إنّ الخشوع في الصلاة لا يتوقف نفعه عند الصلاة فقط وتحقيق مغفرة الذنوب والخطايا، بل يتعدى نفعه إلى الفردوس الأعلى، وذكر الله فضل عباده المؤمنين، وأنّ الخاشعين لهم مكانة خاصة، فقد قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وخص عباده الخاشعين بهذا الفلاح، وثمرات الخشوع ليست آخروية فقط بل يتعدى نفعها إلى الدنيا أيضاً، وكان الخشوع هو المنهج العملي الذي كان يتبعه الحبيب المصطفى إذا أهمه أمر، حيث إنّه كان يفزع إلى الصلاة، فعن حذيفة بن اليمان أنّه قال: “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى”.
تعريف الخشوع في الصلاة
لعظم قيمة الخشوع في الصلاة كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يتعوذ من قلب لا يخشع، حيث إنه ذم غير الخاشعين، وما ذاق الناس مر الشقاء إلّا بالإعراض عن الخشوع؛ ولأنّ الكثير قد يغفل عن معنى الخشوع وجب التطرق لمعناه، وفيما يأتي بيان تعريف الخشوع في الصلاة:
- الخشوع لغة: قال ابن فارس: خشع: الخاء، الشين، العين أصل واحد تدل على التّطامن، يُقال خشع إذا تطامن وطأطا رأسه، ويخشع خشوعاً، وقيل معناه: الانخفاض، والسكون، والطمأنينة، والتذلل، والخضوع، ويكون الخضوع في البدن والخشوع يكون في القلب والبدن والبصر والصوت، كما قال تعالى: {خاشعةٌ أبصارهم}، وقوله: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}.
- الخشوع اصطلاحًا: قيام القلب بين يدي الربّ بالخضوع والذل، وقيل: تذلل القلوب لعلام الغيوب، وبالمختصر هو هيئةٌ في النفس، يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع وهناك فوائد للخشوع في الصلاة.
أنواع الخشوع
بعد ذكر تعريف الخشوع في الصلاة فإن الخشوع من أفعال القلوب، وإذا خشع الصوت أو خشع الوجه أو البصر، فإنّما يكون ذلك من خشوع القلب، ويتسق البيان القرآني في استعماله للخشوع، فكل خشوع في القرآن إنما هو لله تعالى: كقوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}، وقوله: {وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ}، وفيما يأتي بيان أنواع الخشوع بعد أن تم بيان تعريف الخشوع في الصلاة:
- خشوع مذموم: وهو خشوع مزيّف وهو خشوع النفاق، وهو خشوع الظاهر دون مواطئة الباطن، وأن يكون ذلك على سبيل النظر إلى الخلق، وتصنع الخشوع من أجل تحصيل محمدتهم، وقد كان جماعة من السلف يستعيذون من هذا النوع من الخشوع؛ وهو خشوع النفاق، وكان بعضهم يقول: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ فقال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع، وكان الفضيل بن عياض رحمه الله وهو من كبار الخاشعين يقول: “كان يكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه”، وذلك يعني أن يُظهر في ظاهره أعظم مما قام في باطنه وهو تكلف الخشوع، وقد ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه رأى رجلاً طاطأ رقبته في الصلاة، فقال: يا صاحب الرقبة! ارفع رقبتك، ليس في الرقاب إنّما الخشوع في القلوب، ولما ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنواع البكاء في كتابه زاد المعاد قال: “والثامن: بكاء النفاق، وهو أن تدمع العين والقلب قاس، فيظهر صاحبه الخشوع، وهو من أقسى الناس قلبياً، وقد رأى بعضهم رجلاً خاشع المنكبين والبدن فقال: يا فلان الخشوع ها هنا!! وأشار إلى قلبه، لا ها هنا وأشار إلى منكبيه”.
- خشوع محمود: حيث قال ابن القيم: محله القلب، وثمرته على الجوارح وهي تُظهره، فإذا خشع القلب تبعته الجوارح والأعضاء، لأنّه ملكها وهي تابعة له.
دعاء الخشوع في الصلاة من السنة النبوية
لم يرد دعاء للخشوع في الصلاة بحد ذاته في السنة النبوية، وإنّما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُلهمه الرشد والإتقان في أمره كله، ومن ذلك:
- (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا).
- (اللَّهُمَّ قِنِي شرَّ نفسي واعزِمْ لي على أرشَدِ أمري اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما أسرَرْتُ وما أعلَنْتُ وما أخطَأْتُ وما عمَدْتُ وما جهِلْتُ).
- (اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الثباتَ في الأمرِ والعزيمةَ على الرُّشْدِ وأسألُكَ شُكْرَ نعمتِكَ وحُسْنَ عبادتِكَ وأسألُك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأسألُكَ من خيرِ ما تَعْلَمُ وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلمُ وأستغفرُك لما تعلمُ).