تقع مملكة هولندا في شمال غرب أوروبا، حيث تحتضنها مياه بحر الشمال وتشترك بحدودها البرية مع بلجيكا وألمانيا. عاصمتها النابضة بالحياة هي أمستردام، التي تشتهر بقنواتها التاريخية ودورها المحوري في التجارة العالمية على مر العصور. يتبنى نظام الحكم في هولندا الديمقراطية البرلمانية، حيث يتولى الملك دورًا دستوريًا رمزياً، فيما يتولى البرلمان السلطة التشريعية والحكومة السلطة التنفيذية.
تمتاز هولندا بتنوع اقتصادي غني يعود إلى تاريخها الطويل. فموقعها الجغرافي المتميز على دلتا أنهار جعل من استغلال الموارد المائية ركيزة أساسية في اقتصادها. كما استفادت من ثرواتها المعدنية وخصوبة أراضيها لزراعة محاصيل متنوعة. وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في ازدهار التجارة والصناعة في البلاد.
ولطالما كانت هولندا أرضاً مفتوحة للجميع، حيث استقبلت على مر العصور أعدادًا كبيرة من المهاجرين من مختلف أنحاء العالم. يعود ذلك إلى مبدأ حرية الفكر والتسامح الديني الذي ساد في المجتمع الهولندي، مما جعلها ملاذاً آمناً للباحثين عن الحرية والعدالة. فمن بين هؤلاء المهاجرين، كان هناك فرنسيون هربوا من الاضطهاد الديني، ويهود قادمون من البرتغال، وألمان ويهود غير أيبريين سعوا لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
ولا يمكن الحديث عن هولندا دون الإشارة إلى إرثها الفني الغني. فقد قدمت هولندا للعالم العديد من الفنانين الذين تركوا بصمات واضحة على تاريخ الفن الأوروبي.
ومن أبرز هؤلاء الفنانين رامبرانت فان راين، الذي اشتهر ببراعته في رسم اللوحات الدينية والبورتريهات، وفينسنت فان جوخ، الذي اشتهر بأسلوبه التعبيري المميز وألوانه الزاهية. كما تتميز هولندا بمعمارها الفريد الذي يجمع بين الطراز الباروكي الهولندي وتأثيرات أخرى.
وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل تاريخ علم هولندا، وسنحاول فهم الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا التصميم المميز، وكيف يعكس هوية هذا البلد العريق وتاريخه الحافل بالأحداث.
تاريخ علم هولندا، وسبب اختيار هذا الشكل له
تعد هولندا من أقدم البلاد في العالم، وقد شهدت الكثير من الأحداث التاريخية المتعاقبة على مر الأزمنة، وأثر في ذلك طبيعة هولندا والمزيج السكاني الذي ضم فئات متعددة، وترك ذلك انطباعًا فريدًا في تصميم علم هولندا، ويمكن توضيح المزيد عن تاريخ علم هولندا فيما يأتي:
تاريخ علم هولندا من القرن السادس عشر إلى عام 1949 م
في خضم الصراع المرير من أجل الاستقلال الذي شهدته هولندا في القرن السادس عشر، برز الأمير ويليام الأول من منطقة أورانج كقائد لحركة التحرر ضد الهيمنة الإسبانية.
وقد ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بألوان علم بلاده الوليدة، والتي كانت في بدايتها مزيجًا من البرتقالي والأبيض والأزرق. هذه الألوان، التي ظهرت لأول مرة بشكل رسمي على زي الجنود الهولنديين خلال حصار ليدن الشهير عام 1574، سرعان ما انتشرت شعبيتها بين صفوف القوميين الهولنديين، لتصبح رمزًا للهوية الوطنية الناشئة.
ولم تكن مقاطعة زيلاند، إحدى أبرز المقاطعات الهولندية، بعيدة عن هذا التوجه الوطني، فقد كان علمها الأصلي يحمل هوية قريبة من علم الأمير ويليام، حيث يظهر فيه أسد أحمر بين خطوط زرقاء وبيضاء. وبعد عام 1577، ترسخ تصميم العلم الهولندي بشكل أفقي، حاملًا ألوان البرتقالي والأبيض والأزرق، رغم عدم وجود اعتراف رسمي به. ومع مرور الزمن، شهد العلم تحولًا ملحوظًا، حيث تم استبدال اللون البرتقالي تدريجيًا باللون الأحمر، دون أي سند قانوني، حتى ترسخ هذا التغيير بحلول عام 1660.
ومن الجدير بالذكر أن تصميم العلم الهولندي الذي حملته الألوان البرتقالية والأبيض والأزرق قد تم استبعاده قبل إبرام معاهدة الدفاع بين الهولنديين والإنجليز عام 1654، مما يشير إلى أهمية هذه الرابطة التاريخية بين البلدين، وتأثيرها على الرموز الوطنية الهولندية.
في القرن العشرين، شهد العلم الهولندي تحولات مثيرة للاهتمام. فقد تبنى العديد من الهولنديين ذوي الميول اليمينية تصميمًا علميًا يتألف من الألوان البرتقالي والأبيض والأزرق، واعتبروه “العلم الأصيل” للبلاد، مؤكدين على جذوره التاريخية.
وفي سياق مختلف تمامًا، وبعد الثورة الفرنسية عام 1789، أعلنت فرنسا اعترافها بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق باعتبارها “ألوان الحرية”، مُكرمةً هولندا لاستخدامها هذه الألوان الرائدة في علمها الوطني. هذه الإشادة دفعت “الوطنيين” الهولنديين المؤيدين لفرنسا إلى اتخاذ خطوة حاسمة نحو توحيد علم بلادهم.
ففي عام 1796، أصدرت جمهورية باتافيا تشريعًا اعتمد رسميًا الألوان الأحمر والأبيض والأزرق كأعلام وطنية. وبعد ذلك، عندما أصبح شقيق نابليون حاكم مملكة هولندا عام 1806، لم يطرأ أي تغيير على هذا العلم، مما يؤكد استمرارية هذا الاختيار.
وحتى بعد ضم الأراضي الهولندية إلى الإمبراطورية الفرنسية في الفترة من 1810 إلى 1813، عادت مملكة هولندا الجديدة بعد استعادة استقلالها إلى اعتماد العلم ذي الألوان الثلاثة المألوفة. وفي خطوة نهائية لتثبيت هذا الرمز الوطني، صدر مرسوم ملكي في 19 فبراير 1937 يؤكد رسميًا اعتماد العلم الهولندي بألوانه المعروفة.
وبذلك، استقر العلم الهولندي على شكله النهائي في عام 1949، ليشكل رمزًا قويًا لهوية البلاد وتاريخها العريق.
سبب اختيار شكل علم هولندا
إن اختيار علم هولندا نابع من الطبيعة الهولندية والتقاليد العريقة لذلك الشعب، فقد كان استخدام رموزًا مثل الأسد نابعًا من ارتباط ذهن القبائل القديمة التي عاشت على هذه الأراضي بالحيوانات التي قطنت هولندا لسنوات طويلة، ولتعلق الهولنديين بالبحر استخدموا ألوانًا زرقاء تشير إلى تأثير البحار الهولندية في وجدان كل فرد.
ولاشك أن اعتزاز الهولنديين بالثقافة والتراث الهولندي والأحداث التاريخية التي عاشتها هولندا على مر قرون عديدة كان سببًا مباشرًا لاختيار علم هولندا لاسيما في صورته الحالية.
وصف علم هولندا، ألوانه ومعانيها
يعد علم هولندا أحد أقدم الأعلام ليس في أوروبا فحسب، بل في العالم أيضًا، وهو بشكل عام يرمز إلى مدى تماسك شعب هولندا في مختلف أرجاء المدن والقرى التي يضمها ذلك البلد، ويمكن توضيح المزيد عن وصف علم هولندا وألوانه فيما يأتي:
تصميم علم هولندا
يظهر علم هولندا من خلال ثلاثة أشرطة قرمزية باللون الأحمر والأبيض والأزرق، والعلم له تصميم أفقي ثلاثي النطاق، وتكمن أهمية العلم في نمط الألوان المختارة التي تستند إلى شعارات وطنية مميزة، والفرق الرئيس بين التصميم القديم والحالي هو أن الشريط الأحمر كان باللون البرتقالي في الأصل.
ومع ذلك كان اللون البرتقالي المستخدم في الأصل محل اعتراض كتصميم نهائي، وعلى الرغم من التشابه البصري بين العلم الهولندي وعلم لوكسمبورغ إلا أنه لا توجد علاقة وثيقة بين التصميمين في الأسس التي تم بناءً عليها اختيار التصميم.
تحية علم هولندا
هناك آداب وقواعد يجب مراعاتها عند تحية العلم الهولندي، سواءً في ذلك المواطنون والوافدون إلى الأراضي الهولندية كذلك، ومنها احترام تحية العلم وإظهار كل تقدير عند الوقوف أثناء النشيد الوطني.
ويتم إذاعة النشيد الوطني الهولندي صباحًا في إذاعة الراديو وفي التلفاز، ويتم رفع علم هولندا على مختلف المؤسسات الهولندية الحكومية وكثير من المؤسسات الخاصة، وعند مخالفة آداب تحية العلم وإهانة العلم عن عمد يتم توقيع عقوبات رادعة.
معاني ألوان علم هولندا
لألوان العلم الهولندي معاني وطنية استلهمها الشعب الهولندي من كل المعارك التي خاضتها هولندا في الماضي، ويمكن توضيح المزيد عن معاني ألوان علم هولندا فيما يأتي:
- اللون الأزرق: وهو يشير إلى معاني الصفاء والمودة ومدى ارتباط الشعب الهولندي بالبحر.
- اللون الأبيض: وهو يشير إلى معاني السلام والتصالح.
- اللون الأحمر: وهو يشير إلى معاني البسالة والشجاعة والدفاع عن الأراضي الهولندية.
ويفخر مواطنو هولندا بألوان علم بلادهم لاسيما في صورته النهائية، لما يشتمل عليه من معاني الكرامة والانتماء، إن هولندا لا يميزها عن غيرها من الدول قوة اقتصادها وتعدد مواردها فحسب، بل إن معاني التصالح والتماسك بين أفراد الشعب من أبرز أسس المعايشة هناك.
ولذلك يندر أن تحدث أية جرائم بين الناس في هولندا في العصر الحديث، وهذا من أبرز دلائل سيادة معاني العدالة التي يحظى بها شعب هولندا.