كل ما تريد معرفته عن بيتهوفن

اشتهر الملحن الألماني لودفيج فان بيتهوفن بعبقريته الموسيقية، وبرع في تأليف العديد من الأعمال المتنوعة كسوناتات البيانو، وموسيقى الحجرة، والكونشيرتو. أظهرت مؤلفاته إبداعًا استثنائيًا أحدث تحولًا تاريخيًا في فن التأليف الموسيقي.

يُعتبر بيتهوفن من أهم الموسيقيين على مر العصور، حيث هيمن فنه على تاريخ الموسيقى منذ ظهوره وحتى الآن. يُضاهي فنه روعة أعمال موتسارت وهايدن، ولكنه تميز بقدرته على التعبير عن فلسفة الحياة من خلال الموسيقى وحدها، دون الحاجة إلى كلمات، حيث ألّف العديد من الأعمال التي تُعلي من شأن الإرادة الإنسانية.

وُلد بيتهوفن في مدينة بون الواقعة على نهر الراين بالقرب من كولونيا في 17 ديسمبر 1770، وسُمّي على اسم جدّه لودفيج فان بيتهوفن. كان والده، يوهان لودفيج فان، يعمل لدى رئيس أساقفة الكنيسة، ولعب دورًا مبكرًا وهامًا في اكتشاف موهبة بيتهوفن الموسيقية وتنميتها، طامحًا أن يصبح ابنه مثل موتسارت.

تلقى بيتهوفن أول دروسه الموسيقية المنهجية على يد كريستيان جوتلوب نيفي، الذي يُعتبر أهم شخصية أثرت في طفولته، حيث علّمه العزف على البيانو والتأليف، كما عرّفه على أعمال الموسيقيين الألمانيين يوهان سباستيان باخ وكارل فيليب إيمانويل باخ.

بدأ بيتهوفن مسيرته الموسيقية في سن مبكرة، حيث عمل كعازف في المحكمة وهو في الحادية عشرة من عمره. وفي سن الثانية عشرة، نشر أول مؤلفاته، وهي عبارة عن تنويعات موسيقية على لحن للموسيقي الألماني ديسلر. وعندما بلغ الثالثة عشرة، عُيّن عازفًا موسيقيًا ثانيًا في المحكمة، ما سمح له بالسير على خطى جده الذي كان يعمل أيضًا موسيقيًا في المحكمة. وفي سن السابعة عشرة، سافر بيتهوفن إلى فيينا لفترة وجيزة وعزف أمام الموسيقي النمساوي الشهير موزارت، الأمر الذي بعث فيه تفاؤلًا كبيرًا بمستقبله.

تلقى بيتهوفن تعليمًا تقليديًا، فلم يُهمل تمامًا ولم يحظَ باهتمام مُفرط. درس المرحلة الابتدائية في المدارس العامة، بينما تعلّم الموسيقى في المنزل على يد والده. لم يكن بيتهوفن يتمتع بنمط حياة مُنتظم؛ إذ وُصف بعناده المتكرر وطبيعته المفعمة بالحيوية. كان يكره الجلوس بلا حراك، ممّا دفع والده إلى حثّه وإجباره على العزف على البيانو.

استقرّ بيتهوفن في فيينا وقضى فيها بقية حياته، حيث عمل كملحنٍ مُستقلّ لكسب رزقه دون الارتباط بالكنيسة أو النبلاء. عُرف في بداياته كعازف بيانو مُتمكّن، وخلال إقامته في فيينا، تمكّن من جذب رُعاة من طبقة النبلاء لدعمه ماديًا من خلال تمويل مؤلفاته وعروضه الموسيقية. ومع ازدياد الدعم المادي الذي حظي به، أصبح بيتهوفن أكثر جرأة في تأليف موسيقاه.

يُعتبر بيتهوفن شخصية محورية في الانتقال بين الحقبتين الكلاسيكية والرومانسية في الموسيقى. استند في أعماله إلى مؤلفات الموسيقيين النمساويين هايدن وموزارت، وطوّر شكل السوناتا الذي أخذه عنهما من خلال إضافة حركات أطول وأكثر تعقيدًا، وبذلك وضع بيتهوفن الأسس للاتجاه الموسيقي الذي ساد في العصر الرومانسي بأكمله.

وُصف بيتهوفن بأنه عبقري رومانسي، امتلك إرادة فولاذية ورغبة جامحة في تأليف موسيقى مثالية، تُجسّد رؤاه وأحاسيسه. وقد خلّف إرثًا موسيقيًا خالدًا، تمثّل في أعمال تجاوزت زمنها، وأرست معايير جديدة لم يستطع الملحنون الذين خلفوه الوصول إليها. ومن بين إبداعات بيتهوفن وإنجازاته الموسيقية:

  • توسيع الأوركسترا.
  • إدراج فرقة في سمفونيّة بشكلٍ ملائمٍ بالرغم من أنّه ليس الوحيد الذي حاول إدراج فرقة ضمن سمفونيّة.
  • ربط الحركات معاً ويُعد من أوائل الموسيقيين الذين فعلوا ذلك.
  • توسيع الطول الموسيقي للسمفونيّة.
  • تطوير السمفونيّة ونشرها.
  • إضافة مادة جديدة في المقطع الختامي للموسيقى.

قام كاتب السيرة فيلهلم فون لينز بتقسيم حياة بيتهوفن إلى ثلاث مراحل متميزة، وقد أصبح هذا التقسيم شائعًا ومتداولًا بعد فترة وجيزة من وفاة الموسيقار، حيث تُعرف هذه المراحل الثلاث على النحو التالي:

  • الفترة المبكّرة (حتى 1802م): اعتمد بيتهوفن خلال هذه الفترة على الملحنين السابقين ومن أهمهم هايدن وموزارت من خلال استخدامه للغة الكلاسيكيّة الفيينية التي أنشؤوها سابقاً، وتميّزت هذه الفترة بالتركيز على التوازن والوضوح وضبط النفس، كما ألّف العديد من الأعمال الصغيرة، وطوّر على الألحان المألوفة، ومن أهم إنجازاته خلال هذه المرحلة السمفونيّة الأولى والمجموعة الأولى من الرباعيّات الوتريّة.
  • الفترة المتوسطة (1802م-1812م): يُطلق عليها أحياناً فترة بيتهوفن البطوليّة، وامتدت لعشر سنوات، وامتازت هذه المرحلة بإنجازات مذهلة لبيتهوفن إذ إنّ المقاطع التي كانت السبب في شهرة بيتهوفن تمّ تأليفها خلال هذه الفترة كالسمفونيّة الخامسة، وأوبرا فيديليو، كمان كوتشرتو، وأصبحت كتابات بيتهوفن خلال هذه الفترة بلهجاتٍ أكثر جرأة وفرديّة فقد تخطّى تقاليد الكلاسيكيّة الموسيقيّة، مثل تأليفه للسمفونيّة الخامسة التي تجاوزت حدود الموسيقى البسيطة وشملت الموضوعات الانسانيّة كالنضال والدوافع من وجهة نظر العديد من المستمعين، كما بدأ بيتهوفن بتطوير أسلوبه من خلال اختيار فكرة بسيطة وتطويرها لقطعٍ طويلةٍ ودراستها من أجل الوصول لأقصى قدرٍ من التأثير، وقد شهدت هذه الفترة تطوير النهج الخاص لسمفونيّة بيتهوفن والتي كان لها أثرٌ واضح على الملحنين اللاحقين، ومن أهم إنجازاته خلال هذه الفترة السمفونيّة الخامسة وكونشرتو البيانو رقم 4.
  • الفترة المتأخرة (1812م-1827م): احتوت هذه الفترة على أعماله المتميّزة وشملت عدداً من الأعمال الضخمة والفريدة له مثل السمفونيّة التاسعة وموسيقى انتصار ولينغتون، حيث وُصفت أعماله التي أُلِّفت خلال هذه الفترة بأنّها الأعظم والأكثر تحديّاً، فقد تميّزت بالتأمل والعُمق والخيال، واُعتبرت هذه الفترة بأنّها الفترة الخاصة لبيتهوفن، فقد كانت أعمال بيتهوفن خلال هذه المرحلة موجّهة لقوى أصغر كالرباعيّة الوتريّة والبيانو المنفرد، وبنفس الوقت كان هناك عددٌ أقل من السمفونيّات والأوركسترا، وأصبح ترتيب القطع الموسيقيّة يتميّز بحريّة أكبر مع المحافظة على العمق الموسيقي بعدما كانت مرتبة حسب تصاميمٍ قياسيّةٍ، مثل سوناتا الحركة الثالثة، ومن إنجازاته في هذه الفترة السمفونيّة التاسعة، وبيانو سوناتا 32، والسلسلة الرباعيّة رقم 16.

في بدايات حياته، وصف بيتهوفن نفسه بأنه يتمتع بحاسة سمع قوية، لكنه بدأ يعاني لاحقًا من فقدان السمع، خاصةً الأصوات ذات النبرة المرتفعة، مما يشير إلى إصابته بالصمم الحسي العصبي وهو في سن السابعة والعشرين.

بحلول ذلك الوقت، كان بيتهوفن قد أنجز بالفعل أعمالًا مهمة، منها سمفونيته الأولى وأول اثنتين من كونشرتو البيانو، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى عديدة. أخفى بيتهوفن إصابته بالصمم لمدة ثلاث سنوات، ثم كشف عنها في رسالة بعثها إلى الدكتور فرانز فيجلر، موضحًا له فيها تدهور سمعه التدريجي خلال السنوات الثلاث الماضية.

خلال تلك الفترة، عانى بيتهوفن من أعراض مرضية عديدة، من بينها حساسية مؤلمة للأصوات، حيث كانت الأصوات العادية كالسعال والصفير تُسبب له ألمًا شديدًا. كما عانى من فرط التعرق والانزعاج عند ارتفاع الأصوات، بالإضافة إلى طنين مستمر في أذنيه. أدت هذه الأعراض إلى فترة بائسة في حياته، حيث تجنب الاختلاط بالمجتمع لمدة عامين وحاول إخفاء مرضه عن الناس. وقد وصف بيتهوفن صعوبة إخباره للآخرين بأنه أصم، نظرًا لشهرته كملحن. حتى أن بعض الناس لم يلاحظوا إصابته بالصمم، وفقًا لتصريحاته حول مشاكله السمعية.

أوضح أحد مؤرخي سير بيتهوفن أن صممه دفعه إلى حالة من الخوف والاضطراب العاطفي والإهمال الذاتي والعزلة. في عام 1802، انتقل إلى قرية هايليغنشتات هربًا من صخب فيينا، على أمل الحفاظ على ما تبقى من سمعه. تكشف رسالة كتبها في تلك القرية عن وصوله إلى مراحل من اليأس والتفكير بالانتحار، لكن قيمه وشغفه بالموسيقى منعاه من الإقدام على ذلك.

لم يُحدّد سبب واضح لإصابة بيتهوفن بالصمم، حيث تنوّعت التشخيصات بين الزهري والتهاب السحايا العصبي والضمور العصبي وتصلّب الأذن العصبي والتهاب الأذن الوسطى المزمن. ورغم تجربة علاجات عديدة خلال مرضه، لم يُثبت أيٌّ منها فعاليته.

ترك بيتهوفن إرثًا موسيقيًا غنيًا يشمل السمفونيات، والحفلات الموسيقية، والمجموعات الرباعية، وموسيقى الحجرة، والأوبرا، وغيرها. في أعماله الشكلية، استند بيتهوفن إلى أعمال هايدن وموزارت في السوناتا، لكنه وسّعها بشكل ملحوظ وأطال حركاتها. من أبرز إنجازاته الشكلية إعادة تعريفه الجذرية للسيمفونية، حيث غيّر شكل الحركات الأربع الذي وضعه هايدن، والذي تميز بترتيبه الصارم، وحوّله إلى شكل أكثر انفتاحًا مع الحفاظ على بعض الحركات عند الضرورة لضمان تماسك العمل.

تُعتبر السوناتات والحفلات الموسيقية من أبرز إنجازات بيتهوفن، حيث تُفتتح العديد من الحفلات الموسيقية اليوم بحركات من سمفونياته. لقد أعاد بيتهوفن صياغة السمات الأساسية للحركات قبل الوصول إلى المقطع الختامي، كما قدّم إنجازًا هامًا في تأليف السمفونيات التسع التي أصبحت نموذجًا للأدب السيمفوني منذ قرن تقريبًا، وذلك لما تتمتع به من مميزات كالتطور الأساسي الرفيع والإبداع والتلاعب المتقن بالأدوات الموسيقية والطابع الرسمي الكفء، بالإضافة إلى قدرتها على إيصال الوعي الإنساني الجماعي.

اشتهر بيتهوفن بمزاجه الحادّ، وغالبًا ما كان يُوصف بالعصبيّة، ومع ذلك حظي بشعبية كبيرة؛ وذلك لما قدّمه من موسيقى تجاوزت النخبة لتصل إلى عامة الناس. لم تكن موسيقاه مُخصّصة للملوك والأمراء، بل تميّزت بالحماس والعاطفة التي لامست قلوب جميع الأعمار، ما جعل الاستماع إليها تجربة مُمتعة ومُحبّبة للجميع. هذا الإقبال الجماهيري دفع حكومة المدينة إلى إنشاء قاعة احتفالات واستضافة أوركسترا لتلبية الطلب المتزايد على حفلات بيتهوفن الموسيقية.

استجابةً لطلب الجمهور، قدّم بيتهوفن هذا الحفل، وأضاف إليه آلات البيكولو والكونترباصون، كما زاد من حجم الأوركسترا لإضفاء قوة صوتية أكبر. اكتسب هذا الحفل شهرة واسعة بفضل استخدام بيتهوفن برنامجًا موسيقيًا اعتمد على الأسلوب التصويري، حيث وظّف الموسيقى لرسم صور سمعية لأحداث متنوعة، كالمعارك البحرية الهائجة أو النزهات الريفية الهادئة. كما غيّر بيتهوفن العلاقة بين الموسيقيين وعازفي البيانو والمغنين والأوركسترا، بهدف إضفاء عنصر المفاجأة والتشويق للجمهور.

لم يتزوج بيتهوفن، ويُعزى ذلك غالبًا إلى طبعه الصعب. ومع ذلك، كان لديه دائرة من الأصدقاء المقربين الذين كان يلجأ إليهم طلبًا للمساعدة في أوقاته العصيبة. في سنواته الأخيرة، اضطر للتواصل مع الآخرين عبر دفاتر محادثة، حيث كانوا يكتبون أسئلتهم ويجيب عليها شفهيًا أو كتابيًا، نتيجة لتدهور صحته البدنية والعقلية التدريجي.

في أيلول 1826م، بدأت تظهر عليه أعراض خطيرة كانتفاخ البطن وتورم القدمين بسبب تجمع السوائل، بالإضافة إلى القيء اليومي. توفي بيتهوفن في 24 آذار 1827م بعد فقدانه الوعي، وشهدت جنازته حشودًا غفيرة، حيث يُقال إن واحدًا من كل عشرة أشخاص في فيينا حضروا وداعه، ما يعكس شعبيته الجارفة.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية