ما هو الدستور؟ سؤال يطرحه الكثيرون، فالدستور هو العقد الاجتماعي الأساسي الذي يربط بين الحاكم والمحكوم. إنه الإطار القانوني الأعلى الذي ينظم شؤون الدولة ويحدد الحقوق والواجبات للمواطنين. في هذه المقالة، سنقوم برحلة شيقة لاستكشاف مفهوم الدستور وأنواعه المختلفة، وكيف يؤثر على حياتنا اليومية.
تتنوّع القوانين في الدول، حيث إنّ كلّ قانون يختصّ بتنظيم شأن معيّن من شؤون الدولة، لكن دائمًا ما يبقى هناك قانون يسمو على جميع القوانين العادية واللوائح والأعراف، وهذا القانون يسمى الدستور، ويعرف الدستور على أنّه: “مجموعة من القواعد التي تحدّد نُظُم الحكم في الدولة، وتبيّن السلطات العامّة فيها كالسلطة التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة”، حيث تختصّ هذا القواعد بتنظيم شؤون الدولة فيما يتعلّق بأعمال السلطات الثلاث، وتنصّ على حقوق الأفراد وحرياتهم، وفي هذا المقال سيتم توضيح مفهوم الدستور، وأنواع الدستور العامّة، وأنواع الدستور من حيث تعديلها، ومبدأ سمو الدستور.
ما هو الدستور
يعود ترجيح أصل كلمة الدستور إلى كونِها كلمة فارسية الأصل، والتي دخلت للغة العربية من خلال اللغة التركية، والتي تعني التكوين أو التأسيس أو النظام، لذا لا بُدّ من معرفة ما هو الدستور، حيث إنّه مُستوحى من مجموعة من القوانين والأنظمة التي تقوم عليها الدُول من أجل العمل على حل مشاكلها، فالدستور هو مجموعة من المبادئ الأساسية والتي تقوم على تنظيم سُلطات الدول وتوضيح حقوق جميع الأفراد فيها دون وجود أي تأثير من المعتقدات الدينية أو الفكرية، فهو مُلخص للطرق والوسائل التي تعمل بها الدولة على حل جميع الأمور المتعلقة بقضاياها الداخلية والخارجية.
بعد معرفة ما هو الدستور لا بُدّ من معرفة من أنّه يُحدد المبادئ والقواعد الأساسية لجميع أشكال الدُول، وكذلك على اختلاف نظام الحُكم فيها، فإن معرفة ما هو الدستور يعمل على تنظيم السلطات العامة وعلاقاتها، وكذلك يعمل على توضيح السلطات والواجبات والحقوق للأفراد والجماعات على اختلاف تكويناتها واختصاصاتها، حيث يشمل الدستور اختصاصات السلطات الثلاثة وهي: السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية، وبعد معرفة ما هو الدستور لا بُدّ من معرفة أن القوانين واللوائح يجب أن تتوافق مع القواعد الواردة في الوثائق الدستورية.
أنواع الدساتير
للدساتير أربعة أنواع رئيسيّة مُقسَّمة إلى قسمَين، وِفق معيارَين رئيسيَّين، وهما:
من حيث المصدر
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى:
الدساتير المُدوَّنة
يُعرف هذا النوع من أنواع الدستور على أنّه: “الدستور الذي يصدر من المشرع الدستوري في أحكامه، ويضمن هذه الأحكام وثيقة مكتوبة أو وثائق متعددة”، وتعدّ الغالبية العظمى لدساتير دول العالم مدونة، كما صدر معظمها في وثيقة كالدستور الأردني والمصري والأمريكي، كما صدر معظمها في عدة وثائق، كما هو الحال في دستور الجمهورية الثالثة الفرنسي لسنة 1875، والذي صدر في ثلاث وثائق، ولكن قد لا تتضمن هذه الدساتير كافة القواعد المتعلقة بممارسة السلطة، لذلك دائمًا ما يكون بجانبها العديد من القوانين والوثائق التي تعدّ مُتمِّمة للوثيقة الدستورية، ومن الأمثلة عليها قوانين المجالس التشريعية وأنظمتها الداخلية.
الدساتير غير المُدوَّنة
يعدّ هذا النوع من أنواع الدستور غيرَ مدوّن، أمّا عن طريقة نشأة هذا الدستور فتعود إلى العادات والتقاليد التي درجت عليها الهيئات الحاكمة في الدولة، وذلك فيما يتعلّق بالمسائل الدستوريّة، وهذا النوع من الدساتير أحكامه وقواعده لم توضع من قبل المشرّع الدستوري، بل من قِبَل العادات والتقاليد التي استمدّت قوة العرف الدستوري، وذلك عن طريق استمرار الهيئات الحاكمة في تطبيقها والسير على مقتضاها والاعتقاد بإلزامها، ممّا أصبحت قواعد أساسية واجبة الاتباع، تلغى أو تعدل بعُرف دستوري مماثل، ومن الأمثلة على هذا النوع من الدساتير الدستور الإنجليزي، والذي يعد الدستور الوحيد غير المدوّن في العصر الحديث.
من حيث إمكانيّة التعديل
تنقسم الدساتير من حيث إمكانيّة التعديل عليها إلى:
الدساتير المَرِنة
يُمكن تعريف الدستور المَرِن على أنّه: الدستور الذي يمكن التعديل عليه، أو إلغاؤه، كحال القوانين العاديّة الصادرة عن السُّلطة التشريعيّة (المجلس النيابيّ)؛ فهي تتيحُ إمكانيّة إجراء التعديلات، والتصحيحات إذا دَعَت الحاجة إلى ذلك، ومثال ذلك الدستور الإنجليزيّ الذي يُعتبَر دستوراً عُرفيّاً (غير مُدوَّن)، وفي الوقت نفسه دستوراً مَرِناً؛ حيث يمكن تعديله بإجراءات تعديل القانون العاديّ نفسها، كما أنّ هناك بعض الدساتير المُدوَّنة (المكتوبة) تتمتَّع بمرونة التعديل عليها، ومثال ذلك: الدستور الفرنسيّ، والإيطاليّ، والسوفيتيّ. وممّا سبق يتبيّن أنّ الدستور المَرِن يتميَّز بعدّة مُميِّزات، أهمّها:
- قد يكون الدستور المَرِن عُرفيّاً، أو مكتوباً؛ وهو بذلك يتلاءم مع الظروف التي يتطوَّر فيها المجتمع.
- قد تُؤدّي المرونة في الدستور إلى إضعاف قُدسيَّته، والتقليل من هيبته عند المُواطِنين، والسُّلطات الحاكمة.
- قد تدفع المرونة في الدستور، وسهولة التعديل عليه السُّلطة التشريعيّة إلى إجراء تعديلات ليست لها ضرورة.
الدساتير الجامدة
يُمكن تعريف الدستور الجامد على أنّه: الدستور الذي لا يُمكن تعديل نصوصه إلّا باتِّباع إجراءات أشدّ صرامة من التي يتمّ اتِّباعها في تعديل أحكام القانون العاديّ الصادر عن السُّلطة التشريعيّة، وتتمثّل مظاهر جمود الدستور بتحريم تعديل نصوصه في فترة مُحدَّدة، أو اشتراط إجراءات مُحدَّدة؛ للتعديل عليه، أو جمود بعض نصوصه بصفة مُطلَقة.
وبذلك قد تكون الدساتير جامدة مُطلَقاً، أو نسبيّاً، ويُقصَد بالجمود المُطلَق للدساتير: أنّ الدستور قابل للتعديل في أيّ وقت، والجمود لا يتعلَّق بالتعديل ذاته، بل بالطريقة التي يتمُّ فيها إجراؤه، أمّا الجمود النسبيّ للدساتيرن فهو يعني: جواز تعديل مختلف أحكام، ونصوص الدستور في أيّ وقت، وِفق الإجراءات التي ينصُّ عليها الدستور. ومن الأمثلة على الدساتير الجامدة المُدوَّنة (المكتوبة) الدستور المصريّ، وعلى الدساتير الجامدة غير المُدوَّنة (العُرفيّة) القوانين الأساسيّة للمملكة الفرنسيّة قَبْل ثورة 1789م. وممّا سبق يتبيّن أنّ الدساتير الجامدة لها عدّة مُميِّزات، من أهمّها:
- الاتِّفاق مع طبيعة القواعد الدستوريّة، ومع مكانتها من الناحية الموضوعيّة.
- إضفاء قَدر من الاستقرار، والثبات على أحكام الدستور؛ ممّا يجعلها بعيدة عن اعتداء المجلس النيابيّ.
أقدم الدساتير
بعد معرفة ما هو الدستور فإنّه لا بُد من معرفة مصادره، حيث إنّ مصادره قد تكون من خلال التشريع الذي يصدر عن سلطات مختصة وفق إجراءاتٍ محددةٍ، أو من خلال الأعراف التي تكون عبارة عن قوانين عامة ولكنها غير مكتوبة بل تكون راسخة في الأفراد، ولو تمّ البحث عن أقدم الدساتير لوُجد أنّ أقدمها هو دستور دولة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- والذي تمّ وضعه في المدينة المنورة في عام 1 هجريًّا.
كما يُمكن إيجاد بعض الدساتير التي تعود إلى عهد حمورابي عام 1750 قبل الميلاد، ولكنها لم تكن كاملة مثل دستور المدينة المنورة، وقد أطلق عليه اسم الصحيفة أو الكتاب وذلك انطلاقًا من تسمية كتاب النبي محمد رسول الله، و بعد معرفة ما هو الدستور حيث يُعدّ هذا المصطلح من المصطلحات المعربة، والتي يقصد بها القواعد الأساسية التي تعمل علة تشكيل الدول، فإن كتاب النبي محمد هو دستور الدولة العربية الإسلامية.
مبدأ سمو الدستور
يتعلق مبدأ سمو الدستور بمضمون وفحوى النصوص والقواعد الدستورية التي توضّح من خلالها كيفية تنظيم ممارسة السلطة في الدولة، أيضًا تحدّد الفلسلفة والأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة.
وبالتالي لا بُدّ من أن يكون نشاطُ الحكام وجميع الهيئات بالدولة محكومًا بتلك القواعد الدستورية؛ لأن خروج الحكام والهيئات عن القواعد الدستورية يعدّ مخالفةً لسند وجود تلك الهيئات، وللأساس القانوني لاختصاصها، وهذا بالتأكيد يعدّ مساسًا بجوهر الدستور وانتهاكًا لسموه الموضوعي أو المادي.
كما يتضمن مبدأ سمو الدستور أن الدستور يعلو على جميع القوانين العادية واللوائح والأنظمة والأعراف، فلا يجوز لأيّة قاعدة قانونية دُنيا أن تخالف أي من القواعد الدستورية، فهذا يعدّ بالتأكيد خرقًا لمبدأ سمو الدستور الواجب التطبيق في الدولة، وأخيرًا من الممكن القول إنّ ما يترتب على هذا المبدأ هو أن الدستور مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، بما في ذلك رئيس الدولة والمجالس البرلمانية والتنفيذية والقضائية.