سورة التوبة، سورة الجهاد والكفاح، تحمل في طياتها أحكاماً شرعية مهمة تتعلق بالعلاقات بين المسلمين والكفار، وبين المسلمين أنفسهم. والبسملة، من جهة أخرى، هي الشعار الذي يفتتح به معظم سور القرآن الكريم، حاملة في طياتها أسماء الله الحسنى وصفاته العليا. فما السر وراء عدم وجود هذه البسملة في بداية سورة التوبة؟ هل هناك سبب خاص يجعل هذه السورة تستثنى من هذه القاعدة؟ في هذا المقال سنجيب على السؤال.
سورة التوبة
سورة التوبة، المعروفة أيضًا بسورة براءة، تحتل المرتبة التاسعة في ترتيب سور القرآن الكريم. وتعتبر من السور المدنية، أي أنها نزلت في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، باستثناء آيتين اثنتين هما الآية 128 والآية 129 اللتين نزلتا في مكة المكرمة قبل الهجرة. وتتألف السورة من 129 آية، وهي سورة فريدة من نوعها في القرآن الكريم لسببٍ وجيه، فهي السورة الوحيدة التي لا تبدأ بالبسملة الشريفة “بسم الله الرحمن الرحيم”، تلك الكلمات الطيبة التي تفتح بها معظم سور القرآن.
هذا الاستثناء يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الاختلاف، وقد قدم العلماء والباحثون تفسيرات مختلفة لهذا الأمر، منها ما يتعلق بطبيعة أحكام السورة وطبيعة العلاقة بين المسلمين والمشركين في ذلك الوقت.
ما أسباب عدم ذكر البسملة في سورة التوبة؟
من المتعارف عليه أن جميع سور القرآن الكريم تُفتتح بالبسملة الشريفة. إلا أن سورة التوبة تمثل استثناءً لهذه القاعدة، حيث لا تسبق آياتها بالبسملة. هذا الاتفاق لا يقتصر على قراء معينين، بل هو موقف مشترك بين جميع القراء العشرة. قال الإمام الشاطبي:
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً
لِتَنْزِيْلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلَا
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ فِي ابْتِدَائِكَ سُورَةً
سِوَاهاَ وَفي الأَجْزَاءِ خَيَّرَ مَنْ تَلَا
سنستعرض في هذا المقال مجموعة من الأسباب التي ذكرتها كتب التفسير لتوضيح سبب عدم ذكر البسملة في بداية سورة التوبة، حيث نقلت هذه الكتب روايات عن الصحابة تبين لنا هذه الأسباب، ومن أبرز هذه الروايات ما يلي:
- عدم مناسبة بداياتها لمحتوى البسملة
نظرًا لمضمون سورة التوبة الحازم والحاسم، والذي يركز على الجهاد والكفاح ضد الكفار، فإن وجود البسملة في بدايتها يعتبر غير مناسب. فالبسملة تحمل في طياتها معنى الرحمة والمودة، وهو ما يتناقض مع السياق العام للسورة. ففي رواية ضعَّفها أهل العلم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: “سألتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، لِمَ لَمْ تُكْتَبْ في بَراءةَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فقال: لأنَّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمانٌ، وبراءةُ أُنزِلَت بالسَّيفِ، ليسَ فيها أمانٌ”.
- احتمال أنها والأنفال سورة واحدة
وردت رواية ضعيفة عن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه، يروي فيها أنه سأل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن السبب وراء عدم كتابة البسملة بين سورتي الأنفال والتوبة. وقد أجاب عثمان رضي الله عنه بأن كتّاب الوحي كانوا ملتزمين بتنفيذ أوامر النبي صلى الله عليه وسلم حرفياً.
عندما كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعمد إلى توجيه الصحابة الكتّاب بوضع الآيات القرآنية في السور المناسبة لها، مع مراعاة المواضيع التي تتناولها كل سورة. فمثلاً، سورة الأنفال كانت من أوائل السور التي نزلت في المدينة المنورة، وسورة التوبة كانت من آخر ما نزل. ولأن هاتين السورتين تتشابهان في بعض المواضيع المتعلقة بالجهاد والمنافقين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضح صراحةً عند وفاته أن هاتين السورتين منفصلتان، فقد قرر الصحابة رضي الله عنهم، وعلى رأسهم عثمان بن عفان، أن يجمعوا بينهما في جزء واحد من المصحف الشريف. وحيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر البسملة بينهما، فقد قرروا عدم كتابتها، معتقدين أنها سورة واحدة.
- عدم ورود البسملة فيها في نسخ الصحابة للقرآن
اختلف الصحابة الكرام حول طبيعة سورة التوبة، فهل هي سورة مستقلة أم جزء من سورة الأنفال؟ وحرصًا على عدم إغفال أي رأي من الآراء، قرروا فصل السورتين ووضع البسملة في بداية سورة الأنفال فقط، وذلك احتياطًا لمن يرى أن السورتين منفصلتان.
روى أبو بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصيهم بكتابة البسملة في بداية كل سورة من القرآن الكريم. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أي أمر خاص بكتابة البسملة في سورة التوبة. لذا، لم يكتب الصحابة البسملة في بداية هذه السورة، اقتداءً بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم العامة بكتابة البسملة في بداية كل سورة.
وذكر ابن كثير في تفسيره أنَّ الصحابة لم يُثبتوا البسملة في بداية سورة التوبة في مصحف الإمام؛ أي المصحف الذي بقي عند عثمان بعد نسخ المصاحف، واقتداءً بسيدنا عثمان -رضي الله عنه-.
مقاصد سورة التوبة
لسورة التوبة مقاصد وأهداف كثيرة نذكر منها ما يأتي:
- بيان مُدّة العهود التي بين النبي- صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين.
- بيان أحكام الوفاء والنكث بالعهود.
- منع المشركين من دخول المسجد الحرام وحضور مناسك الحجّ.
- إعلان حالة الحرب على المشركين وعلى أهل الكتاب حتى يُعطوا الجزية.
- بيان حُرمة الأشهر الحرم.
- إبطال النسيئ الذي كانت يتعامل به أهل الشرك في الجاهلية.
- حثَّ المسلمين على الجهاد في سبيل الله -تعالى- وأن لايمنعهم عن ذلك التراخي إلى مُتع الدنيا الزائلة.
- بيان أنَّ كلمة الله هي العليا، وأنَّ الله ناصر نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
- ذكر التجهيز لغزوة تبوك.
- ذم المنافقين المتخلفين بلا عذر والحريصين على أخذ الصدقات رغم أنّهم ليسوا بمستحقِّيها.
- بيان صفات المنافقين بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، ونقضهم للعهود وسخريتهم بالضعفاء من المؤمنين.
- بيان حُرمة الاستغفار للمشركين، ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة على موتى المنافقين.
- وصف حال الأعراب حول المدينة.
- ذكر توبة الله -تعالى- على المتخلفين عن غزوة تبوك.
- بيان مصارف الزكاة.
- بيان امتنان الله -تعالى- على المسلمين بأن أرسل إليهم رسولاً منهم.