القائمة إغلاق

كيف تعامل الرسول مع غير المسلمين

تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين هو نموذجٌ فريدٌ للتسامح والرحمة والعدل. فكيف تعامل النبي الكريم من اختلفت عنهم عقائدًا؟ وكيف أرسى دعائم التعايش السلمي في مجتمع متنوع؟ هذا ما سنستكشفه في هذا المقال، حيث نسلط الضوء على جوانب مختلفة من تعامل النبي مع غير المسلمين، مستندين إلى الأحاديث النبوية والسيرة النبوية.

لقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في تعامل المسلم مع غير المسلم ، وجاءت أحاديث كثيرة تبين عظم الذنب الذي يقترفه المسلم إذا تعدى على غير المسلم الذي يعيش معه فلهم الحرية في اعتناق ديانتهم ونظم الرسول صلى الله عليه وسلم علاقة المسلمين معهم في جميع الجهات.

تعامل الرسول بالعَفو والصفح مع غير المسلمين

أرادت امرأةٌ يهوديّةٌ قَتل الرسول- صلّى الله عليه وسلّم-؛ فأحضرت شاةً مسمومةً إليه، فأكل منها، ثمّ عَلِم النبيّ أنّها مسمومةٌ، فأحضروا المرأة إليه، واعترفت بذلك، فأراد الصحابة قتلها، إلّا أنّ النبيّ رفض، وعفا عنها.

يروي ذلك الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها، فَجِيءَ بهَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَهَا عن ذلكَ؟ فَقالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قالَ: ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ علَى ذَاكِ قالَ: أَوْ قالَ، عَلَيَّ قالَ قالوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَما زِلْتُ أَعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).

وقال في قومه حين أرسل الله إليه ملك الجبال مع جبريل؛ ليأمرَه الرسول بما يشاء: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).

تعامل الرسول بالبِرّ مع غير المسلمين

كانت علاقة النبيّ مع غير المسلمين في درجةٍ أعلى من السلام، والوئام، فقد وصلت إلى مرحلة البِرّ، وممّا يدلّ على ذلك بِرّه في تعامُله مع الخادم الذي كان غلاماً يهوديّاً، فعلى الرغم من أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يمثّل أعلى سُلطةٍ في المدينة المنورة، إلّا أنّه عادَه حين مَرِض، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم.

يروي ذلك الإمام البخاريّ قائلاً: (كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ).

كما كان يأمر المسلمين بالبِرِّ؛ وممّا يُروى في ذلك ما كان من زيارة والدة أسماء بنت أبي بكر لها، فأمرَ النبيّ أسماء بصِلة أمّها المشركة، كما لم يمنع الأمّ من دخول المدينة.

دعوة الرسول لأهل الديانات الأخرى

تعامل الرسول مع أهل الديانات الأخرى بصورةٍ حَسَنةٍ؛ فكان يأخذ طعاماً من يهوديٍّ، ويرهن درعه بالمقابل.

كما أبرم معهم المعاهدات، ولم يُجبِر أيّ أحدٍ منهم على الدخول في الإسلام، مع أنّه كان خائفاً على مصيرهم، وانحصرت دعوته لهم في معاملتهم بالتي هي أحسن، تاركاً لهم الحُرّية الكاملة في اختيار الدين والعقيدة؛ فلا إكراه فيه، قال الله -تعالى-: (فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر).

تعامل الرسول مع الرُّسُل والزعماء

اتّسم تعامل الرسول مع الزعماء بالرقيّ الدبلوماسيّ كما ظهر جليّاً في رسائله إلى الملوك والزُّعماء؛ فقد خصّ كلّاً منهم بالاحترام والتقدير، وخاطب كلّ زعيمٍ بوَصفه بصرف النظر عن مخالفتهم له.

فأرسل رسالةً إلى قيصر الروم يدعوه إلى الإسلام، ومُخاطباً إيّاه بأنّه عظيم الروم، وخاطب كسرى بأنّه عظيم الفرس، والمقوقس بعظيم القِبط، والنجاشيّ بعظيم الحبشة، ولم يتوقّف الأمر على ذلك، بل كان يُكرم الرُّسُل والوفود، ويُحسن استقبالهم وضيافتهم، ويُخصّص لهم المنازل.

وقد أوصى بمعاملتهم بالحُسنى، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ).

التعامُلات السياسية للرسول مع غير المسلمين

بعد هجرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وما تبع ذلك من إقامة الدولة الإسلامية فيها كان المسلمون أمام حقيقة واقعة، تتمثّل بالوجود اليهودي فيها، حيث القبائل اليهودية الثلاث المشهورة: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.

وقد كانوا حينها يُشكّلون قوةً اقتصادية ودينية لا يمكن إنكارها؛ فرأى النبيّ -عليه السلام- ضرورة تنظيم العلاقة مع الوجود اليهودي بما يكفلُ لهم حقوقهم، ويكشف لهم واجباتهم في دولة الإسلام الفتيّة؛ فظهرت “وثيقة المدينة” التي أبرمها النبي عليه السلام مع يهود بني عوف شاهدَ صدقٍ ودليلَ حقٍّ على سماحة الإسلام واعترافه بالآخر، بل ودعوته للتّعايش مع غير المسلمين على أسس واضحة، تحفظ حقوق الجميع مثلما تفرض عليهم واجبات.

وبناءً على ذلك قامت وثيقة المدينة على الأسس الآتية:

  • حرية العقيدة في الإسلام.
  • استقلال الذمة المالية.
  • التعاون في حماية الوطن حالة الحرب.
  • العدل التام.
  • المناصحة بالخير والتّعامل بالإحسان.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المعاهدة حدَّدت أسماء القبائل على اختلافها؛ لتُصبح ملزمةً للجميع، فذكرت يهود بني النجار، وبني الحارث، وبني ساعدة، وبني جُشم، وبني ثعلبة، وبني الأوس.

أمّا المعاهدات التي أُبرمتْ مع القبائل اليهودية الثلاث: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة فلا يُوجد نقلٌ ثابت الصّحة ببنودها التفصيلية، وإن كان الباحثون في السيرة النبوية يؤكّدون أنّها نفس البنود الواردة في وثيقة المدينة؛ لأنّ ما صحّ من شواهد التّعامل معهم يُشير إلى وجود هذه البنود في معاهداتهم.

تعامل الرسول اقتصاديّاً واجتماعيّاً وعِلميّاً مع غير المسلمين

تعامل رسول الله مع غير المسلمين في حياته في شتّى المناحي؛ فقد تعامل مع اليهود بالشراء، والبيع، وتهادى مع غير المسلمين، وقَبِل هدية المقوقس، وهديّة كسرى.

كما كان النبيّ عظيماً في تعامله مع جيرانه من المسلمين، وغيرهم، ومثال ذلك ما ورد سابقاً في قصّة زيارته للغلام اليهوديّ، إلى جانب أنّه أذن في تلقّي العلم عن غير المسلمين، والانتفاع به، كعلوم الطبّ، والزراعة، وغيرهما، وزارع يهود خيبر مقابل النصف من الناتج.

وصايا الرسول بأهل الذمّة والمعاهدين

تجدرُ الإشارة إلى أنّ المواقف المشرقة في تعامل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع أهل الذّمة، والتي سبق الإشارة إلى بعضها تنبعُ من الثابت الرّاسخ في الإسلام: أنّ الاختلاف بين عقائد البشر تُشكّلُ فرصةً للتّحاور وصولاً إلى كلمة سواء، بعيداً عن العنف والاعتداء دون وجه حقّ، ومن مُنطلق الفهم لسنّة الاختلاف بين البشر أباح الإسلام طعام وهدايا أهل الكتاب، وأحلَّ الزواج من نسائهم.

ولا يخفى ما عهد به النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران، أنَّ لهم جوار الله وذمَّة رسول الله على أموالهم وملَّتهم، وكان من سنّة النبيّ -عليه السلام- احترام مشهد جنائز موتاهم؛ ففي الحديث الصحيح: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا).

وقد أوصى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمُعاهدين، فقال: (ألَا مَن ظلَم مُعاهَدًا أو انتقَصه أو كلَّفه فوق طاقتِهِ أو أخَذ منه شيئًا بغَيرِ طِيبِ نَفْسٍ، فأنا حَجيجُهُ يومَ القِيامةِ).

ومن أعظم ما يُشار إليه في هذا الباب ما ثبت بالصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- توعّد من قتل مُعاهداً من أهل الذّمة وعيداً شديداً؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ورواه عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله قال: (مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا).

مبادئ الإسلام في التعامل مع غير المسلمين

الإسلام دين التسامح، وهو أساس العلاقة في التّعامل مع المسالمين من غير المسلمين، انطلاقاً من قول الله -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)؛ أي أنّ معاملتهم قائمةٌ على البِرّ، والقِسط، والحوار بالحُسنى.

كما أباح الإسلام الأكل من ذبائحهم، وإقامة علاقات المصاهرة معهم، إلى جانب وجوب حمايتهم من أيّ عُدوان أو ظلمٍ يقع عليهم وهم في عهدِ ذمّة مع المسلمين.

Related Posts

اترك رد