في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة وتفاقم أزمة غلاء الأسعار التي يشهدها العالم، بما في ذلك منطقتنا العربية، نتيجة لعوامل جيوسياسية متعددة كالحرب الروسية الأوكرانية واضطرابات سلاسل الإمداد والتداعيات المستمرة لجائحة كورونا، يواجه الأفراد تحديات متزايدة للحفاظ على مستوى معيشي لائق.
وقد لجأ البعض إلى الاقتراض لتغطية النفقات المتزايدة، ما أدخلهم في دوامة الديون. لذا، يهدف هذا المقال إلى تقديم استراتيجيات عملية ومبتكرة لتقليل المصاريف اليومية وتوفير المال، مع التركيز على أهمية الادخار والاستثمار في المستقبل لمواجهة تحديات غلاء المعيشة.
سنستعرض طرقًا فعّالة لخفض النفقات والتخلص من العادات الاستهلاكية غير الضرورية، دون المساس بجودة الحياة المعتادة، مع التأكيد على أن بعض هذه الطرق يتطلب تخطيطًا وبحثًا مسبقًا، بينما يمكن تطبيق البعض الآخر على الفور، وذلك بهدف تجنب الشعور المتكرر بنقص المال في نهاية الشهر وتحقيق الاستقرار المالي في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
كيفية تقليل المصاريف وسط غلاء الأسعار
ابدأ بتتبع عادات إنفاقك:
في ظلّ الارتفاع المستمرّ في غلاء الأسعار، يصبح من الضروريّ اتّباع استراتيجيّات فعّالة لتقليل المصاريف وترشيد الإنفاق. تبدأ هذه العمليّة بتتبّع دقيق لعادات الإنفاق، حيث يتطلّب الأمر تكوين صورة شاملة ومفصّلة عن أوجه صرف الأموال، ممّا يُساعد في تحديد النفقات غير الضروريّة وتجنّبها.
لا يقتصر الأمر على البحث عن المنتجات الأرخص، بل يمتدّ إلى إعطاء الأولويّة للجودة والكفاءة مقابل السعر، مع تحليل الاحتياجات الأساسيّة وتقدير الميزانيّة المناسبة لها. يجب أن يُنظر إلى تقليل المصروفات كنمط حياة دائم، يتطلّب تغييرًا في طريقة التفكير والتعامل مع المال، مع إدراك أهميّة كلّ مبلغ يتمّ توفيره، وعدم الاستهانة بأيّ قدر مهما بدا صغيرًا، فالتوفير الحقيقيّ يكمن في التخطيط السليم والوعي بأهميّة كلّ قرش في مواجهة تحدّيات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
ضع ميزانية:
في ظل الارتفاع المستمر في غلاء الأسعار وتأثيره على الميزانية الشخصية، يصبح وضع ميزانية مالية مُحكمة أمرًا بالغ الأهمية لإدارة المصاريف بفعالية. لا يجب أن يكون إنشاء الميزانية عملية مُعقدة، بل هي عبارة عن خطة مالية واضحة تحدد مسار إنفاق الأموال وكيفية توزيعها على أوجه الصرف المختلفة. لتسهيل هذه العملية، يُنصح بتجنب التعقيدات غير الضرورية التي يقع فيها الكثيرون، واعتماد تقسيم بسيط وفعّال للميزانية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
- القسم الأول يختص بالاحتياجات الأساسية التي تشمل المصاريف الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها كالمأكل والمسكن والعلاج.
- القسم الثاني يُعنى بالرغبات أو الكماليات وهي المصاريف التي يُمكن تقليلها أو الاستغناء عنها في فترات غلاء الأسعار للتحكم في النفقات.
- القسم الثالث فيُخصص للأهداف المالية المُستقبلية كالادخار أو الاستثمار.
هذا التقسيم البسيط والمُحكم يُمكن الأفراد من مراقبة وتعديل إنفاقهم الكلي ضمن هذه الفئات بسهولة وفاعلية حسب الحاجة وظروف غلاء المعيشة، مما يجعل إدارة الميزانية أكثر مرونة وقابلية للتطبيق، ويُساعد على مواجهة تحديات غلاء الأسعار بوعي وتخطيط مالي سليم.
تخلص من عادات الشراء غير الضرورية:
في ظل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، يُعدّ التخلّص من عادات الشراء غير الضرورية استراتيجيةً فعّالةً لتوفير المال وتحسين الوضع المالي. على الرغم من أن تأثير هذه الطريقة قد لا يبدو كبيرًا في البداية، إلا أنها تُحدث فرقًا ملحوظًا على المدى الطويل، خاصةً مع الالتزام بها وجعلها جزءًا من نمط الحياة اليومي.
تبدأ هذه الاستراتيجية بالتساؤل عن مدى ضرورة بعض المشتريات اليومية، مثل ارتياد المقاهي صباحًا أو شراء المشروبات الغازية والوجبات الخفيفة بشكل متكرر. يُمكن توفير مبالغ كبيرة من خلال إعداد القهوة في المنزل، حيثُ يقلّ سعر الكوب الواحد عن جنيهين، كما يُمكن شراء المشروبات الغازية بالجملة لتخفيض تكلفتها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب التفكير مليًا قبل الذهاب إلى السينما بشكل شهري، مع الأخذ في الاعتبار تكلفة تذاكر الأفلام والمأكولات والمشروبات المصاحبة لها، فضلًا عن تكاليف المواصلات. يُمكن استبدال ذلك بمشاهدة الأفلام من المكتبة المنزلية أو الاشتراك في خدمات البث عبر الإنترنت مثل نتفليكس، مع حساب التكلفة الإجمالية لكل خيار.
هذه الخطوات، على بساطتها، تُساهم في توفير المال بشكل تراكمي، ومع التعود عليها تُصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. قد يشعر الشخص ببعض الضيق في البداية عند التخلي عن بعض العادات الشرائية، لكن سرعان ما يتبدّد هذا الشعور عند ملاحظة الفرق في الرصيد المالي.
من الجوانب المهمة أيضًا في التخلّص من الشراء الاندفاعي هو إعداد قائمة تسوّق مُسبقة قبل الذهاب إلى المتجر والالتزام بها. تُساعد هذه القائمة في تجنّب شراء المنتجات غير الضرورية التي قد تجذب الانتباه أثناء التسوّق، مثل شراء كميات كبيرة من الحلوى أو الحبوب لمجرد وجود عروض عليها، في حين أن الحاجة الفعلية إليها قد تكون محدودة. تُعطي قائمة التسوق رؤية واضحة للاحتياجات الفعلية وتُساهم في توفير المال المُنفَق على المشتريات غير الضرورية، ما يُساعد على مواجهة غلاء الأسعار بشكل فعّال.
قم بتجميد بطاقات الائتمان:
في ظل غلاء الأسعار وتزايد الأعباء المالية، يُعدّ التحكم في الإنفاق وترشيد الاستهلاك من أهمّ الأولويات، ومن بين التحديات الكبيرة التي تواجه الأفراد هي ديون بطاقات الائتمان التي تتراكم بسرعة نتيجة سهولة استخدامها لإجراء عمليات الشراء حتى في حال عدم توفر السيولة النقدية، ممّا يؤدي إلى تراكم فوائد بطاقات الائتمان المرتفعة خصوصاً عند التأخر في السداد، وهو أمر شائع بين الكثيرين.
وللتغلب على هذه المشكلة وخفض النفقات الشهرية، يُنصح بتجميد بطاقات الائتمان كإجراء فعّال، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة، منها الطريقة الحرفية التي يقترحها بعض الخبراء الماليين بوضع البطاقات في وعاء ماء وتجميدها في المُجمّد، ممّا يُجبر المستخدم على الانتظار حتى تذوب قبل استخدامها، كما ذكرت منصة “ديبيت.أورغ”.
ولإجراء رسمي أكثر، يُمكن إيقاف بطاقات الائتمان مؤقتاً عبر المواقع الإلكترونية أو تطبيقات البنوك، ممّا يمنع إجراء أي عمليات شراء جديدة. وبجانب التجميد، يُعدّ سداد ديون البطاقات أولوية قصوى، فالتخلص من هذه الديون بأسرع ما يُمكن يُساهم في زيادة الأموال المُتاحة في الميزانية الشهرية أو المُخصصة للادخار.
لذا يجب وضع سداد ديون بطاقات الائتمان على رأس قائمة الأولويات قبل سداد الديون الأخرى كأقساط السيارة أو المنزل، وذلك بسبب سرعة نمو هذه الديون نتيجة ارتفاع الفوائد المتراكمة عليها مع مرور الوقت، ممّا يستدعي تخصيص جزء من الميزانية لسداد دفعات أعلى من الحد الأدنى المُستحق على البطاقة للتخلص منها بأسرع وقت مُمكن.
استخدم النقد فقط:
لمواجهة تحديات غلاء الأسعار والسيطرة على الإنفاق، يُنصح بالتحول إلى استخدام النقد الفعلي بدلًا من البطاقات الائتمانية، حيث يُساعد هذا النهج على التسوق بواقعية أكبر وإدراك حقيقي لقيمة المشتريات عند رؤية الأموال تُنفق مباشرةً من المحفظة، مما يُقلل بشكل ملحوظ من عمليات الشراء الاندفاعية غير المدروسة التي تُفاقم من أعباء الميزانية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
ولتعزيز إدارة الإنفاق النقدي ومراقبة الميزانية بشكل فعّال، تتوفر العديد من التطبيقات الذكية التي تُقدم أدوات مفيدة لتتبع المصروفات وتنظيمها، مثل تطبيق “مينت” (Mint) وتطبيق “مينفيلوب” (Mnvelopes) وغيرها من التطبيقات المُصممة خصيصًا لمساعدة المُستهلكين على التحكم في نفقاتهم والتكيف مع ظروف غلاء المعيشة.
اختصارات منزلية:
مصاص دماء اسمه الكهرباء:
من بين العوامل الخفية التي تساهم في زيادة استهلاك الطاقة وارتفاع فواتير الكهرباء، يبرز ما يُعرف بـ “طاقة مصاص الدماء” أو “الحمل الوهمي”، وهي ظاهرة استهلاك الأجهزة الكهربائية للطاقة حتى في وضع الإيقاف أو عدم الاستخدام الفعلي.
هذا الاستهلاك الخفي للطاقة، الذي يُشبه مصاص دماء يقتات على كهرباء منزلك دون علمك، يمثل ما لا يقل عن 10% من إجمالي فاتورة الكهرباء الشهرية، وفقًا لمنصة “فيفث بيرسون”، ما يُعدّ هدرًا كبيرًا لمورد ثمين. وللتغلب على هذه المشكلة وتقليل تأثير غلاء الأسعار على ميزانيتك، يُنصح بفصل الأجهزة الكهربائية غير المستخدمة بانتظام عن التيار الكهربائي، كحل بسيط وفعال.
فبدلًا من ترك الأجهزة موصولة بالكهرباء طوال الوقت، حتى وإن كانت مُطفأة، يُمكن فصلها لتجنب استنزاف الطاقة الخفي. وعلى الرغم من صعوبة فصل بعض الأجهزة المستخدمة يوميًا كالحاسوب، إلا أن هذه الخطوة تُحدث فرقًا ملحوظًا على المدى الطويل.
إضافةً إلى ذلك، يُنصح بترشيد استهلاك الإضاءة في المنزل، حيث يُلاحظ إضاءة العديد من المنازل بالكامل ليلًا، في حين يتم استخدام غرفة أو غرفتين فقط. بفصل التيار الكهربائي عن الغرف والأماكن غير المستخدمة، يُمكن تحقيق انخفاض كبير في فاتورة الكهرباء الشهرية، وبالتالي تخفيف الضغط المالي الناتج عن غلاء الأسعار.
تناول الطعام في البيت:
يُعتبر تناول الطعام في المنزل من أبرز الوسائل التي تُساهم في توفير مبالغ كبيرة، حيث يُكلّف ارتياد المطاعم ودفع فواتيرها مبالغ طائلة. لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاستراتيجية، يُنصح بتخطيط الوجبات الأسبوعية بدقة، وتحديد قائمة الأطعمة التي سيتم تناولها على مدار الأسبوع، والالتزام بهذه الخطة قدر الإمكان.
يُمكن الاستعانة بالإنترنت الذي يُوفّر مصدراً غنياً بنصائح الطهي والوصفات المتنوعة التي تُناسب جميع المستويات، حتى للمبتدئين في عالم الطهي. ولمواجهة ضيق الوقت خلال أيام العمل، يُمكن تحضير وجبات مُسبقة في عطلة نهاية الأسبوع وتوزيعها في أوعية مُحكمة الإغلاق وحفظها في الثلاجة، ما يضمن توفّر وجبات جاهزة للأكل خلال أيام العمل.
إضافةً إلى ذلك، يُمكن تحضير “ساندويتشات” سريعة في الليلة السابقة لأخذها إلى العمل في الصباح، ما يُساهم في توفير تكلفة وجبات الإفطار الجاهزة من المطاعم والمقاهي. هذه الخطوات تُساعد بشكل كبير في “تقليل المصاريف” وتخفيف الأعباء المالية الناتجة عن “غلاء الأسعار”.
أفكار مفيدة:
- فكر في كل عملية شراء قبل إتمامها. اسأل نفسك هل تحتاجها حقًا أم أنك ترغب فيها فقط. هل تملك شيئًا يمكنه أن يقوم بنفس العملية؟ هل هذا الشيء ذو جودة عالية، أم أنك ستحتاج لتغييره بعد بضعة استخدامات؟ والأهم، هل أنت مستعدٌ لإرجاء خطط التوفير فقط للحصول عليه؟ إذا لم يكن شيئًا ضروريًا على الإطلاق، فلتكن الإجابة لا، لن أشتريه.
- استعمل قاعدة الأربع وعشرين ساعة. انتظر أربع وعشرين ساعةً قبل أن تشتري شيئًا غير ضروري.
- امنع المشروبات الكحولية. يمثل الكحول مصروفات زائدة عليك يمكنك أن تتخلص منها.
- يمكنك أن تستثمر أموالك في الأغراض المُستعمَلة. تُعتبر البطاريات القابلة لإعادة الشحن خيارًا جيدًا إذا كان استهلاك بطاريتك للطاقة عاليًا – السؤال الذي يجب أن تسأله لنفسك: لماذا تستهلك بطاريتك طاقةً عاليةً وكيف يمكنك تقليل ذلك؟
- أقلع عن التدخين. بعيدًا عن تكلفة التدخين الشهرية، فهناك أيضًا تكلفة تدمير صحتك وحياتك (بالإضافة لتأمين السيارة والمنزل) و(احتمالية كبيرة) لتكلفة المشاكل الصحية الناجمة عن التدخين.
- العزل. سيوفر لك عزل العلية والجدران (متضمنةً منافذ كهرباء الجدران الخارجية) المال بمرور الوقت. عليك أن تتفقد عوازل الطقس الخارجي حول الأبواب ومن الخارج. إذا استطعت رؤية ضوء النهار بين الباب والإطار العازل، عليك أن تشتري لفةً من الفوم اللاصق وتغلق بها الشقوق حول الأبواب.
- توقف عن استعمال المناديل والمناشف الورقية. تتميز المناشف القماشية بقدرتها على الامتصاص وإمكانية استعمالها أكثر من مرة. يمكن أن تُصنع المناديل القماشية من غطاء منضدة قديم. كما أنها تتميز بقدرتها على التنظيف أكثر من المناشف الورقية.
- ازرع حديقةً. يمكن حتى للمساحة الصغيرة إنتاج كميات كبيرة من الطعام الطازج. يمكنك بالطبع أن تنفق ثروةً على متجر البستنة، ولكن عليك أن تتجول في المتاجر وتسأل الجيران وتبدأ بمساحات صغيرة.
- قِس استهلاك الطاقة. يمكنك أن تلجأ لمراقب استهلاك الكهرباء (بالإنجليزية: Electricity monitor)، يُعتبر ذلك الجهاز فعّالًا في قياس الطاقة المُستهلكَة لحظة بلحظة. يعرض ذاك الجهاز كمية الطاقة المُستهَلكة في منزلك بالجنيهات والكيلو وات. تشير الدراسات إلى أن توفير استهلاك الطاقة يُنتج 10% إلى 20%.
- استعمل المناديل القماشية عندما لا تكون مريضًا. لا يُعد الأمر مُثيرًا للاشمئزاز إذا قمت بغسلها؛ فهي تُعتبر صحيةً وعمليةً أكثر من المناديل الورقية.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.