لا شك أن العادات السيئة تتسلل إلى حياتنا اليومية بخبث، وتنسج حولنا شبكة من القيود غير المرئية التي تحد من حريتنا في اتخاذ القرارات الصحيحة. هذه القيود، التي تشبه الأغلال الثقيلة، تمنعنا من تحقيق إمكاناتنا الكاملة وتجعلنا عالقين في دوامة من السلوكيات المتكررة التي لا تفيدنا.
فالعادات السيئة، سواء كانت تتعلق بالتغذية، أو ممارسة الرياضة، أو إدارة الوقت، أو العلاقات الاجتماعية، تؤثر بشكل كبير على صحتنا النفسية والجسدية، وتقلل من مستوى سعادتنا وإنتاجيتنا.
إنها كالأوزان التي تثقل كاهلنا وتسحبنا إلى الوراء، بعيدًا عن الأهداف التي نسعى جاهدين لتحقيقها. ولكن، وبفضل فهمنا العميق لأسباب تكوين هذه العادات وآلية عملها، يمكننا أن نتحرر من قيودها ونستبدلها بعادات إيجابية تساهم في تطوير أنفسنا وتحسين جودة حياتنا.
كيفية التخلص من العادات السيئة
الوعي بالعادات السيئة
أكدت الأخصائية في علم النفس السريري، جانيت وولف، على الدور المحوري لتدوين العادات السيئة اليومي في رحلة التخلص منها. فمن خلال تسجيل هذه السلوكيات بشكل منتظم، ننتقل من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي الكامل بها، مما يسهل علينا مراقبتها وتحليلها.
توصي وولف بتخصيص دفتر ملاحظات لتدوين العادات اليومية لمدة أسبوع على الأقل، مع التركيز على تحديد العوامل المحفزة التي تدفعنا لممارستها. قد تكون هذه العوامل متنوعة، مثل الشعور بالملل، التوتر، أو حتى الرغبة في المكافأة الفورية.
ومن خلال فهم هذه المحفزات، نصبح قادرين على تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لمواجهتها واستبدالها بسلوكيات صحية.
من جانبه، اقترح الطبيب النفسي جيبمس كلايبورن أداة أخرى فعالة لمكافحة العادات السيئة، وهي إنشاء قائمة مفصلة بكل عادة نرغب في التخلص منها. تشمل هذه القائمة وصفاً دقيقاً للعادة، بالإضافة إلى تفصيل الآثار الإيجابية والسلبية المترتبة عليها. يرى كلايبورن أن هذه القائمة تعمل كمرآة تعكس لنا حقيقة هذه العادات، وتساعدنا على تقييم مدى تأثيرها على حياتنا.
ينصح بالرجوع إلى هذه القائمة بانتظام، خاصة في اللحظات التي نشعر فيها برغبة شديدة في ممارسة العادة، كنوع من التذكير بالأسباب التي تدعونا للتوقف.
اتخاذ قرار
عند الرغبة في التخلص من عادة سيئة، يواجه الفرد تقاطعًا حاسمًا: هل يسلك طريقًا مباشرًا، يقضي فيه على العادة دفعة واحدة، أم يتبع نهجًا أكثر تدريجية؟ كلا الخيارين له مبرراته وأتباعه.
فمن ناحية، يرى البعض أن القطع الكامل والانفصال التام عن العادة هو الأسلوب الأكثر فعالية، حيث يقلل من فرص العودة إليها. لكن هذه الطريقة، وإن كانت قوية الأثر، قد لا تكون مناسبة للجميع. فبعض الأفراد قد يجدون صعوبة في التكيف مع هذا التغيير المفاجئ، مما قد يؤدي إلى الشعور بالإحباط والفشل، ودفعهم إلى العودة إلى العادة السيئة بقوة مضاعفة.
لذلك، يفضل البعض الآخر اتباع نهج أكثر مرونة، يتمثل في تقليل العادة تدريجياً. فبدلاً من محاولة الاستغناء عنها كليًا في خطوة واحدة، يمكن تقسيم الهدف إلى أجزاء صغيرة، والعمل على تحقيق كل جزء على حدة. على سبيل المثال، يمكن للشخص الذي يرغب في تقليل تناول السكريات أن يبدأ بتحديد عدد المرات التي يتناول فيها الحلوى في الأسبوع، ثم يعمل على تقليل هذا العدد تدريجياً حتى يصل إلى هدفه النهائي.
وضع خطط بديلة
عندما نرغب في التخلص من عادة سيئة، فإننا غالبًا ما نركز على الجانب السلبي لهذه العادة، مما يزيد من صعوبة التغيير. ولكن، إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية مختلفة، وركزنا على الفوائد التي يمكن الحصول عليها من خلال استبدال هذه العادة بعادة إيجابية، فإننا نكون قد قطعنا خطوة كبيرة نحو تحقيق هدفنا. فالعادة الجديدة تعمل على إعادة برمجة الدماغ، وتساعدنا على تكوين علاقات جديدة مع أنفسنا ومع العالم من حولنا.
ولنأخذ مثالًا على ذلك: بدلاً من الجلوس وحيدًا أمام شاشة الكمبيوتر، يمكن للشخص أن يختار الانضمام إلى نادي رياضي أو مجموعة هوايات، مما يساعده على تكوين صداقات جديدة وتوسيع دائرة معارفه.
المكافأة
إن مكافأة النفس عند تحقيق تقدم في التخلص من العادات السيئة هي استراتيجية نفسيّة فعالة للغاية. فمن خلال ربط السلوك الإيجابي بمكافأة مرغوبة، يتم ترسيخ الدافع الداخلي للاستمرار في هذا المسار.
يمكن تحقيق ذلك بتخصيص مكافآت تتناسب مع الأهداف المحققة، فكل خطوة صغيرة نحو حياة أكثر صحة وسعادة تستحق الاحتفال بها. سواء كانت المكافأة عبارة عن قطعة من الشوكولاتة المفضلة، أو يوم عطلة قصير، أو حتى تجربة جديدة، فإنها تعمل على تعزيز الشعور بالإنجاز وتدفعنا إلى المضي قدمًا.