاذ للسماء وهي مزدحمة بالنجوم، وكان من السهل ملاحظة ظهور مجرة درب التبانة في الليالي الصافية على شكل شريط مليء بالنجوم، وأعطت مختلف الثقافات القديمة اسمًا مختلفًا لهذا الشريط، ولكن اسم الدرب الحليبي كان مستمدًا من الإغريق، حيث كان لديهم أسطورة عن هرقل الرضيع الذي تم إحضاره إلى الإلهة هيرا التي رعته أثناء نومها، وعندما استيقظت وذهبت انتثر الحليب من ثدييها على صفحة السماء، أما درب التبانة فقد استوحاه العرب من التبن حيث شبهت منظر السماء بتبن المواشي الذي يسقط على الأرض مشكلًا أذرعًا ملتوية تشبه تلك التي في السماء.
شكل مجرة درب التبانة
يوجد أربعة أنواع من المجرات من حيث الشكل، إذ تتوضع المجرات في الكون بطرق وأشكال مختلفة مثل الشكل الحلزوني والإهليلجي وغير المنتظم. فإذا استطعنا أن نشاهد مجرتنا من الأعلى والأسفل، سنلاحظ أنها مجرة حلزونية مضلعة، فبنيتها مزيج بين الأشكال المنحنية والمستقيمة.
وقد استطاع العلماء بعد الدراسات والتقارير المنوعة، معرفة أو تقدير شكل المجرة على أنه حلزوني، استنادًا إلى عدة أسباب. مع الإشارة إلى أنه من الصعب أن نحدد شكل مجرة درب التبانة من موقعنا داخلها.
وفيما يلي الأسباب التي تقنعك بحقيقة شكل مجرة درب التبانة الحلزوني:
- من خلال مقارنة سلوك مجرة درب التبانة، بسلوك غيرها من المجرات. فعندما أجروا قياسات على سرعات النجوم والغازات في درب التبانة، وتبين أن الحركة دوارنية وغير عشوائية، وهذه من أبرز مميزات المجرات حلزونية الشكل.
- من خلال الشكل التي تظهر فيه مجرة درب التبانة، على شكل شريط طويل عبر السماء. فهذا يدل أن شكلها قرص نراه من الحافة، إلى جانب وجود انتفاخ في المركز. وهي من الصفات المؤكدة المجرات الحلزونية.
- من خلال محتوى الغازات في مجرة درب التبانة، ولونها إلى جانب الغبار، وهي تتشابه مع محتويات المجرات الحلزونية الأخرى التي يمكن أن نجدها في الكون.
مكونات درب التبانة
مجرة درب التبانة هي نظام حلزوني كبير يتكون من عدة مئات من مليارات النجوم التي تكون كنجوم مفردة كالشمس أو كنجوم مزدوجة وعلى الرغم من ذلك توجد أيضًا فيها مجموعات نجمية تم تقسيمها إلى ثلاثة أنواع تتضمن :المجموعات الكروية والمجموعات المفتوحة والمجموعات النجمية والتي تختلف عن بعضها البعض من حيث العمر وعدد النجوم، وقد جاء اسم هذه الأنواع من وجود إضاءة غير منتظمة من النجوم والغازات التي تمتد عبر السماء كما ترى من الأرض وعلى الرغم من أنّ الأرض تقع داخل مجرة درب التبانة إلا أن علماء الفلك ليس لديهم فهم كامل لطبيعتها مثل بعض أنظمة النجوم الخارجية، وعن طريق التلسكوبات الضوئية شوهدت طبقة سميكة من الغبار موجودة بين النجوم تحجب جزء كبير من المجرة ويستطيع الفلكيين من تحديد هيكلها على نطاق واسع بمساعدة التلسكوبات الراديوية والأشعة تحت الحمراء، وإنّ المجرات مهما تعددت أشكالها وأحجامها وسرعاتها وأعمارها، لا بدّ من وجود بعض العناصر والمكونات فيها، وللتفصيل أكثر في مكوناتها، تاليًا بيانُ ذلك:
- النجوم
على الرغم من أن معظم النجوم في المجرة موجودة إما كنجوم مفردة مثل الشمس، أو كنجوم مزدوجة، إلا أن هناك العديد من المجموعات البارزة التي تتكون من عشرات الآلاف من النجوم، وهذه المجموعات يمكن أن تقسم إلى ثلاثة أقسام، المجموعات الكروية، المجموعات المفتوحة والمجموعات النجمية، وهي تختلف في العمر وفي عدد النجوم المكونة لها.
- السُدم الانبعاثية
هذا المكون أساسي في جميع المجرات والذي ينتشر عبرها، فهو أكبر وألمع جزء فيها وأكثرها انتشارًا، فهي تشبه الغيوم، وهي عبارة عن مجمعات كبيرة للغازات والغبار الكوني وتكون فيها الغازات متأينة وبحالة ونشطة جدًا، وسبب هذا النشاط هو الأشعة فوق البنفسجية، القوية المنبعثة من النجوم الساخنة والمضيئة.
- السُدم الكوكبية
الغيوم الغازية المعروفة باسم السدم الكوكبية تشبه بشكل عام الأنواع الأخرى من السدم، لكن سبب تسميتها بهذا الاسم لأن تعد من الأصناف الأصغر حجمًا، وتشبه الأقراص الكوكبية تقريبًا عند مشاهدتها من خلال التلسكوب، وتمثل السدم الكوكبية المرحلة النهائية من دورة حياة النجوم بدلًا من بداية تشكلها، ويوجد حوالي 1000 سديم كوكبي في مجرة درب التبانة وقد يكون أكثر من ذلك بكثير نظرًا لغموض مجرة درب التبانة.
موقع الشمس في المجرة درب التبانة
تدور الشمس حول 26000 سنة ضوئية من الثقب الأسود، الذي سبق وتحدثنا عن وجوده في مركز مجرة درب التبانة. وتستغرق الشمس 250 مليون سنة لإكمال مدار كامل حول مركز المجرة، كما أشرنا سابقًا.
أما موقع الشمس بالنسبة لمجرة درب التبانة، فيمكن القول أنها تقع بالقرب من حافة الذراع المحلية لمجرة درب التبانة، وهو أحد الذراعين الحلزونيين الأصغر للمجرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا تدور كواكب النظام الشمسي في مستوى المجرة، بل نجدها مائلة عنه بما يقارب 63 درجة.
وأخيرًا، يعمل العلماء والمختصون على تطوير الخرائط، التي تمثل مواقع النجوم والأجسام المختلفة في مجرة درب التبانة. ولعل أول مرة رُسمت فيها خرائط النجوم، تعود إلى زمن بعيد جدًا، عندما رسم عالم فلك يوناني خريطة لسماء الليل وذلك قبل 150 عامًا قبل الميلاد.
ومن المتوقع تطوير الدراسات حول مجرتنا، للوصول إلى نتائج دقيقة وواضحة حول مجرة درب التبانة.
فرضيات تشكل مجرة درب التبانة
توضح آلية تشكل مجرة درب التبانة من خلال نظريتان، حيث أن هذه المجرة تحتوي على ثلاثة مكونات أساسية هي: القرص الذي يحتوي على أذرع لولبية والهالة والنواة والتي تسمى أيضًا بالانتفاخ المركزي ويجدر بالذكر بأن النجوم القديمة قد تكون فقيرة بالمعادن الموجودة في الهالة والانتفاخ المركزي أما عن النجوم الأصغر، حيث أنها تكون غنية بالمعادن وتكون موجودة في القرص.
وهذه الحقائق ساعدت علماء الفلك على تطوير النظريات القديمة كنظرية الانهيار أو الفرضية من أعلى إلى أسفل التي تتضمن أنّ المجرات الكبيرة مثل مجرة درب التبانة تتشكل عن طريق انهيار الجاذبية من سحابة غازية واحدة مضطربة كبيرة، ووضحت النظرية ذلك من خلال نصها على أن: سحابة غازية كبيرة واحدة نشأت قبل أكثر من 13 مليار عام وهو ما نقدره بعصر مجرة درب التبانة.
ولكنّ هذه السحابة لم تكن قوية بما يكفي لمقاومة قوة الجاذبية التي تسحب الغاز إلى الداخل وعندما تم سحب الغاز إلى الداخل تم تجزئة السحابة إلى سحب أصغر، وهذه الفرضية توضح أيضًا أنه بما أن الهالة تكونت أولًا، فيجب أن تحتوي على نجوم من نفس العمر تقريبًا وكما أنه من الضروري أن تكون الأقدم منها الأقدم وأن تكون خالية من المعادن.
ولكن الأدلة والملاحظات الحديثة ألقت بعض العقبات لهذه الفرضية ويبدو ذلك بأن بعض النجوم القديمة تعد فقيرة بالمعادن ولكنها ليست بالضرورة خالية تمامًا منها، ونظرًا لذلك تم تطوير فرضية جديدة تسمى بفرضية من أسفل إلى أعلى تنص على أن المجرات الكبيرة مثل مجرة درب التبانة تشكلت من مجموعات من المجرات الصغيرة والمجموعات النجمية
تصادم مجرة درب التبانة مع المجرات
بعد الإجابة على سؤال “ما هي مجرة درب التبانة؟”، لا بد من معرفة بعض الحقائق المثيرة عن مجرة درب التبانة، حيث يقول العلماء أن جميع المجرات تتأثر بجاراتها من المجرات الأخرى، وغالبًا ما تصطدم بها، ويقدر العلماء سرعة مجرة درب التبانة حاليًا باتجاه جارتها مجرة أندروميدا بحوالي 250000 ميل/الساعة أي ما يعادل 400000 كم/ساعة، وقد يستغرق الأمر 4 مليارات سنة لحدوثه، وأشارت معظم الأبحاث أن مجرة أندروميدا الأكثر ضخامة ستبتلع مجرة درب التبانة وتستمر بالعيش، وتقول بعض الدراسات أنها أصغر عمرًا من مجرة درب التبانة، وأنها بالفعل قد ابتعلت على الأقل مجرة واحدة أثناء مسيرها، لكن أشارت بعض الدراسات الحديثة أن كتلة مجرة أندروميدا تعادل 800 مليار شمس، وهذا يجعلها بقدم المساواة مع كتلة مجرة درب التبانة، فبالتالي يشير العلماء إلى أن تحديد مَن مِن هاتين المجرتين ستبتلع الأخرى، ستبقى مسألةً مفتوحة.
حقائق ومعلومات عن المجرة درب التبانة
بعد أن تحدثنا عن شكل وعمر مجرتنا مجرة درب التبانة، سنلقي نظرة خاطفة على أبرز الحقائق والمعلومات، التي قد تسمعها للمرة الأولى في حياتك، وتشمل:
- شكل مجرة درب التبانة مشوه وغير منتظم
تحدثنا عن أن المجرة درب التبانة عبارة عن قرص له انتفاخ مركزي يبلغ قطره حوالي 12000 سنة ضوئية. وهذا القرص غير منتظم ومشوه، نتيجة لسلوك مجرتي ماجلان الكبيرة والصغيرة، اللتان تعملان على سحب المواد من مجرتنا، تمامًا مثل مبدأ لعبة شد الحبل.
- تحتوي مجرة درب التبانة على أكثر من 200 مليار نجم
ربما تتعجب في كل مرة تنظر فيها إلى السماء في ليلة مظلمة وصافية، من عدد النجوم الكبير جدًا فيها. وهي جزء صغير جدًا من العدد الكلي للنجوم التي تضمها المجرة درب التبانة، إذ يبلغ عدد النجوم الكلي في مجرتنا أكثر من 200 مليار نجم، أشهرهم الشمس التي تشرق علينا في كل يوم.
- تمتلك مجرة درب التبانة هالة غير مرئية
تبلغ نسبة المادة المضيئة من مكونات مجرة درب التبانة 10٪ فقط، في حين تأخذ المادة المظلمة النسبة المتبقية. لذلك تسبب الأخيرة هالة غير مرئية، أثبتها العلماء من خلال محاكاة طريقة دوران مجرة درب التبانة، وبمراقبة حركة النجوم في المجرة، التي من المتوقع أن تكون أبطأ لولا وجود المادة المظلمة.
- مجرة درب التبانة مليئة بالغبار والغازات المختلفة
تشكل نسبة الغبار والغازات في مجرة درب التبانة، نسبة تتراوح بين 10-15٪ من تشكيلة المادة المرئية في المجرة. إذ يمكن مشاهدة الحلقة المتربة لمجرة درب التبانة، عند النظر إلى السماء في ليلة صافية.
- تشكلت مجرة درب التبانة من مجرات أخرى
تشير الأبحاث التي أجرها علماء الفضاء والفلك على مدى السنوات الماضية، أن مجرة درب التبانة تشكلت من خلال استهلاكها لمجرات أخرى حوالها وابتلاعها، عن طريق إضافة تلك المجرات الأصغر حجمًا منها إلى محيطها.
- يوجد ثقب أسود في مركز مجرة درب التبانة
تضم معظم المجرات الكبيرة بالحجم ثقبًا أسودًا في مركزها، ومجرة درب التبانة واحدة من تلك المجرات. إذ يبلغ قطر هذا الثقب الأسود 14 مليون ميل، ولا يشمل قرص الكتلة، في حين تبلغ كتلة هذا القرص الخارجي حوالي 14.6 مليون ضعف من كتلة الشمس.