زكاة المال: فريضة محكمة وأركانها وكيفية أدائها

تتجلى عظمة الشريعة الإسلامية في شموليتها، فلم تغفل جانب الروح فحسب، بل اهتمت أيضا بتنظيم حياة المسلمين في شتى جوانبها، ومن بين هذه التشريعات تأتي الزكاة كفريضة، الركن الثالث من أركان الإسلام. إنها ليست مجرد صدقة أو تبرع اختياري، بل هي حق معلوم فرضه الله تعالى في أموال الأغنياء ليُرد على فقرائهم، تحقيقًا للتكافل الاجتماعي وتطهيرًا لأموال المزكين.

وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل زكاة المال، مستعرضين أهميتها ومقدارها وكيفية حسابها، بالإضافة إلى تحديد المستحقين لها وفق ما جاء في الشرع القويم.

أهمية زكاة المال ومكانتها في الإسلام

تعد زكاة المال من أهم الفرائض التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فهي ليست مجرد عبادة مالية، بل هي تعبير صادق عن إيمان المسلم والتزامه بأوامر ربه. إنها دليل على سخاء النفس وطيب المنبت، وتجسيد عملي لمبدأ الأخوة الإسلامية والتراحم بين أفراد المجتمع.

فمن خلال هذه الفريضة، يتحقق قدر من التوازن الاقتصادي والاجتماعي، حيث يُعاد توزيع جزء من الثروة من الأغنياء إلى الفقراء والمحتاجين، مما يساهم في سد حاجاتهم وتخفيف معاناتهم. وقد حذر الشرع الإسلامي بشدة من التهاون في أداء الزكاة أو منعها، لما في ذلك من مخالفة صريحة لأوامر الله تعالى وتعريض النفس للعقوبة في الدنيا والآخرة.

أنواع الأموال الخاضعة للزكاة وشروط وجوبها

بعد أن ترسخت لدينا أهمية فريضة الزكاة، يثور التساؤل حول كيفية حسابها والأموال التي تجب فيها. لقد بينت الشريعة الإسلامية أن الزكاة تجب في أنواع محددة من الأموال إذا بلغت النصاب الشرعي وحال عليها الحول الهجري. وتشمل هذه الأموال:

• النقود: سواء كانت عملات ورقية أو أرصدة في البنوك.
• الذهب والفضة: سواء كانت في صورة سبائك أو حلي معدة للكنز لا للاستعمال المباح.
• عروض التجارة: وهي كل ما أُعد للبيع والشراء بقصد الربح.
• الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم، ولها شروط وأنصبة خاصة.
• الزروع والثمار: وهي ما يخرج من الأرض من حبوب وثمار، ولها أحكام مختلفة في مقدار الزكاة ووقت إخراجها.

ولكي تجب الزكاة في المال، يشترط تحقق أمرين أساسيين:

• بلوغ النصاب: وهو المقدار المحدد شرعًا لكل نوع من أنواع الأموال، فإذا لم يبلغ المال هذا القدر، فلا تجب فيه الزكاة. وبالنسبة للنقود والذهب والفضة وعروض التجارة، فإن نصابها يُقدر بما يعادل قيمة 85 جرامًا من الذهب الخالص حسب سعره الحالي في السوق.
• حولان الحول: أي مرور عام هجري كامل على ملكية المال وهو بالغ للنصاب. ولا يشترط الحول في الزروع والثمار، بل تجب الزكاة عند حصادها.

نصاب زكاة المال وكيفية حسابه بالتفصيل

كما ذكرنا، فإن نصاب زكاة الأموال النقدية وما في حكمها (كالذهب والفضة وعروض التجارة) يُقدر بقيمة 85 جرامًا من الذهب الخالص. ولكي نوضح كيفية احتساب هذا النصاب بالعملة المحلية (الريال السعودي في سياقنا الحالي)، يتم اتباع المعادلة التالية:

قيمة النصاب بالريال = سعر جرام الذهب الحالي بالريال × 85

فإذا عرفنا سعر جرام الذهب الخالص في السوق بتاريخ إخراج الزكاة، يمكننا بسهولة تحديد قيمة النصاب. فإذا بلغ المال المدخر أو قيمة عروض التجارة هذا النصاب أو تجاوزه، وحال عليه الحول الهجري، وجبت فيه الزكاة بمقدار 2.5% (اثنان ونصف بالمائة).

• مثال توضيحي لحساب زكاة المال:

لنفترض أن شخصًا يمتلك مبلغًا من المال قدره 100,000 ريال سعودي، وقد مر عليه عام هجري كامل، ونريد أن نعرف هل تجب فيه الزكاة وكم مقدارها.

أولًا، علينا أن نحدد قيمة نصاب الذهب بالريال السعودي في ذلك التاريخ. فإذا كان سعر جرام الذهب الخالص على سبيل المثال 250 ريالًا، فإن قيمة النصاب ستكون:

250 ريال/جرام × 85 جرام = 21,250 ريال سعودي

بما أن المبلغ الذي يملكه الشخص (100,000 ريال) يتجاوز قيمة النصاب (21,250 ريال)، فقد وجبت فيه الزكاة. ولحساب مقدار الزكاة الواجب إخراجها، نقوم بالعملية التالية:

100,000 ريال × (2.5 / 100) = 2,500 ريال سعودي

إذًا، يجب على هذا الشخص إخراج مبلغ 2,500 ريال سعودي كزكاة عن أمواله.

زكاة الراتب والمال المدخر

يثور تساؤل حول زكاة الراتب الشهري. في الأصل، لا تجب الزكاة على الراتب بمجرد قبضه، بل إذا تم ادخار جزء منه وبلغ هذا المدخر النصاب الشرعي وحال عليه الحول الهجري، فتجب فيه الزكاة. أما إذا كان الراتب يُنفق أولًا بأول ولم يتبق منه ما يبلغ النصاب أو لم يحل عليه الحول، فلا تجب فيه الزكاة.

وبالنسبة لتأخير إخراج زكاة المال بهدف إعطائها للفقراء على شكل مرتبات شهرية، فقد أجاز بعض العلماء ذلك إذا كان فيه مصلحة للمستحقين وكان المال محفوظًا ومضمونًا، والأصل هو المبادرة بإخراج الزكاة عند حولان الحول واستحقاقها.

مقدار زكاة المال وهل تجب على نفس المبلغ كل عام؟

كما أوضحنا سابقًا، فإن مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الأموال النقدية وعروض التجارة هو 2.5% من قيمة المال البالغ للنصاب والحال عليه الحول. وتجب الزكاة على نفس المبلغ في كل عام جديد إذا بقي بالغًا للنصاب وحال عليه حول جديد، لأن الزكاة فريضة متجددة بتجدد حولان الحول على المال المستحق للزكاة.

متى تجب زكاة المال؟

تجب زكاة المال بتحقق شرطين أساسيين: بلوغ المال المدخر النصاب الشرعي، ومرور عام هجري كامل على ملكيته وهو بالغ للنصاب. وإذا ارتفعت أو انخفضت قيمة المال خلال العام، فإن ذلك لا يؤثر على وجوب الزكاة ما دام لم ينقص عن حد النصاب في نهاية الحول.

لمن يجب إخراج زكاة المال؟

لقد حدد الله تعالى في كتابه الكريم مصارف الزكاة الثمانية التي يجب أن تُصرف فيها، ولا يجوز صرفها في غير هذه المصارف. وقد جاء ذكرها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]. وهذه المصارف هي:  

1. الفقراء: وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم من المال لسد حاجاتهم الأساسية.
2. المساكين: وهم أشد حاجة من الفقراء، وقد لا يجدون قوت يومهم.
3. العاملين عليها: وهم الموظفون الذين تتولى الدولة أو المؤسسات الخيرية توظيفهم لجمع الزكاة وتوزيعها.
4. المؤلفة قلوبهم: وهم الأشخاص الذين يُرجى من إعطائهم الزكاة دخولهم في الإسلام أو تثبيت إيمانهم أو كف شرهم عن المسلمين.
5. في الرقاب: وهم العبيد الذين يُشترون لتحريرهم.
6. الغارمين: وهم المدينون الذين لا يستطيعون سداد ديونهم.
7. في سبيل الله: ويشمل كل عمل فيه نصرة للإسلام وإعلاء لكلمة الله، كالجهاد والدعوة وبناء المساجد والمدارس الإسلامية.
8. ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن ماله في سفره.

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس من الواجب توزيع الزكاة على جميع هذه الأصناف الثمانية، بل يجوز الاقتصار على صنف واحد أو أكثر حسب حاجة المجتمع وظروفه، وقد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم”.

ختامًا

إن فريضة زكاة المال ركن عظيم من أركان الإسلام، لها أبعاد دينية واقتصادية واجتماعية عظيمة. فمن خلال أدائها على الوجه الصحيح، يتقرب المسلم إلى ربه، ويطهر ماله، ويساهم في تحقيق التكافل والعدالة في المجتمع. لذا، يجب على كل مسلم ومسلمة ممن أنعم الله عليهم بالمال أن يحرصوا على تعلم أحكام الزكاة وكيفية حسابها وإخراجها في وقتها لمستحقيها، امتثالًا لأمر الله تعالى وسعيًا لنيل رضاه وجنته.