فن الخزف: تاريخه والتقنيات المستخدمة به

يُعتبر فن الخزف من أقدم الفنون التي عرفتها البشرية، حيث يرتكز على تشكيل مواد معينة كالطين أو غيرها لإنتاج أشكال وأشياء متنوعة، وهو ما يُضفي عليه طابعًا فنيًا جماليًا يجعل البعض يصنفه ضمن خانة الفنون الجميلة، بينما يرى فيه آخرون مهارة حرفية يدوية، ويُعرف هذا الفن أحيانًا باسم فن الفخار، الأمر الذي قد يُسبب خلطًا بينه وبين مادة السيراميك.

خاصةً مع استخدام المصطلح الإنجليزي “Ceramic art” للإشارة إليه، إلا أنه من الضروري التمييز بينهما؛ فالسيراميك مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية “keramikos” التي تعني الفخار، والتي تعود بدورها إلى الكلمة الأصلية “keramos” التي تُشير إلى طين الخزاف، وبشكل عام.

تعتمد صناعة معظم منتجات فن الخزف على استخدام الطين وتشكيله بأشكال مختلفة، ثم تعريضه لدرجات حرارة عالية ليصبح مادة صلبة، والجدير بالذكر أن فن الخزف ليس وليد العصر الحديث، بل يمتد تاريخه لآلاف السنين، حيث ظهرت آثاره في ثقافات متنوعة حول العالم، من بينها الحضارات الصينية والكريتية واليونانية والفارسية، بالإضافة إلى حضارات أخرى كحضارة شعب المايا والثقافات اليابانية والكورية، فضلًا عن انتشاره في العديد من الثقافات الغربية الأخرى، ما يُؤكد على عمق جذوره وأهميته عبر التاريخ.

يعتبر فن الخزف من أقدم الفنون التي عرفتها البشرية، حيث يرجع ظهوره إلى العصر الحجري القديم، وكان استخدامه في تلك الحقبة وثيق الصلة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة آنذاك. ومع ذلك، تشير الأدلة الأثرية إلى أن البدايات الحقيقية لظهور الخزف كانت في شرق آسيا، وتحديدًا في الصين، ومنها انتشر هذا الفن بعد حوالي ألف عام إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط، حيث شهدت تلك الفترة ابتكار أولى أواني الطهي المُعالجة حراريًا، ما يُعدُّ تطورًا هامًا في تاريخ الخزف.

وقد تفوق الخزف الصيني في مراحله الأولى على نظيره الأوروبي نتيجة لسهولة الحصول على المواد الخام في الصين، بالإضافة إلى الكثافة السكانية العالية التي ساهمت في ازدهار الصناعة. وبين الأعوام 18 ألف و12 ألف قبل الميلاد، بدأ انتشار الفخار في مناطق واسعة من شرق آسيا، وامتد ليشمل اليابان وبلاد فارس وأفريقيا والشرق الأوسط، ثم وصل إلى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية بحلول عام 5500 قبل الميلاد.

وفي اليابان، ظهر ما يُعرف بخزف جومون، الذي يُعتبر أقدم أنواع الخزف الياباني بعد الخزف الصيني، وقد تميز هذا النوع بدمج الطين مع مواد أخرى مثل الميكا والرصاص والألياف والقشور المكسرة، ثم حرقها بالنار لتشكيل الخزف، وكان يُستخدم بشكل أساسي لتخزين الطعام. وفي حوالي عام 6000 قبل الميلاد، شهد الشرق الأوسط تطورًا هامًا آخر في فن الخزف، حيث بُنيت المواقد الفخارية للمرة الأولى، ما أدى إلى ارتفاع درجات حرارة الحرق، وبالتالي إنتاج خزف أكثر متانة وقوة.

وقد برع الحرفيون في الشرق الأوسط في إنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الخزفية، مثل بلاط الأرضيات وبلاط الأسقف والمنحوتات، كما أضاف الحرفيون في سوريا لمسة فنية مميزة من خلال إدخال الزخارف والألوان والأشكال الهندسية وأشكال الحيوانات إلى منتجاتهم الخزفية، ما أضفى عليها جمالًا ورونقًا خاصًا.

وبعد هذه التطورات في الشرق الأوسط، انتقل فن الخزف إلى أوروبا في الألفية السابعة قبل الميلاد، حيث انتقلت التقنيات من سوريا والعراق إلى اليونان، ومنها انتشرت إلى باقي دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى دول البلقان وأوروبا بحلول عامي 6000 و4500 قبل الميلاد.

وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الدور الهام الذي لعبته أفريقيا في تاريخ فن الخزف، حيث كانت مصر من أبرز الدول الأفريقية في هذا المجال، وقد طور المصريون تقنياتهم الخاصة في صناعة الخزف، حيث استخدموا مزيجًا من الكوارتز أو بلورات الرمل مع الحجر الجيري والمغنيسيوم والبوتاسيوم والصوديوم وأكسيد النحاس لتشكيل عجينة يتم حرقها لتتماسك، ثم تُلمّع وتُضاف إليها الألوان، ما يُظهر التنوع الثقافي والابتكار في تاريخ هذا الفن العريق.

لفن الخزف عدة أنواع، وفيما يلي تعريف بكل منها:

  • الفخار الخزفي: هو نوع من فن الخزف الذي لا يُحرق، وإنما يعتمد على تجميع مركبات السيليكات البلورية في مركبات زجاجية غير بلورية، وهذه التركيبة تجعل الفخار أكثر مسامية وذو ملمس خشن، وكان الفخار الخزفي من أكثر أنواع الخزف شيوعًا في الفترة التي سبقت القرن الثامن عشر، والتراكوتا أو الطين المحروق من أشهر الأنواع المستخدمة في صنع الأواني الفخارية.
  • الخزف الحجري: الخزف الزجاجي هو سراميك زجاجي أو شبه زجاجي، يُطلى عادةً بمادة المينا ليبدو وكأنه زجاجي، وهذه المادة تجعل المنتجات غير مسامية، ويشكل هذا النوع من الخزف بحرقه بدرجات عالية جدًا.
  • خزف البورسلين: يُصنع هذا النوع عادةً من طين الكاولين ويوضع في درجة حرارة عالية تترواح من 1204 إلى 1226 درجة مئوية، والبورسلين الذي يُصنع منه هذا النوع مادة مقاومة للحرارة، ويُستخدم هذا النوع من فن  الخزف لتصنيع  بلاط الحمامات والمطابخ أو الأواني والمنحوتات الزخرفية.
  • الخزف الصيني أو خزف العظام: يُعرف هذا النوع من الفن الخزفي بشفافيته العالية وقوته ومقاومته للقطع أو التقشّر، ويُصنع هذا النوع من مزيج من رماد العظام والمواد الفلزية وطين الكاولين، وبسبب قوته ومقاومته العالية يمكن استخدامه لصنع منتجات رقيقة، ويرجع الفضل في تطوير هذا النوع إلى عالم الخزف الإنجليزي جوشيا سبود في عام 1800.

يستخدم الفنانون في فن الخزف مجموعة واسعة من المواد لكل منها خصائص معينة، وفيما يلي أبرز هذه المواد:

  • البلاط: السيراميك والبورسلين من المواد الشائعة للبلاط، فيتكون بلاط السيراميك من السيليكا والمعادن والطين، وبعد تشكيله يجب أن يوضع في الفرن، ويحتوي بلاط السيراميك على مزيج من الطين الخشن ونسبة أقل من طين الكاولين، ويُحرق بدرجات حرارة أقل من تلك التي يُحرق بها بلاط البورسلين بحيث لا تزيد عن 898 درجة مئوية، بالإضافة إلى أن الطين المستخدم في صنع بلاط السيراميك يكون أقل كثافة من المستخدم في صنع بلاط البورسلين، أي أنه أكثر عرضة للتشقق والكسر، وأكثر مسامية وعرضة لتسريب المياه.
  • الزجاج الخزفي: الزجاج الذي يُستخدم في فن الخزف مادة قوية ومتعدد الاستخدامات، ويتحمل تغيرات درجة الحرارة، وهو مادة غير مسامية الأمر الذي يجعله مناسبًا لأسطح المواقد وأدوات الطهي.
  • قوالب الطوب: يُصنع الطوب بخلط الطين بالماء، ومن ثم يُجفف ويُحرق ليصبح صلبًا، والطوب من مواد البناء التي يشيع استخدامها في الجدران والمداخن والمدافئ.
  • السيليكون: من المواد الطبيعية المتوفرة بكثرة، والموجودة في الطوب، والبورسلين، والزجاج الخزفي.
  • الكربيد الخزفي: مادة مقاومة للحرارة والتآكل، وتستخدم أساسًا في الهندسة الميكانيكية والكيميائية وهندسة الطاقة والإلكترونيات الدقيقة وهندسة الفضاء، ومن الأمثلة على الكربيد الخزفي؛ السيليكون والتيتانيوم والتنغستن وتستخدم هذه المواد في تصنيع الأختام الميكانيكية وأدوات التصنيع وتصنيع الذخيرة، وغير ذلك.

يمكن صنع الخزف بعدة تقنيات، وفيما يلي شرح لكل منها:

  • البناء باليد: الطريقة الشائعة والتقليدية لصنع الخزف هي تشكيله باليد، وسيأخذ الطين بهذه الطريقة شكل ميَلان اليد الطبيعي.
  • بناء الخزف بالعجلة: يمكن تشكيل الطين بوضعه على عجلة دوارة خاصة، يوضع الطين عليها ويشكل بواسطة اليد، بالضغط على الطين باتجاه الخارج ليصبح السطح أملس وليأخذ الطين الشكل المطلوب.
  • البلاط أو الألواح: تُستخدم الألواح لتشكيل الطين في فن الخزف، وعثر على بلاط الخزف في العمارة الهندية وبلاد ما بين النهرين، ويرجع عمر الألواح الطينية إلى عام 14000 قبل الميلاد، وتوجد عدة أنواع من الألواح يؤدي كل منها وظيفة مختلفة.
  • بناء اللفائف: وهو عبارة عن وضع طبقات من الطين الناعم الملفوف فوق بعضه لتشكيل المنتج النهائي، وترجع هذه الطريقة إلى العصر الحجري الحديث في اليابان.
  • عجلة الخزف: اختُرعت هذه التقنية في عام 3500 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين، وتعتمد هذه الآلية على قوة الطرد المركزي للعجلة الأمر الذي يتيح تشكيل أوعية خزفية رقيقة وأكثر دقة.

اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية