تعددت زيجات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أثيرت حولها العديد من التساؤلات، فمنها ما كان لأسباب واضحة، ومنها ما لم يظهر له سبب جلي. وقد كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته أسبابًا ظاهرة، بينما لم يُذكر لبعضها الآخر سببًا واضحًا. ورغم هذا فقد كان لزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أزواجه حكم وأهداف متعددة، فلم يكن بدافع الشهوة، بل كان يهدف إلى تحقيق مصالح دينية واجتماعية وسياسية.
ولقد أدرك الباحثون أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أبعاد متعددة، فمنها ما كان يهدف إلى توثيق العلاقات مع القبائل المختلفة، ومنها ما كان يهدف إلى رعاية الأرامل والمحتاجات، ومنها ما كان يهدف إلى نشر الإسلام وتعليم النساء أمور الدين. وفي هذا المقال، سوف نسرد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته، مع إيراد إن كان هناك سببًا للزواج.
سبب زواج الرسول من خديجة بنت خويلد
خديجة بنت خويلد، سيدة نساء العالمين وأولى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت امرأة ذات حسب ونسب ومال، سمعت بأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه، فأرسلت إليه نفيسة بنت مُنْيَة لتستطلع أمره. سألته نفيسة عن سبب عزوفه عن الزواج، فأجابها بأنه لا يملك ما يتزوج به.
عرضت عليه الزواج بامرأة ذات شرف وكفاءة، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتم الزواج قبل البعثة بخمسة عشر عامًا. كان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها زواجًا مباركًا، فقد كانت له نعم الزوجة والرفيقة، وآمنت به وصدقته، وكانت أول من أسلم من النساء.
سبب زواج الرسول من سودة بنت زمعة
بعد وفاة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، شعرت الصحابية الجليلة خولة بنت حكيم، زوجة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، بحاجة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من يؤنسه في بيته. فذهبت إليه تعرض عليه الزواج، واقترحت عليه الزواج إما من ثيب أو بكر.
وعندما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأتين، ذكرت له سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي امرأة ثيب كانت قد آمنت به وصدقته، فطلب منها أن تذهب إليها وتسألها عن رغبتها في الزواج منه. ذهبت خولة إلى سودة وعرضت عليها الأمر، فوافقت سودة على الفور، ولكنها طلبت موافقة والدها. فذهبت خولة إلى والد سودة، وعرضت عليه طلب الرسول صلى الله عليه وسلم، فوافق والدها ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم ليتزوجها، فتم الزواج.
سبب زواج الرسول من عائشة بنت أبي بكر الصديق
كانت السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، الزوجة الوحيدة البكر التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء زواجه منها بوحي من الله، حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ثلاثة ليال متتالية قبل خطبته لها، أن عائشة ستكون زوجته.
ثم جاءت خولة بنت حكيم، زوجة عثمان بن مظعون، لتكون الواسطة في هذا الزواج المبارك، حيث اقترحت على الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من عائشة. وقد كان هذا الزواج له أهمية كبيرة في تاريخ الإسلام، حيث كانت عائشة رضي الله عنها من أكثر النساء علمًا وفقهاً، وروت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة.
سبب زواج الرسول من حفصة بنت عمر بن الخطاب
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في السنة الثالثة للهجرة، وذلك بعد انقضاء عدتها من زوجها خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه، الذي استشهد إثر جراحه التي أصيب بها في غزوة بدر. وبعد أن ترملت حفصة، سعى والدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتزويجها، فعرضها على عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي اعتذر عن الزواج في ذلك الوقت.
ثم عرضها على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لم يعطِ ردًا مباشرًا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ألح على أبي بكر في الأمر. وبعد مرور أيام، طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزوجه حفصة، فوافق عمر وزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبب زواج الرسول من زينب بنت خزيمة
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة في السنة الثالثة للهجرة، وكانت قبل ذلك زوجة لعبيدة بن الحارث، أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي استشهد في معركة بدر. وبعد استشهاده، تزوجت زينب بعبد الله بن جحش، وهو أيضًا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه استشهد في غزوة أحد.
وبعد استشهاده، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وقد عُرفت زينب بكرمها وعطفها على الفقراء والمحتاجين، حتى لُقبت بـ “أم المساكين”. لم تطل فترة زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث توفيت بعد عدة أشهر فقط، تاركةً وراءها ذكرى طيبة في قلوب المسلمين.
سبب زواج الرسول من أم سلمة بنت أبي أمية
في السنة الرابعة من الهجرة، وبعد انقضاء عدة وفاة زوجها أبي سلمة، تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم سلمة. كانت أم سلمة من السابقات إلى الإسلام، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهدت غزوة أحد.
وبعد وفاة زوجها، أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فوافقت على الزواج، وكان زواجه منها لحكم عظيمة، منها جبر خاطرها ورعاية أولادها، وكونها من السابقات إلى الإسلام، ومن أهل الفضل والصلاح، وقد كانت أم سلمة ذات رأي سديد وفضل كبير، وكانت من أحب زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه.
سبب زواج الرسول من جويرية بنت الحارث
كانت جويرية بنت الحارث من سبايا غزوة بني المصطلق، وبعد تقسيم السبايا، وقعت في سهم ثابت بن قيس. ذهبت جويرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابتها، أي في دفع المال المتفق عليه لتحريرها. رأت عائشة رضي الله عنها جويرية وأعجبت بجمالها، وخافت أن يعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على جويرية الزواج، فوافقت. تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتق المسلمون جميع أسرى بني المصطلق، قائلين: “أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وقد كان هذا الزواج سببا في إسلام قومها.
سبب زواج الرسول من زينب بنت جحش
كانت زينب بنت جحش، ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت عبد الله بن جحش، متزوجة من زيد بن حارثة رضي الله عنهما. عندما خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد، رفضت زينب بسبب فخرها بنسبها، فنزلت الآية التي تحث على طاعة الله ورسوله: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ”. فتزوجت زيدًا، لكنهما لم يتفقا، وكان زيد يشكو للرسول من حدة زينب وفخرها. فنصحه الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر، لكنهما انفصلا.
شاءت حكمة الله أن يكون زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب لإبطال عادة التبني الجاهلية، حيث كان المتبنى يعتبر ابناً حقيقياً، وزوجته محرمة على المتبني. كان الرسول يستحي من الزواج بزينب بعد طلاقها من زيد، فنزلت آيات تعاتبه، وتأمره بالزواج منها: “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ”.
بعد انتهاء عدة زينب، أرسل إليها الرسول زيدًا ليخطبها له، فأرادت الاستخارة، فنزلت الآية التي تأمره بالزواج منها: “فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا”. وهكذا تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب، وأبطل عادة التبني.
سبب زواج الرسول من أم حبيبة بنت أبي سفيان
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان في الحبشة، حيث كانت مهاجرة مع زوجها عبيد الله بن جحش، الذي تنصر ومات هناك. كان ذلك في السنة السادسة أو السابعة للهجرة. أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة ليخطبها له، فوافق النجاشي وزوجها لرسول لله، وأمهرها أربعمائة دينار من عنده.
ثم أرسل بها مع شرحبيل بن حسنة إلى المدينة المنورة، حيث استقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد كان أبوها أبو سفيان من أشد أعداء المسلمين في ذلك الوقت، وكان زواج الرسول منها له دلالة على قوة الإسلام وتأثيره، وعلى رغبته صلى الله عليه وسلم في تأليف القلوب، لا سيما مع خصومه، وقد كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها في الحبشة إكرامًا لها، وتثبيتًا لها بعد أن ارتد زوجها.
سبب زواج الرسول من ميمونة بنت الحارث
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها بعد وفاة زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه. كان ذلك بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء، وكانت أم سلمة امرأة ذات عقل ورأي، وقد هاجرت الهجرتين، وكانت من السابقات إلى الإسلام. وقد كانت وفاة زوجها مصيبة كبيرة لها، حيث ترك لها أيتامًا صغارًا. وقد تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ليخفف عنها مصابها، وليكفل لها أولادها.
سبب زواج الرسول من صفية بنت حيي بن أخطب
كانت صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها من سبايا غزوة خيبر، وهي ابنة سيد بني النضير. في بداية الأمر، وقعت صفية في سهم دحية الكلبي رضي الله عنه، فأخذها. لكن بعض الصحابة اعترضوا، وقالوا إنها سيدة بني النضير وقريظة، ولا تليق إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم دحية أن يتركها. عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام على صفية، فأسلمت وحسن إسلامها. فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها، وتزوجها. وقد كان في هذا الزواج تكريمًا لها وتعويضًا عن فقدها لأهلها، كما كان فيه تأليفًا لقلوب اليهود.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.