تُعد سورة الكهف من أطول سور القرآن الكريم، وهي سورة مكية، أي نزلت على النبي ﷺ في مكة المكرمة قبل الهجرة. وهي السورة الثامنة عشر 18 في ترتيب المصحف الشريف وعدد آياتها 110 آية، تسبق سورة مريم وتلحق سورة الإسراء، في ترتيب سور القرآن الكريم. وقد اشتهرت هذه السورة بجمال أسلوبها وبراعة قصصها، والتي تحمل بين طياتها دروساً وعبرًا عظيمة للإنسان.
سميت السورة بهذا الاسم نسبة إلى قصة أصحاب الكهف التي ورد ذكرها في بدايتها، وهي قصة ترمز إلى الإيمان الصادق والثبات على الحق في وجه الشدائد. ولكن قصص السورة لا تقتصر على قصة أصحاب الكهف فحسب، بل تتناول قصصًا أخرى مهمة مثل قصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين، والتي تفتح آفاقًا واسعة للتأمل والتدبر في أسرار الكون والحياة.
أين نزلت سورة الكهف؟
اتفق جمهور المفسرين على أن سورة الكهف قد نزلت في مكة المكرمة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، مما يصنفها ضمن السور المكية. وقد ورد في كتب التفسير ككتاب القرطبي وابن الجوزي تأكيد على ذلك. كما أشار الإمام الطاهر بن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير” إلى أن سورة الكهف نزلت بعد سورة الشورى وقبل سورة الغاشية في ترتيب النزول.
سبب نزول سورة الكهف
تعود قصة نزول سورة الكهف إلى الفترة التي ازداد فيها أثر الدعوة الإسلامية، وبدأ عدد كبير من قريش والعرب في اعتناق الإسلام. أثار هذا الأمر قلق المشركين في مكة، فقرروا التشكيك في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم. لتحقيق هدفهم، أرسلوا رجلين من أبرز زعمائهم، وهما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، إلى المدينة المنورة حيث كان يعيش اليهود. وقد اختاروا اليهود لهذا الغرض لأنهم كانوا يعتبرون أهل كتاب، أي أن لديهم كتب سماوية مثل التوراة، وبالتالي يعتقدون أنهم يمتلكون معرفة واسعة بأخبار الأنبياء والرسل.
عندما التقى الرجلين باليهود، أخبروهم بكل ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته، والدين الجديد الذي جاء به الإسلام. عندها، طلب اليهود منهم أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة صعبة، اعتقدوا أنها ستكشف زيف دعواه.
أولاً، أرادوا أن يسألوا عن قصّة الفتية الذين اختفوا في الكهف في الزمن القديم، وكيف عاشوا تلك المدة الطويلة، وما هي العجائب التي حدثت لهم. ثانياً، تساءلوا عن الرجل الذي تجول في الأرض شرقاً وغرباً، ورأى عجائب الدنيا، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف رحلته وما شاهده. وأخيراً، سألوا عن ماهية الروح.
حمل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط هذه الأسئلة إلى قريش بنية التحدي والسخرية. فما كان من قريش إلا أن توجهوا بها إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهم يترقبون إجابته بلهفة، عسى أن يقع في خطأ يبرر كفرهم به. فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد أخبرنا، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأسئلة الثلاثة، فأجابهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه سيُخبرهم بالخبر والجواب عن أسئلتهم في اليوم التَّالي ولكنَّه عليه الصلاة والسلام لم يقل إن شاء الله.
فانصرفوا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنه سيجيبهم في اليوم التالي عن أسئلتهم الثلاث، ومكث ورسول -الله صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة، لا يجيبهم عن هذه الأسئلة، رغم إلحاح قريش على أن يجيب، ولكن لم ينزل وحي من الله الى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يجيبهم إلى أن ضاق الأمر عليه -صلّى الله عليه وسلّم- من الذي يقولونه عنه أهل قريش، ثم جاءه الوحي بعد الخمس عشرة ليلة بسورة الكهف التي فيها جواب لأسئلة قريش، واليهود ابتداًء، والفرج على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- والمسلمين.
فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بآيات بينات، فكانت سورة الكهف بمثابة الرد القاطع على كفرهم، وبينة واضحة على صدق نبوته. ففي هذه السورة الكريمة، قص الله تعالى علينا قصة أصحاب الكهف، ورحلة الرجل في الأرض، وأخبرنا عن حقيقة الروح. وبهذه السورة، أبطل الله تعالى مكر الكافرين، وزاد المؤمنين إيمانا ويقينا، فكانت بمثابة النصر العظيم للمسلمين.