القائمة إغلاق

كيف أستشعر عظمة الله عز وجل

إنَّ استشعار عظمة الله -تعالى- واجبٌ نصَّ عليه الكتاب والسنة، ويكون ذلك باستشعار عظمة أسماء الله -تعالى- وصفاته، فإذا استقرّت عظمة الله -تعالى- في قلب المؤمن، فإنّها ستسري في جسده، وتنتقل إلى أعضائه، فيتحوَّل الشعور إلى عملٍ تقوم به الجوارح.

ويجب على المسلم أن يعلم أنَّ له رباً عظيماً، يتَّصف بصفات الكمال، وأنّه هو العليّ الكبير المتعال الحيُّ القيوم، مالك يوم الدين، الفرد الصمد، الواحد الأحد، فإن حقَّق ذلك، كانت الاستقامة شعاره وقِوام حياته.

عتاب القرآن لمن غفل عن تعظيم الله سبحانه

لقد توجّه القرآن الكريم بالعتاب واللوم لمن غفل عن تعظيم الله سبحانه، فقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، وقد تكرّر ذكر هذه الآية في ثلاثة مواضع من القرآن، وهذا التكرار يدلّ -بلا شك- على عِظَمِ معنى هذه الآية وأهميتها:

فالموضع الأول: ورد في سورة الأنعام عند الردّ على مَن أنكر نزول الوحي والنبوّة، حيث قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: 91]؛ لأنهم لو علموا قدر الله وعظمته لعلموا أنّ إنزال الوحي وإرسال الرسل هو مقتضى حكمته، وأنه لا يمكن أن يترك خلقه هملًا بلا منهاج ضابط.

والموضع الثاني: في سورة الحج في سياق الحديث عن ضعفِ الأصنام والمعبودات التي عُبدت من دون الله وعجزها عن خَلْق ذبابة ولو اجتمعت لذلك، وكذا عجزها عن مقاومة الذباب والانتصار منه إذا سلبها شيئًا من الطيب أو الطعام، حيث قال الله تعالى معقبًا على هذه الأوصاف للمعبودات الكاذبة: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: 74]، ليثبت لنفسه القوةَ والعزّةَ والغلَبة -سبحانه وتعالى-.

وأمّا الموضع الثالث: في سورة الزمر في سياق حديث القرآن عن توحيد الله ونبذ الشرك، فجاءت هذه الآية كدليل على قدرة الله وعظمته في تملُّك مقاليد السماوات والأرض ووقوعهما في قبضته وتحت سلطانه، حيث قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر: 67].

أهمية استشعار عظمة الله في حياة المسلم

استشعار عظمة الله -تعالى- يُولِّد في المسلم صفاتٍ عظيمة، نذكر منها ما يأتي:

  • يُعين استشعار عظمة الله -تعالى- المؤمن على العبادة والطاعة، والتواضع والخضوع لأوامر الله -تعالى-، وعدم الخوف من أحدٍ سوى الله -تعالى-، ويكون جريئاً في قول الحقّ، حتى ولو كلّفه حياته.
  • تعظيم حرمات الله -تعالى-، وإجلال أوامر الله -تعالى-.
  • تعظيم الذنب في نفس المؤمن، وعدم الاستهانة بالذنوب؛ بصغائرها وكبائرها، وعلانيتها وسريرتها.
  • الإكثار من محاسبة النفس، والرجوع إلى الله -تعالى-.

كيفية استشعار عظمة الله

  • التفكر في مخلوقات الله 

أمرنا الله -تعالى- بالتَّفكُّر، وإعمال العقل، وإدارة الفكر في عجيب صنع الله -تعالى-، وفي مخلوقاته وملكوته، وأمرنا أن ننظر في أنفسنا، وفيما حولنا من مخلوقاتٍ، كيف أن الباري أتقن صنعها؛ وذلك من أجل تقوية إيماننا به، وزيادة يقيننا به بأنَّه الخالق لكلّ شيءٍ، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ).

وقد نهانا الله -تعالى- عن التّفكُّر في ذاته؛ لأنّ العقل قاصرٌ، وهو أعجز من أن يُدرك حقيقته -سبحانه وتعالى-، ولكنّه دعانا إلى التفكُّر في عظائم خلقه؛ كالتفكُّر في أنفسنا، وفي السماوات والأرض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أُذِنَ لي أن أُحدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ ملائكةِ الله من حَمَلة العرش: إن ما بين ‌شَحمةِ ‌أذُنِه إلى عاتِقِه مَسيرةُ سبع مئةِ عام).

  • العلم بأسماء الله وصفاته

إنَّ العلم بالله -تعالى-، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة مدلولات هذه الأسماء والصفات، وفهم حقيقتها؛ يجعل في نفس المسلم عظمةً لله -تعالى- وتقديراً وخشيةً له، وتزرع في نفس المسلم محبَّة الله -تعالى-، وإنَّ الأرواح تحتاج إلى معرفة الله -تعالى- وترتاح إلى العلم به وتبتهج، ولا يتمّ ذلك إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته العليا.

فالعلاقة بين معرفة أسماء الله وصفاته وبين القرب منه علاقة طردية، فكلّما زادت المعرفة بأسماء الله وصفاته، كان المسلم أقرب إلى الله -تعالى- وأعلم به، وكلّما قلّ العلم بأسماء الله وصفاته، كان القرب منه أقلّ، فإنَّ الله -تعالى- يُنزِّل الناس منازلهم، فيُقرِّبهم منه، ويُبعدهم عنه؛ بحسب علمهم بأسماء الله وصفاته، فمن كان أعلم بصفات الله وأسمائه أنزله منزلة أعظم من غيره.

  • قراءة القرآن وتدبره

من قرأ كتاب الله -تعالى- وتدبَّر آياته، وتمعَّن فيه، وجد أنَّ هذا الكتاب يدلُّ على عظمة الله -تعالى-، قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فالقرآن الكريم أقصر الطرق وأقربها إلى معرفة الله -تعالى-.

وبالقرآن الكريم نعرف أسماء الله الحسنى، ونُدرك معناها، ونفهم صفات الله -تعالى-، ونُدرك حقيقتها، قال الإمام الآجري: “ومن تدبّر كلامه عرف الربّ -عزّ وجلّ- فاستغنى بلا مال، وعزّ بلا عشيرة، وأنس بما يستوحش منه غيره، وكان همّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها متى أتعظ بما أتلو؟ ولم يكن مراده متى أختم السورة؟ وإنّما مراده متى أعقل عن الله الخطاب؟”.

  • الاعتبار بأخبار السابقين

إنَّ من قصص القرآن العظيم، ومعرفة أخبار الأمم السابقة ما يزرع في نفس المسلم خشية الله -تعالى- ومهابته وتعظيمه والتقرُّب إليه؛ لأنَّ في قصص السابقين وفي أخبار العصور الماضية من العِظة والعبرة ما يردع العاصي، ويزجر الفاسد.

وفي هذه الأخبار ما يجعل المسلم يخاف على نفسه أن يُصيبه ما أصابهم من الهلاك والبلاء، ويعلم أنَّ سُنّة الله في خلقه أنّه يرحم من أطاعه، ويُعذب من عصاه، قال الله -تعالى-: (فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ)، وفي ذلك يقول الشنقيطي: “لأجل أن يتفكروا، ويُعمِلوا أفكارهم، فيتَّعِظوا بمَثلُات الله، وما أوقعه بالذين عصوه، في الزمن الماضي؛ لينزجروا وينكفُّوا”.

Related Posts

اترك رد