يعرف موسى عليه السلام بكليم الله، كما أنه تربى في بيت فرعون والذي هو عدوه اللدود والأكبر، وهذه من حكمة الله سبحانه وتعالى، ففي قصة موسى عليه السلام الكثير من العبر التي تعلمنا الكثير، وهو ما سوف نقدمه لكم، كما أننا سنحكي أيضًا أهم المعجزات التي قام بها موسى عليه السلام والتي جاء بها إلى قوم بني إسرائيل، ليدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد والتخلص من بطش وظلم فرعون لهم.
نسب موسى عليه السلام
كان ليعقوب ولدٌ يُدعى لاوى، فتزوج لاوى من نابتة بنت ماري بن يشخر، فأنجب منها أربعة أولادٍ من بينهم: قاهث بن لاوى، وتزوّج الأخير من فاهى بنت مسين بن بتويل بن إلياس، وكان لِقاهث ولدٌ يُدعى: يصهر، والذي تزوّج من فتاةٍ تدعى: شميث بنت بناديت بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم، فأنجبت ولدين: عمران بن يصهر، وقارون بن يصهر، فتزوّج عمران من يحيب بنت شمويل بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم، والتي أنجبت ثلاثة أولاد من بينهم: موسى -عليه السلام- بن عمران، وقد جاء في كتاب الكامل في التاريخ أنّ ابن يعقوب يدعى: لاوي، وأنّ زوجة عمران أي والدة موسى تُدعى يوخابد.
ولادة موسى وانتقاله إلى قصر فرعون
وُلِد موسى -عليه الصلاة والسلام- في سنةٍ يُقتَل فيها الذكور من بني إسرائيل بأَمرٍ من فرعون ملك مِصر؛ إذ كان يقتل المواليد من الذكور في سنةٍ، ويتركهم أحياء في سنةٍ أخرى، وكان موسى قد وُلِد ولم يعلم أحد بولادته، فاهتدت أمّه من الخوف إلى أن تُلقي رضيعَها في اليمّ؛ وهو على قول المفسِّرين جميعهم نهر النيل، وذلك بعد جَعْله في تابوتٍ، وذلك بأَمرٍ من الله، مع طمئنته لها بأنّه سيُرجعه إليها سالماً مُعافىً، وسار الماء بموسى -عليه السلام- إلى أن وصل إلى أيدي جواري قصر فرعون، فأخذنه إلى امرأة فرعون؛ آسية بنت مُزاحم التي طلبت من زوجها فرعون أن يُبقيَ عليه معها؛ ليتّخذوه ولداً لهم، فينفعهم حين كِبر سِنّهم، وكانت أمّه قد أرسلت أخته؛ لتتبُّع أمره، وأثره، وكان قد رفض المُرضعات جميعهم، فأرشدتهم أخته إلى أمّه؛ لتُرضعَه، وبذلك تحقّق وعد الله -سبحانه- لأمّ موسى بإرجاع ولدها إليها.
كبر موسى عليه السلام في قصر فرعون
نشأ موسى عليه السلام في قصر فرعون إلى أن اشتد أزره، وفي يوم دخل المدينة ووجد رجلان يتشاجران، رجل تابع لبني إسرائيل والآخر مصري، فاستغاث به من يتبع بني إسرائيل على المصري فلكمه موسى فمات في الحال.
حينها خاف موسى من دخول قصر فرعون خوفًا منه، وهو يتجول في المدينة وجده الرجل التابع لبني إسرائيل يحذره بأن فرعون يبحث عنه هو وجنوده.
حادثة قتل القبطيّ
دخل موسى -عليه السلام ذات يومٍ إلى المدينة في وقت خُلوّ الناس منها، وصادف رجلَين يقتتلان؛ أحدهما من القِبط، والآخر من بني إسرائيل، فطلب الذي من بني إسرائيل منه النُّصرة، فأجابه موسى، فوكز القبطّي، وعلى الرغم من أنّ موسى -عليه السلام- لم يقصد قَتله، إلّا أنّ الوَكز صادفَ انتهاء أجله، فمات، ووقع القَتل خطأً، فتوجّه موسى إلى ربّه بالتوبة، والاعتراف بالذَّنب، وطلب المغفرة منه؛ فقد ظلم نفسه بفِعله ذاك؛ إذ كان القتل بسبب شدّة غضبه، وكان بإمكانه تمالك نفسه عند الغضب، فغفر الله له، ثمّ أصبح موسى -عليه الصلاة والسلام- نصيراً وظهيراً للحَقّ وأهله، إلّا أنّ خبر مَقتل القبطيّ على يد موسى لم ينتشر في المدينة؛ لأنّ القَتل وقع وقت الراحة.
بقي موسى -عليه السلام- يترقّب ما سيحلّ بأمره، ثمّ لقي الرجل الذي استنصرَه في اليوم السابق يقتتل مع قِبطيّ آخر، فطلب من موسى -عليه السلام- أن ينصره عليه، فزَجَره القِبطيّ عن البَطش والإفساد، وحَثّه على السَّعي في تحقيق التراضي بين الطرفَين، فرفض موسى قَتل القِبطيّ، ثمّ أرشده رجلٌ إلى الخروج من المدينة؛ خوفاً عليه من الانتقام للقبطيّ الذي قَتَله سابقاً، فخرج موسى مُتوجِّهاً إلى مدين، قال -تعالى-: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَـذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ*قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ*فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ*فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ*وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ*فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
موسى عليه السلام في مَدْين
انطلق موسى -عليه السلام- من مِصْر قاصداً مَدْيَن، ونزل في مكانٍ اجتمع الناس فيه؛ للسقاية، ورأى فتاتَين واقفتَين تنتظران سقاية أغنامهما، فأقبل عليهما موسى -عليه السلام-، واستفسر منهما عن سبب وقوفهما، فأجابتاه بأنّهما تنتظران السقاية؛ إذ إنّ أبوهما شيخٌ كبيرٌ لا يقوى عليها؛ فسقى لهما موسى، وقضى حاجتهما، ثمّ توجّه إلى الله -تعالى- بالدعاء والطلب.
بينما قصّت الفتاتان على والدَيهما ما حدث معهما، وطلب من إحديهما إحضار موسى؛ لشُكره على فِعله، فطلبت منه المُضيّ معها، وكانت شديدة الحياء، فشكره الشيخ على صنيعه مع ابنتَيه، وكانت قد اقترحت إحداهما استئجار موسى -عليه السلام-؛ للسقاية، فعرض الشيخ على موسى أن يُزوّجه إحدى ابنتَيه مقابل العمل في السِّقاية مدّة ثمانية أعوامٍ، وإن أراد زيادة سنَتَين من عنده، ففَعل موسى، وقضى تلك المدّة كاملةً، ثمّ توجّه عائداً إلى مصر.
قال -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ*فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ*فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ*قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ*قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّـهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).
بعثة موسى عليه السلام
عاد موسى -عليه السلام- إلى مصر مع أهله، وأخذ يبحث عن نارٍ ليلاً، فلم يجد، إلى أن رأى ناراً إلى جانب جبلٍ، فسار إليها وحده تاركاً أهله في موضعهم، ثمّ سَمِعَ صوتاً يُناديه حين وصوله إلى موضع النار، فكان الله -سبحانه- يُكلّمه؛ إذ أخبره أنّه ربّ العالَمين، وأنّه اصطفاه؛ ليبلّغَ الناس، ويدعوهم إلى توحيد الله، ويخبرهم أنّ يوم القيامة واقعٌ لا محالة؛ ليُجازى كلّ عبدٍ بما قدَّمَ في حياته، ثمّ سأله ربّه -عزّ وجلّ- عن العصا التي يُمسكها -وهو أعلم بها-، فأجابه -عليه السلام- بأنّه يعتمد عليها في رَعْي الغنم، وأمورٍ أخرى، فطلب منه -سبحانه- إلقاءها، فألقاها، فتحوّلت إلى حيّةٍ تسعى بأمرٍ وتقديرٍ من الله، ففزع موسى، إلّا أنّ الله طمأنَه وأخبره أنّه سيُرجعها كما كانت، ثمّ أمره الله -سبحانه- أن يُدخلَ يدَه في جَيْبِه، فأدخلها، فإذا بها تخرج بيضاء مُنيرةً، فأعادها إلى جبيه، فعادت إلى صِفتها الأولى.
وقد أجرى الله -سبحانه وتعالى- عدّة آياتٍ مُعجزات تُؤيّد رسالة نبيّه موسى -عليه السلام-، ثمّ أمره بالتوجُّه إلى فرعون مُبلِّغاً، وداعياً إيّاه إلى توحيد العبادة لله وحده، واتِّباع أوامره، فسأله موسى التيسير، وانشراح الصدر، وأن يُعينه؛ بإرسال أخيه هارون معه، فاستجاب له -سبحانه-، وبذلك كان موسى رسول الله ومُبلِّغَ أوامره إلى فرعون، وقومه.
قال -تعالى-: (وَما تِلكَ بِيَمينِكَ يا موسى*قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمي وَلِيَ فيها مَآرِبُ أُخرى*قالَ أَلقِها يا موسى*فَأَلقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسعى*قالَ خُذها وَلا تَخَف سَنُعيدُها سيرَتَهَا الأولى*وَاضمُم يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخرُج بَيضاءَ مِن غَيرِ سوءٍ آيَةً أُخرى*لِنُرِيَكَ مِن آياتِنَا الكُبرَى*اذهَب إِلى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغى*قالَ رَبِّ اشرَح لي صَدري*وَيَسِّر لي أَمري*وَاحلُل عُقدَةً مِن لِساني*يَفقَهوا قَولي*وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي*هارونَ أَخِي*اشدُد بِهِ أَزري*وَأَشرِكهُ في أَمري).
مُواجهة موسى عليه السلام لفرعونَ
وصل موسى إلى أرض مِصْر، والتقى بأخيه هارون، واتّجها إلى قَصْر فرعون الذي أَذِن لهما بالدخول، وبدأ موسى يدعوه إلى توحيد الله، والخضوع له وحده، والتوقُّف عن ظُلم بني إسرائيل، وإرسال بني إسرائيل معهما، فرفض فرعون ذلك، واستخفّ بقَوْل موسى -عليه السلام-، واستصغرَه، وذكّرَه بتربيته ورعايته له، وأنّه قابل ذلك بقَتْل القِبطيّ، فكان ردّ موسى عليه أنّ ذلك لم يكن عن قَصْدٍ، وبيّنَ له أنّه رسول الله إليه مع أخيه هارون، فسألهما عن ربّهما، فأجاباه أنّه الله مالك المُلك، وخالق كلّ شيءٍ، فاستخفّ فرعون بجوابهما، واستهان بما قالاه، والتفت إلى قومه؛ مُكذِّباً قَوْل موسى، ومُتَّهِماً إيّاه بالجنون.
فكان ردّ موسى أنّ الله خالقُهم، وخالقُ آبائهم، وأظهرَ لهم المعجزات التي أيّده الله بها؛ لتكون دليلاً على صِدقه، فتعجّبَ فرعون ممّا رأى، وطلب رأي قومه ومشورتهم، فأخبروه أنّ موسى وهارون ساحران يريدان الاستحواذ على مُلكه، وإبعاده عن أرضه، وأرشدوه إلى جَمع السَّحَرة، وإبطال سِحرهما.
مُواجهة موسى عليه السلام للسَّحَرة
اجتمع فرعون بالسَّحرة، وأخبرهم بما رآه من معجزات موسى، وسألهم عمّا يُمكنهم فِعْله؛ لإبطال ما جاء به موسى، فأخبروه بأنّهم سيغلبونه بسِحْرهم، وطلبوا منه الأجر، فأكّدَ لهم أنّهم سيكونون مُقرَّبين منه، ومأجورين، فلمّا أتى موسى، ورمى عصاه، لم يلبث السَّحرة كثيراً حتى آمنوا بربّ موسى وهارون؛ لأنّهم عرفوا أنّ ما كان من موسى ليس سحراً، ولا يفعله إلّا نبيٌّ، فغضب فرعون غضباً شديداً منهم، وادّعى أنّ موسى -عليه السلام- مَن عَلّمَهم السِّحر، وأنّهم تابعون له، فأمر بصَلْب السَّحَرة، واستمرَّ فرعون في إنكار ما جاء به موسى -عليه السلام-، فأمرَ وزيره هامان أن يبنيَ له قصراً عالياً شاهقاً؛ ليصل به إلى أبواب السماء، ويرى إله موسى.
وكان قد أسلم مع موسى وهارون بنو إسرائيل، فأمرهم الله -تعالى- أن يسكنوا بيوتاً في مصر، وأمره أن يَعِظ مَن آمن معه، ويُبشّرَهم بما ينتظرهم من نَعيمٍ في الآخرة، ثمّ همَّ فرعون بقَتْل نبيّ الله موسى؛ مُدّعِياً الخوف عليهم من أن يُخرجهم من دينهم، وينشرَ في الأرض الفساد، إلّا أنّ مؤمناً من آل فرعون كان يُخفي إيمانه استنكر ذلك، وقال إنّ موسى جاء بالبيّنات من ربّه؛ فإن كان صادقاً فإنّ الشرَّ سيُصيبهم، وإن كان كاذباً فسيُظهر الله كذبَه، ولن يضرَّهم ذلك، قال -تعالى-: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)، فتراجع فرعون عن قَتْل موسى -عليه السلام-، إلّا أنّه استمرّ في تخويف أتباع موسى -عليه السلام-، وظلمهم.
طلب موسى -عليه السلام- من قومه أن يصبروا، ويتمسّكوا بحبل الله؛ فهو القادر على أن يُهلك فرعون، وقومه، إلّا أنّ فرعون تجاوز الحدَّ في ظُلمه، وطُغيانه؛ فدعا موسى وهارون على فرعون وأعوانه بأن يُبدّدَ أموالهم، ويطبعَ على قلوبهم؛ فلا يؤمنوا حتى يَرَوا العذاب الأليم، فاستجاب الله لدعائهم، إلّا أنّ فرعون زاد في إصراره على الظُّلم، والاستكبار بغير الحقّ، فابتلاهم الله باحتباس المَطر، ونَقص المحاصيل، ولم يزدادوا إلّا تكبُّراً ورَفْضاً لرسالة الحقّ؛ فأرسل الله -تعالى- عليهم الطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدم، وكانت تأتيهم آيات العذاب مُتتالِيةً.
قصة موسى عليه السلام وانشقاق البحر
طال الأمر على موسى، ويئس من إيمان فرعون؛ فأوحى الله -تعالى- إليه أن يرحل ليلًا مع بني إسرائيل إلى جانب الطور الأيمن، ومشى موسى وهارون وبني إسرائيل من دون علم الأقباط، وما إن وصلوا إلى جانب البحر أدروكوا أنّ فرعون وقومه يلحقون بهم، فخاف بني إسرئيل وانتشر الذعر بينهم؛ فطمأنهم موسى بقوله {قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ}.
فأوحى الله -تعالى- لموسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر، وصار فيه اثنا عشر طريقًا، لكلّ سبطٍ من بني إسرائيل طريق، فعبر بني إسرائيل وموسى البحر بأمان، ونزل جبرائيل على حصانٍ أنثى ولم يكونا مرئيين، فشمّت أحصنة قوم فرعون ريحها فلحقوها ودخلوا إلى البحر وغرقوا جميعهم، وعلى رأسهم فرعون.
ذهاب موسى عليه السلام للقاء ربّه واستخلاف هارون
عبرَ موسى -عليه السلام- وقومه البحر، ومَضَوْا في طريقهم حتى وصلوا إلى قومٍ يتّخذون الأصنام آلهةً لهم، فطلب قوم موسى منه أن يتّخذوا آلهةً كما لهم، فأجابهم موسى -عليه السلام- بأنّ الله إلهُهم، وقد أنجاهم من الظلم، ثمّ ذهب للقاء ربّه، وجعل أخاه هارون خليفةً له في قومه.
غدا هارون رئيس القوم بعدما طلب منه موسى ذلك، فكان يُعلّم الناسَ الخيرَ، ويردعُهم عن فِعل الشرّ، أمّا موسى -عليه السلام-، فعندما ذهب للقاء ربّه، كلَّمَه الله -تعالى- من وراء حجابٍ، فطلب موسى منه -سبحانه- أن يراه، فأخبره ربّه بأنّ الإنسان لا يمكنه تحمُّل ذلك؛ وأنّه سيتجلّى للجبل، فإن استقرَّ مكانه فسوف سيراه، ثمّ تجلّى ربّ العزّة للجبل الذي لم يبقَ منه شيء، وأصبح حاله حال التراب، فأُغشِي على موسى -عليه السلام- من هول ما وقع.
استغفر موسى -عليه السلام- الله -تعالى- بعد إدراكه ما بدر منه، فأخبره الله -تعالى- أنّه فضَّلَه على العالَمين؛ باصطفائه للنبوّة، وتكليمه دون الاستعانة بالملائكة، فأمره بأَخذ الألواح، والحرص على العمل بما نزل فيها، وعدم تجاوُز الحدود المنصوص عليها، وتعليمها لقومه؛ باتّباعهم الأحكام والتفصيلات الواردة فيها، وشُكر الله -عزّ وجلّ- على إظهار الحقّ، وهدايته إيّاهم إليه، والحرص على إفراد نيّة العمل لله وحده، وحَذَّره من التكذيب بكتابه.
ثمّ مضى موسى إلى قومه؛ يُعلّمهم، ويعرض عليهم التوراة؛ قال -تعالى-: (وَلَمّا جاءَ موسى لِميقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِني أَنظُر إِلَيكَ قالَ لَن تَراني وَلـكِنِ انظُر إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ استَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَراني فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسى صَعِقًا فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبحانَكَ تُبتُ إِلَيكَ وَأَنا أَوَّلُ المُؤمِنينَ*قالَ يا موسى إِنِّي اصطَفَيتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلامي فَخُذ ما آتَيتُكَ وَكُن مِنَ الشّاكِرينَ).
قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت
تمثّلت قصّة موسى -عليه السلام- مع ملك الموت حين بعث الله ملَكًا بهيئة رجلٍ إلى موسى، فقال له الرجل إنّ الله قد بعثني لأقبضَ روحك، ففقأ موسى عينه، فعاد الملَك إلى الله وأخبره بما حدث، فأعاد الله له عينه، وطلب منه أن يسأل موسى إن كان يريد الحياة، فليذهب إلى ثورٍ ويضع يده على ظهره، فله بكلٍ شعرة غطتّها يده سنة حياة.
فتساءل موسى ماذا سيكون بعد الحياة؟ فأخبره بأنّ الموت قادمٌ لا محالة، فطلب موسى -عليه السلام- من ربه أن يميته وقتها، وأن يدفنه في منطقةٍ قريبةٍ جدًّا من الأرض المقدّسة وهي بيت المقدس، وقد كان له ذلك كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حديثه.
السامريّ وصناعة العجل
غاب موسى -عليه السلام- عن قومه أربعين يوماً، وكان بنو إسرائيل قد انتظروا عشرين يوماً، وظنّوا أنّه لن يعود، فظهر رجلٌ منهم يُدعى السامريّ، وصنع لهم عجلاً من الحليّ، وادّعى أنّه إلهُهم، وأنّ عليهم عبادته، ففُتِن القوم، وعبدوه من دون الله، ويُشار إلى أنّ هارون -عليه السلام- كان قد نهاهم عن ذلك، وأمرهم بالرجوع عن فِعلهم، وحثّهم على عبادة الله ربّ العالَمين، فلم يستجيبوا له، بل اشتدّ تمسُّكهم بعبادة العجل.
فلمّا عاد موسى -عليه السلام- بما وعدهم، ووجدهم على حالهم، عاتبَ أخاه هارون -عليه السلام-، فأخبره أنّهم استضعفوه، وكادوا يقتلونه، فلم يقوَ على رَدعهم، ثمّ ذهب موسى إلى السامريّ، فسأله عن فِعلته، فكان ردّه أنّه يملك ما لا يملكه بنو إسرائيل من بصيرةٍ، فما كان من موسى -عليه السلام- إلّا أن حرَّقَ العجل، ونسفَ رماده نَسفاً، وأخبره أنّ له عقوبة في الدُّنيا، وفي الآخرة، قال -تعالى-: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)؛ فلا إله إلّا الله وحده.
غضب موسى عليه السلام وإلقاء الألواح
غضب موسى -عليه السلام- من قومه؛ بسبب اتِّخاذهم العجل إلهاً لهم -كما ذُكِر سابقاً-، فلم يتمالك نفسه، وألقى الألواحَ التي اشتملت على أحكام الله وتشريعاته؛ غضباً وأَسَفاً على قومه، وعلى الرغم من عدم تعمُّده ذلك، وعدم تسبُّب إلقائه إيّاها في أيّ أذىً لها، إلّا أنّ موسى -عليه السلام- دعا ربّه -سبحانه- مباشرةً أن يغفرَ له ولأخيه، وطلب منه الرحمةَ.
موسى عليه السلام والبقرة الصفراء
قُتِل في بني إسرائيل رجلٌ غنيّ لم يكن له ولدٌ على يدٍ قريبٍ له؛ بهدف الحصول على الميراث، ثمّ أتى القاتل إلى موسى -عليه السلام- يخبره بموت قريبه، ويسأله أن يساعده في معرفة القاتل؛ ليقتصَّ منه، ولم يكن عند موسى -عليه السلام- عِلمٌ بشيءٍ؛ فجمع الناس وسألهم عن الأمر، فلم يكن أيّ أحدٍ منهم يعلم شيئاً.
فأوحى الله -تعالى- إليه أن يأمر القومَ بذَبح بقرةٍ؛ لمعرفة القاتل، فاستغرب القوم، وأكثروا السؤال عن أوصافها، فبيَّن الله -تعالى- لهم أنّها بقرةٌ لا كبيرةٌ مُسِنّةٌ، ولا صغيرةٌ، بل مُتوسِّطة السنّ، ذات لون أصفر صافٍ لم تُتَّخَذ للعمل في الأرض أو السقاية، وهي خاليةٌ من العيوب، وليس في جسمها لونٌ آخر، فوجدوها بعد طول عناء، ولو أنّهم أطاعوا الأمر بذَبح بقرة، لأجزأهم ذلك، إلّا أنّهم بتشديدهم على أنفسهم، شدَّد الله عليهم، ثمّ ذبحوها، وضربوا الميّت بعظمها بأمرٍ من الله، ففعلوا، فأخبرهم الميّت عن قاتله؛ وهو قريبه، فأُخِذ وقُتِل؛ لسوء عَمَله.
قال -تعالى- في بيان ما سبق: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ*قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ*وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ*فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
قصّة موسى عليه السلام مع الخَضر
خطب موسى في بني إسرائيل يوماً، فسأل أحدُ القوم عن عِلمه، وإن كان هناك مَن هو أعلم منه، فأجاب موسى -عليه السلام- بالنَّفْي، فعاتبه الله -تعالى-، وأمرَه أن يُسلِّم أمره إليه؛ فلا عِلم له إلّا بعِلم الله، وأخبره أنّ هناك مَن هو أعلمُ منه، فتوسّل موسى إلى ربّه أن يُعرِّفه به؛ ليتعلّمَ ويستزيد منه، فأخبره الله -تعالى- أنّه العبد الصالح الخَضر، وأعلمه بالمكان الذي سيجده عنده؛ وهو مَجمع البحرَين، ودلالة الوصول إليه فُقدان الحوت الذي يحمله معه بأمرٍ منه -سبحانه-؛ وحوت موسى سمكة طبيعيّة.
فذهب موسى -عليه السلام-، وأخذ معه يوشع بن نون الذي كان يخدمه، ويأخذ عنه العِلم، وسارا في طريقهما، فاستراحا عند صخرةٍ، وأثناء راحتهما فُقِد الحوت، ثمّ أكملا المَسير دون أن يتفقّد يُوشع أمرَ الحوت، وحين اعتراهما التعب والجوع، طلب موسى من يُوشع الطعام، فعلما حينها بفقدانهما الحوتَ، فرجعا إلى الصخرة، فوجدا الخضر، فسلّم عليه موسى، واستأذنه أن يمضيَ معه في طريقه؛ ليتعلّم منه، فحذَّرَه الخضر من كثرة السؤال، وعدم الصبر، فكان ردّ موسى -عليه السلام- أنّه سيلتزمُ أمرَه، ويُطيعُه، فسارا في طريقهما.
أخبر الخضر موسى -عليه السلام- ألّا يسأله عن أيّ فِعلٍ يفعله حتى يُحدّثه هو بذلك، فوافق موسى، ثمّ ركبا في السفينة التي سمح لهم أصحابها أن يركبوها دون أُجرةٍ، فأخذ الخضر يعيب السفينة؛ فثقبها، وأتلف جزءاً منها، فاستنكر موسى فِعلته، فذكَّرَه الخضر بالشرط، فطلب منه موسى أن يسامحه.
ثمّ مَرّوا بغلامٍ، فقتله الخضر، فتعجّب موسى، ولم يتمالك نفسه، وسأله عن سبب قتله نفساً بريئةً، فذكّرَه الخضر بالشرط، فوعده موسى بعدم السؤال عن أمرٍ آخر، وإن سأله فهو في حِلٍّ من مُصاحبته، فمرّوا بقريةٍ، وطلبوا طعاماً، فلم يُعطوهم؛ لشدّة بُخلهم، فوجدوا فيها جداراً على وشك الانهيار، فأصلحه الخضر، فأنكر عليه موسى، فكان ذلك آخر العهد بين موسى والخضر، وأخبره الخضر بلزوم المُفارَقة، وأخبره بأسباب أفعاله.
فبدأ بالسفينة التي عابها؛ لِئلّا يأخذها الحاكم الظالم من أصحابها المساكين، وقد كان يأخذ السُّفن الصالحة من أصحابها، أمّا الغلام، فقد كان سيغدو سبباً في شقاء أهله، فأوحى الله إلى الخضر بقَتْله، وانّه سيُبدل والدَيه بولدٍ خَيّرٍ، أمّا الجدار، فكان تحته كنزٌ مدفونٌ لغلامَين يتيمَين حفظه لهم والدهم الصالح، فأصلحه حتى يكبرا، ويستخرجا كنزهما، فلا يأخذه أهل القرية، وأكّد الخضر على موسى أنّ أفعاله لم تكن من تلقاء نفسه، وإنّما بوَحْيٍ من الله -تعالى-.
وقد قال -تعالى- في بيان ما سبق: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا*قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا*قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا*قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا*قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا*قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا*قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا*أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا*وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا*فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا*وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)
كيف مات موسى عليه السلام
ورد في موت موسى عدّة أقاويل، واختلف العلماء حول الوقت والطريقة:
- أورد القرطبيّ -في رواية عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- أنّ موسى مات مع أخيه هارون -عليهما السلام- في التيه، وأنّ هارون قد مات قبل موسى ودفنه في أحد الكهوف، وقال الحسن البصري إنّ موسى لم يمُت في التيه.
- أمّا الثعلبيّ فيرى أنّ أصحّ تلك الأقاويل أنّ موسى قد فتح أريحا ومكث فيها مدّةً من الزمن، ثمّ قبض الله روحه فيها، ولا يعلم أحدٌ أين يوجد قبره، ويؤيّد كلامه ما ذكره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ موضع قبره بجانب الكثيب الأحمر في الحديث المشهور، وقد قال بعضهم إنّ سبب إخفاء قبره عن باقي الخلق هو أنّه ربّما قد يصبح مكانًا للعبادة، والله أعلم.
- وقال بعضهم إنّ موسى قد رأى يومًا جماعةً من الملائكة يحفرون قبرًا لم يرَ مثيله في البهاء والخضرة، فسأل عن صاحب القبر، فأخبروه أنّه لعبدٍ كريمٍ عند الله؛ فتمنّى أن يكون هو، فنزل في القبر وقبض الله روحه.