القلق هو شعور إنساني طبيعي تماماً. كلنا نشعر به قبل امتحان مهم، أو مقابلة عمل، أو عند مواجهة مشكلة ما. هذا النوع من القلق مفيد، فهو يحفزنا ويدفعنا للاستعداد. لكن، ماذا لو أصبح هذا الشعور ضيفاً ثقيلاً لا يغادر؟ ماذا لو تحول من مجرد قلق مؤقت إلى حالة من التوتر والخوف الدائم التي تسيطر على يومك وتفكيرك؟
هنا، ينتقل القلق من كونه شعوراً طبيعياً إلى حالة نفسية قد تحتاج إلى انتباه ورعاية. الكثير من الناس يعانون بصمت، معتقدين أن ما يشعرون به هو مجرد “إرهاق” أو “طبيعة شخصية”. في هذا المقال، سنستعرض العلامات التحذيرية التي يحددها الخبراء والمختصون النفسيون، والتي قد تشير إلى أنك تعاني من القلق النفسي.
الفرق بين القلق الطبيعي واضطراب القلق
قبل أن نستعرض العلامات، من المهم أن نعرف متى يصبح القلق مشكلة. المرجع الأساسي الذي يستخدمه الأطباء النفسيون حول العالم هو “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية” (DSM-5). وبناءً عليه، يمكن التفريق كالتالي:
- القلق الطبيعي: مرتبط بحدث معين، مؤقت، ولا يعطل حياتك بشكل كبير.
- اضطراب القلق: الشعور بالقلق يكون مفرطاً، مستمراً (لأسابيع أو أشهر)، ويؤثر سلباً على قدرتك على العمل، الدراسة، أو الحفاظ على علاقاتك الاجتماعية.
علامات القلق النفسي التي يجب أن تنتبه لها
القلق لا يظهر في العقل فقط، بل في الجسد والسلوك أيضاً. إليك أبرز العلامات مقسمة إلى ثلاث فئات:
1. العلامات النفسية والعاطفية
هذه هي الأعراض التي تدور في رأسك وقلبك، وهي غالباً ما تكون المحرك الأساسي للقلق.
- القلق المفرط (Overthinking): التفكير بشكل دائم في سيناريوهات سيئة، حتى في الأمور اليومية البسيطة. تجد نفسك تسأل “ماذا لو؟” بشكل مستمر، وتتوقع الأسوأ دائماً.
- الشعور بالخطر الوشيك: الإحساس بأن شيئاً سيئاً على وشك الحدوث دون وجود سبب حقيقي لهذا الشعور.
- صعوبة في التركيز: تشعر بأن عقلك مشتت أو “فارغ”. يصبح من الصعب عليك التركيز في مهمة واحدة، سواء في العمل أو حتى أثناء مشاهدة فيلم.
- التهيج ونفاد الصبر: تشعر بالانزعاج بسرعة من أبسط الأمور، وتفقد صبرك مع الآخرين بسهولة.
- الأرق وصعوبات النوم: إما أنك تجد صعوبة في الخلود إلى النوم لأن عقلك لا يتوقف عن التفكير، أو أنك تستيقظ بشكل متكرر أثناء الليل.
2. الأعراض الجسدية
الجسد والعقل مرتبطان بشكل وثيق. عندما يكون العقل في حالة تأهب دائم، فإن الجسد يستجيب لذلك.
- خفقان القلب وسرعة النبض: تشعر بأن قلبك يدق بسرعة وبقوة دون أن تكون قد قمت بمجهود بدني.
- ضيق أو سرعة في التنفس: الشعور بأنك لا تستطيع أخذ نفس عميق، أو أن أنفاسك أصبحت سريعة وقصيرة.
- التعرق والارتعاش: قد تتعرق فجأة أو تشعر برعشة في يديك أو أطرافك دون سبب واضح.
- مشاكل في الجهاز الهضمي: الشعور بآلام في المعدة، أو غثيان، أو إسهال. كثير من حالات القولون العصبي مرتبطة بالقلق. حيث أن مؤسسات صحية مثل NHS البريطانية تربط بشكل مباشر بين القلق وأعراض القولون العصبي.
- التوتر العضلي: الإحساس بشد وألم مستمر في العضلات، خاصة في منطقة الرقبة والكتفين والظهر.
- الصداع والدوخة: الصداع الناتج عن التوتر هو عرض شائع جداً للقلق المزمن.
3. التغيرات السلوكية
القلق يغير من تصرفاتك وطريقة تفاعلك مع العالم من حولك.
- تجنب المواقف الاجتماعية: تبدأ في تجنب الأماكن أو المناسبات التي تسبب لك القلق، مثل التجمعات العائلية، أو التحدث أمام الناس، أو حتى الذهاب إلى السوق.
- البحث الدائم عن الطمأنينة: الحاجة إلى سماع كلمات مطمئنة من الآخرين بشكل متكرر للتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
- التردد المفرط: تجد صعوبة بالغة في اتخاذ القرارات، حتى البسيطة منها، خوفاً من ارتكاب خطأ.
- العادات العصبية: قد تبدأ في ممارسة عادات مثل قضم الأظافر، أو النقر بالأصابع، أو هز الساقين بشكل لا إرادي.
ختاما
إذا وجدت أن العديد من هذه العلامات تنطبق عليك، وأنها تؤثر على جودة حياتك اليومية، فهذه ليست دعوة للخوف، بل هي دعوة للمعرفة واتخاذ خطوة نحو التحسن. الإثبات الأكبر على وجود مشكلة هو تأثيرها على حياتك.
التعرف على هذه الأعراض هو الخطوة الأولى والأهم. الخطوة التالية هي التحدث مع شخص تثق به، والأهم من ذلك هو استشارة متخصص، سواء كان طبيباً عاماً أو معالجاً نفسياً. القلق النفسي ليس علامة ضعف، بل هو حالة صحية قابلة للعلاج والتحكم بها. تذكر دائماً أن طلب المساعدة هو أقوى خطوة يمكنك ات
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.