القائمة إغلاق

كيف تكون صلاة المسافر؟

كيف تكون صلاة المسافر؟ يسّر الله تعالى على عباده المسافرين، فخفف عنهم أعباء الشريعة، ورخّص لهم في العديد من الأحكام الشرعية، ومن أبرز هذه التسهيلات ما يتعلق بطريقة الصلاة. فقد أباح الله للمسافر أن يقصر صلاته الرباعية، فيصليها ركعتين بدلاً من أربع، وذلك تخفيفًا عليه في أثناء سفره.

وبناءً على هذا التخفيف الرباني، فإنه يُشرع للمسافر أن يصلي صلوات الظهر والعصر والعشاء ركعتين فقط ما دام مسافرًا، أما صلاة المغرب فلا تقصر، فيصليها المسافر ثلاث ركعات كما يصليها المقيم في بلده، وكذلك صلاة الفجر تبقى على حالتها، فيصليها المسافر ركعتين كما هي في الحضر. وبهذه التسهيلات، يكون المسافر قد أدى فريضته كاملةً، مع مراعاة ظروف سفره، مما يدل على رحمة الله بعباده ويسره عليهم.

يسنّ للمسافر أيضا إضافة إلى تخفيف عبء الصلاة بالقصر، أن يجمع بين الصلوات المفروضة، وذلك لتيسير أموره أثناء السفر، فإذا اشتد به السير أو نزل في بلد أو مكان ما، جاز له أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، أو بين صلاتي المغرب والعشاء، وذلك في وقت إحدى الصلاتين، سواءً كان ذلك قبل دخول الوقت أو بعده، مع مراعاة الترتيب في الأداء.

بحيث يبدأ بصلاة الظهر ثم العصر عند جمعه بينهما، سواء أجمعهما تقديمًا أم تأخيراً، وكذلك يبدأ بصلاة المغرب ثم العشاء عند جمعه بينهما، سواء أجمعهما تقديمًا أم تأخيراً. وهذه المسألة من مسائل التيسير على المسافر، وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتخفف عنه أعباء السفر، وتيسر عليه أداء عباداته.

أما إذا كان المسافر قد نزل في مكان ما، فله الخيار في أن يجمع بين الصلوات جمع تقديم أو تأخير بحسب ما يراه مناسباً من مصلحة. أما إذا كان المسافر في حالة سير متواصل، فإن السنة أن يجمع بين صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم، أي في وقت صلاة المغرب، بشرط أن تكون الشمس قد غابت قبل بدء رحلته.

أما إذا بدأ رحلته قبل غروب الشمس، فيجوز له الجمع بينهما جمع تأخير، أي في وقت صلاة العشاء. وبالمثل، فإن كان المسافر قد زالت الشمس قبل أن يبدأ رحلته، فيجمع بين صلاة الظهر والعصر جمع تقديم، أي في وقت صلاة الظهر. أما إذا بدأ رحلته قبل زوال الشمس، فيجوز له الجمع بينهما جمع تأخير، أي في وقت صلاة العصر.

وهذه الأحكام الشرعية في جمع الصلوات للمسافر تهدف إلى تيسير أمره وتخفيف الحرج عليه، مع المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها المحددة قدر الإمكان.

إن من السنن المؤكدة التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها في سفره وحضره، صلاة ركعتي الفجر قبل الفريضة، وصلاة الوتر. فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يفوّت هاتين الصلاتين مهما كانت الظروف، حتى في أثناء أسفاره الطويلة.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي في السَّفَرِ علَى رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ به يُومِئُ إيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ، إلَّا الفَرَائِضَ ويُوتِرُ علَى رَاحِلَتِهِ)؛ وهذا الحديث الشريف يدل بوضوح على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الوتر، حتى في أثناء أسفاره.

أما بالنسبة للسنن الرواتب، وهي الركعات التي تصلى قبل الفريضة أو بعدها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام تركها في السفر تخفيفًا على المسافر. ودليلُ ذلك حديث ابن عمر أيضاً -رضي الله عنهما- قال: (صَحِبْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ).

أما صلاة التطوع، مثل صلاة الضحى، وصلاة قيام الليل، وصلاة التراويح، وغيرها، فتبقى مستحبة في السفر كما هي مستحبة في الحضر، حيث لا مانع من أدائها، بل هي من الأمور المستحبة التي تقرب العبد من ربه. وبذلك يتضح لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت متساهلة مع المسافر في بعض الأحكام، وتشجعه على أداء ما يستطيع من العبادات، مع مراعاة ظروف السفر ومتطلباته.

حكم قصر الصلاة في السفر

مشروعية قصر الصلاة الرباعية في السفر أمرٌ لا خلاف فيه بين أهل العلم، وقد دلَّت عليه الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع العلماء.

ففي القرآن الكريم، جاءت الآية الكريمة التي أباحت قصر الصلاة في السفر، حيث قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وهذه الآية الكريمة تشير بوضوح إلى جواز قصر الصلاة في حالة السفر، سواء كان ذلك خوفًا من الأعداء أم لا.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدي بهذه السنة في أسفاره كافة، سواء هو حاجٌ، ومعتمرٌ، وغازٍ محارب، مما يدل على عمومية حكم قصر الصلاة في السفر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ)، أي أن الله تعالى قد وهب للمسافرين هذه الرخصة، فليقبلوها بشكر. وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على قصر الصلاة في أسفارهم.

وقد أجمع المسلمون على جواز تقصير الصلوات الفريضة في أثناء السفر، وذلك تخفيفًا على المسافر وتيسيرًا عليه. وبناءً على هذا الإجماع، فإن العمل بهذه الرخصة يعد أفضل وأولى من تركها، بل إن بعض العلماء ذهب إلى كراهة إكمال الصلاة وعدم قصرها في حال السفر، وذلك اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين كانوا يداومون على قصر الصلاة في أسفارهم.

ومن الجدير بالذكر أن ما يُعتبر في حكم القصر هو مكان المسافر لا زمانه، فإذا نسي المسافر صلاة في بلده وتذكرها وهو في سفر، فإنه يقصرها، والعكس صحيح، فإن تذكر صلاة سفر وهو في بلده أتمها.

وكذلك إذا دخل وقت الصلاة وهو مسافر، فله أن يقصرها، وإن دخل وقت الصلاة وهو في بلده ثم سافر، فإنه يقصرها أيضًا، أما إذا دخل وقت الصلاة وهو مسافر ثم عاد إلى بلده، فعليه إتمام الصلاة ولا يجوز له قصرها.

ومشروعية قصر الصلاة في السفر أمرٌ ثابتٌ، سواء كان السفر واجباً كالحج والعمرة والجهاد، أو كان مستحباً كزيارة الأقارب، أو كان مباحاً كالسفر للتجارة أو النزهة. وقد اختلف الفقهاء في حكم قصر الصلاة، فهل هو واجب على المسافر أم هو رخصة يجوز له أخذها أو تركها؟

فذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة على المسافر، ورأوا أن فرض المسافر ركعتين فقط في كل ركعة من الصلوات المفروضة، ولا يجوز له زيادة على ذلك. بينما ذهب المالكية إلى أن قصر الصلاة سنة مؤكدة للمسافر، مستندين إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يرد عنه أنه أتم صلاة في سفر قط.

أما الشافعية والحنابلة فرأوا أن قصر الصلاة رخصة اختيارية للمسافر، بمعنى أنه يجوز له أن يقصر أو أن يتم الصلاة، مع تفضيل القصر لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قصر الصلاة في أسفاره.

وتنويع آراء العلماء في هذه المسألة يعكس عمق البحث والاجتهاد في فهم أحكام الشريعة، ولكل مذهب أدلته وبراهينه التي يستند إليها في رأيه.

حكم جمع الصلاة في السفر

جاء الإسلام بتشريعات مرنة تتناسب مع مختلف الظروف والأحوال، ومن بين هذه التسهيلات المشروعة جمع الصلاة في السفر والحضر عند وجود العذر الشرعي الذي يدعو إلى ذلك. فقد سمح الشرع الحنيف بجمع صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في وقت واحد، وذلك تيسيرًا على المسافرين وتخفيفًا عنهم لما يتعرضون له من مشاق السفر.

وهذا التخفيف من الله تعالى رحمة بعباده، وهو يحب أن يؤتى رخصه، كما أن في هذا الجمع اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ).

وقد اختلف الفقهاء في تحديد شروط جواز الجمع، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط في جواز الجمع أن يكون السفر طويلًا ومباحًا، أي غير سفر معصية أو سفر إلى مكان محرم، بينما يرى المالكية جواز الجمع بغض النظر عن طول المسافة، وذلك لعموم الأدلة التي تدل على مشروعية الجمع في السفر.

وتجدر الإشارة إلى وجود أربعةِ شروطٍ لصحَّة جمع التَّقديم وهي:

  • البدء بالصَّلاة الأولى (الظَُهر أو المغرب).
  • نيَّة الجمع؛ ويُفضّل أن تتمَّ في بداية الصَّلاة الأولى وتجوز إلى حين السَّلام من الصَّلاة الأولى.
  • الموالاة بين الصَّلاتين؛ أي عدم الفصل بينهما بزمنٍ طويل.
  • دوام السَّفر أثناء الصَّلاة الأولى كاملةً والبدء بالثَّانية أيضاً وهو مسافرٌ؛ فإن وصل إلى بلده قبل البدء بالثَّانية انتهى السَّفر ولم يعد الجمعُ جائزاً.

وأمَّا شروط الصِّحة لجمع التَّأخير فهي:

  • نيَّة الجمع في وقت الصَّلاة الأولى.
  • دوام السَّفر إلى تمام الصَّلاتين عند الشَّافعية، وعند الحنابلة إلى حين دخول وقت الثَّانية.

يجوز للمسلم أن يقصر صلاة الظهر والعصر والعشاء، فيصلي كلًا منها ركعتين بدلًا من عدد ركعاتها المعتاد في حال الإقامة. أما صلاتا المغرب والفجر فتبقيان على حالهما الأصلي، أي أربع ركعات للمغرب وركعتين للفجر. وقد جاء هذا التخفيف رحمة من الله تعالى بالمسافرين، مراعاة لظروف سفرهم وتعبهم.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اقتصر القصر على صلوات الظهر والعصر والعشاء دون صلاتي المغرب والفجر؟ الجواب يكمن في طبيعة كل صلاة من هذه الصلوات. فصلاة الفجر إذا قصرت يبقي من الصَّلاة ركعة واحدة، ولا يوجد في الشريعة صلاة فرضية بركعة واحدة.

أما صلاة المغرب فهي وتر النَّهار -كما رود في الحديث الشريف- الذي يختم به المسلم يومه، وهي سنة مؤكدة. فإذا قُصرت، زالت صفتها كوتر، ولأنَّ القصر هو سقوط نِصف الصَّلاة، وبعد سقوط نِصف صلاة الفجر والمغرب لا يَبقى نِصفٌ مشروع.

أما حكم الجمع بين الصلوات، فإنه يجوز في بعض الحالات الشرعية، والصلوات التي يجوز الجمع بينهما هي صلاتا الظهر والعصر، وصلاتا المغرب والعشاء.

ويتم الجمع بينهما بطريقتين: إما بالجمع تقديمًا، أي أداء الصلاتين معًا في وقت الصلاة الأولى، كأن يؤدي المسافر صلاة الظهر والعصر معًا في وقت الظهر، أو بالجمع تأخيرًا، أي أداء الصلاتين معًا في وقت الصلاة الثانية، كأن يؤدي المسافر صلاة المغرب والعشاء معًا في وقت العشاء. لكنّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يداوم عليه مثل قصر الصَّلاة.

Related Posts

اترك رد