ماذا يوجد في الفضاء

يبدأ ما يُعرف بالفضاء الشاسع على بُعدٍ يُقارب المئة كيلومتر (ستون ميلاً) فوق سطح كوكبنا، حيثُ تنعدم إمكانية التنفّس لغياب الهواء الضروري لهذه العملية، كما يختفي أيضًا تأثير الغلاف الجوي في تشتيت الضوء. في هذه المنطقة تحديدًا، يبدأ اللون الأزرق الذي نعهده في سمائنا بالتلاشي تدريجيًا ليحلّ محله سوادٌ دامسٌ، ويعود السبب في ذلك إلى انخفاض كثافة جزيئات الأكسجين بشكلٍ كبيرٍ، ممّا يجعلها غير قادرةٍ على إضفاء اللون الأزرق المألوف على السماء كما نشاهده من سطح الأرض.

يُعتبر الفضاء أيضًا بيئةً خاليةً تمامًا من أيّ وسطٍ ناقلٍ للصوت، حيثُ لا تستطيع الموجات الصوتية الانتشار والانتقال عبره، وذلك بسبب التباعد الشديد بين الجزيئات المكوّنة له، ممّا يمنعها من نقل هذه الموجات فيما بينها.

وعلى الرغم من أنّ الفضاء قد يبدو خاليًا وفارغًا للعين المُجرّدة، إلّا أنّ الدراسات والأبحاث العلميّة كشفت عن حقيقةٍ مُغايرةٍ تمامًا، حيثُ أظهرت وجود أشكالٍ مُتنوّعةٍ من الإشعاعات الكونيّة التي تنبعث من أعماقه، بالإضافة إلى وجود الغازات والغبار والعديد من العناصر الأخرى التي تسبح وتطفو في هذا الكون الفسيح، كما تتواجد أيضًا النجوم والكواكب والمجرات التي تتجمّع في المناطق الأكثر كثافةً وازدحامًا في الفضاء.

أمّا بالنسبة لحجم الكون، فهو لغزٌ لم يتمكن العلماء من حلّه بشكلٍ كاملٍ حتى الآن، وذلك لأنّ الكون في حالة توسّعٍ مُستمرٍ ودائمٍ، بالإضافة إلى أنّ التقنيات المُتاحة لدينا حاليًا لا تزال محدودةً للغاية مقارنةً بعظمة هذا الكون واتساع مسافاته الشاسعة، فعلى سبيل المثال، يقطع الضوء في سنةٍ واحدةٍ فقط مسافةً تُقدّر بحوالي 5.8 تريليون ميل، أي ما يُعادل 9.3 تريليون كيلومتر، وهي مسافةٌ هائلةٌ يصعب تصورها أو حتى محاولة قطعها باستخدام التقنيات المتوفرة على كوكب الأرض في الوقت الحالي.

المجرّات Galaxies

المجرّات

تُعتبر مجرّتنا، درب التبانة، جزءًا ضئيلاً من كونٍ شاسعٍ مليءٍ بما لا يُحصى من المجرّات الأخرى. ففي هذا الكون الفسيح، تُقدّر أعداد المجرّات بالمليارات، حيث وضع العلماء تقديراتٍ تشير إلى وجود ما لا يقل عن مئة مليار مجرّةٍ قابلةٍ للرصد في الكون المرئيّ لنا. هذه المجرّات ليست فراغاتٍ مظلمة، بل هي عبارة عن تجمّعاتٍ هائلةٍ من النجوم، حيث تحتضن كلّ مجرّةٍ منها أعدادًا لا تُحصى من النجوم المتلألئة، ممّا يجعل الكون أشبه بمحيطٍ هائلٍ من الجُزر السماويّة المضيئة.

النجوم Stars

النجوم

النجم، أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ “Star”، هو جرم سماويّ ضخم يتخذ شكل كرة مُضيئة تتألف بشكل أساسي من الغازات، حيث يُشكّل كل من الهيدروجين والهيليوم المكونات الرئيسية لهذه الأجرام السماوية. وتتميز النجوم بتماسكها الشديد بفضل قوة الجاذبية الذاتية الهائلة التي تجمع مكوناتها معًا.

وتلعب التفاعلات النووية الاندماجية التي تحدث في قلب النجم دورًا حاسمًا في الحفاظ على توازنه واستقراره، حيث تُقاوم هذه التفاعلات قوة الجاذبية الهائلة التي تُحاول ضغط النجم على نفسه. وينتج عن هذه التفاعلات النووية إطلاق كميات هائلة من الطاقة على شكل فوتونات، وهي الجسيمات التي تُشكّل الضوء، بالإضافة إلى الحرارة الشديدة.

كما تُساهم هذه التفاعلات أيضًا في تكوين كميات صغيرة من العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم، وهي عملية تُعرف بالتخليق النووي النجمي. ومن الجدير بالذكر أن الشمس تُعتبر أقرب نجم إلى كوكب الأرض، وهي المصدر الرئيسي للضوء والحرارة اللذين يدعمان الحياة على سطح كوكبنا.

الكواكب Planets

الكواكب

الكواكب هي أجرام سماوية رائعة، ويُقدّر عددها في مجرّتنا درب التبانة بأعداد تفوق بكثير عدد النجوم المتلألئة في سمائنا. من بين هذه الكواكب الهائلة، تمّ اكتشاف ودراسة عدد محدود منها، يبلغ تحديدًا ثمانية كواكب تشكّل نظامنا الشمسي، ومن بين هذه الكواكب الثمانية، يبرز كوكب الأرض الذي نعيش عليه، والذي يُعتبر موطنًا فريدًا للحياة كما نعرفها حتى الآن. يمكن تقسيمها إلى:

  • صخرية: وهي الأقرب للشمس عطارد، الزهرة، الأرض والمريخ.
  • الغازية العملاقة: المشتري وزحل.
  • عمالقة الجليد: أورانوس ونبتون.
  • خلف نبتون نجد بلوتو الذي انضم مؤخرًا لفئة الكواكب القزمة.

الكويكبات Asteroids

الكويكبات

تُعرف الكويكبات أيضًا باسم الكواكب الصغيرة، وهي عبارة عن بقايا صخرية فضائية خالية من الهواء، تشكلت في المراحل الأولى من نشأة نظامنا الشمسي، أي منذ حوالي 4.6 مليار سنة. تُعتبر هذه الأجسام الفضائية بمثابة أحافير من الماضي السحيق لنظامنا الشمسي، حيث تحتفظ بتركيبتها الأصلية منذ تكوينها.

يُقدّر عدد الكويكبات المعروفة حاليًا بحوالي 795,071 كويكبًا، وهي أعداد هائلة تُشير إلى وفرة هذه الأجسام في فضائنا. تتوزع معظم هذه الأنقاض الفضائية القديمة في منطقة محددة تُعرف باسم حزام الكويكبات الرئيسي، وهي تقع بين مداري كوكبي المريخ والمشتري، حيث تدور هذه الكويكبات حول الشمس في مدارات خاصة بها.

تتميز الكويكبات بأحجامها المتنوعة بشكل كبير، حيث تتراوح أقطارها من أحجام كبيرة تصل إلى حوالي 329 ميلًا (أي ما يعادل 530 كيلومترًا)، كما هو الحال مع بعض الكويكبات الكبيرة، وصولًا إلى أجسام صغيرة يقل عرضها عن 33 قدمًا (أي أقل من 10 أمتار). على الرغم من هذا العدد الكبير من الكويكبات، إلا أن الكتلة الإجمالية لجميع هذه الكويكبات الموجودة في نظامنا الشمسي تُعتبر أقل بكثير من كتلة كوكب الأرض، مما يُشير إلى أن معظمها يتكون من مواد ذات كثافة منخفضة نسبيًا أو أنها صغيرة الحجم بشكل فردي.

المذنبات Comets

المذنبات

تُعتبر المذنبات، التي تُعرف أيضًا باسم Comets، أجرامًا سماوية جليدية تتكوّن من مزيج فريد من الغازات المتجمدة والغبار الكوني والصخور الصلبة، حيث تدور هذه الأجسام في مدارات واسعة حول الشمس. تتميز المذنبات بأحجامها المتفاوتة، إذ قد يصل حجم بعضها إلى حجم بلدة صغيرة أو حتى مدينة بأكملها، مما يجعلها أجرامًا ضخمة بحق.

وعندما يقترب المذنب في دورانه من المنطقة الداخلية للنظام الشمسي، أي بالقرب من مدار الشمس، يتعرض لارتفاع كبير في درجة حرارته نتيجة للإشعاع الشمسي القوي. يؤدي هذا الارتفاع في درجة الحرارة إلى تبخر المواد المتجمدة المكوّنة للمذنب، مما يتسبب في انبعاث الغازات والغبار الكوني المحيط به، ليشكل ما يُعرف برأس المذنب العملاق، وهو عبارة عن هالة ضخمة من الغاز والغبار تُحيط بنواة المذنب الصلبة.

بالإضافة إلى ذلك، يتشكّل ذيل المذنب الشهير، الذي يمتد لمسافة هائلة بعيدًا عن الشمس، قد تصل إلى ملايين الأميال في بعض الأحيان، وذلك نتيجة لتأثير الرياح الشمسية التي تدفع جزيئات الغاز والغبار بعيدًا عن نواة المذنب. يُقدر العلماء وجود ملايين المذنبات التي تدور حول الشمس في مناطق مختلفة من النظام الشمسي، إلا أن عدد المذنبات التي تم اكتشافها وتحديدها بدقة حتى الآن يبلغ 3573 مذنبًا فقط، مما يشير إلى أن هناك الكثير مما لا يزال مجهولًا عن هذه الأجرام السماوية الرائعة.

الثقوب السوداء Black Holes

أول صورة حقيقية لثقب أسود

الثقوب السوداء، أو ما يُعرف باللغة الإنجليزية بـ “Black Holes”، هي مناطق في نسيج الفضاء تتميز بجاذبية فائقة الشدة، بل تكاد تكون جاذبيتها لانهائية، بحيث تجذب إليها كل ما يقع في نطاق تأثيرها، حتى الضوء، الذي يُعتبر أسرع شيء في الكون، لا يستطيع الإفلات من قبضتها الجاذبة.

هذا الأمر يجعل رؤية الثقوب السوداء بشكل مباشر مستحيلاً، لأنها لا تُصدر أي ضوء ينعكس أو يُرى. السر وراء هذه الكثافة الهائلة والجاذبية اللانهائية يكمن في انضغاط كميات هائلة من المادة، قد تكون بقايا نجم ميت على سبيل المثال، في حيز صغير للغاية، مما يُنتج تركيزًا غير مسبوق للكتلة في نقطة واحدة. تأتي الثقوب السوداء بأحجام متنوعة، تتراوح بين أحجام صغيرة جدًا وأحجام عملاقة.

يعتقد العلماء أن أصغر هذه الثقوب السوداء قد يكون بحجم ذرة واحدة فقط، إلا أنها تحمل في طياتها كتلة تعادل كتلة جبل بأكمله، بينما قد تصل أحجام الثقوب السوداء الأخرى إلى ملايين المرات ضعف حجم الشمس، مما يجعلها من بين أكثر الأجرام السماوية غرابة وإثارة للدهشة في الكون.

المادة والطاقة المظلمة Dark Matter and Energy

لقد كشفت الاكتشافات الحديثة في علم الكون عن تكوين الكون بشكل مذهل، حيث أظهرت أن الجزء الأكبر منه يتألف من مكونات غامضة تُعرف باسم المادة المظلمة والطاقة المظلمة. تشير التقديرات الحالية إلى أن الطاقة المظلمة تشكل ما يقرب من 68% من إجمالي محتوى الكون، وهي قوة غامضة يُعتقد أنها مسؤولة عن التوسع المتسارع للكون، هذا التوسع الذي تم رصده وإثباته بشكل متكرر.

أما المادة المظلمة، فتمثل حوالي 27% من الكون، وهي نوع من المادة الافتراضية التي لا تتفاعل مع الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر، مما يجعلها غير مرئية بشكل مباشر باستخدام التلسكوبات التقليدية. هذا يعني أننا لا نستطيع رؤيتها أو رصدها بشكل مباشر، لكن وجودها يُستدل عليه من خلال تأثيرها الجذبي على الأجسام المرئية، مثل النجوم والمجرات.

بالمقارنة مع هذه المكونات الغامضة، فإن المادة التي نعرفها وتشكل الكواكب والنجوم والمجرات التي نراها، بما في ذلك كل ما نعرفه على الأرض، تمثل نسبة ضئيلة جدًا لا تتجاوز 5% فقط من إجمالي محتوى الكون. هذا يوضح مدى ضآلة فهمنا للكون في الواقع، حيث أن أكثر من 95% منه يتكون من مكونات لا نفهم طبيعتها بشكل كامل حتى الآن. لا تزال المادة المظلمة والطاقة المظلمة لغزًا كبيرًا يحير العلماء والباحثين في جميع أنحاء العالم، ويُعتبر فهم طبيعتها من أهم التحديات في علم الكون والفيزياء الحديثة.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية