كيف تتخطى الفشل؟

يُعتبر الشعور بالفشل من أشدّ التجارب صعوبةً وقسوةً التي قد يواجهها الإنسان على مرّ حياته، إذ ينشأ هذا الإحساس المؤلم نتيجة لعجز الفرد عن بلوغ هدفٍ كان قد وضعه نصب عينيه وسعى جاهدًا لتحقيقه. ومع ذلك، من المهمّ التأكيد على أنّ الإخفاق في تحقيق غايةٍ مُحدّدة لا يُشكّل بأي حالٍ من الأحوال نهاية المطاف أو توقف مسيرة الحياة، بل على العكس تمامًا، يجب أن يُنظر إلى هذه التجربة على أنّها فرصةٌ ثمينةٌ لاكتساب الخبرات واستخلاص الدروس والعِبر القيّمة التي تُمهّد الطريق نحو النجاح في مُختلف جوانب الحياة.

فبالإضافة إلى ما يكتسبه الإنسان من تجارب ومهارات جديدة، فإنّه يحظى أيضًا بشرف المُحاولة مرارًا وتكرارًا، مرّةً تلو الأخرى، دون يأسٍ أو استسلام، حتّى يتمكّن في نهاية المطاف من تحقيق النجاح المنشود الذي يصبو إليه. فالإنسان الذي يتقاعس عن المُحاولة ويحجم عن خوض التجارب المُختلفة ولا يُقدِم على فعل أي شيءٍ يُذكر، هو في الواقع الشخص الوحيد الذي لا يملك أي نصيبٍ من الفشل، لأنّه ببساطة لم يُحاول أصلًا.

وممّا يزيد من تعقيد فهم معنى الفشل لدى الناس هو التسرّع في إصدار الأحكام على المواقف المُختلفة ووصفها بشكلٍ مُباشرٍ بأنّها فشل دون تمحيصٍ أو تدقيق. لذا، من الأفضل والأكثر إنصافًا أن يتمّ النظر إلى مفهوم الفشل من زاويةٍ أوسع نطاقًا وأكثر شمولية، بحيث يتجاوز النظرة الضيّقة والاختزالية.

إنّ فهم الموضوع بشكلٍ أعمق والخروج من دائرة الأحكام الجزئية التي يتمّ تعميمها بشكلٍ خاطئ على الصورة الكليّة يُساعد بشكلٍ كبيرٍ في فهم المعنى الحقيقي للفشل، ويُحفّز على العمل الجاد والمُثابرة والاجتهاد من أجل إنجاز المهام وتحقيق الأهداف، ممّا يُتيح بالتالي خلق فرصٍ جديدةٍ لنجاحاتٍ مُستقبليّةٍ مُحتملة. ممّا يدفعنا لطرح التساؤلات الهامّة: ما هو التعريف الدقيق للفشل؟ وما هي الأسباب والعوامل التي تُؤدّي إليه؟ وكيف يُمكن تخطّي هذه العقبة والوصول في نهاية المطاف إلى النجاح المأمول؟

في التعريف الكلاسيكي أو التقليدي لمفهوم الفشل، كان يُنظر إلى الإخفاق على أنه محض نتيجة للعجز الفردي أو الإهمال المُتعمَّد، وعدم الكفاءة أو القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة، إضافةً إلى اعتباره خطأً شخصياً يستوجب اللوم والعقاب والتأنيب، ممّا يُحمّل الفرد وزر الإخفاق كاملاً، ويُثبّط من عزيمته.

أمّا في التعريف الحديث والمُعاصر للفشل، فقد تغيّر هذا المنظور بشكل جذري ليأخذ شكلاً آخر أكثر إيجابية وشمولية، حيث يُنظر إلى الفشل على أنه نتيجة غير مُتوقَّعة أو غير مرغوبة، لكنّها في الوقت نفسه تُشكّل حافزاً قوياً يُحرّك الفرد نحو تحدٍّ مُستمرّ ومواصلة السعي.

كما تُعدّ دافعاً قوياً لمزيد من التجربة والمحاولة، وعدم الاستسلام لليأس، بل تُعتبر مرحلة انتقاليّة ضرورية وهامة على طريق تحقيق الأهداف المرجوة، وفرصة ذهبية جديدة لاكتساب خبرات أوفر ومعارف أعمق، وتعلّم دروس قيّمة من الأخطاء والتجارب السابقة، فالإخفاقات في الوقت الحالي، وضمن هذا التعريف الحديث، لم تعد تُشكّل نهاية المطاف، بل أصبحت مُؤذِنة ببدايات جديدة ونجاحات كبيرة مُحتملة في المُستقبل، حيث يُنظر إليها كجزء طبيعي من مسيرة التعلّم والتطوّر والنمو الشخصي والمهني.

هناك عدّة أسباب تؤدّي إلى الفشل، وهي كما يأتي:

  • عدم قدرة الفرد على فهم الآخرين، وعدم امتلاك المهارات المناسبة للتعامل والانسجام معهم.
  • طريقة التفكير السلبيّة، وردود الفعل السلبيّة تجاه ما تتمّ مواجهته في الحياة.
  • عدم مناسبة الظروف وطبيعة العمل لمستوى المهارات والقدرات.
  • فقدان التركيز.
  • اللامبالاة وعدم الالتزام.
  • التعلّق بالماضي وعدم القدرة على التعامل مع الواقع الحاضر، وعدم الرّغبة في إحداث تغيّرات جديدة.
  • عدم إعطاء الوقت الكافي لإنجاز الأهداف، وامتلاك عقليّة مختصرة تحاول اتّخاذ أقصر الطُّرق للإنجاز.
  • الاكتفاء بالموهبة والاعتماد الكليّ عليها، دون البحث عمّا يُعزّز هذه الموهبة ويُطوّرها.
  • الاعتماد على معلومات منقوصة أو غير كافية، واستخدامها لاتّخاذ القرارات.
  • غياب الأهداف، وعدم معرفة الشّخص ما يُريد، وإلامَ يسعى.

يمكن الاستفادة ممّا يأتي لتخطّي الفشل:

  • الإيمان بالله، وأنّ الفشل هو تمحيص واختبار منه؛ ليرى صبر الفرد والرّضا بقضاء الله الذي يحفّزه للعمل والبذل والمحاولة، والسعي لتخطّي مشاعر القلق وخيبة الأمل.
  • التّعامل بإيجابيّة، والقدرة على التحكم بالانفعالات؛ فعند التعامل بإيجابيّة، وضبط النفس والانفعالات تجاه ما تتمّ مواجهته من تجارب ومصاعب؛ يمنع ذلك الاستسلام للظروف، ويقوّي المناعة تجاه الفشل، ويفيد في استخلاص التجربة منه.
  • تفهّم الفشل دون جعله يستحوذ على التفكير المُسبّب للشعور باليأس، وتحويله إلى حافز للنجاحات، وملهم للتجارب الجديدة التي تكون نسبة الخطأ فيها قليلة.
  • عدم تحميل الآخرين أسباب الفشل وجعلهم شمّاعةً للركون إليها، وعدم تعليق أسباب الفشل على الآخرين، فهذا ممّا يجعل من الفشل تجربةً غير مفيدةٍ ولا مُلهِمةٍ، بينما يجب أن تكون حافزاً لمزيد من التجارب التي تحمل فرصاً للنجاح.
  • تحليل مُسبِّبات الفشل بشفافية، وتدارك هذه الأسباب في أيّ تجارب جديدة.

هناك العديد من القصص التي تتحدّث عن نجاحات كبيرة، تحقّقت نتيجةً لتجاوز الفشل، منها:

  • كتب هانس أندرسن قصّته الشهيرة البطّة القبيحة، وفي أحداث القصّة تمّت معاملة هذه البطه على أنّها فاشلة وأصبحت هي نفسها ترى نفسها كذلك، وكان سبب هذا كلّه عدم القدرة على فهم الاختلاف، والتعامل مع الأمور من منطلقات آنيّة ومُحدَّدة في وقت وسياق واحد، كذلك عدم قدرة هذه البطة على إظهار مهاراتها إلا بعد أن نظرت لانعكاسها في البحيرة صدفةً، ووجدت أنّها جميلة، واختلافها لا يجب أن يكون مدعاةً للركون للفشل.
  • مُدرِّس بيتهوفن الذي كان يعلّمه الموسيقى، أخبره يوماً أنّه ليست لديه موهبة وليس كُفئاً ليكون مؤلّفاً موسيقيّاً، لكنّه ثابر وعمل حتّى أصبح اسمه خالداً في التأليف الموسيقيّ.
  • يتحدّث بيل جيتس أحد أثرى أثرياء العالم عن العديد من التجارب الفاشلة والإخفاقات التي تحوّلت لاحقاً إلى إنجازات كبيرة في عالم الكمبيوتر؛ حيث ذهبت سنوات عديدة في محاولة إنشاء قاعدة للبيانات تُسمّى أوميغا باءت بالفشل؛ ولكن نتج عنها إنشاء أشهر قاعدة بيانات لاحقاً، كما تمّ استثمار الملايين وقضاء ساعات طويلة في مشروع لتشغيل مُشترَك مع شركة أخرى لم يتمّ استكماله، لكن نتج عنه لاحقاً أشهر نظام تشغيل، ويذكر أيضاً أنّ محاولة فاشلةً لإنشاء جدول إلكترونيّ لم تُحقق إلا تقدماً بسيطاً أسهمت في إنجاز برنامج رسوميّ إلكترونيّ مُتقدّم .
  • يتحدّث سويشيرو هوندا مؤسّس شركة هوندا موتور عن فشله، ونشأته في كنف عائلة فقيرة، وفاجعةٍ أصابته وهي موت عدد من أقاربه بسبب المجاعة، إضافةً إلى مواجهته العديد من العثرات، مثل: انفجار مصنعه، ثمّ دماره مجدداً بسبب زلزال، لكنّه صنع من الفشل والمصاعب منحةً أوصلته؛ ليُحقّق نجاحاتٍ كبيرةً.
  • في عام 2000م ظهر سبّاح من دولة غينيا يُدعى إريك موسامباني، وقد دخل إيريك عالم تدريبات رياضة السباحة قبل بداية الألعاب الأولمبية بتسعة شهور، وكان يُجري تدريباته في حوض للسباحة في فندق متواضع، وكان قد صرّح لأحد التلفزيونات أنّ كلّ ما يأمله هو الوصول إلى نهاية السباق الذي يُعدّ أطول مسافة سيقطعها إيريك في حياته، وفي أثناء السباق التمهيديّ الذي يُجرى لتحديد المؤهّلين سبَحَ إيرك وحده طيلة السباق، في حين لم يتأهّل السباحون الآخرون، وعلى الرغم من أنّ إريك قد استغرق ضعف الوقت الذي احتاجه صاحب أقصر رقم حينها، وهذا يُعدّ فشلاً كبيراً، إلا أنّه نجح في محاولته، حيث واصل السباق حتّى وصل إلى نهايته؛ ليكون حينها قد أنهى أطول سباق يخوضه في حياته، فهتف له الجمهور بصوت عالٍ لبلوغه نهاية السّباق.

اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية