لطالما كان الفلفل الحار عنصرًا أساسيًا في العديد من المأكولات العالمية، فحرارته اللاذعة وطعمه النفاذ أضفيا نكهة مميزة على الأطباق المتنوعة. ولكن وراء هذه النكهة القوية، تكمن أسرار صحية عديدة، فالفلفل الحار ليس مجرد توابل تعزز المذاق، بل هو كنوز طبيعية غنية بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.
يُعتبر الفلفل الحار من أغنى المصادر الطبيعية بفيتامين ج، الذي يلعب دورًا حيويًا في تقوية جهاز المناعة ومحاربة الأمراض. كما يحتوي على مادة الكابسيسين، وهي المادة المسؤولة عن إعطائه حرارته، والتي أظهرت العديد من الدراسات أنها تمتلك خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة، مما يجعلها سلاحًا فعالًا في الوقاية من العديد من الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب.
ولكن، كما هو الحال مع أي شيء آخر، فإن الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يؤدي إلى بعض الآثار الجانبية غير المرغوبة. فحرارته الشديدة قد تسبب تهيجًا في الجهاز الهضمي، وحرقة في المعدة، وإسهالًا، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل هضمية مزمنة.
في هذا المقال، سنقوم برحلة استكشافية شيقة في عالم الفلفل الحار، حيث سنتعرف على فوائده الصحية المتعددة، وأضراره المحتملة.
فوائد الفلفل الحار
تحسين حالات مرضى السكري
قد يُساهم الفلفل الحار في التخفيف من أعراض مرض السكري؛ حيثُ بيّنت دراسة نُشرت في مجلَّة Phytotherapy Research أنَّ تناول الفلفل الحار الأحمر يُحفِّزُ زيادة إنتاج الإنسولين، بالإضافةِ إلى ذلك أجريت دراسة أخرى نشرتها مجلة Clinical nutrition عام 2015، وشاركت فيها 44 امرأة حامل من المُصابين بسكري الحمل، وبيّنت نتائج الدراسة أنَّ تناولَ 5 مليغراماتٍ يوميَّاً من مادة الكابسيسين لمُدَّة أربعة أسابيع قد يُقلل من مستويات السكر والإنسولين في الدم بعد تناول الوجبات.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنَّ الكابسيسين لا يُقلِّلُ من مستويات سكر الدم الصيامي، ويجدر التنبيه إلى أنّ تأثير الكابسيسين في مستويات سكر الدم قد يكون مقلقاً بالنسبة لمرضى السكري، أو الذين يتناولون الأدوية المخفضة للسكر، ولقراءة المزيد من المعلومات حول ذلك يمكن الرجوع إلى فقرة محاذير استخدام الفلفل الحار، وفقرة التداخلات الدوائية للفلفل الحار.
تقليل آلام المفاصل
حيثُ بيَّنت إحدى الدراسات أنَّ تناول منتجٍ يحتوي مادة الكابسيسين، وموادَّ أخرى يومياً مدّة 8 أسابيع قد يُقلّل من آلام المفاصل بنسبةِ 21%، ومن الجدير بالذكر أنَّه لا يُمكن تحديد أثر الكابسيسين وحده من هذه الدراسة.
تقليل خطر الإصابة بقرحة المعدة
إذ يُعتقد أنّ مُركّب الكابسيسين الموجود في الفلفل الحارّ يمكن أن يقلل الضرر في الحاجز المخاطيّ في المعدة (بالإنجليزية: Gastric mucosa)، ممّا قد يقلل خطر الإصابة بالقرحة المعديّة، وذلك ما أشارت إليه مراجعةٌ لعدّة دراساتٍ نُشرت في مجلة Molecules عام 2016.
كما تبيَّنَ أنَّ الأشخاصَ الذين يتناولون الفلفل الحار بمعدَّلِ 24 مرَّة في الشهر يكونون أقلّ عُرضةً للإصابة بقُرحة المعدة من الذين يتناولونه بمعدَّلِ 8 مراتٍ في الشهر، وينطبقُ هذا الأمر على الفلفلِ الحار المسحوق، وصلصة الفلفل الحار، بالإضافةِ إلى مسحوقِ الكاري، وغيرها من الأطعمةِ المُحتوية على الفلفل الحار، إلا أنَّه لا تُوجد أدلَّةٌ أُخرى تدعمُ هذا التأثير، وما زالت هناك حاجةٌ لدراسة هذا التأثير بشكلٍ أوسع.
تحسين حالات المصابين بالتهاب المفصل التنكسي
(بالإنجليزيَّة: Osteoarthritis) إذ تمتلك مادّة الكابسيسين بعض الخصائصَ المُضادّة للالتهابات، ويمكن استخدام فلفل الكايين والأنواع الأخرى من الفلفل المُجفَّف كأحدِ أنواعِ البهار للصلصات، وخلطات التتبيل.
المحافظة على صحة القلب
حيثُ يُساهم مُركّب الكابسيسين الموجود في الفلفل الحار في تحسين جريان الدم ووظائف القلب، وقد أظهر بحثٌ نشرته الجمعية الكيميائية الأمريكية عام 2012 أنّ هذا المركّب يمكن أن يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب، كما أشار الباحثون إلى أنّ الكابسيسين قد يساهم في خفض مستويات الكوليسترول، وتقليل خطر تجلّط الدم؛ وذلك من خلال تقليل تراكم الكوليسترول في الدم، والمساعدة على التخلّص منه.
وبالإضافة إلى ذلك فقد ذكرت الدراسة أنّ الكابسيسين يمكن أن يُثبّط نشاط بعض الجينات المسؤولة عن تقلّص العضلات المُحيطة بالأوعيّة الدمويّة، وبالتالي تحسين تدفق الدم، وصحّة القلب والأوعية الدمويّة، ولكن يجدر التنبيه إلى أنّ تناول الفلفل الحار لا يُغني عن الأدوية الخاصّة بأمراض القلب، ويُنصح بتناوله كجزءٍ من نظامٍ غذائيٍّ صحّيٍّ ومتوازن للمحافظة على صحّة القلب.
أضرار الفلفل الحار
درجة أمان استخدام الفلفل الحار
يعدُّ الفلفل الحار غالباً آمناً عند تناوله عن طريق الفم بالكميَّاتِ الموجودة في الطعام، كما يُحتمل أمان استخدامه لفترة قصيرة بجُرعاتٍ دوائيّة كبيرة، ولكن قد يُسبب ذلك ظهور بعض الآثار الجانبيَّة مثل التهيُّج، واضطراب المعدة، وسيلانٍ في الأنف، بالإضافة إلى احمرار البشرة (بالإنجليزيّة: Flushing)؛ وهي حالةٌ تُسبب احمراراً في منطقتي الوجه والعنق.
ومن الجدير بالذكر أنَّ تناول الفلفل الحار بكميَّاتٍ دوائيّةٍ كبيرةٍ لفتراتٍ طويلةٍ قد يكون غالباً غير آمن وذلك لأنّه في بعض الحالات النادرة قد يُسبّب مشاكل خطيرة، منها أضرار الفلفل الحار على الكلى أو الكبد، بالإضافةِ إلى ارتفاعٍ شديدٍ في ضغطِ الدم، وفيما يأتي درجة أمان استخدام الفلفل الحار لبعض الفئات العمريّة:
- الحمل والرضاعة: عند تناول الفلفل الحار لفترة قصيرة بجرعاتٍ علاجية فإنّه يُحتمل أمانه للحوامل في الفترة من منتصفِ الثلثِ الثاني، وحتى الثُلث الثالث من الحمل، بينما يُحتمل عدم أمانه عند تناوله خلال فترة الرضاعة؛ حيثُ إنّ ذلك قد يُسبب التهاب الجلد للطفل الرضيع.
- الأطفال: يُنصح بعدم تناول الأطفال للفلفل الحار؛ وذلك بسبب عد وجود معلوماتٍ كافية حولَ مدى أمان تناوله لهم.
محاذير استخدام الفلفل الحار
فيما يأتي بعض الأمراض التي يُنصح المُصابين بها بالحذر عند تناول الفلفل الحار:
- اضطرابات النزيف: قد تزيدُ مادة الكابسيسين الموجودة في الفلفل الحار من احتماليَّة الإصابةِ بالنزيفِ لدى من يُعانون من اضطراباتٍ في النزيف.
- السكري: كما ذُكر سابقاً؛ قد يُؤثِّر الكابسيسين في مستويات سكر الدم لدى المُصابين بمرض السكري، لذلك فإنّهم يُنصحون بمُراقبة مستويات السكر في الدم لديهم، كما قد يحتاجون لتغييرِ جرعةِ دواء السكري الخاصة بهم بعد استشارة الطبيب.
- ارتفاع ضغط الدم: قد يُسبب تناولَ كميّاتٍ كبيرةٍ من الفلفل الحارّ ارتفاعاً شديداً في ضغط الدم، ممّا قد يزيد من سوء حالةِ المُصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم.
- العمليَّات الجراحيَّة: قد يُسبِّبُ الفلفل الحار زيادةً في النزيفِ أثناء وبعدَ العمليَّات الجراحيَّة لذلك يجبُ وقف استخدامه قبل أسبوعين على الأقل من موعد العمليَّةِ الجراحيَّة.
الآثار الجانبية للفلفل الحار
فيما يأتي بعضُ الآثار الجانبيَّة للفلفل الحار:
- الإحساس بالحرقة في الفم: حيثُ إنّ العديد من الناس لا يُحبُّون الشعور بالحرقة الذي يتبعُ تناولَ الفلفل الحار، كما أنّ تناول الفلفل الحار بكميَّاتٍ كبيرةٍ قد يُسبب الالتهابات، والتورم، والاحمرار، والآلام الشديدة، ومن الجدير بالذكر أنّ مادة الكابسيسين الموجودة في الفلفل الحار ترتبط بمُستقبلات الألم مُسببةً الإحساس الشديد بالحرقة، كما تجدُر الإشارة إلى أنَّ التعرُّض لهذه المادة بشكلٍ مُستمر قد يُقلل من حساسية بعض الخلايا العصبيَّة ويجعلها غير حسَّاسة للألم.
- ألم المعدة والإسهال: قد يُسبب تناول الفلفل الحار ألماً في المعدة لدى البعض، وقد تشملُ الأعراض أيضاً الإحساس بحَرقةٍ في القناة الهضميَّة، بالإضافةِ إلى التشنُّجاتِ، والإسهال المُؤلم، وتزدادُ هذه الأعراض لدى المرضى المُصابين بمُتلازمة القولون العصبي (بالإنجليزيَّة: Irritable bowel syndrome)، لذلك فإن ما نسمعه عن فوائد الفلفل الحار للقولون خاصةً قد لا تكون منطقية، بل ينبغي على هؤلاء المرضى التقليل من استهلاكهم للفلفل الحار، والأطعمة الحارة الأخرى.
التداخلات الدوائية للفلفل الحار
قد يتعارض تناول الفلفل الحار مع استخدام بعض الأدوية، وقد يكون ذلك عن طريق التقليل من فعاليتها، أو زيادتها، أو زيادة آثارها الجانبية، وفيما يأتي بعض الأدوية التي يُنصح من يستهلكونها بالحذر عند استهلاك الفلفل:
- الأسبرين: (بالإنجليزيّة: Aspirin) قد يؤدي تناول مادة الكابسيسين الموجودة في الفلفل الحار إلى التقليل من امتصاص الجسم لدواء الأسبرين، وبالتالي التقليل من فعالية الدواء.
- سيفازولين: (بالإنجليزيّة: Cefazolin) حيثُ تزدادُ الكميّة التي يمتصها الجسم من دواء سيفازولين عند تناوله مع مادة الكابسيسين، وهذا قد يزيدُ من الآثار الجانبيَّة لهذا الدواء.
- السيبروفلوكساسين: (بالإنجليزيّة: Ciprofloxacin) وهو مضادٌ حيويٌّ يُستخدم لعلاج العدوى البكتيريَّة، ومن الجدير بالذكر أنَّ كميَّة السيبروفلوكساسين التي يمتصُّها الجسم عندَ تناولِه مع الكابسيسين تزدادُ، الأمر الذي قد يزيدُ من الآثار الجانبيَّة له.
- أدوية مرض السّكري: (بالإنجليزيَّة: Antidiabetes drugs) حيثُ تُستخدمُ هذه الأدوية لخفض سكر الدم، وكما ذُكر سابقاً؛ قد يُساهم الكابسيسين أيضاً في خفض سكر الدم؛ ولذلك فإنّ تناولهما سويّاً قد يؤدي إلى انخفاض سكر الدم بشكلٍ حاد.
- الأدوية الخافضة لضغط الدم: إذ بيَّنت بعضُ الدراسات أنَّ الكابسيسين قد يزيدُ من ضغط الدم الأمر الذي يُقلل من فعالية الأدوية الخافضة للضغط في حال أخذها مع مادة الكابسيسين.
- مضادات التخثر: (بالإنجليزيَّة: Anticoagulant) إذ إنَّ تناول مضادات التخثُّر مع مادة الكابسيسين قد يزيدُ من احتمالية الإصابة بالكدمات، أو النزيف، وذلك لأنَّ الكابسيسين يُقلل أيضاً من سرعة تخثُّر الدم.
- الوارفارين: (بالإنجليزيَّة: Warfarin)، وهو دواءٌ يُستخدمُ لتقليل سرعة تخثُّر الدم، وقد يُسبب تناول الكابسيسين زيادةً في فعاليته مما قد يؤدي إلى النزيف، أو الإصابة بالكدمات في حالِ تناولهما سويَّاً.