القائمة إغلاق

شرح حديث من غشنا فليس منا

الغش والخداع من أخطر الآفات التي تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي، وتدمير الثقة بين الناس. حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من غشنا فليس منا” فقد حذرنا الإسلام من هذا السلوك الخبيث، وأكد على أهمية الصدق والأمانة في جميع المعاملات.

هذا الحديث العظيم يعتبر بمثابة صرخة مدوية ضد الغش والخداع، ويؤكد على أن الغاش ليس من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينتمي إلى مجتمع المؤمنين. لذا، سنقوم في هذا المقال بتوضيح معنى هذا الحديث، وبيان أهميته في حياتنا اليومية.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سائرًا في سوقٍ، (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي)، وأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن حَمَلَ عليْنا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا).

يُفهم من هذين الحديثين الشريفين أن الغش هو عمل من أعمال الخيانة والخداع، وهو من صفات المنافقين وليس من صفات المؤمنين. فالغاش يخالف تعاليم الإسلام التي تحث على الصدق والأمانة والعدل في المعاملات. وقد أوضح ابن رشد حفيد ابن رشد القرطبي، رحمه الله، معنى الحديث بقوله: “من غش فليس منا” أي: ليس على مثل هدانا وطريقتنا.

ومعنى ذلك أن الغاش ليس على منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الصالح، وإن كان مؤمنًا، إلا أنه قد انحرف عن طريقهم بسبب هذا الفعل القبيح. ولذا، فإن الغش يعتبر من الكبائر التي تستوجب التوبة النصوح، والاجتهاد في تجنبها، والعمل على نشر ثقافة الصدق والأمانة في المجتمع.

إن هذا الحديث النبوي الشريف يعتبر من أهم الأدلة على حرمة الغش في جميع صوره وأشكاله، سواء كان في البيع والشراء، أو في الأمانات، أو في أي معاملة أخرى. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عواقب الغش وخيانة الأمانات، وبيّن أن الغاش ليس من أصحابه ولا من أتباعه. ولذلك، فإن على كل مسلم أن يتجنب الغش بكل أشكاله، وأن يعمل على نشر ثقافة الصدق والأمانة في المجتمع.

اتفق جمهور الفقهاء على أن الغش، بكل أنواعه وأشكاله، محرم شرعًا، ولا يجوز للمسلم ارتكابه بأي حال من الأحوال. فالغش لا يقتصر على الكذب والتدليس في البيع والشراء فحسب، بل يشمل كل نوع من الخداع والتضليل سواء كان بالقول أو بالفعل، أو في المعاملات التجارية أو في المشورة والنصيحة، أو حتى في العلاقات الشخصية.

وقد استند الفقهاء في تحريم الغش إلى العديد من الأدلة الشرعية، أبرزها الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من غش فليس مني”.

وهذا الحديث النبوي الشريف يعتبر حجة قاطعة على حرمة الغش، ويدل على أن الغاش ليس من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أهل الإيمان، وذلك لأن الغش يعتبر خيانة للأمانة وخداعًا للناس، وهو من صفات المنافقين الذين يحاولون خداع الناس وسرقة أموالهم بحيلة وكذب.

ولقد حذر الإسلام من هذا السلوك الخبيث، وأكد على أهمية الصدق والأمانة في جميع المعاملات، حتى تكون العلاقات بين الناس مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.

ورغم أن ارتكاب الغش لا يخرج المسلم من دائرة الإسلام، إلا أنه يبعده عن الصراط المستقيم ويهديه إلى طريق الضلال. وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن الغش يعد من الكبائر التي تستوجب العقوبة، سواء كانت عقوبة دنيوية أو أخروية.

فمن يرتكب الغش يفقد أمانته وصدقته، ويصبح غير جدير بالثقة، بل إن شهادته قد ترد بسبب ذلك. وقد أشار الإمام الغزالي، رحمه الله، إلى أن الغش هو في حقيقته ترك للنصح للمسلمين في المعاملات، وهذا مخالف صريح لتعاليم الإسلام التي تحث على النصح والإخلاص في التعامل مع الآخرين.

إن النصح واجب على كل مسلم تجاه أخيه المسلم، سواء كان قريبًا أم بعيدًا، صغيرًا أم كبيرًا. فالنصح هو أن يرشد المسلم أخاه إلى ما فيه خير وصلاح، وأن يحذره من الشر والفساد. ومن ثم، فإن الغش يعد خيانة للأمانة وتقصيرًا في حق الأخوة الإسلامية، وهو سلوك يتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة.

للغش أنواع وصور عديدة، بيانها فيما يأتي:

  • غش الراعي لرعيته

هو من أعظم أنواع الغش؛ كأن يغش القائد جنده، والرئيس يغش مرؤوسيه، وصاحب العمل يغش عمّاله، وربّ الأسرة يغش أسرته، وفي هذا السياق قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ).

  • الغش التجاري

هو الذي يتعدّى فيه الغاش على مال غيره، سواء كان مقدار الضرر كبيراً أو يسيراً؛ كالحصولِ على المال عن طريق الكذب، أو كتمان وإخفاء عيوب السلع والمنتجات، أو البخس في الميزان.

  • الغش بالقول

مثل الإدلاء بالشهادات والأقوال والمعلومات، أو الغِش بالقضاء وغيره، بشكل يُخالف الحقيقة ويُغيرها بهدف إلحاق الضرر بالعباد ظُلماً وزوراً، وهذا من أخطر أنواع الكذب؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ).

  • غش المسلم لأخيه المسلم

بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم تقديم النصح والإرشاد وترك الحث على فعل الخيرات.

Related Posts

اترك رد