ما قصة صبر أيوب؟ وما هي العبرة من قصه النبي أيوب؟

اشتهر النبي أيوب عليه السلام، بصبره العظيم الذي أصبح مضربًا للأمثال بين الناس، حتى باتت عبارة “صبر أيوب” تُستخدم كمرادف للصبر المطلق، فيقولها البعض عند الحاجة إلى التحلي بالصبر في مواجهة الشدائد والمحن، ممّا يطرح تساؤلات حول قصة صبر هذا النبي الكريم وما تحمله من حِكمٍ وعِبر.

يُعتبر سيدنا أيوب، عليه السلام، نموذجًا فريدًا في الصبر والتسليم لقضاء الله وقدره، فقد أنعم الله عليه بنعيمٍ دام سبعين عامًا، عاشها في عزٍ وجاهٍ ورخاء، يمتلك خلالها الكثير من الخيرات والأرزاق والذرية الصالحة، إلّا أنّ الله تعالى ابتلاه بفقدان كل هذه النعم، حيث فقد ممتلكاته وأولاده في فترة وجيزة، ولم يتبقَ معه سوى زوجته الصالحة التي كانت نِعمَ السند والمعين له في محنته، فقد أحسنت صحبته ووقفت بجانبه تُخفّف عنه آلامه وتُعينه على تحمل ابتلائه.

ولم يقتصر البلاء على فقدان المال والولد، بل امتدّ ليشمل جسده، حيث أصابه مرضٌ شديدٌ أضناه وأنهكه، ولم يسلم من هذا المرض إلا قلبه ولسانه اللذان ظلّا يذكران الله ويسبّحانه، فلم يشكُ أيوب، عليه السلام، ولم يتذمّر أو يشكك في حكمة الله وقضائه لحظةً واحدة، بل ظلّ صابرًا محتسبًا راضيًا بقضاء الله.

واستمرّ مرضه لفترة طويلة، حيث تضاربت الروايات في تحديد مدة مرضه، فقيل إنها استمرت ثلاث سنوات، بينما ذكرت روايات أخرى أنها دامت ثمانية عشر عامًا، وخلال هذه الفترة العصيبة، اضطرت زوجته للعمل من أجل توفير لقمة العيش لها ولزوجها المريض، ولم تتكبر أو تتردد في قبول أي فرصة عمل شريفة، وكانت دائمًا ما تُذكّر زوجها قائلةً: “لقد عشت سبعين سنة في نعيمٍ وصحةٍ ورخاء، أفلا نصبر من أجل الله سبعين سنة؟”، فكانت بذلك نِعمَ الزوجة الصابرة المحتسبة.

وظلّ سيدنا أيوب، عليه السلام، صابرًا على بلائه، مُدركًا أنّ الله تعالى يبتلي عبده المؤمن ليختبر صبره وإيمانه وليعلي منزلته عنده، حتى علم بما كانت تُكابده زوجته من مصاعب ومشاق في سبيل إعالته، حيث تراكمت عليها الديون نتيجةً لظروفهما الصعبة، عندها تضرّع أيوب، عليه السلام، إلى ربه، وسأله بقلبٍ خاشعٍ أن يكشف عنه الضر والبلوى ويرفع عنه هذا الابتلاء، فاستجاب الله لدعائه وكشف عنه كربه ورحمته وعافاه مما كان فيه.

وذكر ذلك في القرآن الكريم في سورة ص؛ قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّاب).

يعتبر النبيّ أيوب عليه الصلاة والسلام أحد الأنبياء المرسلين لهداية البشرية، وذلك حسب ما ورد في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”.

لقد ابتُليَ النبي أيوب عليه السلام بسلسلةٍ من الاختبارات الصعبة والمحن الشديدة التي طالت جميع جوانب حياته، حيث بدأت هذه الابتلاءات بفقدانه لكل ما يملك من خيراتٍ ونعمٍ، فشمل ذلك جميع ممتلكاته من الأنعام والإبل والأراضي الزراعية الخصبة التي كانت تُدرُّ عليه رزقًا وفيرًا، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل زاد الأمرُ صعوبةً بفقدان النبي أيوب لبصره، وانتشار الأمراض والأسقام في جسده وقلبه، ممّا أثقل كاهله وزاد من معاناته.

إلا أن النبي أيوب عليه السلام واجه كل هذه المصائب والمحن بصبرٍ وثباتٍ عظيمين، ولم يلجأ إلا إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع، راجيًا منه كشف الهم والغم الذي ألمَّ به، وظلَّ على هذا الحال من الصبر والدعاء لفترةٍ طويلةٍ، يُضرب بصبره المثل بين الناس، وبعد هذا الصبر الطويل والثبات العظيم، منّ الله عز وجل على نبيه أيوب وكافأه على صبره، فأنعم عليه بعظيم فضله، وأعاده إلى ما كان عليه من صحةٍ وعافيةٍ، ومنحه مالًا كثيرًا ورزقًا واسعًا، جزاءً لصبره وإيمانه.

وقد ذكر الله تعالى صبر النبي أيوب في القرآن الكريم في مواضع عديدة، واصفًا إياه بالنبي الصابر والأوّاب، ممّا يدل على مكانته العظيمة عند الله، ويُعتبر قدوةً للمؤمنين في الصبر على البلاء، وتأتي الآية الكريمة التي تنص على قوله تعالى: ”ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”، في سياق اشتداد البلاء على النبي أيوب عليه السلام.

ووصول الأمر إلى رؤية زوجته وهي تخدم الناس لتوفير قوت يومها وقوت زوجها، فحينها تضرّع النبي أيوب إلى ربه وتوسّل إليه، سائلًا إياه الرحمة وكشف الضر عنه، فاستجاب الله لدعائه وأمره بضرب الأرض بقدمه، فانفجرت عين ماءٍ بإذن الله، وأمره الله بالاغتسال والشرب منها، فشفاه الله من كل مرض وسقم، وعاد إليه ما فقده من صحة وعافية.

الأنبياء قدوة لنا, وقد أمرنا بأن نقتدي بهم حتى نستطيع أن نعايش مختلف ظروف الحياة ,فالصبر الذي أبداه سيدنا أيوب في مواجهة اعظم الأبتلاءات هو درس قيم لنا ومنه نتعلم الكثير, فالبلاء مهما طال سيعقبه الفرج, والعسر يليه يسر ويسر.

وقد ذُكِر النبي أيوب (عليه السلام) في القرآن الكريم أربع مرات، وقد كان مثال المؤمن المنكوب الذي ظلّ صبورًا ومخلصًا لربه. قبل مرضه، كان النبي أيوب رجلًا ثريًا للغاية وامتلك كنوزًا من الذهب والفضة، وأراضٍ ومزارع وماشية، وكان متزوجًا ولديه العديد من الأطفال. أصاب المرض النبي أيوب عندما بلغ السبعين من عمره، وقد كان شديدًا لدرجة أنه لم يكن جزء من جسمه خالٍ من المرض باستثناء قلبه ولسانه، وفقد عائلته، أولاده جميعهم باستثناء زوجته.

لم يندب عليه الصلاة والسلام، ولم يغضب أو يرفض المصير الذي كتبه الله له، على الرغم من أن مرضه استمرّ طويلًا، فبعض المصادر تقول أنه استمر ثلاث سنوات، وأخرى سبعة والبعض الآخر يقول ثمانية عشر عامًا. بغض النظر عن العدد الدقيق للسنوات، فقد تحمّل النبي وصبرَ واستخدمَ قلبه ولسانه في الدعاء إلى الله.

فيعلم الأنبياء والمؤمنون أن الله يختبر صبر العباد بالمِحن، ولا يجب أن يُنظر إلى المصائب على أنها كارثة؛ بل اختبار وعلامة أن الله يحبه، فكما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه”. كلاهما صبر؛ النبي وزوجته، فقد اعتنت زوجته به بمفردها، وعملت كي تكسب الرزق لإطعامه، وعندما كانت تسأله لما لا يتضرع إلى الله ليخلصه من مرضه، فيجيبها: “عشت سبعين سنة في رخاء وصحة، فلماذا لا أصبر من أجل الله سبعين سنة”.

عندما علم النبي أيوب الخسائر التي لحقت بزوجته وديونها، فرفع يديه وتضرّع إلى الله قائلًا، وقد سطّر القرآن الكريم دعائه في الآية التالية: “وَأيُّوبَ إِذْ نادَىٰ رَبَّهُ أنِّي مَسَّنيَ الضُّرُّ وأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمينَ” سورة الأ،بياء الآية 83. فاستجاب الله سبحانه دعوته وشُفي النبي وأعاد الله الشباب لزوجته.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية