ما الفرق بين النبي والرسول؟ مع أمثلة واضحة من القرآن والسنة

كثيراً ما نسمع في قصص القرآن الكريم وسيرة الأطهار مصطلحي “النبي” و”الرسول”، وقد نستخدمهما أحياناً كأنهما يحملان نفس المعنى. ولكن في عقيدتنا الإسلامية، هناك فرق دقيق وجوهري بينهما، وفهم هذا الفرق يزيدنا يقيناً بعظمة حكمة الله في اختيار من يحملون رسالته إلى البشرية.

فمن هو النبي؟ ومن هو الرسول؟ وما هي العلاقة التي تربط بينهما؟ ولماذا ذكر الله المصطلحين معاً في كتابه الكريم؟

لفهم الفرق، يجب أن نعرف أولاً المعنى الاصطلاحي لكل منهما:

النبي:

هو رجل حر، أوحى الله إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه إلى قوم جدد. بمعنى آخر، النبي يتلقى وحياً من الله، لكن مهمته قد تكون العمل بهذا الوحي في نفسه، أو تذكير قومه وتعليمهم بشريعة رسول جاء قبله. هو يجدد رسالة سابقة ولا يأتي برسالة مستقلة جديدة.

الرسول:

هو رجل حر، أوحى الله إليه بشرع جديد، وأُمر بتبليغه إلى قوم لم تبلغهم هذه الرسالة من قبل، أو كانوا على شريعة سابقة تم تحريفها. فالرسول مهمته أوسع وأثقل؛ فهو لا يتلقى الوحي فقط، بل يُكلف بمهمة تبليغ شريعة جديدة ومواجهة قومه بها، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين.

هذه القاعدة هي مفتاح فهم الفرق. لنتأملها جيداً:

  • كل رسول هو نبي: لأن الرسول لا بد أن يكون قد تلقى وحياً من الله (وهذا هو تعريف النبي)، ثم أُضيفت له مهمة التبليغ. فالرسالة درجة أعلى من النبوة.
  • ليس كل نبي هو رسول: لأن النبي قد يتلقى وحياً ليعمل به أو يذكر قومه بشريعة سابقة، دون أن يُكلف بتبليغ شريعة جديدة ومستقلة.

إذن، يمكننا القول إن النبوة هي الأساس، والرسالة هي مهمة إضافية خاصة يكلف الله بها من يشاء من الأنبياء. لهذا السبب، منزلة الرسول أعلى من منزلة النبي، لأن أعباءه ومسؤولياته أكبر.

هذا التفريق ليس مجرد تحليل لغوي، بل هو قائم على أدلة واضحة من مصادر التشريع.

1. الدليل من القرآن الكريم: يقول الله تعالى في سورة الحج: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ…﴾ (الحج: 52) في هذه الآية الكريمة، استخدم الله حرف العطف “الواو” بين كلمة “رسول” وكلمة “نبي”. في اللغة العربية، العطف يقتضي المغايرة، أي أن المعطوف (نبي) يختلف عن المعطوف عليه (رسول). لو كانا بنفس المعنى، لما كان هناك حاجة لذكرهما معاً.

2. الدليل من السنة النبوية: في حديث أبي ذر الغفاري الطويل، سأل النبي صلى الله عليه وسلم: “كم عدد الأنبياء؟” قال: “مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً”. ثم سأل: “كم الرسل منهم؟” قال: “ثلاثمائة وثلاثة عشر، جمّاً غفيراً”. هذا الحديث دليل قاطع على أن الأنبياء عدد ضخم جداً، وأن الرسل هم فئة خاصة ومختارة من بينهم، وعددهم أقل بكثير.

الأمثلة هي أفضل طريقة لتوضيح الفكرة:

أمثلة على الرسل (الذين هم أنبياء أيضاً):

  • نوح عليه السلام: أُرسل بشريعة جديدة إلى قومه الذين عبدوا الأصنام لأول مرة.
  • موسى عليه السلام: أُرسل برسالة جديدة وشريعة عظيمة (التوراة) إلى بني إسرائيل وفرعون.
  • عيسى عليه السلام: أُرسل برسالة (الإنجيل) إلى بني إسرائيل.
  • محمد صلى الله عليه وسلم: خاتم الأنبياء والرسل، أُرسل بالرسالة الخاتمة (القرآن) إلى الناس كافة.

أمثلة على الأنبياء (الذين لم يكونوا رسلاً):

  • هارون عليه السلام: كان نبياً، لكنه لم يأتِ برسالة جديدة، بل كان وزيراً ومساعداً لأخيه الرسول موسى عليه السلام، يدعو معه إلى شريعة التوراة.
  • أنبياء بني إسرائيل: بعد موسى عليه السلام، جاء عدد كبير من الأنبياء (مثل يوشع بن نون، وصموئيل، وداود، وسليمان) كانت مهمتهم هي الحكم بشريعة التوراة وتذكير بني إسرائيل بها، ولم يأتوا بشرائع جديدة مستقلة.

في نهاية المطاف، سواء كان نبياً أم رسولاً، فكلاهما اصطفاه الله واختاره من بين خلقه ليحمل أمانة الوحي وهداية الناس. إنهم قادة البشرية، ومصابيح النور التي أضاءت طريق الإنسانية عبر العصور.

إن فهم الفرق بينهما يزيدنا إدراكاً لتنوع مهامهم وعظمة مسؤولياتهم. وواجبنا كمسلمين هو الإيمان بهم جميعاً، وتصديقهم، ومحبتهم، دون أن نفرق بين أحد منهم في أصل الإيمان بهم، مع إقرارنا بأن الرسل لهم منزلة خاصة وأعلى. قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية