كلنا نعرف هذا الشخص، قد يكون صديقاً عزيزاً، زميلاً في العمل، أو حتى فرداً من عائلتنا. إنه الشخص الذي يمتلك قلباً طيباً ونوايا حسنة، لكنه ببساطة لا يتوقف عن الكلام. يبدأ في قصة، ثم تقوده إلى قصة أخرى، وعندما تنظر إلى ساعتك، تجد أن نصف ساعة قد مرت وأنت لم تنطق بكلمة واحدة.
التعامل مع الشخص كثير الكلام يمكن أن يكون مرهقاً ومحبطاً، خاصة عندما تكون مشغولاً أو تحتاج ببساطة إلى بعض الهدوء. لكن الخبر السار هو أنك لست مضطراً للاختيار بين أن تكون وقحاً أو أن تظل مستمعاً صامتاً إلى الأبد. هناك فن للتعامل مع هذه المواقف بلباقة واحترام.
أولا: افهم لماذا يتحدثون كثيراً
قبل أن نشعر بالانزعاج، من المفيد أن نفهم الأسباب التي قد تدفع شخصاً ما للكلام المفرط. نادراً ما يكون الأمر بقصد إزعاجك. في معظم الحالات، يعود السبب إلى:
- الحماس الشديد: قد يكونون متحمسين جداً لموضوع معين ويريدون مشاركة كل تفصيلة معك.
- الشعور بالوحدة: أحياناً، يكون الكلام الكثير طريقة للتواصل والشعور بالارتباط مع الآخرين، خاصة إذا كانوا يشعرون بالوحدة.
- القلق والتوتر: بعض الناس يملؤون الصمت بالكلام عندما يشعرون بالتوتر أو القلق في المواقف الاجتماعية.
- مجرد عادة: قد يكون الأمر مجرد عادة لديهم، وهم لا يدركون أنهم يسيطرون على الحوار.
عندما نفهم أن النية غالباً ما تكون حسنة، يصبح من الأسهل التعامل مع الموقف بتعاطف وصبر بدلاً من الانزعاج.
استراتيجيات ذكية لإدارة الحوار بلباقة
الآن بعد أن فهمنا الدوافع، إليك بعض الأدوات العملية التي يمكنك استخدامها في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك في محادثة لا تنتهي.
1. فن المقاطعة اللطيفة
نعم، هناك شيء اسمه “المقاطعة اللطيفة”. الفكرة ليست في قطع كلامهم بوقاحة، بل في إيجاد اللحظة المناسبة للتدخل بذكاء.
- انتظر لحظة لالتقاط الأنفاس: استغل اللحظة التي يتوقفون فيها لأخذ نفس أو للتفكير في الكلمة التالية.
- استخدم عبارات تمهيدية: ابدأ بعبارة مثل:
- “هذا يذكرني بشيء مهم…”
- “عفواً على المقاطعة، لكن قبل أن أنسى…”
- “يا لها من قصة مثيرة! وبالمناسبة، أردت أن أسألك عن…”
هذه العبارات تظهر أنك كنت تستمع، لكن لديك شيئاً مهماً تريد إضافته أو تغييره.
2. اطرح أسئلة مغلقة
نوع الأسئلة التي تطرحها يمكن أن يغير مسار المحادثة بالكامل.
- الأسئلة المفتوحة (تجنبها): هي أسئلة مثل “كيف كانت عطلتك؟”. هذه الأسئلة تدعو إلى إجابات طويلة ومفصلة.
- الأسئلة المغلقة (استخدمها): هي أسئلة تتطلب إجابة بـ “نعم” أو “لا” أو إجابة قصيرة جداً. على سبيل المثال: “هل استمتعت بالطقس في رحلتك؟” أو “هل أنهيت تقريرك؟”.
استخدام الأسئلة المغلقة يمنحك المزيد من السيطرة على وتيرة الحوار ويقلل من فرصة الاسترسال في الكلام.
3. ضع حدوداً زمنية مسبقاً
هذه الاستراتيجية فعالة جداً، خاصة في بيئة العمل أو عند إجراء مكالمة هاتفية. قبل أن تبدأ المحادثة، أو في بدايتها، اذكر بلطف أن وقتك محدود.
- مثال: “مرحباً يا أحمد، يسعدني الحديث معك. لدي 10 دقائق فقط قبل اجتماعي التالي، لكنني أردت أن أطمئن عليك بسرعة.”
بهذه الطريقة، عندما تحتاج إلى إنهاء المحادثة بعد 10 دقائق، لن يبدو الأمر مفاجئاً أو وقحاً، بل ستكون ببساطة تلتزم بما قلته في البداية.
4. كن صريحاً بشأن مهامك
إذا كنت في منتصف عمل ما وقاطعك زميل كثير الكلام، لا تتظاهر بأنك متفرغ تماماً.
- يمكنك أن تقول: “أنا سعيد برؤيتك، لكنني أحاول التركيز لإنهاء هذه المهمة قبل الموعد النهائي. هل يمكننا الحديث لاحقاً أثناء استراحة الغداء؟”
هذا يظهر أنك تقدرهم، لكن لديك أولويات واضحة في هذه اللحظة.
5. استخدم لغة جسدك
لغة جسدك ترسل إشارات قوية. إذا كنت تريد إنهاء المحادثة، ابدأ في تغيير وضعيتك تدريجياً.
- ابدأ بالابتعاد قليلاً.
- وجه قدميك وجسمك نحو الباب أو في الاتجاه الذي تريد الذهاب إليه.
- ابدأ في جمع أغراضك (إذا كنت على مكتبك).
هذه الإشارات غير اللفظية غالباً ما تكون كافية ليفهم الطرف الآخر أن المحادثة على وشك الانتهاء.
ختاما
فن التعامل مع الشخص كثير الكلام لا يعني أن تكون شخصاً سيئاً أو أن تتجنب الناس. بل يعني أن تجد التوازن المثالي بين أن تكون صديقاً ومستمعاً جيداً، وبين أن تحترم وقتك وطاقتك الذهنية.
تذكر دائماً أن تتعامل مع الموقف بلطف وتعاطف. باستخدام هذه الاستراتيجيات البسيطة، يمكنك إدارة أصعب المحادثات بنجاح، والحفاظ على علاقات صحية وإيجابية مع الجميع في حياتك.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.