كيف نحل مشكلة الكذب عند الأطفال؟

الكذب عند الأطفال، سلوك قد يثير قلق الوالدين والمربين على حد سواء، ليس مجرد تصرف عابر يجب تجاهله، بل هو مؤشر يستدعي الفهم والتعامل الحكيم. ففي رحلة النمو والتطور النفسي والاجتماعي للطفل، يمثل الصدق والأمانة ركيزتين أساسيتين لبناء شخصية سوية قادرة على التفاعل الإيجابي مع محيطها. بينما يُعد الكذب، في المقابل، سلوكًا مُعيقًا يُعيق بناء الثقة بالنفس وبالآخرين، ويُمكن أن يُؤدي إلى مشاكل اجتماعية ونفسية مُستقبلية إذا لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح.

إنّ فهم أسباب لجوء الطفل إلى الكذب يُعد الخطوة الأولى نحو إيجاد الحلول الفعّالة. فالأطفال لا يكذبون عبثًا، بل هناك دوافع مُختلفة تقف وراء هذا السلوك، منها الخوف من العقاب، أو الرغبة في لفت الانتباه، أو تقليد سلوك الكبار، أو حتى عدم القدرة على التمييز بين الخيال والواقع في مراحل عمرية مُبكرة. من هنا، يصبح من الضروري على الآباء والمربين التريث والتفكير مليًا قبل إصدار الأحكام أو اللجوء إلى العقاب، والتركيز بدلًا من ذلك على فهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك.

لا يقتصر تأثير الكذب على الطفل نفسه، بل يمتد ليشمل البيئة المحيطة به، من الأسرة إلى المدرسة والمجتمع ككل. ففي الأسرة، يُمكن أن يُؤدي الكذب إلى انعدام الثقة بين أفرادها، وفي المدرسة يُمكن أن يُؤثر على علاقات الطفل بزملائه ومُعلميه، أما في المجتمع، فيُمكن أن يُعيق اندماجه بشكل سليم. لذلك، يُعتبر التعامل مع مشكلة الكذب عند الأطفال مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، وتتطلب تضافر الجهود بين الأهل والمربين والمُختصين.

يجدر بنا الإشارة إلى أن الكذب لا يُعدّ سلوكًا طبيعيًا أو اعتياديًا ينمو مع الطفل بشكل تلقائي، بل هو في الواقع يُصنّف كانحراف سلوكي ينشأ نتيجة وجود خلل أو اضطراب ما في بيئة الطفل أو في تعامل المحيطين به معه.

فعلى سبيل المثال، قد يلجأ الأطفال إلى الكذب كوسيلة دفاعية إذا تعرضوا لعقوبات شديدة أو مبالغ فيها من قبل الأهل أو المربين، حيث يرون في الكذب مخرجًا أو وسيلة لتجنب هذه العقوبات وتفادي آثارها السلبية عليهم. هذا يعني أن البيئة القاسية أو العقاب الشديد قد يدفع الطفل إلى الكذب كآلية للتكيف مع هذه الظروف الصعبة.

الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرابعة أو لم يدخلوا مرحلة الروضة لا يُعتبرون كاذبين بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويعود ذلك لعدة عوامل متداخلة تُشكّل فهمهم وتعبيرهم عن الواقع. أحد الأسباب الرئيسية هو محدودية حصيلتهم اللغوية؛ فقاموس مفرداتهم لا يزال قيد التكوين والتطور، ممّا يجعل من الصعب عليهم صياغة أكاذيب مُحكمة البناء والتفاصيل، إذ يفتقرون إلى القدرة على حبك القصص الخيالية المعقدة التي تتطلب مخزونًا لغويًا واسعًا.

بالإضافة إلى ذلك، يجد الأطفال في هذه المرحلة العمرية صعوبة كبيرة في التمييز بين عالم الواقع وعالم الخيال؛ فهم يعيشون في عالم يمتزج فيه الحقيقي بالخيالي بشكل سلس، ممّا يدفعهم إلى الاعتقاد بأن جميع الحكايات والقصص التي يسمعونها أو يتخيلونها هي حقائق مُسلّم بها.

هذا التصور يُفسّر لنا بعض سلوكياتهم، مثل انتظارهم ظهور الجنيات لتحقيق أمنياتهم في منزل مصنوع من الشوكولاتة والحلوى، وهو تصوّر نابع من عيشهم في عالم القصص الخيالية. مثال آخر على هذا التداخل بين الواقع والخيال يتمثل في قيام الطفل بإجراء محادثة هاتفية خيالية مع صديقه، وهو يمسك بهاتف مُغلق تمامًا، وعند سؤاله عن سبب ارتفاع صوته أثناء هذه “المحادثة”، يُجيب ببراءة أن صديقه قد أثاره أو أغضبه، فهو يُجسّد الموقف في ذهنه وكأنه حقيقي.

علاوة على ذلك، فإن إدراك الأطفال للأمور في هذه المرحلة يكون مُشَوَّشًا وغير مكتمل؛ فهم يُفسّرون الأحداث والمواقف بطريقتهم الخاصة التي قد تختلف عن تفسير الكبار، فارتفاع الصوت، على سبيل المثال، قد يُعتبر بالنسبة لهم دليلًا على وقوع شجار أو مشاجرة، في حين أنه قد لا يكون كذلك في الواقع.

وعندما يروي الطفل الحكاية بناءً على هذا التصور، فإنه لا يُعتبر كاذبًا، بل هو يُعبّر عن فهمه الخاص للواقع، الذي يتشكّل من خلال مزيج من الخيال والتجربة المحدودة. باختصار، عالم الأطفال في هذه المرحلة العمرية يتميز بطابعه الخيالي الغامر، حيث تتداخل فيه عوالم الواقع والخيال بشكل كبير، ممّا يُفسّر سلوكياتهم وتعبيراتهم التي قد تبدو للكبار كذبًا، في حين أنها تعكس في الواقع طريقة تفكيرهم وإدراكهم للعالم من حولهم.

شدة العقاب:

عندما يتبع الأهل أساليب عقابية قاسية ومبالغ فيها، سواء كانت جسدية أو نفسية، فإنهم يخلقون بيئة من الخوف والرهبة في نفوس أبنائهم. هذا الخوف الشديد من ردة فعل الأهل ومن العقاب المتوقع يجعل الطفل أو المراهق يشعر بأنه مضطر للكذب كوسيلة دفاعية لحماية نفسه من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على أفعاله أو أقواله.

بمعنى آخر، يصبح الكذب هنا بمثابة آلية للبقاء بالنسبة للطفل في مواجهة سلطة الأهل العقابية، حيث يرى فيه المخرج الوحيد لتجنب الألم والمعاناة الناتجة عن العقاب الشديد.

كذب الوالدين أو أحدهما:

حيث يرسخ هذا السلوك في ذهن الطفل اعتقادًا بأن الكذب ليس بالأمر الخطير أو المستهجن، بل قد يُنظر إليه على أنه سلوك مقبول أو حتى عادي، مما يُفضي بدوره إلى تعويد الطفل على الكذب وممارسته بشكل مُتكرر.

إضافةً إلى ذلك، يُعتبر عدم التزام الوالدين بالوعود التي يقطعونها على أنفسهم أمام أطفالهم من العوامل الهامة التي تُساهم في تعليم الأطفال الكذب؛ فعندما يُخلف الوالدان وعودهما، فإنهما يُقدمان بذلك نموذجًا عمليًا للكذب أمام أطفالهم، ويصبحان بذلك أول من يُبادر إلى تعليمهم هذا السلوك السلبي، حيث يترسخ في ذهن الطفل أن عدم الالتزام بالكلمة أمر وارد ومقبول، وبالتالي يُصبح الكذب بالنسبة له خيارًا مُتاحًا.

الكذب لمجرد لفت الأنظار إليهم:

يلجأ بعض الأطفال إلى الكذب لجذب الانتباه واكتساب اهتمام المحيطين بهم، وخاصةً من قبل الأشخاص الذين يمثلون لهم عالمهم الخاص، كالأهل والأقارب. ففي حال شعر الطفل بالإهمال أو الانشغال عنه، سواءً كان ذلك بسبب ظروف معينة أو طبيعة الحياة، قد يدفعه ذلك إلى اختلاق القصص والحكايات الخيالية والمبالغ فيها بهدف إثارة دهشة الآخرين وجذب انتباههم.

يسعى الطفل من خلال هذا السلوك إلى تحويل أنظار من حوله إليه وإجبارهم على التوقف عما يفعلونه والإنصات إليه، ليشعر بأنه محور الاهتمام. كما أن هذا الفعل يعزز لديه إحساسًا بالإنجاز والتأثير، حيث يتمكن من خلال قصصه من صرف انتباه الآخرين عن أي شيء آخر وجعلهم مركزين عليه وحده، مما يمنحه شعورًا بأهميته وقيمته.

1- الكذب الخيالي

الكذب الخيالي، أو ما يُعرف أحيانًا بالكذب القصصي أو التخيلي، يُمثل نمطًا من السلوك اللفظي عند الأطفال يتميز بسرد أحداث وقصص لا تمت للواقع بِصلة، ولا تُعتبر هذه السلوكيات مُتعمدة بهدف الخداع أو التضليل، بل هي نتاج طبيعي لخيال الطفل الخصب والواسع الذي يدفعه إلى ابتكار عوالم وشخصيات وأحداث غير موجودة في الواقع. هذا النوع من الكذب لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه مشكلة سلوكية بالمعنى الحرفي، بل يُمكن اعتباره تعبيرًا عن قدرات الطفل الإبداعية الكامنة.

من هذا المنطلق، يكمن العلاج الأمثل لهذه الحالة في توجيه هذا الخيال الجامح بطريقة إيجابية وبناءة، فبدلًا من قمع هذه القصص الخيالية أو التعامل معها على أنها كذب مُتعمد، يُمكن توجيه طاقة الطفل الإبداعية نحو مسارات أكثر فائدة، كتشجيعه على كتابة القصص أو الرسم أو أي نشاط فني آخر يُمكن أن يُساهم في تنمية مهاراته وقدراته الإبداعية.

فمن خلال هذا التوجيه السليم، يُمكن تحويل ما يُعتبر كذبًا خياليًا إلى قوة إبداعية دافعة تُساهم في تكوين شخصية الطفل وتُساعده على التعبير عن نفسه بطرق مُبتكرة وفعّالة، ممّا قد يُساهم في جعله مُبدعًا في المستقبل.

2- الكذب الإلتباسي

يُعرف الكذب الالتباسي بأنه نوع من الكذب يتقارب مع الكذب الخيالي، ويُطلق عليه هذا الاسم تحديدًا نظرًا لحدوث التباس لدى الطفل بين ما هو حقيقي وواقعي وبين ما هو من نسج الخيال. بمعنى آخر، يختلط الأمر على الطفل فيُصبح غير قادر على التمييز بدقة بين ما تخيَّله أو سمعه في قصة خيالية وما حدث بالفعل في الواقع. ونتيجة لهذا الالتباس، قد يعتقد الطفل جازمًا بأن حدثًا خياليًّا هو في الواقع حقيقة لا تقبل الشك.

على سبيل المثال، قد يستمع الطفل إلى قصة خرافية ترويها له جدته التي تسكن في القرية، قصة تدور أحداثها حول ساقية قديمة مسكونة بالأشباح والكائنات الخيالية. في هذه الحالة، ونتيجةً لالتباس الأمر عليه، قد يقوم الطفل بنقل هذه الحكاية لأصدقائه في المدرسة أو الحي، واصفًا إياها وكأنها واقعة حقيقية حدثت بالفعل، دون أن يدرك أنها مجرد قصة من الخيال.

3- الكذب الغرضي

الكذب الغرضي، أو ما يُعرف بالكذب الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة أو هدف مُعيّن، يُعتبر من أنواع الكذب الشائعة لدى الأطفال، حيث يلجأ الطفل إلى اختلاق الأكاذيب وتزييف الحقائق كوسيلة لتحقيق رغباته أو الحصول على ما يصبو إليه من أغراض.

هذا النوع من الكذب غالبًا ما ينشأ نتيجة لافتقار الطفل إلى الشعور بالثقة في الأشخاص المحيطين به، سواء كانوا من أفراد أسرته كالأبوين أو الإخوة، أو من دائرة معارفه وأصدقائه. فعندما يفقد الطفل الثقة فيمن حوله، ويتأكد في قرارة نفسه أن مطالبه ورغباته لن تُلبى أو تُحقق إلا عن طريق الكذب والتضليل، فإنه يتبنى هذا السلوك كوسيلة وحيدة يراها مُجدية للوصول إلى أهدافه.

لذلك، يُعتبر بناء جو من الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء هو العلاج الأمثل والأساسي لهذه المشكلة، حيث يجب على الآباء العمل على تعزيز هذه الثقة من خلال الاستماع الجيد لأبنائهم وتلبية احتياجاتهم بشكل مناسب، بالإضافة إلى توفير بيئة آمنة وداعمة يشعر فيها الطفل بالاطمئنان والقدرة على التعبير عن نفسه بصدق دون خوف من العقاب أو الرفض، مما يجعله أقل عرضة للجوء إلى الكذب كوسيلة لتحقيق مآربه.

4- الكذب الادعائي

الكذب الادعائي، وهو نوع من الكذب يختلق فيه الطفل قصصًا وهمية لم تحدث في الواقع، مثل أن يدعي الطفل بأنه ساعد رجلًا عجوزًا في عبور الطريق بينما لم يقابل أي شخص على الإطلاق. هذا النوع من الكذب لا ينبع من نية خبيثة أو رغبة في إلحاق الضرر، بل هو وسيلة يلجأ إليها الطفل لجذب انتباه المحيطين به، وخاصة والديه، وتوكيد ذاته والشعور بأهميته.

فالطفل الذي يكذب ادعاءً يسعى إلى الحصول على اهتمام واستماع من حوله، ويعكس هذا السلوك في الغالب شعورًا داخليًا بالنقص أو عدم كفاية الاهتمام الموجّه إليه. لعلاج هذه المشكلة، من الضروري التركيز على تعزيز ثقة الطفل بنفسه بطرق بناءة أخرى غير الكذب.

يجب على الأهل والمربين الانتباه إلى الأسباب الكامنة وراء لجوء الطفل إلى هذا السلوك، ومحاولة فهم ما وراء شعوره بالنقص الذي يدفعه إلى اختلاق القصص. من أهم أساليب العلاج أيضًا مدح الخصال الحسنة والأفعال الجميلة التي يقوم بها الطفل فعلًا، وتوجيه الإطراء والتشجيع له على سلوكياته الإيجابية الحقيقية، مما يساعده على استعادة ثقته بنفسه وتلبية حاجته إلى التقدير والاهتمام بطرق صحية وواقعية، وبالتالي التخلي عن الكذب كوسيلة لجذب الانتباه.

5- الكذب الانتقامي

الكذب الانتقامي يُعدّ من أسوأ أنواع الكذب التي قد يلجأ إليها الطفل، حيث يدفعه هذا النوع إلى اختلاق الأكاذيب بهدف إيقاع الأذى والعقاب بشخص آخر، سواء كان صديقًا أو أخًا له. في هذه الحالة، يتحول الطفل إلى شخص مُؤْذٍ عن قصد، ساعيًا للإضرار بالآخرين من خلال أكاذيبه.

هناك عدة عوامل قد تُسهم في ظهور هذا السلوك، منها الأنانية المفرطة التي قد تدفع الطفل إلى تفضيل مصلحته على مصلحة الآخرين بأي ثمن، أو الشعور بالغيرة الشديدة من شخص آخر، ما يدفعه إلى محاولة الانتقام منه عبر الكذب. ولمعالجة هذه المشكلة، من الضروري جدًا أن يسعى الأهل دائمًا إلى تحقيق العدل والمساواة بين الأبناء، وتجنب تفضيل أحدهم على الآخر بأي شكل من الأشكال، لأن التمييز يُولد مشاعر سلبية قد تدفع الطفل إلى الكذب الانتقامي.

إضافةً إلى ذلك، من المهم أيضًا العمل على بناء ثقة الطفل بنفسه وتعزيز شعوره بقيمته، ما يُقلل حاجته إلى اللجوء إلى الكذب كوسيلة للتعبير عن غضبه أو غيرته أو لتحقيق أهداف أنانية. فالثقة بالنفس تُعزز لديه الشعور بالأمان والرضا، وتقلل من احتمالية لجوئه إلى سلوكيات سلبية كالكذب الانتقامي.

6- الكذب التقليدي

الكذب بالتقليد أو المحاكاة هو نوع من الكذب يكتسبه الطفل من خلال ملاحظة ومحاكاة سلوك الكذب لدى الأشخاص المحيطين به، خاصةً أفراد دائرته المقربة كالأهل أو الأقارب أو حتى الأصدقاء المقربين، فعندما يشاهد الطفل شخصًا بالغًا أو شخصًا يعتبره قدوة يكذب في مواقف معينة، يبدأ بشكل لا واعٍ بتقليد هذا السلوك واعتباره أمرًا طبيعيًا أو مقبولًا، خاصةً إذا لم يتم توجيهه أو تصحيح هذا المفهوم لديه.

وبالتالي يصبح الكذب سلوكًا مكتسبًا لديه نتيجة لهذه المحاكاة، وللوقاية من هذا النوع من الكذب وتجنب وقوع الأطفال في هذا السلوك السلبي، من الضروري جدًا أن ينتبه البالغون المحيطون بالأطفال لسلوكياتهم وتصرفاتهم وأقوالهم أمامهم، وأن يحرصوا على أن يكونوا قدوة حسنة لهم في الصدق والأمانة وتجنب الكذب في جميع المواقف.

فالأطفال يراقبون ويتعلمون من البالغين المحيطين بهم بشكل مستمر، وقد يؤدي أي سلوك سلبي يمارسه البالغون أمام الأطفال إلى تشويه قيمهم ومعتقداتهم بشكل غير مقصود، لذا يجب على البالغين أن يكونوا على وعي دائم بتأثير سلوكهم على الأطفال وأن يسعوا جاهدين لتقديم أفضل مثال لهم.

7- الكذب العنادي

الكذب العنادي هو نوع من الكذب يظهر عند الأطفال الذين يرفضون الاستماع إلى الآخرين أو الانصياع لأوامرهم ونصائحهم، حيث يتميز هؤلاء الأطفال برغبة قوية في معارضة وتحدي السلطة، سواء كانت سلطة الأهل أو المعلمين أو غيرهم من البالغين.

لعلاج هذه المشكلة، من الضروري البحث بعمق لفهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك العنادي، ومحاولة اكتشاف العوامل التي أدت بالطفل إلى هذه النزعة التمردية. يتطلب ذلك تحليلاً دقيقاً لبيئة الطفل وعلاقاته، بالإضافة إلى مراجعة أساليب التربية المتبعة. من المهم أيضاً التساؤل عما إذا كانت الأحكام والقواعد التي نضعها للأطفال عادلة ومنطقية، أم أنها قد تكون مجحفة أو قاسية بشكل يدفعهم إلى التمرد عليها كرد فعل طبيعي.

بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بالتحدث مع الطفل بهدوء ولطف، وشرح له بطريقة مبسطة وواضحة أن هذا الأسلوب في التعامل خاطئ وغير مقبول، مع توضيح العواقب السلبية التي قد تنجم عنه. من المهم أيضاً بناء علاقة ثقة واحترام متبادل مع الطفل، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره وآرائه بطريقة صحيحة ومناسبة.

8- الكذب الوقائي

الكذب الوقائي، أو ما يُعرف أيضًا بالكذب الدفاعي، هو نوع من الكذب يلجأ إليه الفرد لحماية نفسه من عقاب أو تبعات سلبية يتوقع حدوثها نتيجة فعل قام به، سواء كان هذا الفعل مقصودًا أو غير مقصود. مثال على ذلك، إذا قام طفل بكسر كوب عن طريق الخطأ وتلقى على إثر ذلك عقابًا جسديًا كالصفع، فإن ذاكرة الطفل تحتفظ بألم العقاب وتداعياته النفسية.

في المرة القادمة التي قد يتسبب فيها الطفل بكسر شيء ما، حتى لو كان ذلك أيضًا عن غير قصد، سيتولد لديه شعور تلقائي بالخوف من تكرار تجربة العقاب المؤلمة. هذا الخوف الشديد من العقوبة الوشيكة يدفعه إلى البحث عن وسيلة لتجنبها، فيجد في الكذب مخرجًا ووسيلة دفاعية.

بمعنى آخر، يلجأ الطفل إلى الكذب ليقي نفسه من العقاب المتوقع، الذي قد يكون جسديًا أو لفظيًا أو حتى نفسيًا كالتوبيخ الشديد أو الإهانة. هذا النوع من الكذب لا ينبع بالضرورة من نية خبيثة لدى الطفل، بل هو رد فعل طبيعي لمحاولة حماية الذات من الألم والعقاب.

ولعلاج هذه المشكلة وتجنب لجوء الأطفال للكذب الوقائي، من الضروري جدًا عدم المبالغة في عقابهم على الأخطاء التي يرتكبونها، وخاصةً تلك التي تكون غير مقصودة. من المهم أيضًا أن يُظهر الأهل تفهمًا لطبيعة هذه الأخطاء وأن يتجاوزوا عنها بروح من التسامح والمرونة، مع التركيز على توجيه الطفل وتعليمه كيفية تجنب تكرار الخطأ بدلًا من التركيز على العقاب.

فالعقاب المبالغ فيه يخلق بيئة من الخوف والقلق تدفع الطفل إلى الكذب كآلية دفاعية، بينما التسامح والتوجيه البناء يشجعان الطفل على الاعتراف بأخطائه والتعلم منها دون خوف من العقاب.

كل مشكلة يمكن علاجها، بل إن الوقاية دائمًا ممكنة، فالكذب لا يعد مشكلة إلا إذا تكرر من الطفل، ويجب علينا فهم دوافع الطفل لهذا السلوك المشين، فقد يرجع الأمر لخطأ في التربية، مثل المبالغة في العقاب مثلًا.

كما يجب أيضًا أن نجنِّب الطفل الظروف التي تُغْري بالكذب، بأن نبعدهم بعيدًا عنَّا فيضطرون للكذب من أجل جذب الانتباه فحسب، حينما نشرع في علاج المشكلة فيجب أن نبتعد عن القسوة في العقوبة، لأن القسوة لا تفعل شيئًا أكثر من تذكيره بألم العقاب حينما يهمّ بتكرار الفعل، لكن لا تجعله يقتنع بترك الفعل، فالوضوح هنا هو أهم خطوات حَلّ المشكلة.

تثبيت الكذب في وجدان الطفل كخطأ مُشِين لا يجب عليه الوقوع فيه، هو أهم العوامل، لأن الذي سيحركه حينها ضميره الداخلي لا الخوف من العصا، وذلك لأن الأطفال لن يظلو أمامنا وتحت سلطتنا دائمًا، سيخرجون الي المجتمع عما قريب، فيجب أن يخرجوا وهم يعرفون أن الوضوح، والحق، والصراحة، وعدم المراوغة _وهي أضداد الكذب_ سلوكيات عليه الابتعاد عنها من أجل نفسه.

من أهم الأمور التي تساعد علي طرد الكذب بعيدًا، هو أن يتم إشباع حاجات الطفل ما دمنا قادرين على إشباعها، وما دامت رغبات عادية وهي الحق في الحب والعناية والاهتمام به، وتوفير الرعاية الكافية.

  • الانصات الجيد للأطفال حيث تتوجه إليه بكل حواسك، فيشعر أن حديثه مهم ولا يضطر للكذب من أجل جذب الانتباه.
  • عدم وعد الطفل بأي شيء ما دام لا يمكننا تلبية الأمر لأن ذلك يعرضه للخذلان، ويلمس عدم الوفاء بالعهد من مصدر القيم الأول في حياته.

ويجب أن نتذكر دائمًا، أن ما يزرع في الطفولة يبقى، وأن الطفل حينما يكبر محتاجًا لشيء من الرعاية والحنان، يكبر احتياجه إليه بمرور الوقت أكثر.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية