تُعَدُّ علامات الترقيم، وفقًا لما جاء في “القاموس المحيط”، رموزًا اصطلاحيةً تُستخدَم في الكتابة بهدف تنظيم الكلام وتوضيح معانيه، حيث تُوضع في أثناء الجملة أو في نهايتها لتحديد مواطن الوقف والفصل والابتداء، مما يساعد القارئ على فهم المعنى المراد إيصاله بدقة ووضوح.
وبعبارة أخرى، فإن علامات الترقيم بمثابة إشارات مرورية في اللغة المكتوبة، فهي توجه القارئ وتساعده على التنقل بسلاسة بين الأفكار والجمل، كما أنها تلعب دورًا حيويًا في إبراز المعاني الدقيقة التي قد تختفي عند إهمالها. ومن أهم هذه العلامات: النقطة التي تدل على نهاية الجملة، والفاصلة التي تفصل بين الجمل أو العبارات المترابطة، وعلامتا التعجب والاستفهام اللتان تعبران عن الانفعالات المختلفة كالسعادة والاستغراب، وغيرها الكثير من العلامات التي تساهم في إضفاء الوضوح والجمال على النص المكتوب.
سميت علامات الترقيم بهذا الاسم لارتباطها الوثيق بالعلامات والرموز التي كانت تستخدم قديماً في مختلف المجالات، فهي تشبه تلك النقوش والزخارف التي كانت تزين المخطوطات والمنسوجات، والتي كانت تحمل في طياتها دلالات ومعاني معينة. وقد استلهم علماء الرياضيات من هذا المعنى الواسع لـ “الرقم” في اللغة العربية، فاستخدموه لتحديد تلك الإشارات التي تمثل الأعداد، والتي تُعرف اليوم بالأرقام.
وبالتالي، فإن تسمية “علامات الترقيم” تشير إلى الدور الذي تلعبه هذه العلامات في تنظيم الكتابة وتوضيح المعنى، تماماً كما تفعل الأرقام في مجال الحساب.
علامات الترقيم واستخداماتها
النقطة
تُكتب النقطة بهذا الشكل: (.) وتستخدم في أماكن متعددة، ومن أهمّها نذكر ما يلي:
- تُستخدم النقطة كعلامة ترقيم أساسية لإنهاء الجملة العربية التامة المعنى والإعراب، سواء كانت هذه الجملة فعليّة تعتمد على الفعل، أو اسمية تعتمد على الاسم، أو مركبة تجمع بين النوعين. وتأتي النقطة في نهاية الجملة لتدل على اكتمال الفكرة ووصول القارئ إلى نهاية المعنى المراد إيصاله. كما يمكن استخدام النقطة داخل علامات التنصيص في الجمل الطويلة التي تكون تامة المعنى، وذلك لتوضيح نهاية الجملة المنقولة حرفيًا. فعلى سبيل المثال، نقول: (أكلتُ التفاحة). أما بالنسبة للجمل الاعتراضية التي تتخلل الجملة الرئيسية وتضيف إليها معنىً جانبياً، فمن المفضل في حالة طولها وتكاملها اللغوي والمعنوي نقلها إلى الحاشية لتجنب إرباك القارئ وتشتيت انتباهه. ومع ذلك، يجوز في بعض الحالات وضع الجملة الاعتراضية بين قوسين داخل الجملة الرئيسية، وفي هذه الحالة تُوضع نقطة داخل القوس بعد نهاية الجملة الاعتراضية، دون الحاجة إلى نقطة أخرى خارج القوس، وذلك لأن النقطة داخل القوس تكفي للإشارة إلى نهاية الجملة الاعتراضية. وبهذه الطريقة، نحافظ على وضوح النص وسلاسة قراءته.
- تُستخدم النقطة كعلامة ترقيم نهائية للجملة، سواء كانت هذه الجملة قد اختتمت بعلامة قوسين أو علامتي تنصيص. بغض النظر عما تحويه هذه العلامات من كلمة مفردة أو عبارة أو حتى جملة فرعية غير مكتملة، فإن النقطة توضع مباشرة بعد القوس أو علامة التنصيص الأخيرة للإشارة إلى نهاية الفكرة الكاملة. وبذلك، تضمن النقطة وضوح المعنى وتنظيم الكتابة، مما يسهل على القارئ استيعاب النص وفهم تسلسل الأفكار فيه.
- تُستخدم النقطة، وليس الفاصلة، في نهاية كل فقرة مرقمة حتى وإن كانت الجملة داخل الفقرة غير مكتملة. ويهدف هذا الاستخدام إلى تسهيل عملية القراءة والفهم، خاصة وأن هذه الفقرات المرقمة غالبًا ما تحتوي على أفكار مستقلة ومتكاملة المعنى، سواء كانت جملة واحدة أو مجموعة جمل مترابطة. وبالتالي، فإن وضع نقطة في نهاية كل فقرة يبرز هذه الأفكار بشكل واضح ويجعل النص أكثر تنظيمًا وسهولة في المتابعة، مما يساعد القارئ على التركيز على كل نقطة على حدة دون الحاجة إلى الربط بينها بعلامات ترقيم أخرى.
- تُستخدم النقطة كإشارة ترقيمية هامة في اللغة العربية، حيث توضع بعد الحروف أو الأسماء أو الكلمات التي تم اختصارها، وذلك بهدف الإيجاز وتسهيل القراءة. فمثلاً، نجد أن النقطة تظهر بشكل بارز في الاختصارات المتعلقة بالزمن والتاريخ، كاختصار عبارة “قبل الميلاد” إلى “ق.م”؛ حيث تشير النقطة هنا إلى الحروف المحذوفة، مما يجعل النص أكثر إيجازًا دون الإخلال بمعناه. وتتعدد استخدامات النقطة في هذا السياق، فهي تدل على الحروف المقصورة في الكلمات المركبة، كما تستخدم في كتابة العناوين والفهارس، مما يساهم في تنظيم المعلومات وتسهيل الوصول إليها.
الفاصلة والفاصلة المنقوطة
الفاصلة:
تُرسم بهذا الشكل: (،) وترمز إلى وقفة قصيرة، وتكتب الفاصلة في مواطن عدّة، ومن أهمها نذكر ما يلي:
- توضع بين مجموعة من الجمل تتألف من كلام تام الفائدة لغرض معين، ومن الأمثلة على ذلك: (إنّ خالداً طالبٌ مؤدب، لا يؤذي أقرانه، ولا يقصر في واجباته).
- توضع بين الكلمات المتشابهة مع الجمل في طولها، ومثال على ذلك قولنا: (سافر والدي، ابتعدتْ به الطائرة، حزنتُ كثيراً).
- تأتي بعد لفظ المنادى، مثل قولنا: (يا علي، اجتهد في دروسك).
- تستخدم بين أنواع الشيء وأقسامه، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: (فصول السنة أربعة: الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع).
الفاصلة المنقوطة:
تكتب بهذا الشكل: (؛) وتستخدم في الأماكن التالية:
- بين الجمل الطويلة التي تتألف من كلام مفيد، ومثال ذلك قولنا: (المشكلة في المدارس ليست ناتجة عن ضعف المناهج، أو هبوط مستوى الطلاب، أو عدد الحصص الدراسية؛ إنما تكمن المشكلة في عدم تعاون أهالي الطلبة مع المدرسة).
- بين جملتين تكون الأولى منهما سبباً للثانية، ومثال على ذلك قولنا: (صاحب مجتهداً؛ لأنّ مصاحبة المجتهدين تُكسب)، أو تكون الجملة الثانية نتيجة للجملة الأولى، ومثال على ذلك: (احذر من الإهمال؛ حتى لا يتقدم عليك غيرك).
النقطتان الرأسيتان
تكتب بهذا الشكل: (:) ويوجد لها عدّة استعمالات، ومن أهمّها نذكر ما يلي:
- توضع بين القول والمتحدّث به، ومن الأمثلة على ذلك: (قال جدي: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد).
- توضع بين الشيء وأجزائه، ومثال على ذلك قولنا: (عدد أصابع اليدّ خمسة: السبابة، والوسطى، والإبهام، والخنصر، والبنصر).
- توضع قبل ذكر الأمثلة التي توضح قاعدة، مثل أن نقول: (أقسام الكلام ثلاثة: حرف، واسم، وفعل)، وأيضاً قبل الكلام الذي يشرح ما قبله، ومثال على ذلك: (الصدق صفة نبيلة: تجعل صاحبها محترماً بين الناس، يوثق بكلامه وبفعله).
الأقواس وعلامات التنصيص
الأقواس:
نذكر منها ثلاثة أنواع، وهي:
- القوسان الهلاليان: ترسم هذه الأقواس بهذا الشكل: ( ) ويوضع بينهما: الجمل المعترضة، وألفاظ التفسير والإيضاح، وألفاظ الاحتراس، ومن الأمثلة عليهما: زرتُ ثالث الحرمين (المسجد الأقصى) وصليتُ فيه.
- القوسان القرآنيان: تكتب بينهما الآيات القرآنية بدلاً من علامة التنصيص، مثل قول الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ}. القوسان المعكوفان: شكلهما: [ ]، ويوضع بينهما الكلام الخارج عن السياق، والبعيد عن الأصل، ويستخدمها في الغالب كتّاب الدراسات والأبحاث منعاً للخلط.
علامات التنصيص:
ترسم بهذا الشكل: (” “) وهي من علامات الترقيم التي تستخدم عند كتابة كلام تمّ اقتباسه نصيّاً وحرفيّاً من كلام أشخاص آخرين، ومثال على ذلك: (التواضع من أمهات الفضائل، دعا إليه الأنبياء والحكماء، ومن أفضل ما قيل فيه كلمة لعباس محمود العقاد: “التواضع نفاق مرذول، إذا أُخفيت به ما لا يخفى من حسناتك توسلاً إلى كسب الثناء”).
علامتا التعجب والاستفهام
- علامة التعجب: تُرسم بهذا الشكل: (!) وتسمى أحياناً علامة الانفعال؛ وهي من علامات الترقيم التي تأتي بعد الجمل التي تدل على انفعالات نفسية غير متوقعة، وهي تعبّر عن العواطف أكثر مما تعبّر عن الأفكار؛ لهذا لا تستعمل في الكتابات العلميّة، ومن هذه الانفعالات: التعجب، والاعجاب، والتهكم، والفرح، والحزن، والتحذير، وهي تنوب عن النقطة، ومثال عليها قولنا: (ما أنبل هذا الرجل!).
- علامة الاستفهام: تكتب بهذا الشكل: (؟) وتستخدم عادةً بعد نهاية الجملة الاستفهامية، سواء أكانت أداة الاستفهام موجودة في الجملة أم محذوفة، وهي تنوب عن النقطة في هذه الجمل، وتكتب عادةً نهاية الجملة في حالة انتظار السائل إجابة أو استجابة للسؤال عن أمر معين مثل قولنا: (كم الساعة الآن؟)، أمّا إذا كان الناطق بالجملة لا ينتظر واحدة منهما فلا توضع أداة الاستفهام إلا بين علامتيّ التنصيص، مثل قولنا: (سألني صديقي: “أين الكتاب”؟).
الشرطة أو الوصلة
تُرسم بهذا الشكل: (-) وتستخدم في المواضع التالية:
- توضع عند الفصل بين ركنيّ الجملة في حال كان الركن الأول طويلاً، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: (الطائر ذو الألوان الجميلة، الواقف على أغصان الشجرة- يغرد كلّ يوم).
- تُوضع بين العدد والمعدود في حال كانا كعناوين في بداية السطر، وسواء أكان العدد رقماً أم لفظاً، ومثال على ذلك: (إذا قمتُ برحلة آخذ معي: أولاً- الطعام والماء، ثانياً- أدوات الرحلة، ثالثاً- وسائل الترفيه.
علامة الحذف
يُرمز لها بهذا الشكل: (…) وتستبدل مكان الكلام المحذوف من عبارة معينة، ومثال على ذلك: (بنى بغداد الخليفة…)، و(بنى القاهرة القائد…).