كيف تعلمين طفلك حب القراءة والاستمتاع بها؟ كشفت دراسة علمية شاملة أجريت في جامعة أوهايو عن فارق مذهل في تطور اللغة لدى الأطفال الصغار. تبين أن الأطفال الذين يستمعون إلى خمسة كتب يوميًا بقراءة آبائهم يكتسبون مفردات لغوية تفوق بأكثر من مليون كلمة عن أقرانهم الذين لا يتعرضون للقراءة المنتظمة.
هذه الفجوة اللغوية الهائلة، التي تتراكم منذ الصغر، تلعب دوراً حاسماً في تطور مهارات القراءة والتفكير اللغوي بشكل عام. فالأطفال الذين يسمعون هذا الكم الهائل من الكلمات يكونون قد بنوا قاعدة لغوية صلبة تمكنهم من التعرف على الكلمات المكتوبة بسهولة أكبر عند بدء رحلتهم التعليمية، مما يساهم في تسريع وتيرة تعلمهم للقراءة وتحقيق نتائج أفضل في كافة المجالات الأكاديمية.
حتى القراءة اليومية لكتاب واحد فقط تحقق فارقاً كبيراً، حيث يكتسب الطفل حوالي 290 ألف كلمة إضافية بحلول سن الخامسة. يؤكد الباحثون أن هذا الاستثمار في القراءة المبكرة يعود بالنفع على الطفل على المدى الطويل، حيث يصبح أكثر استعدادًا للتعلم واكتساب المعرفة.
ولا تقتصر فوائد القراءة على الاستماع إلى القصص فحسب، بل إن تعليم الأطفال القراءة بأنفسهم يعزز من قدرتهم على الاستيعاب والفهم، ويوسع آفاقهم المعرفية. الأطفال القراء بشكل مستقل يحققون نتائج أفضل في الاختبارات، ويتمتعون بوعي أوسع بالعالم من حولهم.
الأهم من ذلك أن حب القراءة ليس مقتصراً على مرحلة عمرية معينة، بل يمكن تنميته وتشجيعه في جميع الأعمار. هناك العديد من الطرق البسيطة والممتعة لتحويل الطفل إلى قارئ نهم، مثل قراءة القصص بصوت عالٍ، وتخصيص وقت يومي للقراءة، وتوفير بيئة تشجع على القراءة في المنزل، وتشجيع الطفل على اختيار الكتب التي تثير اهتمامه.
فوائد القراءة وأهميتها لتنمية الطفل
تنمية التركيز
في عالمنا المعاصر الذي يغرق فيه الأطفال في بحر من المشتتات الرقمية، بدءًا من شاشات الهواتف الذكية وألعاب الفيديو ووصولاً إلى منصات التواصل الاجتماعي التي تستحوذ على انتباههم بلا هوادة، تبرز القراءة كمنارة توجههم نحو عالم آخر، عالم مليء بالخيال والمعرفة والتفكير العميق.
القراءة ليست مجرد هواية أو وسيلة للتسلية، بل هي استثمار في عقول أطفالنا ومستقبلهم. فبمجرد أن يغوص الطفل في عالم الكتب، يبدأ عقله في بناء روابط جديدة بين الأفكار، ويتعلم التركيز على التفاصيل الدقيقة، ويطور قدرته على الاستيعاب والتذكر. وبمرور الوقت، يصبح التركيز جزءًا لا يتجزأ من شخصيته، مما يساعده على التفوق في دراسته، وتحقيق أهدافه، والتأقلم مع متطلبات الحياة العصرية.
زيادة مفردات طفلك وإغناء لغته
تؤكد الدراسات العلمية بشكل قاطع على الأثر البالغ للقراءة في توسيع مدارك الطفل وتنمية لغته. فمن خلال الغوص في عالم الكتب، يستكشف الصغير عالماً واسعاً من المفردات والمعاني الجديدة، مما يؤدي إلى زيادة مخزونه اللغوي بشكل ملحوظ.
عند مقارنة الأطفال الذين يحرصون على القراءة بانتظام بأقرانهم الذين لا يفعلون ذلك، يتضح بوضوح تفوق القراء في ثراء لغتهم ومرونتها. فالطفل القارئ يصبح أكثر قدرة على التعبير عن أفكاره ومشاعره بدقة ووضوح، كما يكتسب مهارات التفكير النقدي والتحليلي اللازمة للتعلم والتطور في جميع مجالات الحياة.
اكتساب مرونة في التفكير والحلول
إن الغوص في عالم القصص والكتب يشجع الطفل على أن يكون مستكشفاً صغيراً لعوالم متعددة. فمع كل قصة يقرأها، يبدأ عقله النشط برحلة استكشافية ليحل الألغاز والمعضلات التي تواجه الشخصيات. هذه الرحلة الفكرية المستمرة تعزز لديه مرونة التفكير، وتدفعه إلى البحث عن حلول مبتكرة للمشكلات التي يواجهها.
فكل قصة هي بمثابة لغز جديد، وكل شخصية هي دليل يمكنه أن يسترشد به للوصول إلى الحل. وبمرور الوقت، يتعلم الطفل أن هناك دائماً أكثر من طريقة واحدة للنظر إلى الأمور، وأن الحلول قد تكون متنوعة ومبتكرة. وهكذا، يتحول القراءة من مجرد هواية إلى أداة قوية لتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لديه.
تقوية الذاكرة
عندما يقرأ طفلك، فإنه يقوم بتدريب ذاكرته على تكوين روابط قوية بين الكلمات والأفكار. كما أنه يتعلم كيفية تنظيم المعلومات وتصنيفها، مما يساعده على استرجاعها بسهولة في المستقبل. فالقراءة المنتظمة هي بمثابة تمرين يومي للعقل، يساعد على تحسين التركيز والانتباه، وتعزيز القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات.
بناء شخصية متفردة ومتألقة
إن القراءة هي بمثابة نافذة مفتوحة على عوالم شاسعة من المعرفة والخبرات، وهي البوصلة التي توجه الطفل نحو بناء شخصية متفردة ومتألقة. فكل كتاب يقرأه الطفل هو بمثابة لبنة جديدة تُضاف إلى صرح شخصيته المتنامي، حيث يستكشف أفكاراً جديدة، ويتعرف على ثقافات مختلفة، ويتعلم من تجارب الآخرين.
هذه المعرفة المتراكمة تدفع الطفل إلى التفكير النقدي، وتساعده على تشكيل هويته الخاصة، وتساهم في تطوير مهاراته الحياتية. فبمرور الوقت، يبدأ الطفل في بناء نظام قيمي خاص به، ويتعلم كيفية اتخاذ القرارات الصائبة، ويصبح قادراً على التكيف مع التغيرات والتحديات التي تواجهه في الحياة.
كيف تساعدين طفلك على حب القراءة؟
1- اقرئي لطفلك في سن مبكرة، وابدئي بالكتب التفاعلية
كما أن بإمكانك صنع طقوس خاصة أثناء القراءة، فعلى سبيل المثال، يمكنك الربط بين القراءة والحضن لينتقل الإحساس بالأمان إلى الطفل تلقائياً عند القراءة. عند شراء الكتب الأولى التي ستقرئينها لطفلك، احرصي أن تكون كتباً تفاعلية مصنوعة من الورق المقوى أو الأقمشة كي لا تتلف سريعاً، كما سينظر إليها الطفل على أنها إحدى ألعابه.
لا تقرئي لطفلك في وقت النوم فقط، ولكن احملي كتابه المفضل داخل حقيبتك لتقرئيه له أثناء التنزه، كذلك يمكنك تصفح الكتاب مع طفلك، وأنتِ تطعمينه. احرصي على مناقشة طفلك فيما تقرئينه، فتلك وسيلة جيدة لزيادة معدل ذكائه، وغرس حب القراءة لديه.
2- حددي موعداً ثابتاً للقراءة لتصبح عادة يومية
بإمكانك القراءة لطفلك في العديد من الأوقات كما ذكرنا، وعادة ما تتغير تلك الأوقات يومياً، ولكن اجعلي هناك وقتاً ثابتاً كل يوم للقراءة.
حددي وقت النوم لقراءة قصة جديدة، حتى وإن كان لم يمض على قراءة قصتكما السابقة أكثر من ساعة، فهذا لا يمنع قراءة قصة جديدة في الموعد المقدس يومياً وهو قبل النوم. بمرور الوقت، سيعتاد طفلك على القراءة في هذا الوقت، وسيخبرك بنفسه أنه قد حان وقت القراءة.
3- اصطحبي طفلك معك أثناء شراء الكتب
احرصي أثناء شراء الكتب الخاصة بطفلك أن تصحبيه معكِ، وتمنحيه فرصة الاختيار، كذلك في المنزل اجعليه يجلب لكِ الكتاب الذي ستقرئينه معه. عند شراء الكتب، قد تلاحظين أن اهتمام طفلك منصب على نوع معين من الكتب على سبيل المثال كتب الحيوانات، أو الكتب الخاصة بالفضاء، أو الكيمياء. فعليكِ إذن الاهتمام بشغفه وجلب الكتب التي يفضلها، وبهذا يتطور لديه حب القراءة.
4- لا ترغمي طفلك على تعلم القراءة
لا تجعلي الوقت المخصص للقراءة يتحول لمحاولة تعليم طفلك كيفية القراءة، فهدفكِ الآن ليس مساعدته على تعلم القراءة، وإنما تشجيعه على حب القراءة، فتعليمه القراءة قد ينهي متعة القراءة. هذا لا يمنع أن تقرئي صفحة من الكتاب، ثم تجعليه يقرأها مرة أخرى بنفسه، ومن تلقاء نفسه سيقرأ التي تليها إن أحس أن القراءة سهلة، ولكن لا ترغميه إن رفض. إذا أرغمت طفلك على تعلم القراءة، فسيشعر أنه غبي، وبالطبع لن يساعده ذلك.
ولكن، إذا لاحظتِ أن طفلك يواجه صعوبة في التعرف على الحروف، أو يخلط بين الحروف، أو لا يستطيع نطق الكلمات، أو يتعذر عليه التعرف على الكلمات التي رآها عدة مرات من قبل، فمن المحتمل أن يكون لديه مشكلة في التعلم مثل عسر القراءة، ويحتاج لاستشارة متخصص.
5- لا تتوقفي عن القراءة له بمجرد أن يتعلم القراءة
اقرئي لطفلك حتى بعد أن يتعلم القراءة بفرده، اقرئي له طالما يسمح لكِ بذلك مهما كان عمره. فالاستمرار في القراءة سيبقيكِ على تواصل دائم معه، كما سيفتح أمامكما الطريق للتحدث حول القيم، والأخلاق، واختلاف المفاهيم باستمرار. وقد يشتكي بعض الآباء من أن أطفالهم عندما يتمكنون من القراءة لا يستمرون في الاهتمام بالقراءة. من الطبيعي أن يمر معظم الأطفال بتلك المرحلة، ولكن يمكنكِ أن تجعليه يعبرها بأمان.
فالطفل في هذه المرحلة يستطيع قراءة القصص البسيطة، إلا أن خياله يتوق إلى القصص والكتب الأعمق قليلاً مع تعدد الشخصيات ووجود بعض المؤامرات البسيطة، إلا أن قراءتها تسبب له العدول عن القراءة بأكملها بسبب دخول بعض الألفاظ والمفاهيم الجديدة التي لا يعرفها، ولا يستطيع فهم معانيها وحده. هنا يأتي دوركِ في مواصلة القراءة معه، كي يظل مفتوناً بالكتب، وذلك حتى يصبح قارئاً ماهراً.
6- كوني قدوة حسنة لأطفالك
نعرف جميعاً أن الأطفال يقلدون الكبار، لذا إن كنتِ تريدين أن يحب طفلك القراءة، فأحبيها أولاً. حينما يراكِ الطفل ممسكة بكتاب تقرئينه، أو سمع صوتك تقرئين بصوت مرتفع، فسيذهب هو الآخر لإحضار كتابه ليقرأ مثلك. إذا تعلم طفلك القراءة، يمكنكِ جعل طفلكِ يقرأ لكِ، كما يمكن تخصيص وقت للأسرة يتناقلون الكتاب فيما بينهم ليقرأ كل منهم جزءاً.
7- قللي من استخدام التكنولوجيا
إن حاولتِ أن تخيري طفلكِ بين استخدام الحاسوب، أو جهازك اللوحي، أو حتى مشاهدة التلفاز، وبين القراءة، فحتماً سيختار أي شيء إلا القراءة. قد يكون الحد من استخدام الشاشة أو حظرها حتى يتم تأسيس الطفل جيداً، أهم شيء يمكنك القيام به لتشجيعه القراءة، وتمكينه من حبها.