لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبته التكنولوجيا في تغيير ملامح حياتنا، والتكنولوجيا الزراعية تُجسّد هذا التغيير بوضوح؛ فقد امتد تأثير التكنولوجيا ليشمل جميع جوانب حياتنا، بدءًا من أساليب التعليم التي نتبعها مع أطفالنا وصولًا إلى طريقة تواصلنا مع العالم، وهو ما لم نكن نشهده قبل عقود من الزمن.
تُمثّل الزراعة نشاطًا بشريًا بالغ الأهمية، فهي أولى الممارسات التي عرفها الإنسان بعد مرحلة الرعي، وقد شهد هذا القطاع تطورات جذرية وتأثرًا عميقًا بفضل التقدم التكنولوجي الهائل.
تعريف التكنولوجيا الزراعيّة
تُقدم الموسوعة البريطانية بريتانيكا تعريفًا للتكنولوجيا الزراعية على أنها استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات التكنولوجية الحديثة بهدف التحكم في عمليات النمو والإنتاج لكل من النباتات والحيوانات.
ارتباط التكنولوجيا مع الزراعة
يُعتقد أن الإنسان البدائي اعتمد على يديه في ممارسة الزراعة بجميع مراحلها، من إعداد الأرض وحراثتها وصولًا إلى حصاد المحاصيل، ومع مرور الوقت، تطورت الأدوات الزراعية لتشمل السكاكين والمناجل وبعض الآلات البدائية للحراثة، بالإضافة إلى استئناس الحيوانات وتدريبها على المساعدة في الأعمال الزراعية.
لقد أحدثت الثورة الصناعية في أوروبا ثورة حقيقية في عالم الزراعة، فمع ظهور الآلات الزراعية مثل الحصادات والمحاريث الآلية، تحولت الممارسات الزراعية تدريجياً نحو الاعتماد على هذه الآلات، مما قلل بشكل كبير من الجهد العضلي للإنسان وجعل الزراعة أكثر سهولة ويسرًا، الأمر الذي انعكس إيجابًا على زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني بشكل ملحوظ وتوسع المساحات المزروعة.
لم يقتصر التطور التكنولوجي على مجالات الحياة الأخرى، بل شمل الزراعة أيضًا، حيث لم تعد الأدوات الميكانيكية كالمحراث والحصادة هي الوسائل الوحيدة، بل ظهرت تقنيات متطورة كالحساسات (مثل حساسات الحرارة والرطوبة)، والروبوتات، والشبكات اللاسلكية، والطائرات الزراعية بأنواعها، وغيرها الكثير مما يساهم في تحسين الزراعة والإنتاج الحيواني.
أهمية التكنولوجيا الزراعية
من الواضح أن التكنولوجيا الزراعية تُساهم بشكل كبير في تخفيف العبء على المزارعين وتسهيل استثمار مساحات أكبر من الأراضي، إضافة إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد؛ فبعد أن كان استخدام الأسمدة والمبيدات يتم بشكل شامل على كامل المحصول، أصبحت التقنيات الحديثة كالمراقبة الروبوتية والحساسات تُمكن المزارعين من تحديد الكمية والمكان المناسبين لإضافة هذه المواد، بل ومعالجة الحالات الفردية للنباتات، ما يُحقق وفورات كبيرة.
تنعكس فائدة التكنولوجيا الزراعية بشكل أساسي على:
- زيادة إنتاجية المحاصيل.
- التقليل من استهلاك المياه والأسمدة والمبيدات الزراعية وبالتالي الحصول على منتجاتٍ أرخص.
- الحفاظ على البيئة من خلال تقليل تفاعل المبيدات الكيميائية مع التربة والمياه الجوفية.
- سلامة العمال في المجال الزراعي.
بالإضافة لما سبق تسمح تكنولوجيا الروبوتات بمراقبةٍ أفضل وأكثر موثوقيةً لعملية نمو المحاصيل وبالتالي إدارة أفضل للموارد البيئية والصناعية.
بعض أمثلة التكنولوجيا الزراعية اليوم
حساسات المياه والتربة Soil and Water Sensors:
تستخدم هذه الحساسات لتحديد نسبة الرطوبة ومستويات النتروجين في التربة، حيث يستخدم المزراع هذه المعلومات لتحديد أوقات السقاية وأوقات التسميد المناسبة. من الجدير من بالذكر أن هذا النمط من الحساسات رخيصة الثمن وغير مكلفة فحتى المزارع العائلية الصغيرة يمكنها شرائها وتوزيعها على كامل أرض المزرعة.
محطات تتبع الطقس Weather Tracking:
لعل أكثر ما يؤثر على الزراعة والمزارعين بعد جودة التربة هو حالة الطقس والتقلبات المناخية لذلك كان لابد للمزارع دائمًا من معرفةٍ أساسيةٍ لطقس المنطقة التي يزرعونها وتقلباته المحتملة خلال العام.
توفر التكنولوجيا الزراعية الآن العديد من مواقع الويب المختصة بالطقس وتقلباته وبالإضافة للتطبيقات المنتشرة على الهواتف الذكية، حيث تعطي هذه المواقع والتطبيقات معلومات عن الحرارة والأمطار واحتمالات الصقيع الممكنة بحيث يستطيع المزراع اتخاذ التدابير المناسبة لتخفيف الأضرار أو الخسائر الممكنة.
التصوير باستخدام الأقمار الصناعية Satellite Imaging:
مع تطور أساليب التصوير باستخدام الأقمار الصناعية أصبح من الممكن للمزراع معاينة نباتاته ومزروعته عن بعد وكأنه يقف أمامها، وبالتالي يمكن للمزارع أن يتجول خلال هكتاراتٍ من الأرض المزروعة وهو جالسٌ في غرفة التحكم الخاصة بمشروعه الزراعي.
الزراعة العمودية Vertical Farming:
منذ عقودٍ قليلةٍ فقط كانت الزراعة العمودية ضربًا من ضروب الخيال العلمي، ولكنها اليوم شكلٌ من أشكال الزراعة أو التكنولوجيا الزراعية المعروفة. يقصد بالزراعة العمودية زراعة المنتجات بشكلٍ طابقيٍّ مما يسمح بتوفير مساحاتٍ من الأراضي مع زيادةٍ في الإنتاج بالإضافة لإمكانية تطبيق هذه التقنية في المدن فهي ليست بحاجةٍ لمساحةٍ واسعةٍ كما ذكرنا.
مستقبل التكنولوجيا الزراعية
تُشكّل الزراعة على مر العصور النشاط الرئيسي الذي يعتمد عليه الإنسان لتأمين غذائه، ومع التطورات المتلاحقة التي تشهدها حياة الإنسان، وخاصةً في المجال التكنولوجي، فإن القطاع الزراعي سيستمر في التطور والنمو ليواكب هذه التغيرات المتسارعة في أساليب الحياة ووسائلها.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.