قبل الحديث عن كتاب نظرية الفستق، نشير الى أن كتب تطوير الذات التي تُعنى بتنمية القدرات الشخصية وتبني نهج التفكير الإيجابي والفعّال، تشهد إقبالاً واسعًا وانتشارًا ملحوظًا بين القرّاء على اختلاف ثقافاتهم واهتماماتهم، حيث تُعتبر هذه الكتب بمثابة دليل عملي يُعين الأفراد على فهم ذواتهم بشكل أعمق وتحقيق أهدافهم المنشودة.
ومن بين هذه الإصدارات القيّمة، يبرز كتاب “نظرية الفستق” كأحد أبرز الكتب التي تتناول هذا المجال الحيوي، إذ يُعد مرجعًا هامًا في فهم آليات التفكير البشري وكيفية تطورها عبر الزمن. يُقدم هذا الكتاب، الذي ألّفه الكاتب السعودي المتميز فهد عامر الأحمدي، رؤية شاملة حول سُبل تطوير الذات وتحسين جودة الحياة.
كما يُركز بشكل خاص على السلوكيات الإنسانية التي تُساهم في تحقيق النفع للفرد نفسه ولمجتمعه المحيط، مُشجعًا على تبني عادات إيجابية تُثمرُ خيرًا على جميع الأصعدة. وقبل الخوض في تفاصيل الكتاب ومحتواه، من الجدير بالذكر أن نُلقي نظرة موجزة على مسيرة الكاتب فهد عامر الأحمدي وإسهاماته الفكرية.
من هو فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي، الكاتب السعوديّ المعروف، وُلد في المدينة المنورة، تحديدًا في حي العطن الشعبيّ ذي الطابع التاريخيّ، ونشأ وترعرع في كنف جدته، حيث قضى فترة طفولته وشبابه، وبعد أن كبر، تزوج من طبيبة أطفال، وأنجب منها خمسة أبناء، بنتين وثلاثة أولاد.
يُعرف عن فهد الأحمدي شغفه الكبير بالقراءة منذ نعومة أظفاره، فقد كان مولعًا بالكتب والمطالعة منذ صغره، ممّا دفعه إلى الالتحاق بعدة جامعاتٍ لدراسة تخصصاتٍ مختلفة، لكنّه لم يُكمل دراسته الجامعية في نهاية المطاف، حيث لم يحصل على شهادة البكالوريوس، وذلك لأنه كان يمضي جلّ وقته في مكتبة الجامعة، منغمسًا في قراءة الكتب واستكشاف المعارف المختلفة.
يُمارس الأحمدي العمل الصحفيّ منذ ما يقرب من عشرين عامًا، حيث يشغل منصب محرر زاويةٍ تحت عنوان “حول العالم” في صحيفة الرياض السعودية، وخلال مسيرته المهنية الطويلة، نشر ما يزيد عن 6000 مقالٍ صحفيّ، إضافةً إلى تأليفه العديد من الكتب التي لاقت رواجًا واسعًا، من بينها كتابه الشهير “نظرية الفستق”، الذي يُعتبر من أبرز مؤلفاته، والذي يُشكّل محور هذا المقال، إضافةً إلى مؤلفات أخرى مثل كتاب “حول العالم”، وكتاب “شعب الله المختار”، وكتاب “لماذا لا تذهب الخراف إلى الطبيب؟”، وكتاب “حول العالم في 80 مقالًا”.
فصول كتاب نظرية الفستق
الفصل الأول: سر النجاح
يتناول الفصل الأول من كتاب نظرية الفستق موضوعًا حيويًا يتعلق بكيفية وضع الإنسان لخطة حياته، مؤكدًا على أن النجاح الحقيقي يتطلب وجود خطة واضحة المعالم، تتسم بالبساطة والتفصيل والواقعية في آن واحد. يشرح الكاتب فكرة أساسية مفادها أن الشخص الذي لا يمتلك رؤية واضحة لما يرغب في تحقيقه في مستقبله، سيجد صعوبة بالغة، إن لم يكن من المستحيل، في الوصول إلى أهدافه المنشودة.
ويشدد الأحمدي على أن غياب الهدف المحدد والواضح هو السبب الرئيسي وراء إخفاق الكثيرين في مسيرة حياتهم، موضحًا الفرق الجوهري بين وضع خطة حقيقية قابلة للتنفيذ والالتزام بها، وبين مجرد وضع أمنيات وأحلام عائمة لا ترتكز على أسس عملية.
فالخطة الحقيقية، كما يوضح الكاتب، تتضمن وضع خطوات عملية ملموسة، مصحوبة بجدول زمني محدد وواضح المعالم، يوضح المراحل الزمنية المتوقعة لإنجاز كل خطوة. ويستفيض الأحمدي في شرح خصائص خطة العمل الناجحة، مشيرًا إلى أن من أهم هذه الخصائص:
- أولًا، الوضوح، أي أن تكون الخطة واضحة المعالم والأهداف، لا لبس فيها ولا غموض.
- وثانيًا، المرونة، التي تعني القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة ومواجهة العقبات والتحديات التي قد تعترض طريق تنفيذ الخطة، وعدم الجمود أمام أي طارئ.
- وثالثًا، الاختصار، أي التركيز على هدف واحد رئيسي في كل مرحلة، وتجنب تشتيت الجهود في أهداف متعددة في آن واحد، لضمان تحقيق الهدف المنشود بكفاءة وفعالية.
- وأخيرًا، التفرّد، الذي يشير إلى أهمية ابتكار طرق فريدة ومناسبة لكل شخص في تحقيق أهدافه، وعدم الاكتفاء بتقليد الآخرين بشكل أعمى، بل البحث عن الأساليب التي تتناسب مع قدراته وظروفه وإمكانياته الخاصة.
وتطرق في هذا الفصل إلى نظرية يمكن تخليصها بالفكرتين:
- إن لم تعرف أين تذهب، لن تصل إلى أي مكانٍ.
- يكمن سر النجاح في وضوح الهدف.
الفصل الثاني: اعرف نفسك أولًا
يطرح الكاتب في هذا الفصل فكرة محورية مفادها أن جوهر إخفاقاتنا في معترك الحياة يكمن في تغييب الوعي الذاتي، أي جهلنا العميق بأنفسنا وما تنطوي عليه من رغبات دفينة وميول فطرية، بالإضافة إلى عدم إدراكنا لقدراتنا الكامنة ومواهبنا الفريدة، فضلًا عن تغاضينا عن مواطن ضعفنا التي تشكل عائقًا أمام تقدمنا.
انطلاقًا من هذه الرؤية، يؤكد الكاتب على أولوية التعرف على الذات واستكشاف خباياها قبل الانخراط في فهم العالم الخارجي المحيط بنا، كما يشدد على أهمية فهمنا لأنفسنا كشرط أساسي لفهم الآخرين والتفاعل معهم بفاعلية.
ويشير إلى أن معظمنا يميل، عند مواجهة الفشل، إلى توجيه أصابع الاتهام نحو الآخرين وإلقاء اللوم عليهم، في محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة المرة، وهي أن سبب تعثرنا الحقيقي غالبًا ما يكون ناتجًا عن قصور معرفتنا بأنفسنا وعدم فهمنا العميق لذواتنا.
ولمعالجة هذه المشكلة واقتراح حلول عملية، يقدم الكاتب مجموعة من السبل والطرق التي تمهد لنا الطريق نحو معرفة الذات واكتشافها. من بين هذه المقترحات، يدعونا الكاتب إلى الغوص في أعماق ذاكرتنا واسترجاع صور من مرحلة الطفولة المبكرة، محاولين تذكر أبرز الأحلام والطموحات التي راودتنا في تلك الفترة النقية من حياتنا، حيث لم تكن قيود الواقع قد فرضت نفسها بعد.
كما يقترح علينا أيضًا أن ننظر مليًا حولنا ونتفحص بيئتنا المحيطة بعين فاحصة، ساعين لاكتشاف مصادر تفوقنا وتميزنا عن الآخرين، وتحديد نقاط قوتنا التي تجعلنا فريدين. إضافة إلى ذلك، يدعونا الكاتب إلى القيام بتمرين تأملي يتمثل في تخيل صورتنا بعد بلوغ سن التقاعد، أي بعد تجاوز الستين من العمر، ثم طرح سؤال جوهري على أنفسنا: “هل سأندم بعد سن الستين؟”.
يمكن تلخيص النظرية التي يتطرق إليها الكاتب في الفصل الثاني بالفكرة التالية: “إن أهم أسباب فشلنا في الحياة هو جهلنا بأنفسنا”.
الفصل الثالث: إن لم تحلم بهدفك كيف ستحققه؟
تبدأ الإنجازات العظيمة بأحلامٍ كبيرةٍ، وتبدأ الإنجازات الصغيرة بأحلامٍ متواضعةٍ، وتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى نظرية يمكن تخليصها بالفكرتين:
- لا يمكنك أن تحقق هدفًا لا يشغل فكرك.
- يجب أن نضع أحلامًا كبيرةً لنحقق إنجازات أصغر.
الفصل الرابع: خلق العادات اليومية
ينصح الكاتب في الفصل الرابع من كتاب نظرية الفستق بعدم التفكير في النجاح فحسب، بل بخلق العادات اليومية التي تقود إلى النجاح، لأن النجاح مرتبطٌ بالاستمرارية والتواصل، ولا يرتبط بالكمية وهو لا يقتصر على المجهود المبذول بل يتعلق بشكلٍ كبيرٍ بالعادات اليومية المستمرة.
على سبيل المثال، إن أردنا أن نصبح أكثر رشاقةً، يجب ألا نفكر في الأمر فحسب بل علينا تخصيص فترة يومية نمارس فيها الرياضة، وإن أردنا تعلم لغة جديدة، لا يكفي أن نفكر في الأمر فحسب أو نشغل بالنا به، بل علينا تخصيص فترة يومية نتعلم فيها كلمات وقواعد جديدة.
وتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى نظرية يمكن تخليصها بالفكرة التالية: “يتطلب النجاح خلق عادة يومية والانصراف عن التفكير الزائد بالنتيجة أو الهدف”.
الفصل الخامس: ما هي نظرية الفستق؟
يتحدث الكاتب في هذا الفصل عن نظريته التي أسماها “نظرية الفستق”، والتي تقول أنه يمكن لفعلٍ أو حدثٍ صغيرٍ التسبب بنتائجَ كارثيةٍ كبيرة، لذا من من أجل تجنب المآسي الكبيرة، علينا تلافي المسببات الصغيرة، وعلينا أن نعي الاحتمالات الكثيرة المختلفة لجوانب الحياة، لأننا نسير في خطٍ مستقيمٍ ولا يمكننا التراجع عن أخطائنا.
الفصل السادس: عشرون قاعدة في المنزل
يتطرق الكاتب إلى عشرين قاعدة تساعدنا على النجاح ويمكننا إنجازها في المنزل، وينصحنا باختيار أهم عشر قواعد لأن تكرار القواعد والخطوات ذاتها في المنزل، سيسبب لنا مللًا كبيرًا.
الفصل السابع: صراع الأجيال
يشير الكاتب في هذا الفصل إلى حقيقية أن لا أحد في العالم يتمنى أن تتفوق أنت عليه إلا والديك، ومع ذلك، يواجه الأبناء مشكلة اعتقاد آبائهم وأمهاتهم بأنهم يحتاجون إلى النصح والإرشاد الدائمين، بينما يعتقد الأبناء أنهم لم يعودوا بحاجةٍ إلى التوجيه.
اقتباسات من كتاب نظرية الفستق
— إن أقرب الناس للعقل والحكمة هو من يدرك نواقص نفسه وعدم خلوه من عيوب التفكير السليم.
— قناعتك بفعل المستحيل هي فقط ما تجعلك مؤهلًا لفعل المستحيل.
— نحن نتيجة لما نعتقده ونتصوره عن أنفسنا.
— لا تنتظر الشيخوخة كي تكتشف قائمة الندم الخاصة بك.
— يظل عقل الإنسان رهينة لأول فكرة سبقت إليه.